الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كيف تحج نافلة وأنت قاعد؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أعمال تعوض عن الحج
إلى من فاته موسم الحج
ما يستحب فعله في أيام التشريق

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أعمال تعوض عن الحج

00:00:45

عباد الله: لما أمر الله تعالى إبراهيم بأن يؤذن في الناس بالحج، فأذَّنَ، فدعاهم، فأسمعهم الله -تعالى- صَوتَه، حتى قيل: إنه أسمع للأجنة في بطون أمهاتها، وجاؤوا من كل فج عميق: "لبيك اللهم لبيك"، وكان بناء البيت على التوحيد: أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، وكذلك قام دين الإسلام على هذا التوحيد. وكانت هذه الأضحية، لذكر الله ، وإعلان توحيده.

ومن الناس من يسر الله لهم الحج، ومنهم من قعد، لكن من قعد، له أعمال عظيمة يمكنه أن يقوم بها، تعوض أشياء مما فاتَه، ومنها: التقرب إلى الله ، بفعل الواجبات، وترك المحرمات: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه[1].

فإذا فعلت الواجبات، وتركت المُحرّمات، فهو أفضل من التنفل بالحج، والتنفل بالصدقة، ومن الغُرور والغَفلة: أن بعض الناس لا يبالي في حجه ماذا يرتكب؟ ويكون من قعد على مال حلال أفضل ممن حج بمال حرام؟

إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل طيبة ما كل من حج بيت الله مبرور

ومن الأمور التي تعوض أيضاً: بر الوالدين: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [سورة الإسراء:23]، لينًا طيبًا حسنًا، هذا من جهة القول، ونهى عن القول الذميم: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [سورة الإسراء:23]، فما فوقها، وأمر بالفعل الحسن الجميل: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [سورة الإسراء:24]، ونهى عن الفعل السيء، وكذلك مما يعوض النقص لمن فاته الحج الحرص على الصلاة في وقتها، وقد قال الله : إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [سورة النساء:103]، ومنها كذلك: الإحسان إلى الجار، ثم طاعة الله قبل أن يفوت العمر، فلا تجمع على نفسك فوات الحج وفوات هذا: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۝ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [سورة المؤمنون:99، 100 ]، واغتنم خسمًا قبل خمس[2].

قبل أن يندم المفرط على ما فعل ويسأل الرَّجعة ليعمل صالحًا، فلا يجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمل، وبين بلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء مرتهنًا في حفرته بما قدم من عمل. يا مَن فاته الحج: احرص على التطهر، والتبكير إلى بيت الله -تعالى- في هذه الجمعة العظيمة؛ فإن النبي ﷺ قد قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرناً[3]، فقسم الوقت بين طلوع الشمس، وطلوع الإمام إلى المنبر إلى خمسة أقسام؛ لتعلم متى تبدأ كل ساعة ومتى تنتهي، قال سعيد بن المسيب -رحمه الله: "الجمعة أحب إليّ من حجة، أو عمرة تطوعًا"، يا من فاته الحج: امش في قضاء حوائج المسلمين، فإن في ذلك أجرًا عظيمًا: ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته[4]، يا من فاته: الحج أطعم الجائعين، وتصدق على المساكين، فقد قال ربك في وصف أهل الجنة: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [سورة الإنسان:8].

والنبي ﷺ قال: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام[5]، أعمال يتدارك بها من فاته الحج، أجر الحج من حبسه عذر، ومن كان يتمنى ولا يقدر هنالك أعمال تبلغك المراد، والنبي ﷺ قد قال: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة ونحن في الجيش قد خرجنا للجهاد؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر[6]، قال العلماء: "يبلغ العبد بنيته أجر العامل إذا منعه العذر من العمل".

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر نكابده ومن أقام على عذر كمن راح

إلى من فاته موسم الحج

00:06:46

يا من فاته الحج: احرص على التطهر في بيتك، والتبكير إلى الجماعة فقد قال نبيك ﷺ: من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى صلاة الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر[7]، وفي رواية: من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الجماعة في المسجد غفر الله له ذنوبه[8]، يا من فاته الحج: صل الصبح في جماعة واجلس إلى ارتفاع الشمس، وصل الضحى، فقد قال النبي ﷺ: من صلى الغداة يعني الفجر: في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة[9]، وكان من هديه ﷺ: أن يفعل ذلك. يا من فاته الحج: احرص على دروس العلم في المساجد تعلمًا وتعليمًا، فقد قال ﷺ: من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه،كان له كأجر حاج تامًا حجته[10]. ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة[11]. 

يا من فاته الحج: عمرة في رمضان تعدل حجة، فعن ابن عباس لما رجع النبي ﷺ من حجته، قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك من الحج؟ قالت: أبو فلان، تعني زوجها كان له ناضحان الإبل المستخدمة في السقي حج على أحدهما والآخر يسقي أرضًا لنا، يعني لا يمكن أن أحج عليه قال لها عليه الصلاة والسلام مواسيًا: فإن عمر ة في رمضان تقضي يعني: تعدل حجة[12]، وفي رواية: حجة معي[13]، يا مَن فاتَه الحج: أين أنت من الأذكار في دبر الصلوات المكتوبات؟ فعن أبي هريرة: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا: "ذهب أهل الدثور أي الأموال الكثيرة بالدرجات العلى والنعيم المقيم؟" قال: وما ذاك؟ قالوا: "يصلون كما نصلي عبادة يستوي فيها الغني والفقير، ويصومون كما نصوم، عبادة يعملها الغني والفقير، قالوا: ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق"، وفي رواية للبخاري: "ولهم فضول من أموال يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون" فقال رسول الله ﷺ: أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتم؟ قالوا: "بلى يا رسول الله" قال: تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله ﷺ فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله ﷺ: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء[14]. 

