الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

71- الإسقاط النجمي في ميزان الشريعة


عناصر المادة
أبرز معالم الإنحراف في مصطلح العقل الباطن
مفهوم الإسقاط النَّجمي
الإسقاط النجمي وقضية حلول الأرواح وتناسخها
من أين جاءت المعتقدات الطَّاوية
حقيقة الجسم الأثيري وتعدد الأجسام
حقيقة الجسد والجسم الأثيري في الشَّرع
الشكرات من عقائد الوثنية الشرقية
إدِّعاء صنع المعجزات
لماذا كان الإسقاط النَّجمي كفرٌ وزندقةٌ
الدَّورات التي نُحذِّر منها، ولماذا
من أبرز انحرافات الإسقاط النَّجمي
ما هي انحرافات فسلفة السيوصوفيا
خرافات: الذاكرة الكونية، وحكم إعطاء العقل الكوني القدرةَ المطلقة
من انحرافات الإسقاط النَّجمي: القولُ بوحدة الوجود
مناقشة إستدلالتهم على الإسقاط النجمي

الحمد لله  رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

أبرز معالم الإنحراف في مصطلح العقل الباطن

00:00:14

فقد تحدَّثنا في الدَّرس الماضي عن أبرز الانحرافات الموجودة في مصطلح العقل الباطن بمفهومها الفلسفي، وذكرنا أنَّ من انحرافاتهم فيه: زعمهم أنَّه يجلب الصِّحة والشِّفاء، وأنَّه عن طريقه وبأوراد خاصَّة وتمارين يشفي الأمراض، وأنَّه يجلب الغنى والثَّراء ويهب السَّعادة، وتكملَّنا عن وهب الوهم كدوراتٍ في القراءة التَّصويرية أو الضَّوئية أو ما يسمى بالقراءة بكامل العقل، وذكرنا أنَّ من الانحرافات العظيمة: إقحام العقل الباطن بخرافاته في العبادات والدَّعوات ومحاولة أسلمته لترويجه بدوراته وتطبيقاته، وقد وصل الأمر إلى أنَّ بعضهم زعم بأنَّ النَّبيﷺ لم ينجح في دعوة بعض الأشخاص مثل أبي جهل وغيره؛ أنَّه لم يخاطب عقولهم الباطنة، ولو أنَّه خاطب عقلهم الباطن لكان نجح في دعوتهم، وهذا اتِّهامٌ خطيرٌ للنَّبي ﷺ بالفشل في الدَّعوة، وأنَّ عند هؤلاء القوم الذين يؤلِّهون العقل الباطن طرقاً لم يعرفها النَّبي ﷺ، وأنَّ هناك طرقٌ للهداية والدَّعوة فاتت عليه، وهذا في الحقيقة اتِّهامٌ خطيرٌ جداً، بل انحراف خطيرٌ جداً، ومن الذي يملك أموراً في الدَّعوة لا يعرفها النَّبي ﷺ خفية يزعمون؟ والله عالمُ الخفيات، ولو كان في هذه الطَّريقة خيراً لبيَّنها لنبيِّه ﷺ ولأعلمه بها.
وذكرنا: أنَّ من النَّتائج الخطيرة لهذه النَّظرية: الاعتقادات الشَّركية: كاعتقاد أنَّ العقل الباطن يُدبِّر الكون، ومعارضة الإيمان بالقضاء والقدر والاعتقاد في غير الله بصفات لا تكون إلَّا لله، وارتباط عقيدة العقل الباطن بوحدة الوجود، وتهميش جانب العبودية والاستغناء عن الله وعن دعائه.

مفهوم الإسقاط النَّجمي

00:02:23

ونتحدث في هذه الليلة بمشيئة الله تعالى عمَّا يُسمى: الإسقاط النَّجمي ومفهومه، وكذلك مفهوم الخروج من الجسد، أو الطَّرح الرُّوحي:
أولاً: نتعرَّف على المقصود بهذا المصطلح لديهم: الإسقاط النَّجمي، أو الخروج من الجسد، أو الإسقاط الكوكبي أو الأثيري أو الشَّفاف أو الخفي، يقولون: عمليةٌ ترتكز على الاعتقاد بجسمٍ نجميٍّ أو أثيريٍّ غير الجسم المادي للإنسان، وبعالمٍ أثيريٍّ يتجوَّل فيه هذا الجسم، ويتحرَّر فيه من قيود المادة، فإذاً يفترضون وجود جسم ثاني للإنسان إشعاعي، والإسقاط النجمي: عبارةٌ عن خروج هذا الجسد الإشعاعي وانفصاله عن الجسد المادي، وأنَّ هذا يحصل بزعمهم في ظروفٍ معينةٍ أهمها: أن يبلغ الإنسان حالةً بين الوعي والغفوة، وعندما يخرج هذا الجسد الأثيري يصحبه الوعي، ويرافق هذا الجسد العقل إلى عالمِ الأثير وعالم الأحلام، ويظلُّ هذا الجسم الأثيري مرتبطاً بالجسم المادي من خلال حبل طويل يسمُّونه: الحبل الأثيري، ويحصل الخروج من الجسد بزعمهم أيضاً في حال النَّوم أحياناً، أو في حال الاسترخاء الشَّديد مع بقاء العقل بكامل وعيه، والخروج عندهم خروجٌ حقيقيٌّ ليس من نوع التَّأمَّل، يعني: ليس المقصود أنَّك أنت تخرج بخيالك أو تخرج بفكرك لا، خروجٌ حقيقيٌّ وليس من الإيحاء، ويمكن للجسم النَّجمي في اعتقادهم أن يتجوَّل في العالم المادي، فيسمع ويرى ما يحدث في أيِّ مكانٍ أو في العالم النَّجمي أو الأثيري، وهنا تأتينا قضية ما يوجد في بعض الدَّورات من الكذب والخرافة: من أنَّه يمكن إرسال الشَّخص إلى الماضي أو إلى المستقبل، يقولون في الدَّورة: أنَّه ممكن من خلال ما ندرسه أو ما ندرِّب عليه أنَّك ترجع إلى الماضي أو تذهب إلى المستقبل، هذا موجودٌ في بعض مجلَّات الخيال العلمي وبعض الأفلام، فحتى الكفَّار ليس عندهم ضوابطٌ شرعيةٌ فهم ينسجون في عالم الأفلام والقصص خيالاتٍ كثيرة، لكن المشكلة أنَّ تتسلُّل هذه الأشياء إلى المسلمين عبر دورات تطوير الذَّات أو التَّنمية البشرية، وتدرَّس ويعلن عنها، ويدخل النَّاس فيها ويدفعون مالاً للانحراف عن عقيدتهم وتروج عليهم أفكارٌ كفريةٌ وشركيةٌ! إذا اعتقدت أنَّه يمكن إرسال الشَّخص للمستقبل فيعني: أنَّه سيعلم الغيب ويعرف ماذا يحصل ويرجع معناها، إذاً فهذا كفرٌ صريحٌ ومن اعتقده يكفر كفراً صريحاً، فلا يعلم الغيب إلَّا الله.

الإسقاط النجمي وقضية حلول الأرواح وتناسخها

00:05:39

ويرى بعضهم أنَّه انعكاس للواقع وممزوجٌ بالأفكار، وأنَّه يمكن الالتقاء بالأنفس الأخرى المتجوِّلة، لاحظ الآن: ممكن تشتبك معنا المسألة في قضية حلول الأرواح وتناسخ الأرواح؛ لأنَّه الآن ممكن هذا الالتقاء له صفاتٌ وأشكالٌ كثيرةٌ، فهو ممكن إلتقاء روحٍ بأرواح، ولو قال قائل: إنَّه يحصل مثلاً في عالم البرزخ، لكن هذا بعد الموت، وقد يقول بعضهم: إنَّه يمكن أن يحصل في المنامات لكن هذه المنامات موتةٌ صغرى، وما يكون فيها بأمر الله ، وقد يُري الله الإنسانَ في المنام أشياءً ستحدث، لكن هذا شيءٌ بأمر الله، والمنامات أيضاً ظنَّيِّةٌ ونحن لا نستطيع أن نجزم، فأنت الآن لو رأيت في المنام أنَّه سيحدث كذا هل هذا سيحدث فعلاً؟ لا، قد تكون أضغاثُ أحلامٍ وقد تكون حديثُ النَّفس، أنت تُحدِّث نفسك بشيءٍ مثلاً: تحدِّث نفسك بالزَّواج، فرأيت نفسك في المنام أنَّك تزوَّجت رُبَّما تزوَّجت فلانة الفلانية في المنام، ممكنٌ لكن: هل تستطيع أن تجزم لنفسك أنَّ هذا سيحدث؟ لا، ممكن يكون حديثُ نفسٍ وممكن تكون أضغاثُ أحلامٍ وممكن يكون من الشَّيطان، وقد يكون من الله رؤيا حقٌّ، لكنَّك لا تستطيع أن تجزم بذلك، فهؤلاء القوم يقولون ليست فقط المسألة ظنون لا، نحن نُرسل جسدك الأُثيري هذا للمستقبل، وبدوره يعرف ماذا يحصل، ولذلك يوجد في بعض كلامهم الجزم أنَّ نحن نستطيع أن نعرف أو نعرفك  الشَّيء الفلاني مثلاً في المستقبل، يقول أحدهم في وصف البُعد الأثيري: هذا البعد يلتقط أفكاراً وأحلاماً وذكريات وتقليعات كُلِّ كائنٍ حيٍّ على وجه الأرض، ويحوِّلها إلى حقائقٍ وكائناتٍ، وعند التَّتبع نجد أن هذا المعتقد نابعٌ في الأصل من فلسفة اليوغا الهندوسية، وأنَّه موجودٌ في بعض الدَّيانات المصرية القديمة.

من أين جاءت المعتقدات الطَّاوية

00:08:24

والمعتقدات الطَّاوية هي من البوذية والأديان الصِّينية، ويدَّعيها أحياناً أهل التَّصوف وأصحاب الخطوة، فتجد بعض المتصوِّفية يزعمون الانتقال من أماكن إلى أماكن بعيدة في أوقات قصيرة، وأنَّ بعض الأولياء –كما يزعمون- يُشاهَدون في مكانين في وقتٍ واحدٍ، ويرون إمكانية تحصيل هذه القدرة الخارقة بفعل رياضات متقدِّمة وتدريبات دقيقة، وقد جاء في بعض كتب التَّراجم عن أحد شيوخ المتصوِّفة يُسمى محمد علي الحباك أنَّه قال لخادمه يوماً وقت القيلولة وهو بمصر بالقرافة: نريد أن نُصلِّي العصر في مكة بشرط أن تكتم ذلك عليّ حتى أموت، فقال: نعم، قال الخادم: فأخذ الشَّيخ بيدي، وقال غمِّض عينيك فغمضتها فرمل في نحو سبع وعشرين خطوةً، ثُمَّ قال: افتح عينيك، فإذا نحن بباب المعلى، أي صاروا في مكة، فزرنا أمَّنا خديجة والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، طبعاً هذه قبور الصَّحابة والصَّالحين بمكة وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم وجلسنا خلف المقام حتى صلَّينا العصر وطفنا وشربنا ماء زمزم، هذا من بعض ضلالات الصُّوفية، وجاء في ترجمة بعض المتصوِّفة: عبد القادر الدَّشتطوطي: أنَّ رجلين من أصحابه حلَفَ كُلُّ واحدٍ منهما أنَّه بات عنده ليلة كذا، ورفع السُّؤال إلى بعض المتفقِّهة، فما الحل؟ الآن هذا حلف أنَّ الشَّيخ بات عنده في بغداد والآخر حلف أنَّ الشَّيخ بات عنده في اليمن، فأفتاه فقال: لا يحنث، أن لا تلزم أحدهما كفارة؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ يخبر بما يعتقده، ثُمَّ ردَّ ذلك إلى تطوُّر الولي، هذه أي أنَّ الولي يستطيع أن يُوجد في مكانين في وقتٍ واحدٍ، بالمناسبة: مسألة ادِّعاء هؤلاء أصحاب الضَّلالات والانحرافات من الصَّوفية أنَّه راح إلى مكة فيمكن أن يكون كذاباً أي أنَّه يدَّعي ذلك، ويمكن أن يكون صادقاً، لكن كما قال شيخ الإسلام: أنَّه بتعاونهم مع الشَّياطين، حيث أنَّ الشَّياطين يأخذونهم، والجن عندهم قدرةٌ: قال: أَنَا آتِيكَ بِهِ يعني: عرش بلقيس من اليمن إلى الشَّام حيث كان سليمان قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ [النمل: 39].، فالذي يستطيع أن ينقل عرشاً من اليمن إلى الشَّام قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ أي: جلسة القضاء هذه قبل أن تنهيها فسيكون العرش عندك، يستطيع أن ينقل شخصاً من بغداد إلى مكة، فالشَّيطان يفعل هذا، والجنُّ عندهم قوى وقدراتٌ في الطَّيران والنَّفاذ والاختراق والسَّرعة، لكن لا يقومون بهذا إلَّا لمن يطيعهم ويذبح لهم من دون الله، يقول له: اذبح لي واذكر اسمي عند الذَّبح، واعمل كذا واستغث بي واسجد لي، يعني: الشَّياطين لا تفعل مجاناً دون مقابل، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن أنَّه يقع له هذا بالتَّعاون مع الشَّياطين، قال: "ومِن منكراتهم أنَّهم يمرون بالميقات ولا يحرمون منه. [قاعدة جليلة: 2/47].
على أيَّة حال: يوجد جزءٌ مما يقوله أصحاب الإسقاط النَّجمي عند بعض الصُّوفية، وهذا حصوله وارد لكن غير قضية الإرسال للمستقبل إلَّا إذا ادَّعاه بعض الصُّوفية، قال: أنا أرجع للماضي وأذهب إلى المستقبل فيصيروا هم وأصحاب الإسقاط النَّجمي قد اشتركوا في الموضوع، لكن نحن نعلم طبعًا أنَّه لا يمكن حتى الشَّيطان إبليس نفسه لا يستطيع أن يذهب إلى المستقبل ولا يستطيع أن يعلم المستقبل:  قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ  [النمل:65]. فتوجد للإسقاط النَّجمي دوراتٌ تدفع مالاً إذا أردت أن تشترك، ويعلن عنها باسم تطوير الذَّات.