وقد ذكر بعض أهل العلم: أن سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، ثلاثًا وثلاثين، عدًا بالأصابع، والحمد لله، والحمد لله، الحمدلله، ثلاثًا وثلاثين، عدًا بالأصابع، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثلاثًا وثلاثين، عدًا بالأصابع، أفضل من: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثًا وثلاثين، عدًا بالأصابع من أي وجه، والكلمات واحدة، قالوا: لأن استعمال الأصابع في الحالة الأولى تسعة وتسعين مرة، واستعمال الأصابع في الحالة الثانية ثلاثًا وثلاثين مرة، والأصابع تشهد لك يوم القيامة، لحديث: واعقدن بالأنامل، فإنهن مسئولات مستنطقات[15].

ما يستحب فعله في أيام التشريق

00:11:59

عباد الله: أمر الله بذكره في الأيام المعلومات، وقد مضت، وهي العشر، وأمر بذكره أيضاً في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق، التي نحن فيها، أفضل أيام التشريق يومنا هذا الذي نحن فيه الآن، يوم القر، الحادي عشر من ذي الحجة. وفي هذه الأيام لا يزال اجتماع التكبير المطلق مع التكبير المقيد، على الأصح من أقوال أهل العلم: "إن التكبير المطلق في كل وقت وحين، والتكبير المقيد أدبار الصلوات بعد قول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، ما شاء الله له أن يقول، ثم يرجع إلى الأذكار المعتادة من التسبيح والتحميد والتكبير، وتمام المائة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" أدبار الصلوات في الأيام المعدودات، أيام التشريق، وآخر ما يفعل بعد صلاة عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله[16]. وفي قوله: أيام أكل إيعاز وإشارة إلى الاستعانة بالطعام والشراب على ذكر الله: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ففيها: الاستعانة بالطعام والشراب على ذكر الله.

وكذلك: فإن أيام التشريق أيام ذبح كلها، حتى الأضاحي يمكن لمن لم يضح، ووجد أضحية في الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر، قبل المغرب أن يضحي، أضحيته صحيحة، وله أجرها عند رب العالمين. وتصح التضحية ليلاً كما تصح نهارًا.

وأيام التشريق لا يجوز صيامهن؛ لأنها تبع للعيد لا يصمن، ولذلك من أراد أن يصوم أيام البيض في ذي الحجة على ما اعتاده، أو عرفة في الأشهر الأخرى، فإنه لا يصوم الثالث عشر، للنهي الوارد عن صيام أيام التشريق.

وأيام التشريق لا يجوز صيامهن؛ لأنها تبع للعيد لا يصمن، ولذلك من أراد أن يصوم أيام البيض في ذي الحجة على ما اعتاده، أو عرفة في الأشهر الأخرى، فإنه لا يصوم الثالث عشر، للنهي الوارد عن صيام أيام التشريق، ولكن يصوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر مثلاً، إن أراد.
إنها عبادة عظيمة، قد خرجنا من الأيام المعلومات إلى الأيام المعدودات، والجامع المشترك: أن ذكر الله لا زال قائمًا ومأمورًا به، وهو من أعظم أعمال الدين، فإنه لا يتقيد بحال معينة، أو وقت معين، أو عدد معين، أو مكان معين، كبقية العبادات، فالصلاة تتقيد، والصيام يتقيد، والحج يتقيد، وذكر الله لا يتقيد: يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [سورة آل عمران:191]. بلا عدد معين في أي حال، في أي وقت، في أي مكان، فهذه العبادة العظيمة ذكر الله.
اللهم اجعلنا من الذاكرين كثيرًا، والشاكرين، والتائبين لك يا رب العالمين، اعتق رقابنا من النار، وتب علينا يا تواب يا غفار، اغفر ذنوبنا، وتولَّ أمرنا، واغسل حوبتنا، وثقل موازيننا.
اللهم إنا نسألك أن تبيض وجوهنا يوم العرض عليك، لا تخزنا يوم يبعثون، واجعلنا ممن يأتيك بقلب سليم. أخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، واعتق رقابنا من النار، يا غفار، اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
اللهم واكشف الغمة عن أمة محمد ﷺ، وعجل فرجها يا رب العالمين. اجعل بلاد المسلمين آمنة بذكرك، عامرة بشرعك، مطمئنة بدينك إنك على كل شيء قدير.
اللهم من أراد بلدنا وبلاد المسلمين بسوء، فابطش به، واقطع دابره، وامكر به، واجعل كيده في نحره. آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الصافات:108- 182].

  1. ^ رواه البخاري: (6502).
  2. ^  رواه النسائي: (11832)، والحاكم في المستدرك: (7846)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (3355).
  3. ^ رواه البخاري: (881)، ومسلم: (850).
  4. ^ رواه البخاري: (2442)، ومسلم: (2580).
  5. ^ رواه ابن ماجه: (1334)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: (2630).
  6. ^  رواه البخاري: (4423).
  7. ^  رواه أبو داود: (558)، وهو حديث حسن، حسنه الألباني في صحيح أبي داود: (567).
  8. ^  رواه مسلم: (232).
  9. ^ رواه الترمذي: (586)، وحسنه بعض أهل العلم، حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (464).
  10. ^ رواه الطبراني: (7489)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (86).
  11. ^ رواه البخاري: (67).
  12. ^ رواه مسلم: (1256).
  13. ^ رواه البخاري: (1863).
  14. ^  رواه مسلم: (595).
  15. ^  رواه أحمد: (27089)، والترمذي (3486)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (2835).
  16. ^  رواه أحمد: (20722)، وهو في صحيح الجامع: (2689)، وأصله في مسلم: (2733).