حقيقة الجسم الأثيري وتعدد الأجسام

00:13:24

حقيقة الجسم الأثيري مبنيٌّ على نظريةٍ قديمة، تفترض وجود مادة الأثير: وهي مادةٌ مطلقةٌ قويةٌ غير مرئيةٍ، تملأ الفراغ في الكون سماه أرسطو: بعنصر الخامس، وعدَّها عنصراً سامياً شريفاً ثابتاً، غير قابل للتَّغيير والفساد، وقد أثبت العلم الحديث عدم وجود هذا الأثير، ولكن الفلسفات القديمة بقيت متعلِّقة به، ويوجد فيها العناصر الخمسة والأربعة والجسم الأثيري -مما تروَّج له حديثاً- التَّطبيقات الاستشفائية والتَّدريبية المستمدة من الفلسفة الشَّرقية، فعندنا في عالم الدَّورات بلاءٌ عظيمٌ، وهو الأخذ من الدِّيانات الشَّرقية الهندوسية والبوذية، ديانات الصِّين والهند، ومعروفٌ أنَّ بعض شركيات التَّصوف لها علاقة بالهنادكة، هذه الشِّركيات أو العقائد الهندية والصِّينية تقول بتعدد أجساد الإنسان: أنَّ الإنسان له عدة أجساد، فالآن نحن المسلمين نقول له جسدٌ واحدٌ وروحٌ، وأنَّ الرُّوح في الجسد وليس عندنا غير هذا، وأولئك يقولون: له عدة أجساد، لكن اختلفوا كم عددهم؟ فبعضهم يقول مثلاً: أربعة أو خمسة أو ستة إلى آخره، ويسمُّونها الأبعاد أو الطَّاقات، وهذا القول حقيقته بعث لفلسفة الأجساد السَّبعة المعروفة في الأديان الشَّرقية، ومفادها أنَّ الإنسان يتكوَّن من عدة أجساد، لكن كما قلنا اختلفوا فيها، اختلفوا هي من خمسة إلى تسعة بحسب وجهات نظرات فلسفية تتعلَّق باعتقادهم في ألوهية الكواكب أو المؤثرات الخارجية، والمتَّفق عليه عندهم: الجسم البدني أو الأرضي، والجسم العاطفي، والجسم العقلي، والجسم الحيوي، والجسم الأثيري، وموضوع الإسقاط النَّجمي مرتبطٌ بما يزعمونه بهذا الخامس: الجسم الأثيري أو الجسم البدني: هو الذي نقول به نحن أهل الإسلام، وهو الظَّاهر الذي نتعامل معه، والجسم الأثيري عندهم أهم الأجساد وأساس حياتها ومنبع صحة الإنسان وسعادته.

حقيقة الجسد والجسم الأثيري في الشَّرع

00:15:42

والقول بالجسم الأثيري شرعًا هو قول على الله بلا علم؛ فإنَّ الله خلق الإنسان وأخبرنا مما خلقه بالتَّفصيل وعن مراحل خلق الإنسان، فأخبرنا أنَّه خلقه من تراب وطين لازب وصلصال من حمإ مسنون، ولما صار جسدًا وأجوف وجعل الشَّيطان يطيف به، ثُّم نفخ الله فيه الرَّوح فمارت في جسده وطارت، فعطس آدم فقال: الحمد لله فقالت الملائكة: قال له ربه: يرحمك الله يا آدم، القصة والتَّفاصيل في الكتاب والسُّنَّة معروفةٌ، فهذا جسدٌ وهذا روح واحد، فالقول: إنَّ الإنسان له خمسة أجساد وأنَّ عنده الجسد الأثيري قول على الله بلا علمٍ، والله ذكَرَ لنا تفاصيل خلق الجسد، وذكر لنا الرُّوح وقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85].
والجسم الأثيري هذا لا ذكر له لا في الكتاب ولا في السُّنَّة، فهو قولٌ على الله بلا علمٍ، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ[يونس:69].
وقد نهي الله تعالى عن القول بلا علم: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36].

قال قتادة: "لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع وعلمت ولم تعلم فإنَّ الله سائلك عن ذلك كُلِّه". [تفسير الطبري: 17/446].
فكيف إذاً بمن يقول بالوهم والخيال؟ وكيف بمن يقول استمداداً من ديانات الشَّرقيين الكفرية؟ فهذا الجسم الأثيري من ظنونهم وخيالاتهم فليس له وجود في الحقيقة إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم: 23].

الشكرات من عقائد الوثنية الشرقية

00:17:29

تقول إحدى المدرِّبات مها هاشم -وهي ممن يروِّج لموضوع الخروج من الجسد ولها دوراتٌ- في وصفها للخطوات العلمية للخروج من الجسد بالنَّص: ترنيمة تستخدم طاقة الحرف في التَّأثير على الشكرات، فالشكرات هذه من عقائد الوثنية الشَّرقية المعروفة وذكرناها في موضوع الطَّاقة لتساعد الشَّخص على تذكُّر واسترجاع الأعلام: وهي شكرةُ العين الثَّالثة وشكرة التَّاج: وهي ترنيمة تقال عقلياً، يعني: غير منطوقةٍ يقولها الشَّخص فتزيد قدرته على تذكُّر الأحلام، والتَّرنيمة تكون نطق حرف الميم عقلياً بشكلٍ متصلٍ وكالصَّدأ، انظر الشَّعوذة الخرافة كيف تُعلَّم في الدَّورات، والتي يظنُّ من يدخلها أنَّه يطوِّر ذاته، وهو يُطيِّر دينه وعقيدته، تقول: وكالصَّدأ تبدأ عادية وتتدرج في الخفوت إلى أن تنتهي منها تعيدها عدة مرَّات للتَّأثير على الشُّكرات العلوية، فما هي الشُّكرات؟ وما هي العين الثَّالثة؟ وما هي طاقةُ الحرف؟
لاحظوا: كُلُّها خرافاتٌ وأوهامٌ ومعتقداتٌ مأخوذةٌ من الطُّقوس الوثنية، فمثلاً: كلمة التَّرنيمة التي تُسمى عندهم: المانترا: هي بزعمهم المفتاح السِّرِّي للطَّاقة اللا محدودة للشُّكرات، وهي السِّرِّ لتحصيل القوة الخارقة، والطَّاقة الكونية المؤثِّرة في معتقدهم الفاسد بحسب معتقدهم الفاسد، وهذا مثال على رغبتهم، فهم يقولون: أنت ربٌّ وأنت خالقٌ يا أيُّها الإنسان، ومتصرِّفٌ في الكون، لماذا؟

انظر هذه المانترا التي يرمزون إليها بحرف الميم التي ذكروها، ومنها النُّطق، فإذا اطَّلعت لرأيت وسمعت في الدَّورات عجباً، ويمكن لا تسمعه من الكاهن أو العرَّاف أو ممن يتعامل مع الشَّياطين، فالتَّمتمات هذه موجودةٌ في بعض الدَّورات، تمتمات مثل تمتمات العرَّافين والمشعوذين والذين يتعاملون مع الشَّياطين، اسمع المانترا يذكرون في الأشياء التي تُقال: أوم أوم أوم كرِّر كلمة أوم، ففي الدِّيانات الشَّرقية: هو الاسم الدَّال على الثَّالوث المقدَّس، فما هو الثَّالوث المقدَّس عندهم؟ الخالق الهادم الحافظ، ويُعدُّ ترديده سراً قوياً في تحصيل القوة الخارقة والطَّاقة الكونية، تقول مريم نور -أحد رؤوس الباطنية المعاصرة ومن المشركين بالله تعالى- بالنص: كلمةٌ واحدةٌ فقط تقوم بتكرارها وتكرارها بحيث تتركَّز طاقةُ العقل كُلُّها في هذه الكلمة وحدها، عندها تتحوَّل هذه الكلمة إلى عدسةٍ تجمع كُلَّ الطَّاقة الموجودة في عقلك، مما يجعلك قوياً ومؤثراً، حتى أنَّك تستطيع عمل المعحزات فقط بالتَّفكير.

إدِّعاء صنع المعجزات

00:21:00

نحن نعرف أنَّ المعجزات للأنبياء، أليس كذلك؟ وأنَّ الله يؤيِّدهم بها، وهؤلاء يقولون: أنَّ المعجزات ليست مقتصرةٌ على الأنبياء؛ بل هم يصنعون معجزاتٍ، ويقولون: إنَّما العملية تُدرَّيب تدريباً وألفاظاً وأشياء تعلَّم، وتركيز وأغماض العينيين واسترخاي وخيالات، ويقولون: ركِّز وستأتيك وتخلق وتجذب وتعمل، وتأتي بالسَّعادة والصِّحة والشِّفاء والثَّروة، فأنت مدبِّر وخالقٌ، فأنت شريكٌ مع الله في الكون، تقول مريم نور: حتى أنَّك تستطيع عمل المعجزات فقط بالتَّفكير إذا كنت ممن يتقنون المانترا، فإنَّك تستطيع أن تقول للشَّجرة فلتموتي فإنَّها ستموت، كما يمكنك أن تقول لأحد الأشخاص: كن معافاً فإنَّه سيتعافى من المرض، لاحظ: فهذه كن لمن يا أيُّها الإخوة؟ لله إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
وهؤلاء يقولون: أنَّك تخلق بالكلمة وتقول كن فيكون، ركِّز معنا في المانترا وفي الدَّورات والطَّاقة وفي قانون الجذب والإسقاط النَّجمي، ركِّز معنا نُعلِّمك في الدَّورات كيف تخلق وتميت وتشفي، تقول مريم نور: كما يمكنك أن تقول لأحد الأشخاص كن معافاً فإنَّه سيتعافى من المرض، وإذا قلت لأحدهم: كن مريضاً فإنَّه سيصاب بالمرض، فهذه دعوى الرُّبوبية؛ من الذي يُمرِض ويشفي؟ ومن الذي يخلق بالكلمة كن؟ الله، فإذا قلت أنت أو المدرِّب والذي في هذا يستطيع أن يفعل، فما معناها؟ معناها ادَّعيت له صفة الرُّبوبية، وهذا هو الكفر الصَّريح واضحٌ جداً وليس هناك ي أوضح منه، وهذا في كلام ستة أيام في بيت السَّلام لمريم نور صفحة84.
قال الله هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[غافر: 68]. وقال بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: 117].
وقال في الآية الثَّالثة: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  [النحل: 40].
ابن تيمية رحمه الله من إطِّلاعه على المذاهب -سبحان الله- فقد تكلَّم عن شيءٍ قريبٍ من المانترا، فانظر لسعة إطِّلاع شيخ الإسلام حيث يقول: "ومن هؤلاء من يكون شركه بالشَّياطين: كأصحاب الأحوال الشَّيطانية، فيفعلون: ما تحبُّه الشَّياطين من الكذب والفجور أو يدعونه بأدعية تحبها الشَّياطين ويعزِّمون بالعزائم التي تطيعها الشَّياطين مما فيه إشراكٌ بالله، وهؤلاء قد يحصل له من الخوارق ما يظنُّ أنَّها من كرامات الأولياء؛ وإنَّما هو من أحوال السَّحرة والكُهَّان، ولهذا يجب الفرق بين الأحوال الإيمانية القرآنية والأحوال النَّفسانية والأحوال الشَّيطانية". [مجموع الفتاوى: 10/278]. فتاوى شيخ الإسلام 5/248.

لماذا كان الإسقاط النَّجمي كفرٌ وزندقةٌ

00:24:21

إنَّ الاعتقاد أيُّها الإخوة والأخوات: بالجسم الأثيري والشكرات والمانترا بوابة للكفر والإلحاد، والاعتقاد بهذه الأشياء لا يكون إلَّا ممن يجهل أصول الإيمان وحقائق التَّوحيد وصفات الخالق وضعف المخلوق، فأصل هذه المعتقدات مأخوذٌ من التُّراث المنقول في الدِّيانات الوثنية الشَّرقية والمعتقدات السِّرية الباطنية، وكُلُّ تطبيقاتها العلاجية الحديثة تدعو إلى تطوير قوى هذا الجسد؛ لتنمية الجنس البشري ليرتقي حتى  يكون إلهاً، بحيث يصبح بإمكان الإنسان في المستقبل فعل ما يُعدُّ خارقاً، كأن يصبح صاحب لمسة علاجية، فهل تعرف ماذا يعني صاحب لمسةٍ علاجيةٍ؟ يعني إذا لمس شخصاً مريضاً يبرأ باللَّمسة! فهذه المعجزة لمن آتاها الله؟ لعيسى : وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران: 49].
وهؤلاء يريدون القول إنَّه يحدثونها بالإسقاط النَّجمي والتَّأثير عن بعد والجذب ونحو ذلك، وبالتَّالي لا يحتاج الإنسان إلى الله عندهم؟ أنت لا تحتاج إلى الشَّافي؛ لأنَّك تستطيع أن تفشي بكلمة كن وباللَّمسة، ولذلك واضحٌ أنَّ مؤدَّى هذه الأشياء التي تُعرض في الدَّورات إلى الخروج عن الملة وإلى كفرٍ عظيمٍ بالله، ومن ثُمَّ لا يحتاج إلى أيِّ مصدرٍ خارجٍ عن نفسه، ويستغني عن فكرة الدِّين وعن معتقد الأُلوهية، نعوذ بالله من الضَّلال.
ويزعم هؤلاء أنَّه يمكن السَّفر بالجسد النَّجمي أو الخروج من الجسد إلى الأماكن المعلومة أو المجهولة على حدٍ سواءٍ للحصول على معرفة أعلى ووعيٍ، فالنَّاس لما تسمع كلمةً في الدَّورة: أحصل على معرفة أعلى، فكُلُّ واحدٍ يريد أن يحصل على معرفة أعلى، أحصل على علمٍ أو وعيٍ لكن أيُّ وعيٍ يريدون وبأيِّ طريقةٍ ويزعمون؟ أنَّ الجسد النَّجمي أو الأثيري يستطيع النَّفاذ والعبور من خلال كُلِّ المواد المختلفة والعناصر: كالأرض والماء والنَّار والرِّياح والأثير إلى آخره، وأنَّه يتنقَّل إلى الأبعاد الأخرى: الماضي والمستقبل، ويقولون إنَّه يُعطي معرفةً لا محدودة، ويعلِّم المتأمَّل أنَّه غير محدود بهذا الجسد المادي، ويفهم البعد الجديد للحياة، ويؤدِّي في النِّهاية إلى الحصول على الحكمة، وهذه تؤكِّد للمتأمَّل في النِّهاية عندهم أنَّه ليس هناك موتٌ؛ وإنَّما نحن كائناتٌ أبدية، والله تعالى قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[آل عمران: 185].

وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ  [الزمر: 30]، وقال: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء: 78]. وهم يقولون نحن كائناتٌ أبديةٌ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88]. كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن: 26].
فالذي يوجد عند هذه المبادئ التي تُدرَّس في بعض الدَّورات مصادمٌ لنصوص القرآن الصريحة، فالإسقاط النَّجمي ذريعةٌ للزَّندقة والتَّحلل من الشَّريعة، حيث يستغنون بالأجساد الأثيرية والاتصال بعالم الأثير المزعوم وبالاتصال بأرواح الأحياء والأموات، ويتلقَّون منهم الأوامر والنَّواهي والوصايا حتى لو كانت مخالفةً للوحي الإلهي، ثُمَّ إنَّ دعوى القُدرة على الخروج من الجسد والتَّجوُّل في أرجاء العالم المشهود وغير المشهود معناها أنَّك تطِّلع على الغيب، والله قال: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ۝ كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا [مريم: 79].
فلسفاتٌ ودياناتٌ شرقيةٌ وباطنيةٌ خطرٌ عظيمٌ يتهدِّد عقائد المسلمين، يدخل اليوم عن طريق ما يُسمى بتطوير الذَّات.

الدَّورات التي نُحذِّر منها، ولماذا

00:28:54

وسبق أن ذكرنا ونعيد ونكرِّر: أنَّ هناك دوراتٌ مفيدةٌ نافعةٌ للغاية: كالدَّورات الشَّرعية، والدَّورات الإدارية واتخاذ القرار وإدارات المشاريع الاحترافية البي أم بي، ودورات الإلقاء، ودورات في التَّعامل الاجتماعي والتَّواصل، ودورات في ميزانية الأسرة وتأهيل الزَّواج، ودورات كثيرةٌ جداً مفيدةٌ وصحيحةٌ، لكن مصيبتنا: في دورات الطَّاقة والعلاج بالطَّاقة، ودورات الجذب وقانون الجذب، ودورات الإسقاط النَّجمي، ودورات العلاج بالأحجار الكريمة، ودورات العقل الباطن وتقديسه وتأليهه، هذه مصيبتنا اليوم وهذه الموضة التي كثيرٌ من الشَّباب والفتيات واقعين فيها، وهذه التي لا بُدَّ فيها الآن من النَّصح والتَّنبيه، وهذه فيها التَّنبيه واجبٌ، فالدِّين النَّصيحة؛ لأنَّها وسيلةٌ لفقدان العقيدة وانحراف جذري وأصلي، يعني: ليس هو خطأٌ سلوكيٌّ لا، فالمسألة في العقيدة.

من أبرز انحرافات الإسقاط النَّجمي

00:30:08

الخروج من الجسد عندهم يكون -كما قلنا- هو أن يصير الشَّخص بين اليقظة والنَّوم، فبعضهم يقول أنَّه في حالة النَّوم يصير في اتِّصال بالعالم الأثيري، وبالتَّالي يعلم المغيبات، ويكتسب قدرات فائقة مع أنَّ الإنسان لو جئنا للواقع في حالة نومه هو أضعف جسدياً وعقلياً من حالة اليقظة، بل إنَّه مرفوعٌ عنه التَّكليف شرعاً: رُفع القلم عن ثلاثة عن النَّائم حتى يستيقظ[رواه أبو داود: 4400، والنَّسائي: 5625، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود: 4398]. رواه أبو داود والنَّسائي. فكيف يكون في حالة النَّوم أقوى وأعلم من نفسه  في حالة اليقظة؟
ومن أبرز انحرافات الإسقاط النجمي: أنَّهم يقولون بتأليه العقل الكوني المزعوم، فعندهم: عندما ينطلق هذا الجسم الأثيري يتفاعل ويتواصل مع العقل الكوني، وقلنا: إنَّه من العقائد الباطلة: اعتقاد أنَّ هناك عقلٌ كُليٌّ الطاو، فالآن بالإسقاط النَّجمي يمكن التَّواصل مع العقل الكوني هذا، ويتفاعل معه ويأخذ العلوم والغيبيات والحكم العظيمة، والعقل الكوني عند الفلاسفة الذين يقولون بإنكار وجود الله، فماذا يقول هؤلاء؟
البُعد النجمي يلي البُعد المادي مباشرةً، وهذا البُعد يلتقط أفكارَ وأحلامَ وذكريات كُلِّ كائنٍ حيٍّ على وجه الأرض، ويحوِّلها إلى حقائق وكائنات، فمحتوى هذا العالم: هو نتاج الطَّاقة الإبداعية الهائلة لدى كُلِّ إنسان ومخلوقٍ، تصوَّر: لما أنت تقول: إنَّه محتوى كُلِّ العالم وهو نتاج الطَّاقة الإبداعية الهائلة لكُلِّ إنسانٍ، إذاً: ماذا بقي لله في خلقه إذا كان كُلُّ ما في الكون مخلوقُ الطَّاقة الإبداعية للنَّاس؟

من الذي خلق الكواكب والشَّمس والقمر والنَّجوم ومجموعة الدُّب القطبي ومجموعة؟ وهل هذه كُلُّها من إبداعات الطاقة الإبداعية للبشر؟ هذه الأرض الأنهار والجبال والأشجار والسَّمك والحيوان والطُّيور؟ الله خالق كُلِّ شيء وهذا صدامٌ واضحٌ جداً بالعقيدة، وقد سبق الكلام على معتقداتهم في الطَّاقة والانحرافات العقدية الموجودة فيها.

ما هي انحرافات فسلفة السيوصوفيا

00:32:36

ويضاف إليها الآن: انحرافات فسلفة السيوصوفيا: وهي فلسفةٌ باطنيةٌ تعني الحكمة المتعلِّقة بالإله، وهم أبعد النَّاس عنها، وتعتمد على الخوارق البشرية والاتصال المباشر مع الحقيقة الكُلِّية لتحصيل العلوم الباطنية، ووحدة الوجود من معتقداتها وقلنا: وحدة الوجود أنَّه كُلُّ ما ترى بعينك هو الله، فأنت وأنا وهو والجدار كُلُّه هو الله، الله كُلُّ شيءٍ موجود، فهذا هو الله عندهم ونحن نؤمن أنَّ الله استوى على عرشه منفصلٌ  عن خلقه، لا يشبهه شيءٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  [الشورى: 11].
علا على عرشه، له علوُّ الذَّات وعلوُّ القهر والغلبة وعلوُّ الصِّفات سبحانه، خلق كُلَّ شيءٍ وهو بكُلِّ شيءٍ عليمٌ، فيقولون: أنت بالجسم الأثيري تخرج وهذا الجسم إلى عالم الأثير تلتحم بالكُلِّي أو بالكوني، وهذا الأبدي الأزلي وتُؤخَذ من وعيه وذكائه ومن مبادئ السيوصوفيا كُلُّ ما في الكون واعي، أيُّ أنَّ وعياً يسري في كُلِّ مكوِّن من مكوناته يتناسب ومستواه من التَّفتُّح أو درجة إفصاحه عن المبدأ الأصلي، وهذا متشابهٌ مع من يروِّج لفلسفة الطَّاقة الكونية، وأنَّها تنتشر وتحلُّ في كُلِّ الموجودات في الكون، ومرَّ الكلام عن طاقة الريكي وأنَّها ذا وعيٌّ.
ومن المعتقدات الباطنية الموجودة في هذه الدَّورات: موضوع التَّأمُّل أو الخروج من الجسد أو الخروج من الجسد أو الإسقاط النجمي، هذا يُدرك المتأمِّلُ بزعمهم الحقائق، ويُدرك العالم الغيبي على حقيقته إذ يتحرر من جسده المادي الكثيف، ويقول تميدري افري نوس في كتابه الحكمة الإلهية: كانت الفلسفة والعلم والدِّين ككُلٍّ واحدٍ لا يتجزأ، وكان مريدو الأسرار الصُّغرى يدرسون الرِّياضيات والفيزياء وعلم النُّجوم إلى جانب التَّعاليم الخاصَّة بطبيعة الألوه والفيض والبنية الباطنية للإنسان، أمَّا صفوة الصُّفوة منهم المؤهلة لولوج الأسرار الكبرى فكانت تركِّز جهودها على تفتيح ملكاتها وقواها الباطنية في سبيل التَّحقق بالمعرفة والحكمة عبر التَّأمُّل الباطني وغيره من الرَّياضات السَّرانية.

خرافات: الذاكرة الكونية، وحكم إعطاء العقل الكوني القدرةَ المطلقة

00:35:29

ويعتقد العاملون في هذه العلوم التي يسمُّونها علومٌ روحيةٌ بالإضافة إلى الفلسفات الشَّرقية بوجود ذاكرةٍ كونيةٍ، انظر: يعتقدون في ذاكرةٍ كونيةٍ وهذه الذَّاكرة الكونية ما هي؟ قالوا: تحتوي على جميع المعلومات المتعلِّقة بالأحداث والأفعال والأفكار والمشاعر والانطباعات البشرية كُلُّها التي حدثت في الوجود، يعني: إذا شخص غضب أو ضحك أو بكي أو شقي أو حزن أو فرح قبل سبع آلاف سنة فستجد هذه السَّجِّلات كُلَّها موجودةً في الذَّاكرة الكونية، ويقولون للمتدرِّب: أنت الآن في التَّدريبات التي نعطيها لك في الدَّورة تستطيع الامتحان بالذَّاكرة الكونية؛ لكي تأخذ من الذَّاكرة الكونية كُلَّ المعلومات أو أيَّ معلومةٍ تريدها عن أيِّ شخصٍ عاش سابقاً، وماذا كانت مشاعره وأحاسيسه؟ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك: 14].
يعني: هل تريدون أن تجعلوا الإنسان علَّام الغيوب؟ وأنت لما تُفكِّر ما تجد إلَّا ادِّعاءات، ما الدليل على وجود ذاكرةٍ كونية؟ هم يعتقدون في سي بيو وهذا تابعٌ للكون، وكُلُّ المخلوقات موجودةٌ في السِّي بيو، فمشكلة هذه الدَّورات أنَّ الواحد أحياناً يحتار ماذا يقول؟

وأناسٌ يدفعون المال ليدخلونها، وحتى بعض الشَّباب تجد كلاماً بينهم وبين بعض وبعض الفتيات: اضبط ذبذباتك وحولها للرَّاديو، ويقولون: جميع المعلومات المتنوِّعة محفوظةٌ في حقل المعلومات العملاق ضوءٌ خفيٌّ يصفه بعض الرَّوحانيين بأنَّه نوعٌ من الأثير مادته مجهولة، يمكن مما وراء حواس الإنسان، فانظر الكلمات مثلاً: أن ترى على فكرة أفلام الكرتون الجديدة التي صار مغرماً بها الشَّباب، قد يبدأ من بعد العشاء ولا يُخلِّص إلَّا الفجر وهو لا درى عن نفسه كم مدة الواحد 25 دقيقة أو نصف ساعة، وادَّعى هؤلاء بأنَّ عملية التَّواصل معهم قد اقتصرت على البسطاء الرَّوحانيين، وليس لأيِّ أحدٍ أن يتواصل مع الذَّاكرة الكونية، وهذه نفس فكرة العرَّاف الكاهن يقول: أنا اتَّصل وأنت لا تستطيع أن تتصل، وإذا تريد أن تعرف شيئاً ادفع مالاً، مثل غلاة الصُّوفية: فعندهم الشَّيخ المزعوم هو الذي يتصل باللُّوح المحفوظ ويعلِّمك هل هو خيرٌ أو لا، وتسأل الشَّيخ قبل أن تُسافر وقبل أن تتزوج وقبل أن تدخل شريكاً مع فلانٍ في التَّجارة هل يصلح أم لا، فهو يجري اتصالاً بهذا وبعدها يُعطيك الجواب.
ويزعم بعض الفلاسفة والمفكرين أنَّ هذه الكيان المعلوماتي الخفي: هو المصدر الذي تنبثق منه قوى الإرادة التي تحثُّ الإنسان على توجُّهاتٍ محددة، فمن أجل أن تتِّخذ قراراً تعال وتواصل معنا، التي تحث الإنسان على توجُّهاتٍ محدَّدةٍ في أفعاله وأفكاره ومشاعره وخياله، وغيره من الانطباعات الأخرى في جوهره، وتُشير بعض التَّعاليم والفلسفات الرُّوحية الشَّرقية خاصةً الهندوسية إلى هذا الكيان باسم أكاشا، يعني: أنت ستجد هذا في الهندوسية تحت اسم: أكاشا، وتقول إنَّه يشكِّل عنصراً أساسياً من عناصر الوجود، ويقول رافيل في كتابه مقدمة في تاريخ الأديان: إنَّ الدِّين هو اشتراطُ الحياة الإنسانية بإحساس الاتصال بين العقل الإنساني وعقلٍ خفيٍّ يتحكَّم في الكون، وما ينجم عن ذلك من شعور بالغبطة، انتهى. وهذا موجودٌ في كتاب: عقل الإنسان والعقل الكوني دراسة في الدِّين والفيزياء والفلسفة لعلي ملحم، إعطاء هذا العقل الكوني القدرة المطلقة والعلم المطلق كفرٌ أكبرٌ؛ لأنَّ القدرة المطلقة والعلم المطلق لله تعالى وحده، قال سبحانه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12].
وهؤلاء يقولون: العقل الكُلِّي الذي عنده العلم والقدرة كُلُّها.

من انحرافات الإسقاط النَّجمي: القولُ بوحدة الوجود

00:40:18

ومن انحرافات الإسقاط النَّجمي: القول بوحدة الوجود، وحتى لو ما قالوا صراحةً أنهم يعتقدون بوحدة الوجودة لكنَّهم يقولون: إنَّ الجسم الأثيري عندما ينفصل عن الجسم المادي ينتقل مع العالم المشهود إلى عالم الأثير، ولا نعلم ما هو عالم الأثير هذا؟ إذلم يثبت لا بالشَّرع ولا بالحسِّ ولا بالتَّجربة ولا بالمختبرات ولا عند علماء الفيزياء الكُفَّار: إنَّ هذا موجودٌ، ومن المصائب في هذا الموضوع ادِّعاء علم الغيب؛ لأنَّ هذا بالإسقاط النَّجمي يمكن الانتقال عبر المكان والزَّمان بالجسد النَّجمي، والمتصل بالجسد المادي يزعمون أنَّهم يكتسبون كُلَّ المعارف لهذا الجسد النَّجمي فتتضح له حقائق الأشياء ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهذا ما صرحت به إحدى الممارسات للخروج من الجسد في لقاءٍ تلفزيوني لها على قناة دبي، حيث تقول: هناك علومٌ للطَّاقة خاصَّةٌ بقدرة الإنسان، مثل: التَّحكم بالأحلام، فبالله عليكم: هل من معتقد المسلمين: أنَّ الواحد يستطيع أن يتحكم بالأحلام؟
يعني: هو قبل أن ينام يُقرِّر ماذا يريد أن يرى في النَّوم؟ يعني يضبط الرِّسيفر على القناة التي يُريدها، تقول هذه: فمثلاً جلستي الآن وأنا أشاهدك الآن أنا كتبتها وبالتَّاريخ في مدونتي منذ عدة شهور، هذه تُلقي دورات الخروج من الجسد على المسلمين والمسلمات، وتقول: المقابلة هذه الآن تُتمُّ معك  وأنا أصلاً كنت أعرف عنها قبل ليس بتنسيقٍ مسبقٍ لا، بل أعرف قبل التَّنسيق وقبل ما تُقرِّروا أن تستضيفوني وقبل أن تتصلوا عليَّ أو تُنسقوا، فمثلاً تقول: جلستي الآن وأنا أشاهدك الان أنا كتبتها وبالتَّاريخ في مدونتي منذ عدة شهور، وهي بدون تعديل كما هي فهذا ليس خيالٌ -هي تقول- هذا ليس خيال إنَّما له طريقةٌ علميةٌ نصل إليه بها، وهنا قاطعتها المذيعة قائلةٌ: هل الطَّاقة هي التي تخبرك بمثل هذه الأشياء؟ فتقول أنَّها تتعلَّم عن طريق شحن مراكز معينةٍ بالطَّاقة قبل النَّوم لتحصل على وعيٍ أقوى، وخلال النَّوم: شحن مراكز معينةٍ بالطَّاقة، قلنا سابقاً: إنَّ القوم يستعملون بعض الألفاظ والمصطلحات العلمية أو الفيزيائية ليُوهموا النَّاس أنَّ عندهم شيئاً وما عندهم إلَّا من الشَّيطان، الآن تصوَّر كلمة: عن طريق شحن مراكز معينةٍ بالطَّاقة قبل النوم: ماذا يعني ذلك؟ ومن أين ستأتي؟ وما هو الشَّحن وما هو الشَّاحن؟ وما هو مصدر الشَّحن وتسري هذه ثُمَّ بعد ذلك يذهب لينام ويكتشف كُلَّ شيءٍ، ويتجلَّى كُلُّ شيءٍ، فالشَّياطين وإبليس نفسه ليس عنده القدرة هذه قطعاً.

مناقشة إستدلالتهم على الإسقاط النجمي

00:43:46

أولاً: الأرواح وقضية النَّوم والرُّؤيا:
قلنا إنَّه هذه الموضوعات غالباً سواءً كانت الطَّاقة أو قانون الجذب أو الأحجار الكريمة أو الإسقاط النَّجمي هذه لا بُدَّ يمسحونها بطلاءٍ شرعيٍّ إسلامي حتى تروج بين النَّاس، فقلنا: أنَّ بعضهم يجعل مثلاً: إن شاء الله، وبإذن الله، في أثناء حديثه، وإنَّه حلَّ المشكلة، فماذا قال هؤلاء؟ يقولون: عندنا أدلَّةٌ من القرآن والسُّنَّة، وذلك لإلباسه اللِّباس الشَّرعي، فما هي الأدلَّة؟ قالوا: قال الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا[الزمر:42].
فما علاقة هذا بالإسقاط النَّجمي؟ قالوا: النَّفس هي الجسم النَّجمي، انظر مشكلة تفسير القرآن بغير ما فسره به النَّبي ﷺ والصَّحابة والعلماء، وهذا التَّفسير من عندهم، وإذا أنت تريد أن تُأسلم أيّ شيءٍ فسِّر أيَّ كلمةٍ في القرآن بواحدة من الخرافات والخزعبلات التي يُفسِّرها هذا، ويقول هذا هو الدَّليل، فيقولون: الله يتوفَّى الأنفس هذا الجسم النَّجمي تنفصل وتقوم برحالاتٍ حال النَّوم، فلا مانعٌ من التَّحكم بهذا الخروج والوعي به، انظر إلى هذا الهراء: هو يقول: أليس في الشَّريعة أنَّ الواحد إذا نام يرى أحلاماً؟ أليس العلماء كابن القيم وغيره يقلون: أنَّ الأحلام عبارةٌ عن جوالان روح النَّائم في عوالم مختلفة؟ فنحن كُلُّ الذي زدناه على هذا أن قلنا: أنَّ هذا الشَّيء يمكن ضبطه وبرمجته والتَّحكم به فقط، فصار عندنا قدرةٌ في القرن الحادي والعشرين أنَّه يتحكَّم في جولان الرُّوح أثناء النَّوم، سبحان الله انظر أولَ كلمةٍ في الآية: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَالاحظ: من الذي يُريك في الرؤيا إذا كانت في المنام حقاً؟ قال ﷺ: الرُّؤيا من الله والحلم من الشيطان  [رواه البخاري: 5415، ومسلم: 2261].

إذ هم يقولون: أنَّ هذه الأشياء حقٌّ، فمعناها: أنَّهم نازعوا الله في التَّحكم في المنامات، ألم يقل: الرُّؤيا الحق من الله؟ وهؤلاء قالوا: نحن نقول أنَّ هذا حقٌّ، الذي ستراه يصير في المنام، وخروج جسمك والإسقاط النَّجمي والذَّهاب والأثير حقٌّ، معناها: أنَّه غير الله يفعل ويقولون نحن نفعله، ومشكلة ومصيبة الأنفس المذكورة في الآية هي الأرواح وليست الجسد الأثيري، وهم أنَّ عندهم خمسة أجساد -على الأقلِّ- واحد منها: الجسد الأثيري.
ثانياً: ادِّعاؤهم أنَّ الجسم الأثير هو الرُّوح:
ونحن نقول لا توجد خمسة بل هو جسدٌ واحدٌ وروحٌ واحدةٌ، وإذا قلت مثلاً، يقول لك بعضهم: يا أخي لا مشاحةٌ في الاصطلاح فهذا الجسم الأثيري عندنا هو الرُّوح نفسها التي عندكم، نقول لهم: الله يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: 85].
وأنتم تحكمتم وتدخَّلتم بأمر ربي، ما لكم كيف تحكمون؟ يعني: إذا قالوا هذا جسدٌ خامسٌ والجسد الأثيري، نقول أين الدَّليل في القرآن والسُّنَّة على أنَّ الله خلق جسداً واحداً؟ وإذا قالوا: لا هو الرُّوح، نقول: وأنتم دخلتم في اختصاصات الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ ثُمَّ المذكورة في الآية مجرَّد خروج الرُّوح في النَّوم، ويبقى لها تعلُّقٌ به؛ لأنَّه ما زال حياً وما مات وإلَّا هو الخروج الكُليٌّ، وأيضاً المذكورة في الآية مجرَّد خروج الرُّوح في النَّوم بهيئة لا يعلمها إلَّا الله، وليس فيها: أنَّها تلتقي بالعقل الكوني عندكم أو أنَّها تعلم الغيب، أو تتحكَّم في الجسد، أو أنَّ الجسد يتحكَّم فيها أو أنَّها تروح بشحن الطَّاقة المسبق، قال سعيد بن جبير: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها". [تفسير القرطبي: 20/215].

يمسِك لأنَّ هنا أناس تموت في النَّوم الموتة الكبرى، يعني: وليس الموتة الصُّغرى التي هي النَّوم، اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ يمسك روحه فلا تعود إلى جسده فيكون قد مات أثناء النَّوم، وهذا يحدث كثيراً، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى  [الزمر: 42].
يعيدها إلى الجسد فيستيقظ الإنسان ويقول: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النُّشور[رواه البخاري: 5953، ومسلم: 2711].
ثُمَّ القبض المؤقت للرُّوح المذكور في الآية: مخصوصٌ بحالة النَّوم، أمَّا خروج الجسد الأثيري عند أصحاب الإسقاط النَّجمي فهو في  حال اليقظة والمنام وليس هو خاصٌّ بالمنام، والرُّوح إذا خرجت الخروج الكُلِّي لا سبيل إلى عودتها إلى الجسد إلى يوم القيامة: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۝ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 99-100]. فما معنى قول الله تعالى: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ[الأنبياء: 95].
يعني: وُجِب قدراً مقدورًا، فالذي أهلكه الله ليس له رجعة إلى الدُّنيا، فإنَّه قد سبق منِّي أنَّهم إليها لا يرجعون كما جاء في حديث جابر. [رواه الترمذي: 3010، وابن ماجه: 2800، وصححه الألباني في الجامع الصغير: 13864].

ثُمَّ ليس في الآية أنَّ خروج الرُّوح اختياريٌّ، أو يمكن التَّحكم به عن طريق تمارين معينةٍ كما يقول أصحاب الإسقاط النَّجمي للجسم الأثيري، بل هذا من اختصاص الله:  اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والنَّبي ﷺ علَّمنا أن نقول قبل النَّوم: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها أيُّ: لو قبضتني وأمتني أثناء النَّوم فارحمني  وإن أرسلتها  يعني: وأعدها إلى الجسد وقمت أنا واستيقظت فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين[رواه البخاري: 5961].


ثالثاً: استدلالهم بقصة عمر في قضية:
استدلُّوا بقصة عمر"يا سارية الجبل" حيث أنَّ عمر بعث جيشاً وأمَّر عليهم رجلاً يُدعى سارية، فبينما عمر يخطب فجعل يصيح وهو على المنبر: "يا سارية الجبل يا سارية الجبل" فقدم رسول الجيش، فسأله؟ فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدوَّنا فهزمونا وإن الصَّائح ليصيح يا سارية الجبل يا سارية الجبل فشددنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله". [رواه أبو نعيم: 510، والبيهقي في دلائل النبوة: 1/314، وحسنه ابن كثير في البداية والنهاية: 7/147، وابن حجر في الإصابة: 3/5-6 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1110].
الحديث رواه أبو نعيم في دلائل النُّبوَّة والبيهقي في الاعتقاد وحسنه ابن كثير في البداية والنِّهاية وابن حجر في الإصابة والألباني في السلسلة الصحيحة. فما علاقته بالموضوع؟ قالوا: أنَّ جسم عمر الأثيري الخامس انتقل إلى سارية، يا أخي الله بلغَه الصَّوت كرامةً لعمر ، يعني: لما قال الله لإبراهيم: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج: 27].
لم يكن على اتصالاتٍ بقنوات تلفزيونية أو جوالات أو مكرفونات، فكيف بلغ صوتُ إبراهيم لأهل الأرض؟ قالوا: حتى سمعته الأجنَّة في أرحام أمهاتها! هذه معجزة أنَّ الله بلَّغهم وأوصل إليهم صوت إبراهيم، والله هو الذي أوصل صوت عمر، فأنت الآن ستدخل فيها الجسد الأثيري وشكرات وطاقة ودنيا وتبني عليها وإسقاط نجمي، يعني: من أين جئتم بهذا؟ ما لكم كيف تحكمون؟ إلهاماً ألهمه الله لعمر، قال ﷺ لعمر إنَّه محدّثٌ، فالله يلهمه الحقَّ ويلهمه الصَّواب، وقد وصل الهراء بهؤلاء القوم أنَّهم استدلوا بحادث الإسراء والمعراج، فبالله عليكم: هذه معجزةٌ للنَّبي ﷺ والله أَسرى به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السَّماء فما علاقتكم أنتم؟
فقضية الإسقاط النَّجمي في الإسراء والمعراج بالرُّوح والجسد، ألم يصلي بالأنبياء؟ ألم يرى بعينه لما عرج ورأى بروحه وجسده؟ فهؤلاء يقولون هذا روحٌ والدَّليل: قال الله تعالى عن الرِّحلة هذه: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم: 17].
والبصر أين محله؟ في الجسد، فإذاً: جسداً وروحاً، ولهم استدلالاتٌ كثيرةٌ وليس هناك كافٍ الآن لذكرها، فوقت الدَّرس انتهى، يقولون الأرواح جنودٌ مجندةٌ، وليس له علاقةٌ يا أخي، هذه التقاء النَّفسيات، فأنا التقي فلاناً وأرتاح له مباشرةً أو أنفر منه، فما علاقته بموضوع الإسقاط النجمي؟
ويستدلون بالتَّجارب فإما أن تكون كاذبةً أو تكون بإعانة من الشَّياطين، أو يكون أشياء لا علاقة لها فيتوَّهم أنَّ لها علاقةٌ وهي لا علاقة لها بالموضوع، وكم أعانت الشَّياطين أصحاب الضَّلالات لإيقاعهم في الشِّرك والكفر.
على أية حال: سنكتفي بهذا القدر، ونسأل الله أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجنِّبنا الضَّلالة والبدعة والخرافة، وأن يرزقنا السُّنَّة واتباعها، وأن يحيينا مؤمنين ويتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصَّالحين.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ.