الأربعاء 16 شوّال 1445 هـ :: 24 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

فتيان الإيمان


عناصر المادة
الحاجة إلى سيرة فتيان الإيمان في هذا الزمان
قصة فتيان الإيمان في سورة الكهف
بعض الفوائد والدروس والعبر المستفادة من قصة فتيان الإيمان

 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا [الكهف: 1]، والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين رحمة وفرجاً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

وبعد:

الحاجة إلى سيرة فتيان الإيمان في هذا الزمان

00:00:26

فإن سيرة فتيان الإيمان مهمة جداً وخصوصاً في هذا الزمان؛ زمن العواصف والكربات، زمن التغيرات والتقلبات.

هذا الوقت الذي اشتد فيه كيد الأعداء، وعم فيه البلاء.

هذا الوقت العصيب الذي نعيش فيه تداعت على هذه الأمة سائر أعدائها فحاصروها وحاربوها، وكادوها وتمالؤوا عليها، وقوى الشر لا زالت تعمل بإمرة إبليس في زحزحة عباد الله المؤمنين.

ولكن الله يثبت  الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم: 27].

 لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف (111].

قصة فتيان الإيمان في سورة الكهف

00:01:27

فتيان الإيمان الذين نأخذ منهم دروساً في هذا الزمان في الثبات على الدين، والإسلام والإحسان: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف: 9] بلغك خبرهم؟ هل ظننت أنه لا يمر مثل هذا الخبر في خلق الله والزمان؟

بل إن هنالك من الآيات العجيبة الغريبة من جنس هؤلاء أصحاب الكهف في الآفاق وفي أنفس الناس وفيما خلق الله العجب العجاب أيضاً.

وما أظهر الله من حججه على عباده أعظم من شأن هؤلاء.

إن قصتهم على عجبها ليست متفردة فيما يجري الله من الحوادث، وإنما يسلي الله بها المؤمنين.

فتعالوا -أيها الإخوة والأخوات- لنرى قصة هؤلاء كيف حفلت بالأمور العجيبة.

عجباً لأخبار هؤلاء وأحوالهم.

وما أحوجنا إلى سيرتهم في هذا الوقت.

سبعة كرهوا ما كان عليه قومهم من الشرك والكفر، اتجهوا إلى الله، يريدون النجاة بأنفسهم، فقدر الله لهم أن يلجؤوا إلى هذا الكهف العجيب: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ  ذلك اللوح الذي سطرت فيه قصتهم.

لقد كان في الكهف والغار من الآيات أمور متعددة، وأحداث كثيرة، ومن ذلك: قصة الثلاثة الذين انطبقت الصخرة على الغار الذي كانوا فيه.

وقصة محمد بن عبد الله ﷺ وصاحبه: إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا  [التوبة: 40].

وهؤلاء الذين دخلوا الغار، آووا إليه: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا  [الكهف: 10].

إنها قصة تدل على كرامات أهل الإيمان، وما يجري الله للصالحين من خرق العادة تثبيتاً لقلوبهم ودلالة لغيرهم على الخير.

إن هذا العجب في هذه القصة سيذكر المؤمنين الذين يقرؤون مطلع هذه السورة على المسيح الدجال إذا ظهر، ويقولون لأنفسهم: وإن كان هذا الدجال عنده عجائب وغرائب وأمور خارقة فإن الله قد أجرى خوارق من قبل، وكان من العجب في خلقه ما كان في مثل هذه القصة، قصة أصحاب الكهف.

هذا الكهف الذي جعلهم الله فيه.

هذا الكهف الذي حفظ الله فيه أولياءه.

هذه القصة التي تعلمنا: كيف يعصم الله المؤمنين، وكيف يرزقهم من وسائل الصبر والثبات والنصر: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف: 9]؟

إن هنالك عجائب كثيرة في خلق الله وما يجريه من الأحداث: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [الكهف: 10] اذكر هؤلاء لما أووا إلى الكهف كانوا فتية، وأنت معك يا محمد ﷺ في الدعوة فتيان أيضاً، ومعك شباب، ومعك من الصغار من معك، يحتاجون إلى هذا الخبر لتثبيتهم على الدين.

إنك لا تقرأ من كتاب نزل على من قبلك، إنك لا تأخذ من مصادر أخرى:  وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ  [العنكبوت: 48].

لكن اذكر هذا من عندنا بما أنزلناه عليك: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10].

إنهم يدعون الله أن يؤتيهم رحمة ويهيئ لهم الرشد، فإن الرحمة إذا أدركتهم وكذلك الرشد فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أيها الإخوة: إن هؤلاء الفتية -والفتية جمع فتى وهو الشاب كامل القوة والعزيمة-  لما ذهبوا إلى الكهف فراراً من أذية قومهم، لما تركوا عبادة الأوثان، ذلك الكهف النقب المتسع في الجبل، فإن لم يكن واسعاً فهو غار، إنهم اتجهوا إلى الله يدعونه: رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً  [الكهف: 10] ثبتنا واحفظنا بها ووفقنا للخير بهذه الرحمة، ويسر لنا كل سبب يوصلنا إلى الرشد.

أصلح لنا ديننا ودنيانا، آتنا وأعطنا من عندك، إننا إن نلتمسها منك لا من غيرك، أنت تتفضل بها علينا  مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً  ترحمنا بها.

 وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10] وتهيئة الشيء إعداده ليكون صالحاً للعمل به، اجعل لنا من أمرنا رشداً نعبدك ونتوجه إليك ونتوكل عليك.

اجتمعت الفتوة والإقبال على الله.

والشباب أسرع استجابة: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ [يونس: 83] ذرية شباب، كان أكثر المستجيبين لله -تعالى- ولرسوله ﷺ شباباً؛ لأن كثيراً من المشايخ بقوا على دين قومهم، لم يسلم منهم إلا القليل.

فهؤلاء الشباب عدة الدعوات.

هؤلاء الشباب أقبل للحق، وأهدى للسبيل، وأبعد عن الاستمرار على التقاليد البائدة، وعلى السنن العمياء التي عليها الأقوام، وكان من قبلهم الآباء والأجداد.

إن الشاب عنده القدرة على التحرر من ربقة الباطل الذي درج عليه الكبار، وشاخوا عليه، فصار تركهم له صعباً.

ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ورسوله ﷺ شباباً.

ولذلك تتجه الدعوات إلى الشباب خيرها وشرها، دعوات الكفر والانحلال، وكذلك دعوات الخير، دعوات السنة، ودعوات البدعة.

إنهم يحسبون للشباب الحساب الكبير، ويجعلون غاية مسعاهم التوجه للتأثير في الشباب.

ألم تر أن هذه البرامج والقنوات الفضائية توجه سهامها للشباب من الفتيان والفتيات؟ تريد أن تحرفهم؟ تريد أن توقعهم في مهاوي الشهوات؟ تريد أن تعلمهم الحرام والتعرف والتقابل وإقامة العلاقات بين الجنسين؟ تريد تدمير العقائد والإيمان في نفوس هؤلاء، وزعزعة ما بقي لديهم من الإسلام والدين؟

إن الشباب عندهم القوة والحماس، وعندهم من صفاء النفس ما لو توجهوا إلى الله يرجى لهم به خير كبير.

إنهم رجال المستقبل.

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

الله أكبر! ما أعجب قصة هؤلاء الفتية، إنهم بخالص الإيمان وصفاء التوجه إلى الله اجتمعوا كانوا أبناء سادة في قومهم على ما قيل.

كل واحد منهم نظر في قومه وما يعبدون، كيف يتوجهون لهذه الأصنام المنصوبة ويعبدونها من دون الله.

وكان قد تولى عليهم من الطغاة من يضطهد أهل الإيمان، فصار كل واحد يخرج من بيته من أهله حتى اجتمعوا في مكان، ألف الله بين قلوبهم، جعل بعضهم يتوجه إلى بعض، وبعضهم يتعرف على بعض: الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف [رواه مسلم: 3336].

لعلهم كانوا في البداية يخافون على أنفسهم ويحذر الواحد من الآخر، لكن عندما اكتشفوا أن القصد واحد، وأنهم اجتمعوا على إيمان واحد وتوحيد لله قاموا يتناجون فيما بينهم، ويتواصون بالحق والصبر.

فلله ما أحلى اجتماع الشباب على الحق.

ويا لله ما ألذ اجتماع الفتيان على دين الله.

إنهم يفرون من قومهم إلى الله.

إنهم قد خرجوا من أسرهم وبيوتهم فارين بدينهم.

ما الذي جمعهم؟

الحق، ولذلك أووا إلى الكهف.

هذه الآية صريحة في الفرار بالدين، وهجرة الأهل والبنين، والقرابات والأصدقاء والأوطان، والأموال خوف الفتنة، وما يلقاه المسلم من المحنة.

وهكذا خرج النبيﷺ فاراً بدينه، وكذلك أصحابه، ومكث في الغار مع صاحبه أبي بكر.

وهكذا هجر المهاجرون أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم رجاء السلامة بالدين، والنجاة من فتنة الكافرين.

وإذا صار الأمر إلى أن يسكن الإنسان الجبال ويدخل الغيران فراراً بالدين، واعتزالاً للمشركين الباغين الطاغين؛ لأنه لا يستطيع أن يعيش بينهم ويخشى على دينه، يخشى أن يفتن، فإن هذه العزلة محمودة.

ولذلك تواصى هؤلاء:  فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ .

إنها الخطة للفرار بالدين: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ [الكهف: 16].

ماذا ترجون؟

يرجون رحمة الله فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ .

ماذا يريدون؟

يريدون الرشد.

وأما من يبقى بين الكفار يضطهدونه فيفتن ويتراجع عن الحق، ويقع في الباطل: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 97].

لكن عندما يوجد من أهل الإيمان في البلد من يأوي إليهم المسلم فلا عزلة ولا ذهاب للغيران والكهوف، وإنما المرابطة مع أهل الحق والبقاء معهم والعيش بينهم.

والحمد لله أنه لا يزال يوجد في مجتمعنا من أهل العلم والإيمان من يأوي إليهم الإنسان.

لا زال هنالك أخيار بالرغم من كثرة الأشرار، لا زالت هنالك ألوية للحق مرفوعة بالرغم من كثرة الباطل وانتفاشه.

لا زال هنالك من الصحبة الطيبة من يجدهم الإنسان في بيوت الله في المساجد وفي أماكن مختلفة من البلد.

لم نصل بعد إلى الحال التي يوشك أن يكون فيها خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن.

لكن قريباً يأتي على الناس زمان يفرون بدينهم إلى الجبال.

وقد مر على بعض الناس في السابق أوقات من هذا القبيل، وهذا مثال لم يكن في البلد إلا هؤلاء الفتية.

كل القوم على الكفر والشرك، ويضطهدون من كان على الإيمان، فلاذ المؤمنون ببعضهم وفروا إلى الله -سبحانه وتعالى-.

ولنتأمل هذا السعي والفرار من الفتنة إلى مكان يمكن الاستخفاء فيه لعبادة الله، والتضرع والسؤال لله -تعالى-، وعدم الاتكال على النفس، ولا على الخلق، ولذلك استجاب الله دعاءهم.

والله يلاذ بجنابه، وهو سبحانه يتضرع إليه في وقت الشدة، وهو الذي يأوي إليه المؤمنون، يقول ﷺ:  اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض  [رواه مسلم: 1763] وبالغ في الابتهال، حتى سقط رداؤه عن منكبيه.

الابتهال الذي قام به موسى ومن معه  فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 61 – 62].

وهكذا كان يونس يبتهل إلى الله في الظلمات في بطن الحوت: لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ  [الأنبياء: 87].

وإبراهيم يبتهل وهو يلقى في النار، ويقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.

هؤلاء الفتية بلا شك خافوا من قومهم، لكن هذا الخوف الطبيعي الذي لا يضر التوحيد، والخوف من الشيء يوجب البعد عنه وطلب السلامة منه، والله -تعالى- إذا خفت منه هربت إليه، وأما المخاليق إذا خفت منهم هربت منهم.

 إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران: 173] فماذا أوجب ذلك؟

التوكل على الله ، لا يكشف الضر إلا هو.

ماذا كانت النتيجة عندما اتفق هؤلاء الفتية أن يهربوا بدينهم بعدما تعارفوا وتجمعوا؟

إن تعارف المؤمنين مهم جداً -أيها الإخوة- قد يكون الإنسان أحياناً في بلد، في سكن، في مكان، في مكتب، قد يكون في شركة، مهم جداً أن يتعرف على أهل الإيمان الموجودين في ذلك المكان.

وهذا ما فعله أصحاب الكهف تعارفوا فيما بينهم، وتجمعوا على الحق، مهم جداً حتى لو قل عدد المؤمنين أن يتعرف بعضهم إلى بعض، أن يأوي بعضهم إلى بعض، أن يلتقي بعضهم مع بعض.

هذه المسألة في غاية الأهمية.

إن تكوين هذا المحضن وهذه البيئة الطيبة التي يلتقي فيها هؤلاء الأخيار، يتواصون بالحق والصبر، يتعاونون على ذكر الله وعلى الصلاة.

هؤلاء الذين يطبقون أمر الله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى  [المائدة: 2].

أحياناً تلتقي بشخص لم تكن رأيته من قبل، ولا عاشرته ولا خالطه، لكن نفسك تنجذب إليه هو مؤمن وأنت مؤمن، قد تلتقي به ويكون من بلد آخر، من مجتمع آخر، لكن سرعان ما يحدث التآلف، ما هو السبب؟

الإيمان الذي ينشئ شيئاً يقال له: المحبة في الله.

تلك العبادة العظيمة التي جمعت الفتية هؤلاء أصحاب الكهف، الحب في الله، صار ولاء بعضهم لبعض، واجتماع بعضهم مع بعض، تناصروا فيما بينهم، تقوى كل واحد منهم بالآخرين.

وهكذا الاجتماع على الحق يرزق به الإنسان مزيداً من الأجر.

ألم تر أن اجتماع المؤمنين في صلاة الجماعة يزدادون جميعاً به أجراً أكثر من أجر صلاة كل واحد لوحده ولو جمعت الأجور، فلو كان هناك عشرة صلى كل واحد وحده، وكل واحد له أجر على صلاته وحده، لو جمعت هذه الأجور، أجور العشرة عندما يصلون منفردين، وجمعت أجورهم إذا صلوا جماعة، إذا صلى جماعة بسبع وعشرين درجة، لو جمعت أجورهم أجر كل واحد، لكن أجر صلاته مع الجماعة، أي المجموعين يكون أكبر؟

الثاني بلا شك.

ولذلك ينتفع المؤمنون ببعضهم البعض.

فالمسلم ينفع المسلم بدعائه له: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر: 10] المسلم ينفع المسلم باجتماعه معه في العبادات، فتنزل البركة والرحمة، والأجر يتضاعف من الله.

إذا اجتمعوا في مكان يذكرون الله فيه نزلت عليهم الرحمة والسكينة والملائكة.

وهكذا إذا اجتمعوا في الطاعات والعبادات تزداد البركة.

والله لما جعل من قدره أن يأوي هؤلاء الفتية إلى الكهف، فارين بدينهم، يدعون الله .

ونتذكر لما هرب موسى إلى مدين، وفر من بلده الذي كان فيه: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ [القصص: 22].

الفرار مع الدعاء، الهروب مع الدعاء، الالتجاء إلى الله، الأخذ بالسبب في البعد عن المؤذين يرافقه دعاء لله أن ييسر السبل للرشد، وأن يأتي بالرحمة: عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ [القصص: 22] فهداه الله سبيل مدين، وهداه سبيل التوحيد، وجعله نبياً.

هؤلاء لما فروا بدينهم إلى الكهف ضرب الله -تعالى- على آذانهم في الكهف سنين عدداً معدودة، أنامهم وألقى عليهم هذا النوم، ومنعهم من سماع الأصوات، منع الأصوات من الوصول، ضربنا على آذانهم؛ لأن الصوت يوقظ النائم، ولذلك ضرب الله على آذانهم لئلا تزعجهم الأصوات، فيستمروا في النوم ثلاثمائة سنة وتسع سنين.

وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف، وحفظ لهم من قومهم.

فلنتأمل ماذا كانت النتيجة في نصرة الله لأوليائه؟

هؤلاء الشباب هؤلاء الصغار الفتية هؤلاء حفظهم الله بهذا النوم الطويل، وجعل قلوبهم في برد وأمان، لو كانوا مستيقظين لبقوا خائفين، متى يعثر علينا قومنا؟ متى يفاجئونا في هذا الكهف؟ سيقتصون آثارنا، سيوقعون بنا، إلخ..، لكن الله ألقى عليهم النوم.

والله يلقي النوم طمأنينة كذلك كما فعل في أصحاب نبيه ﷺ المجاهدين في سبيله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ [الأنفال: 11].

فهذا النعاس يريح الأجساد.

وهذا النعاس يأتي بالأمنة، فلا يكون الخوف في النفوس عند نزول هذا النوم.

وكذلك أهل الكهف أنامهم الله ليبعد عنهم الخوف، ومن فر إلى الله فإن الله يؤمنه من الخوف: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى  [الزمر: 42] فبين أنه يتوفى الأنفس على نوعين: بالموت وبالنوم.

 ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا [الكهف: 12].

من هم هؤلاء الذين اختلفوا من أصحاب الكهف في وقت النوم، فقال بعضهم: لبثنا يوماً أو بعض يوم: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا [الكهف: 12].

وهنالك أناس قد اختلفوا فيهم من غير أصحاب الكهف، {ثم بعثناهم لنعلم} الله يعلم وعلمه سابق كامل، فما معنى إذاً {بعثناهم لنعلم}؟

أي ليظهر علمنا في الواقع.

علم الله علم سابق، لكن لا يترتب عليه الجزاء والحساب.

وعلم يترتب عليه الجزاء وهو الذي يظهر للناس، فإن الله يمكن أن يحاسب العباد دون أن يتركهم في الحياة، من ظهر آدم إلى الجنة أو النار، الله يعلم ماذا سيعملون.

فعلمه السابق يعلم به ما الخلق عاملون، لكنه تركهم يعيشون ويتوالدون ويخرجون إلى الحياة ويمشون في الأرض ليظهر علمه السابق، وما كتبه في اللوح المحفوظ يظهر في الواقع، فيكون بناءً عليه الجزاء والحساب.

لو أخذهم من ظهر أبيهم آدم إلى الجنة أو النار قالوا: ربنا ما تركتنا نعمل؟ لماذا حاسبتنا وعاقبتنا؟ لماذا لم تتركنا في الدنيا نعمل؟

وهكذا علمه الذي يترتب عليه الجزاء: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد: 31].

أي الحزبين أحصى؟ أي الطائفتين أضبط لما لبثوا أمداً؟ أي الطائفتين أدق للمدة التي لبثها أصحاب الكهف؛ لأنهم تنازعوا في أمرهم، فقالوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ .

وقال آخرون: قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ [الكهف: 19].

والناس اختلفوا في أصحاب الكهف كم لبثوا أيضاً؟

وكذلك فإن الله قص علينا هذا الخبر: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ  [الكهف: 13] خذه من الله.

أهل الكتاب عندهم أساطير، لكن بعضها كذب مختلق، وبعضها لا يدرى عن صحتها، وما كان منها صحيحاً أغنانا الله عنه بالقرآن والسنة: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ  [الكهف: 13] خذه من المصدر، خذه بالحق: إنهم فتية ليسوا كباراً، ليسوا شيوخاً.

 إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13] شباب قوة عزيمة، وقوة بدن، وقوة إيمان.

أحداث، حكم لهم بالفتوة حين آمنوا بلا واسطة، ورأس الفتوة الإيمان.

الفتوة بذل الندى، وكف الأذى، وترك الشكوى.

ما هي الفتوة؟

اجتناب المحارم، واستعجال المكارم.

وزادهم الله هدى فوق ذلك، وتفضل عليهم وشكر لهم، والله يشكر .

 إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا [الكهف: 13 - 14] الربط على الشيء يقويه.

الربط على الشيء لا يجعل غيره يختلط به مما هو أجنبي عنه.

الربط على الشيء يمنع المحفوظ بالداخل من الهروب والتسلل.

ولذلك قال: وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ليبقى الإيمان فيها فلا يتسرب.

 وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ  لتشتد وتقوى.

 وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ  لئلا يتسلل إليها الخوف وما ينافي الإيمان.

 إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا [الكهف: 14] فهؤلاء عندهم قوة وجلد في الحق، إنهم قاموا.

إن هذا القيام دليل على قوة إيمانهم.

إن هذا القيام يدل على قوة الحق في نفوسهم.

 قَامُوا فَقَالُوا  ماذا قالوا؟

 رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  ثبتهم الله إذاً، كما ثبت أم موسى، فربط الله على قلبها: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ  [القصص: 10].

وثبت الله نبينا ﷺ: وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيل [الإسراء: 74].

هؤلاء قاموا يعلنون الحق، يتبرؤون من الشرك، وكان الإعلان صريحاً: فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  [الكهف: 14] ليس هذا الصنم، ليس هذا الحجر، ولا هذا الشجر، رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  هو الذي خلقنا ورزقنا ودبرنا وربانا.

ثم استدلوا على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية، وهذه قضية في غاية الأهمية.

استدلوا على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية: فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  هذا توحيد الربوبية، لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا [الكهف: 14] هذا توحيد الألوهية.

فبما أنه هو الرب القادر الذي خلق ورزق، فلماذا نعبد غيره؟

 لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا 

لو فعلنا ذلك  لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا  [الكهف: 14] وملنا عن الحق وظلمنا وأفرطنا وانحرفنا.

وهكذا كان ذلك التثبيت دافعاً لهم لإعلان الحق: هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً [الكهف: 15] نقد الواقع الفاسد.

 هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً  فمقتوا قومهم وما كانوا عليه، وتبرؤوا منهم، وبينوا فساد ما عليه القوم.

هؤلاء الآلهة ما هو الدليل على أنها تستحق العبادة؟

 لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ [الكهف: 15] هل هناك حجة أو برهان؟

 فَمَنْ أَظْلَمُ  لا أحد أظلم  مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الكهف: 15].

إذاً، إذا اجتمع الشباب على الحق، بأي شيء سيتكلمون؟ وفي أي موضوع يتناقشون؟

إذا اجتمع الشباب على الحق، ماذا سيكون ثمرة اللقاء؟ اجتماع الشباب على الحق ماذا ينتج؟ إننا نرى من خلال هذه القصة: أنه أنتج إعلان الحق، والتعاهد بالثبات عليه، وبيان الواقع الفاسد، وأن هؤلاء الفتية قد رزقهم الله -سبحانه وتعالى- بهذه الصحبة الصالحة علماً وإيماناً وعقيدة قوية.

هل اجتماع الشباب سيكون على ترهات؟ هل اجتماع الشباب سيكون على مضيعة أوقات؟ كلا، إنه تواصي بالحق: رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا [الكهف: 14].

إذاً، الشباب إذا التقوا أهل الإيمان تعاهدوا على عبادة الرحمن.

الشباب إذا التقوا تذاكروا ما من الله به عليهم من الهداية إلى الدين.

الشباب إذا اجتمعوا على الحق فإنهم يزدادون إيماناً باجتماعهم.

وعندهم بصيرة في نقد هذا الواقع المنحرف من حولهم إذا كان منحرفاً، فإنهم يعرفون عواره، يعرفون ما فيه:  هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الكهف: 15] صيروها من دون الله آلهة وعبدوها.

الشباب إذا اجتمعوا يتناقشون في كيفية إنقاذ هؤلاء الناس من الانحراف.

إن الرحمة بالآخرين والشفقة على الآخرين تدفع إلى مناقشة الأوضاع، وما هي السبل للخروج من هذا المأزق؟

الأمة تعيش الآن في ضلالات وانحرافات، وكيد العدو عظيم، فكيف تخرج الأمة من هذا الواقع؟

ولا زال المصلحون يسهرون الليالي في مناقشة هذه القضية، ما هو المخرج؟

لا زال المصلحون يفكرون طويلاً ما هو المخرج؟

فعلاً -أيها الإخوة- إن الإنسان يتحير، ما هو المخرج من هذه الفتنة والمحنة التي نعيش فيها؟ قد يصل إلى شيء يغير به الواقع.

وقد لا يستطيع، فتكون المحافظة على النفس والمحافظة على هؤلاء الأخيار والرفقة الطيبة هو ما يمكن أن يفعله.

قد يكون لديه قدرات في التغيير.

وقد لا يكون لديه إلا أن يعتزل هذه الفتنة، ويعتزل هؤلاء المنحرفين، ويغادر هذه البيئة الفاسدة.

الإنسان إذا ما كان قادراً على إصلاح الوضع من حوله، أيبقى هكذا مستمراً فيه حتى يفسد؟ كلا، ماذا سيفعل إذاً؟

يبحث عن إخوة في الله يأوي إليهم.

يبحث عن أهل إيمان ودين يجتمع بهم.

هذه القلة تساوي شيئاً عظيماً عند الله.

والله يحفظ أوليائه.

ولما دعوا ربهم: آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [الكهف: 10] هيأ الله لهم من الأسباب العظيمة ما حفظهم بها، حتى المكان الذي ناموا فيه، حتى المكان الذي آووا إليه، اختار الله لهم مكاناً عجيباً.

لنتأمل أولاً لماذا مدحهم الله؟ هل لأنهم فتية؟ هل مجرد كون الشخص شاباً صغيراً فتى يمدح على ذلك؟

الجواب: كلا، وإنما المدح انصب على الإيمان.

ولذلك ينبغي أن يكون المدح المطلق بالأسماء الشرعية.

وهذا ما علق الله عليه المدح المطلق: آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى  [الكهف: 13].

فإذاً، إذا أردنا أن نعرف كيف ينعم الله -تعالى- على الشباب؟

الجواب: أن يبدؤوا هم بالإيمان بالله ويلتجؤوا إليه، فيزيدهم الله هدى، ويحفظهم وينصرهم ويوفقهم ويهديهم.

ولذلك قال : آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13].

فينبغي على الشباب إذاً أن يزدادوا إيماناً بالله.

والإيمان قول وعمل، بالقلب واللسان والجوارح.

فإذا ازدادوا إيماناً زادهم الله توفيقاً، والإيمان يزيد وينقص كذلك، ويصبرهم ويثبتهم، فيقول الشباب اليوم: المغريات كثيرة، أسباب الانحراف كثيرة، فتنة النساء عظيمة في الصور في الأفلام العلاقات، حتى هذه الملاهي المحرمة الكثيرة المنتشرة، وأنواع الفواحش والمغريات، ماذا نفعل في المواجهة؟

 آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ [الكهف: 13، 14] وهنا تظهر أهمية هذه العوامل: الإيمان، وإعلان الحق، قَامُوا فَقَالُوا  والتبرؤ من الواقع الفاسد وعدم الرضا به والإنكار وإعلان الخطأ: هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الكهف: 15].

إذاً، المسألة ما فيها مجاملة، وليست القضية فقط نقول: نحن آمنا.

وإنما يجب أن يعلم هؤلاء المنحرفون أنهم على انحراف، وأنهم على شرك، وأنهم على كفر، وأنهم اتخذوا آلهة بغير دليل ولا سلطان مبين، والبينة على المدعي، ولا بد من تقديم الدليل على صحة ما يقوله الشخص.

والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء.

إن السلطان الذي تقوم به الحجة هو الدليل البين الواضح: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران: 138].

وهنالك التعارف والتكاشف الذي ينبئ عن وحدة العقيدة، وأن الدين واحد.

لقد تكشف لهؤلاء الشباب أنهم على دين واحد، أنهم جميعاً على التوحيد.

وحيث أن المواجهة هنا الآن غير ممكنة؛ لأنه ليس هناك تكافؤ على الإطلاق، بلد بأكملها من رأسها إلى قاعدتها على الشرك، تواصوا به وهم قوم طاغون، ويؤذون المؤمنين، وماذا لو اكتشفوا هذه القلة المؤمنة؟

إذاً، المواجهة غير ممكنة الآن، فما هو الحل؟ هل يبقى مرة أخرى الشاب في الواقع الفاسد؟

لا.

ما هو الحل؟

 وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ [الكهف: 16] الاعتزال إذا لم يقو الإنسان على إصلاح الوضع وعلى المواجهة فلابد أن يعتزل.

وهذا الاعتزال لا يشترط أن يكون بالذهاب إلى كهف ولا إلى غار، لكن قد يكون اعتزالاً في سكن بعيد عن هؤلاء المنحرفين: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [الكهف: 16] اعتزل القوم وزبالاتهم وقاذوراتهم وفواحشهم.

اعتزل هؤلاء ومنكراتهم.

اعتزل هؤلاء وفسادهم.

إذاً، المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم أفضل، لكن إذا لم تكن المواجهة ممكنة ما هو الحل؟

ينجو أهل الإيمان بأنفسهم على الأقل.

وهذه القضية -يا إخوان ويا أيتها الأخوات- تتفاوت فيها الظروف والأحوال والأزمنة والأمكنة والبلدان والأشخاص، أحياناً يكون سلطان الدين في المجتمع قوياً، فلا يقال: اعتزل ولا اعتزلوا، ولكن إذا كان هناك اضطهاد لا يأمن الإنسان على دينه، إذاً يبقى تحت الاضطهاد حتى ينحرف؟

لا.

يفر بدينه.

ولذلك شرعت الهجرة، حتى لا ينتكس المؤمن، وحتى لا يتقهقر ويتراجع ويولي، يتولى عن الإيمان.

 وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ   [الكهف: 16].

طيب أين نذهب؟ سنخرج من بيوتنا، سنترك أهلنا، مهما كان عندنا من مال فإنه محدود، القوم سيتابعوننا، نحن نتعرض للخطر والأذى، ما هو الحل؟

 فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ مكان يلوذ به الإنسان، مكان يختبئ به، مكان يحتمي به من هؤلاء المطاردين، مع الدعاء لله بالفرج، يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا [الكهف: 16].

هل اعتمدوا على أنفسهم؟

لا.

وإنما رجوا من الله أن يأتي بالفرج، يَنْشُرْ لَكُمْ  وييسر، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا  [الكهف: 16] مكاناً ترتفقون به.

فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم، والالتجاء إلى الله في صلاح أمرهم.

فلما كان ذلك مع الثقة بالله يسر الله لهم الأسباب، وآواهم إلى ذلك الكهف.

هذا الكهف الذي كان فيه الحفظ والصون والأمن والرحمة.

هذا الكهف الذي كانت معية الله فيه لهؤلاء المؤمنين من الفتية.

هؤلاء جعل الله -تعالى- لهم من الأسباب العظيمة: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ  [الكهف: 17] جعلهم الله في فجوة ومتسع، والشمس ليست مسلطة عليهم.

إن هذا الكهف فتحته، مدخله، واجهته إلى الشمال؛ لأن الله حفظهم من أن يكونوا في المشرق، تشرق عليهم مدة طويلة تحرقهم، أو تكون في الغرب مسلطة عليهم كذلك، لكن فتحة الكهف إلى الشمال، فالشمس تأتيهم بما يحتاجون من الدفء والحرارة، ولكن لا تحرقهم ولا تؤذيهم: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ الكهف: 17] تميل ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، فتميل عن الكهف يميناً عند الشروق، وشمالاً عند الغروب، فلا يأتيهم الحر الشديد.

هكذا كان مدخل الكهف الذي وفق الله هؤلاء الفتية للدخول فيه، وهم في مكان متسع فجوة من الكهف ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيق، خصوصاً وأن مكثهم سيكون فيه طويلاً.

هذه الهداية من يهدي الله فهو المهتدي، كانت من الله –تعالى-، هداهم للإيمان، وهداهم للمكان المناسب.

إن كثيراً من الناس يخططون، لكن لا يهديهم الله إلى الخطة المناسبة والنتيجة الصحيحة ويندمون.

لقد حفظ الله أبدانهم وحفظهم من حر الشمس الشديد: وَتَرَى الشَّمْسَ [الكهف: 17] تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية لا تؤذيهم ولا تغير ألوانهم ولا تبلي ثيابهم، يصيبهم منها شيء يسير، لكنه يصلح حالهم وأجسادهم.

وكذلك فإن أعينهم لم تكن لتنطبق، فلذلك إذا رأيتهم تحسبهم أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ [الكهف: 18] لئلا يسرع إليها البلى، بل هي متعرضة لشيء من الهواء.

وبالإضافة إلى ذلك وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ  [الكهف: 18] لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض.

وهذا التقليب يحرك الدماء في الجسد أيضاً.

 وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ  [الكهف: 18] ليحرسهم عند الباب ليس بالداخل.

الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، وإنما في الخارج حارس.

وبالإضافة إلى ذلك حماهم الله بالرعب وألقى عليهم المهابة، لو أن أحداً نظر إليهم لفر منهم. ليس فقط خاف، فر منهم وامتلأ رعباً.

فتأمل كم سبب هيأ الله لهؤلاء ليحفظهم.

انظر إلى الإيمان والدين إذا صدق صاحبه ماذا يعطيه الله.

 وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا  [الكهف: 18].

-سبحان الله- هذه الآيات في حفظ المؤمنين، تحسبهم أيها الرائي أيقاظاً ليس عليهم علامات النوم، ليس الاسترخاء والاستغراق، وإنما كأنهم متأهبون، كأنهم أيقاظ.

يفرق بين النائم والمستيقظ بالاسترخاء والاستغراق في حال النائم والانشداد والانتباه في حال المستيقظ.

تحسبهم أيقاظاً ليسوا مستغرقين مسترخين، وهم في الحقيقة رقود.

ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، هذا التقليب من الله، نقلبهم ليس يتقلبون نقلبهم، فالله هو الذي يقلبهم -سبحانه وتعالى-.

والكلب باسط ذراعيه كأنه لم ينم، جالس على بطنه قد مد الذراعين بالوصيد فناء الكهف وفتحة الكهف حراسة.

قال بعض العلماء: إذا احتاج إلى الكلب للحراسة جاز اتخاذه.

أما اتخاذه بلا حاجة فإنه لا يجوز.

ومن اتخذ كلباً بلا حاجة نقص من أجره كل يوم قيراط أو قيراطان، مقدار عظيم ينقص من أجره؛ لأن هذا الكلب مما كره الله للمؤمنين اتخاذه، لكن عند الحاجة كلب الزرع، كلب الصيد، كلب الماشية، كلب الحراسة عند الحاجة.

وإذا وجد ما يغني عن ذلك من أجراس الإنذار والحراس، فإن الكلب لا يتخذ.

في ذلك الوقت كان الكلب هو وسيلة الحراسة، فجعله الله -تعالى-، جعله الله  عندهم ليكون حارساً لهم.

وهكذا كان بفتحة الكهف بالفناء يحرسهم، جالس كهيئة المتأهب.

فما بال بيوت المسلمين اليوم وفيها كلاب الشهوات وأنواع المنكرات تعج فيها؟

إن الحفظ من الله بأسباب؛ منها: بركة أهل الخير وصحبتهم.

الكلب نفسه ثلاثمائة وتسع سنين لم يبل، لم يتحول إلى هيكل عظمي، لم يذب ويتحول إلى ملح، وإنما بقي على هيئته.

شملت بركتهم كلبهم، فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، هيئة المستعد المتيقظ، مع أنه في الحقيقة الكلب نائم، فإذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء، حتى أخبر الله عنه في كتابه، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء الصالحين؟ بل هذا فيه أنس لهم.

وعن أنس بن مالك قال: بينا أنا ورسول الله ﷺ خارجان من المسجد، فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال رسول الله ﷺ: ما أعددت لها؟  قال: فكأن الرجل استكان، سكت، فوجئ، ما أعددت لها؟  أجابه عن سؤاله بسؤال لما كان سؤاله غير مناسب، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: فأنت مع من أحببت  قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام بشيء فرحاً أشد من قول النبي ﷺ:  فأنت مع من أحببت  قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم" [رواه البخاري: 3688 ومسلم: 2639].

وهذا الذي تمسك به أنس تتعلق به أطماع كل المؤمنين.

وأطماعنا ولو كنا مقصرين نرجو رحمة أرحم الراحمين وإن كنا غير مستأهلين ولا مستحقين.

كلب أحب قوماً فذكره الله معهم، فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان، وكلمة الإسلام، وحب النبي ﷺ؟

ولذلك لابد من الحرص على البقاء مع الأخيار، وأن يكون الإنسان مع أهل العلم والدعوة الذين يبذلون للدين.

أما أن يبقى من القرناء الفاسدين، فلا.

 قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات: 51] ماذا قال بعد ذلك؟  تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات: 56، 57].

وهكذا بقي هؤلاء بعدما أخذوا بما يمكن من الأسباب المشروعة أتم الله لهم النعمة، لقد تركوا أهلهم لماذا؟

بغياً ظلماً قطعاً للرحم عقوق الوالدين.

لا.

لكن لما اضطهدوا: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا  [لقمان: 15].

لما وصلت المسألة إلى قضية البقاء على الإيمان أو الانحراف عنه، إذاً الاعتزال.

ولما أخذوا بالأسباب المشروعة وتركوا أشياء كثيرة لله في الله وفروا بدينهم، كل ما كان لديهم دراهم وكهف وكلب فقط.

ومع أن الكهف مظنة الوحشة والضيعة والعيلة، يعني وفي النهاية، يعني وبعد ذلك ماذا سيكون؟ ولكن  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2- 3].

وهكذا حفظهم الله بهذه الأسباب الكثيرة.

حفظهم الله  بهذه الأمور التي قصها علينا وأخبرنا بها، ورأينا بركة أهل الخير كيف أنهم يستفيدون من اجتماع بعضهم مع بعض.

وكذلك الإنسان المقصر إذا خالط أهل الخير يستفيد؛ لأن الملائكة تقول: فيهم فلان ليس منهم، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم [رواه مسلم: 2689] فيغفر له معهم، مع أنه أصلاً جاء لحاجة.

هذا كلب ليس عنده عقل يحتسب به الأجر ومخالطة الصالحين، ومرافقة الصالحين.

وهذا الإنسان الذي جاء إلى مجلس ذكر لحاجة، ما جاء بقصد التعلم والذكر جاء لحاجة، لكن رأى الأخيار جلس معهم، ((قوموا مغفوراً لكم)) فيهم فلان ليس منهم جاء لحاجة؟ هو معهم، حكمه حكمهم.

إذاً، عندما يكون الإنسان مع الصالحين لو مات معهم يبعث معهم.

لكن عندما يكون مع أهل السوء والفساد، فماذا ستكون النتيجة؟

ولما بقي القوم هذه المدة الطويلة ثلاثمائة سنة وتسع سنوات على هذه الحال، شاء الله بعد ذلك أن يكشف الأمر: وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ [الكهف: 19] كما أنمناهم أيقظناهم، بعثناهم من النوم ليتباحثوا، كم المدة التي لبثوا منذ أن دخل الغار؟

قال بعضهم:  لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ  [الكهف: 19].

وقال بعضهم: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ  [الكهف: 19].

لكن الآن هم في جوع، فماذا سيفعلون؟

 فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ [الكهف: 19] الورق الفضة، وهذه الدراهم التي كانت معهم حينما خرجوا إلى الكهف  فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا  [الكهف: 19] إنهم يريدون طعاماً طيباً زكياً، يريدون طعاماً حلالاً، لو كان لحماً يريدونه مذبوحاً مذكى، ولو كان من أنواع أخرى أيضاً يريدونه حلالاً لا مغصوباً ولا مسروقاً، ولو طلبوا طعاماً طيباً فإنه لا بأس عليهم بذلك، فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا [الكهف: 19] تحري المطعم الحلال، تحري الأكل الحلال.

الزكي هو الطيب.

وبعض الناس يعتبرون الطعام زاكياً إذا كان فيه من أساليب الطهي والطرق التي تجعله شهياً. لكن الزكاء الأهم ليس في طعمه وإنما في مصدره وأصله، هل حلال أم حرام؟ هل هو طيب أم خبيث؟

 فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ [الكهف: 19] فليأتكم بقوت.

لكن الآن العودة إلى البلد فيها مجازفة.

العودة إلى البلد فيها مخاطرة، فأوصوه وصية التدقيق حتى لا ينكشف الأمر، وَلْيَتَلَطَّفْ [الكهف: 19] بالاختفاء والحيلة عند دخول المدينة وشراء الطعام، وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا [الكهف: 19] لا يخبرن.

إذاً، البحث عن الطعام والتزود طيب، والمحافظة على النفس مطلوبة.

وكذلك فإننا نرى كيف وكل بعضهم بعضاً، وكلوا أحدهم بهذا.

والوكالة إذا كانت فيها خدمة للآخرين فأنعم وأكرم.

سيكون هذا الوكيل إذاً يخدم إخوانه ويأتي بالطعام لهم، وهم سيجتمعون ويأكلون.

فهل يجوز أن يدفعوا مالاً متساوياً من كل واحد مثلاً ويشتروا طعاماً قد يأكل هذا أكثر وهذا أقل؟

نعم، يجوز ذلك، لقد عملوا شركة وجمعوا أموالهم وأعطوها لهذا، فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ [الكهف: 19].

المجموع إذاً شركة الطيبين والأخيار فيها إخلاص، وفيها خدمة للآخرين، وواحد يذهب ويأتي لهم بالطعام الطيب، يخدم إخوانه، ويستعين على إنجاح الحوائج بالكتمان، ويتحرز ويستخفي، والإنسان إذا كان عليه خطر فإن من العقل أن يفعل ذلك.

لقد لاحظنا من خلال النقاش الذي جرى:  رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ [الكهف: 19] كيف ردوا الأمر إلى الله، وكانوا في غاية الأدب، ما دمتم لا تعلمون بالضبط كم، فالأمر إلى الله.

وهكذا الآن تدبروا أمر المعاش، وليذهب واحد ليأتي بالطعام، وليستخف ولينتبه من اطلاع القوم، لماذا؟

 إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 20].

فنحن لا نرضى أن نعود في ملتهم، ولن نعود  فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا [الأعراف: 89].

وما هو الشيء الذي كانوا يخشونه؟

إن يعيدوا في ملة القوم، والشيء الآخر القتل، يرجموكم بالحجارة فيقتلونكم قتلاً شنيعاً، كيف تركتم دين القوم؟ أو أن ترضخوا وتدخلوا في دينهم بالإكراه والإلجاء؟ وكلاهما لا يراد أبداً.

ما على المؤمن الفار بدينه أعظم من هذين:

فأحدهما: فيه هلاك النفس وهو الرجم الذي هو أخبث أنواع القتل.

والآخر: هلاك الدين، وهو أن يرد إلى الكفر.

إذاً، الإنسان ينجو بنفسه وبدينه.

 إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 20] والمسلم ينجو بنفسه وينجو بدينه، لم لا؟ هذا هو المطلوب.

ولما اكتملت النعمة على هؤلاء القوم، ووصلوا إلى هذا الحد، أراد الله أن يكشف أمرهم، وأن يطلع الناس على أحوالهم، وأن تعرف هذه القصة، وأن تتناقل سيرة هؤلاء العظام: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ [الكهف: 21] فكشف الله أمرهم للناس، هل هو بطريق أن الذي ذهب ليشتري لما قدم الدرهم وكان صك الدراهم يوجد عليها في الغالب المكان الذي هي مطبوعة فيه ما يشير إلى الملك الذي طبعت في عهده مثلاً، كما هي العادة في صك النقود، ويقولون: هذه نقود رومانية، ونقود يونانية، ونقود إغريقية، فانكشف عن هذه الطريق، أو عن طريق آخر؟ المهم أن الله أعثر عليهم، وعرف الناس بحالهم، لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [الكهف: 21] الناس إذا عرفوا أن هؤلاء ناموا ثلاثمائة وتسع سنين.

إذاً، هذا دليل على البعث والنشور، وأن القيامة حق وستأتي.

ويعلم هؤلاء الشباب الفتية أن وعد الله لعباده المؤمنين بحفظهم وتنجيتهم من الكفار أنه وعد حقيقي، ولذلك حصل واكتشف هؤلاء السبعة أنهم نجوا؛ لأن القوم الذين كانوا يضطهدونهم قد ماتوا وبادوا، وأنهم صاروا الآن في عالم جديد تماماً.

إذاً، أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [الكهف: 21] بالنجاة، وليعلم من عثر عليهم بأن وعد الله حق بقيام الساعة، وأن الساعة لا ريب فيها واقعة.

 إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ  [الكهف: 21] فالذين عثروا عليهم اختلفوا، ماذا يفعلون بهم؟

قيل: إن هؤلاء رجعوا إلى الكهف وماتوا فيه مباشرة بعدها، فتنازع الذين عثروا عليهم واكتشفوا قصتهم ماذا يفعلون بهم؟

فقال بعضهم : ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا [الكهف: 21] لحمايتهم حماية أبدانهم، وليكون أثراً من الآثار.

 قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ  [الكهف: 21] وكانوا هم المتحكمون في ذلك الواقع: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا  [الكهف: 21].

 قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ أصحاب الأمر والأولياء لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا نبنيه عليهم.

ومعلوم أن بناء المساجد على القبور في دين الله محرم، وأن قيام هؤلاء بهذه الفعلة لا يدل أبداً على جواز هذا الأمر ومشروعيته.

سيختلف الناس في عدد هؤلاء: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22] لكن هذا كله رجم بالغيب، كما قال الله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ بدون دليل، فأبطل الله القولين، ثم قال: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22] ولم يحك الله إلا ثلاثة أقوال أبطل اثنين منها بقوله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ وبقي القول الثالث:  سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ  لم يبطله تعالى.

 قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ  [الكهف: 22].

وابن عباس لما فهم هذا الفهم قال: "أنا من القليل الذين ذكرهم الله".

ولو عرفها الآن آلاف فيبقون بالنسبة للعالم الذين لا يعرفون قليلاً.

على أية حال: العدد ليس مهماً، فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا [الكهف: 22] يعني شيء يسير.

أما أن تنقضي الأوقات والأعمار في مناقشة أقوال لا فائدة من المناقشة فيها، فإن هذا جدال يقسي القلب، ويضيع العمر، فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا  ويكون عن علم، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف: 22] إياك بالرجوع إلى الكفار، إياك اللجوء إلى الكفار لكي تسألهم، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا  في أهل الكهف منهم من أهل الكتاب أحداً، عندك المصدر وعندك الحق وعندك ما أخبرك الله به يكفيك ذلك.

بعض الفوائد والدروس والعبر المستفادة من قصة فتيان الإيمان

01:09:53

أيها الإخوة: لله الحكمة البالغة، لقد كانت تلك القصة العظيمة دليلاً واضحاً على البركة التي تنتج من الطاعات، والخير الذي يكون في مصاحبة الأخيار، ولو لم يكن من الفائدة إلا أن يحشر القوم مع من أحبهم لكان ذلك كافياً.

وينبغي أن يكون دأب المسلم الانتفاع بإخوانه.

أين مثل الأخ الصالح؟

إن أهل الرجل إذا مات يقسمون ميراثه ويتمتعون بما خلف، والأخ الصالح ينفرد بالحزن مهتماً بما قدم أخوه عليه، وما صار إليه، يدعو له في ظلمة الليل، ويستغفر له تحت أطباق الثرى.

وأيضاً فإن المسلم يرى في هذه القصة: كيف أن الشباب على صغر سنهم وحداثة شأنهم يمكن أن يتوصلوا إلى الحق، وأن يعرفوه أكثر من الكبار، وأكثر من الشيوخ، وما المانع من ذلك؟ ما المانع أن يهتدي الشباب الأصغر إلى ما لم يهتد إليه الكبار؟

المسألة مسألة توفيق من الله، وليست دائماً القضية على قدر السن.

إن الشباب يحتاجون للتأمل في هذه القصة جيداً ليعرفوا على أي شيء يلتقون على زيادة الإيمان، وزيادة العلم.

إن التقاء الأخيار معاً ينمي المهارات، ويصقل الخبرات، بل يكشفها.

تعلو الهمم، الإنسان لوحده ضعيف، خصوصاً في هذا الزمان.

التربية الجماعية توجه الطاقات، وتفتح المجالات للخير.

لابد للشباب من أن يكونوا معاً يتواصون بالحق والصبر، معرفة الحق، والصبر عليه.

إن الأجر يزداد -أيها الإخوة- باللقاءات بين المسلمين المؤمنين، ويكون هناك تناصح يفقده الإنسان لو كان وحده، وتصحيح أخطاء لا يحصل له لو كان منفرداً.

إن معرفة الأخ بأخيه مكسب إذا اجتمعا في الله وجلسا للإيمان: "تعال بنا نؤمن ساعة".

في وقت الفتن الذي نعيش فيه هذا، لو كل واحد ذهب وحده يفكر ربما طلع كثير ببدع وشذوذات، لماذا المعتزلة سموا بالمعتزلة؟

لأن مؤسس فرقتهم ورائد عقيدتهم الفاسدة اعتزل مجلس الحسن البصري، خطر بباله فكرة خبيثة في الكلام على أشخاص، قال: هؤلاء لا في الجنة ولا في النار، بين الجنة والنار، والله ما ذكر في كتابه إلا أهل الجنة وأهل النار، وحتى أهل الأعراف مصيرهم في النهاية إلى الجنة، إذاً الانفراد يولد الانحراف، ممكن يولد الانحراف.

وهذه قضية مهمة -أيها الإخوة- الشباب إذا كانوا معاً على الدين والإيمان فإنهم يتابعون أنفسهم ويصح بعضهم لبعض.

وكذلك: فإن أهل الباطل يشيعون الخوف والإرهاب في نفوس المؤمنين.

فكيف يقاوم الإنسان هذا الخوف؟

أن يكون مع إخوانه، يقوي بعضهم بعضاً.

لا شك أننا نتعرض لاضطهادات عظيمة في هذا الزمان، نحن نتعرض لاضطهادات عظيمة، فكيف نثبت؟ كيف نثبت -أيها الإخوة- في هذا الوقت العصيب الذي نعيش فيه إذا لم نكن معاً؟

وطبيعي أن الإنسان يكون مع من هم من أهل الشباب من أهل الإيمان والدين، من أقربائه، في المدرسة التي هو فيها، في الجامعة التي هو فيها، في السكن الذي هو فيه، في الشركة التي هو فيها، من أقرب الناس إليه.

لكن إذا لم يكن فإنه يذهب بعيداً ليجتمع بإخوانه ويسافر، ولم لا؟

لقد غفر الله لرجل زار أخاً له في قرية أخرى، لأجل أن يلتقي به، وليس له عليه شيء.

الإخوان إذا اجتمعوا يخفف بعضهم عن بعض وقع المصائب.

الإخوان إذا اجتمعوا يحققون معاني الإخوة في الله.

ولكن هذا الاجتماع يجب أن يكون موجهاً صحيحاً، له هدف واضح.

أما أن يكون اجتماع غيبة ونميمة وكذب، وإضاعة الأوقات في المزاح والضحك الكثير، أو تباهي بعضهم على بعض، والإفراط في السهر فيما لا يفيد، وتضييع الأوقات في غير ما جاء به الشرع أن يقضى العمر، والجدل والمراء المقسي للقلب، والتحدث فيما لا يعني؛ إن هذا يقلب القضية.

ويجب على الشباب أن يلزموا أهل السنة العدول الأخيار، يلزموا أهل العلم والاهتمام بنشر الدين، يلزموا أهل القدوة الذين يربون بأقوالهم وأفعالهم؛ لأن هناك أحياناً مجموعات للشباب تنشأ بلا فائدة، فقد تنشأ نتيجة أهواء شخصية، فيقول بعضهم لبعض: اتركونا من هؤلاء وتعالوا نحن نكون مجموعة، لماذا؟ ما أعطونا ميزات، وهل القضية قضية ميزات دنيوية؟

المسألة الآن مسألة دين ونصرة الدين.

وقد يقول بعضهم لبعض: هذا الوسط فيه علم صعب، نحن نريد اللعب واللهو، فلنعتزل نحن ونكون مجموعة، على أي شيء؟

نلعب ونمزح ونضحك.

لا شك أن العلم صعب لا ينال العلم براحة البدن.

بعضهم قد يجتمعون على بدعة أو يجتمعون على غلو، وهذا موجود، ونأخذ مثالاً على ذلك: قضية التكفير التي سلك فيها بعض الناس مسلك المرجئة المنحرفين، فقالوا: لا تكفير.

وسلك فيها آخرون مسلك الخوارج الغالين، وصاروا يكفرون كل أحد.

يمكن أن تجد بعض هؤلاء يجتمعون فيقولون: ما في تكفير أبداً.

طيب والله -عز وجل- كفر اليهود وكفر النصارى وكفر المشركين وعبدة الأوثان والصلبان، وغير ذلك من أنواع المشركين والكفار، ما معنى هذا؟

إذا كان لا يوجد تكفير في الإسلام، فما معنى قول الله: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة: 256].

لا دين بغير تكفير، التكفير لابد منه، لمن يستحقه قطعاً.

الطائفة الثانية: الذين يكفرون كل أحد بالهوى، فيحكمون على آحاد المسلمين بالكفر وعلى أفراد الناس بالكفر.

لماذا؟

لأن هذا راضي بما فعل هذا، وهذا راضي بما فعل هذا، وهذا راضي بما فعل، إذاً، كلهم كفار.

وما أدراك أنه راضي؟

قد يكون مكرهاً، قد يكون جاهلاً، قد يكون لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلاً، فكيف حكمت عليه بالتكفير؟

ولذلك فإن التساهل في هذه القضية والاجتماع عليها سيؤدي إلى عواقب وخيمة، ولذلك ترى هؤلاء يمكن أن يكفروا بعض المسلمين ويقتلونهم في النهاية.

ولذا لابد من الحذر الشديد من الاعوجاجات والانحرافات التي قد تطرأ، واتباع المنهج الوسط الذي ليس فيه تمييع ولا مداهنة، ولا مجاملة على حساب الدين.

ألم تر أن أصحاب الكهف إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا [الكهف: 14].

ثم قالوا عن قومهم النقد الواضح جداً الصريح للغاية: هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ [الكهف: 15]، ولكن الغلو في الجهة المقابلة ينتج مآسٍ ومصائب، وفي النهاية يحمل على استحلال دماء المسلمين.

وربما يقول: طيب هذا الكافر معه مسلم؟

يقول: اقتلهم كلهم.

طيب وبعدين يقول لك: يبعثون على نياتهم؟

يا أخي أنت على كيفك؟

-سبحان الله- كيف هذا؟

طيب وما معنى النصوص التي جاءت في تجريم وتحريم قتل المسلم، زوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم، زوال الكعبة أهون عند الله من قتل مسلم.

وأنت تقول: والله إذا كان معه في الطريق ما كله يشيل كله، وبعدين يوم القيامة يعني؟ وأنت يوم القيامة ماذا سيحصل لك؟

إذا تقول تسببت في قتل من يستحق ومن لا يستحق، يبعثون على نياتهم متى؟

لما يأتي شيء من الله: زلزال، وباء، خسف، يغزو جيش الكعبة وفيهم من ليس منهم ومن ليس معهم، وجمعهم الطريق، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، خسف الله بهم، هؤلاء يبعثون على نياتهم، لكن أن نقول: نقتل كل هؤلاء ويبعثون على نياتهم، هذا الانحراف الخطير.

وكذلك فإنك تجد اليوم من يجتمع؛ كالذين اتخذوا بينهم أوثاناً مودة بينهم في الحياة الدنيا، مودتهم على الفسق على المعصية، يجتمعون عليها.

أيها الإخوة: لابد أن يكون إذاً الاجتماع على البر والتقوى وطلب العلم والتواصي بالحق والصبر، وتثبيت الآخرين على المشاريع النافعة؛ كحفظ القرآن والسنة، والزيارة في الله.

وكذلك مناقشة أوضاع المسلمين، وكيف تدعم المسلمين، وكيف نقاوم المنكرات، وكيف نرد على أهل البدع والضلالات، وكيف لا نعطي الدنية في ديننا، وكيف نجهر بالحق، وما هو الذي يبدأ به، وما هي الأولويات في الدعوة وإنكار المنكر؟

إن كل ذلك مهم في اجتماع المؤمنين، لابد من مناقشة ما هي سبل النهوض بالمسلمين؟ ما هي إسهاماتنا في هذه القضية؟

وحيث أن قصة هؤلاء الفتية فتيان الإيمان كان فيها اضطهاد ممن حولهم، وكان فيها صعوبات وتحديات من المجتمع الذي كانوا فيه، فإن على الشباب المسلم أن يقتدي بهؤلاء في كيفية الصمود في وجه هذه المصاعب والتحديات، فإن عدداً من الشباب المسلم يعترضون اليوم لأنواع من الفتن؛ مثل: التخويف، وما يرهب به الأعداء نفوسهم، وما يتأثر به الآباء والأمهات من كيد الأعداء، فيريدون لسلامة الولد حجبه عن الدين وأهله، ولا شك أن هذه مصيبة.

ومن التحديات: تسهيل سبل المعصية وفتح أبواب الشر، حيث ربما تمنع النفقة عن الولد إذا كان مستقيماً، ويعطى من الأجهزة التي تستعمل بالحرام والمنكرات، ويشجع على سلوك سبيل الغي إذا ضعف.

وأيضاً يتعرض هؤلاء ممن حولهم بالسخرية والاستهزاء، وهذه الحرب النفسية التي تشن.

أيها الإخوة: كل هذا يمكن التغلب عليه باجتماع أهل الخير وأهل الإيمان والدين.

يعاني هؤلاء من التضييق في المجالات المختلفة، لكنهم إذا فزعوا إلى الله، وكان المأوى إليه، والاجتماع على الحق، فإن كثيراً من هذه الاضطهادات يمكن تحملها، بل والتغلب عليها.

إن بعض المحيطين ببعض الشباب يثيرون حولهم الشبهات، ويؤلبون عليهم ويخوفونهم، وقد قال الله:  وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ  [الزمر: 36]، والشيطان يخوفنا بأوليائه:  إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  [آل عمران: 175].

وأيضاً يتعرض عدد من الشباب لعدم احترام دينه وتدينه، وربما رفع صوت المنكر بحضرته تبكيتاً له واضطهاداً، وضيق عليه، وأحرج في الجلسات العائلية، ووجهت إليه أسئلة، وربما شنت عليه الغارة في الكلام على ما كان عليه قبل الاستقامة لفضحه والتثريب عليه، ولحرب النفسية ليقال: أنت كنت كذا، وكنت كذا، وكنت ... الآن جيت تسوي نفسك متدينا، فإذا كان مع ذلك الإغراء بالمال للتنازل عن دينه، وشن سهام الشبهات عليه بقضية: أن الدين ليس هكذا، وأن هناك رخص كثيرة، وأن مفهوم الدين أوسع من هذا، وأن المسألة فيها أقوال، وأن هناك ناس حللوا هذا الأمر، وأنه لا داعي لأن تكون حنبلياً متشدداً، ونحو ذلك، مما يجعل بعض الشباب يرضخون أو يستجيبون أو يضعفون أمام أصوات الباطل.

شبهات تلقى واحدة وراء الأخرى.

وكذلك فإن درس الذي أخذناه من قصة أصحاب الكهف في هذه الضغوط التي أحاطت بهم، فصمدوا بالرغم من كيد قومهم يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ [الكهف: 20] هذا الأمر أو الضغوط هذه يستعان عليها بالصحبة الطيبة والدعاء لله والانشغال بالطاعات، وشغل النفس بما يفيد، وأن يقوي الإنسان نفسه وإخوانه ويكون معم يستشيرهم يتهادون فيما بينهم الفوائد والهدايا المختلفة، وأن يكون هناك مطاوعة وعدم اختلاف، تطاوعا ولا تختلفا.

أيها الإخوة: إننا نحتاج إلى الشباب الذين:

ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام ديناً

نحتاج إلى الشباب الذين:

 وإنْ جنَّ المساءُ فلا تراهم مـن الإشفاقِ إلا ساجِدينـا

نحتاج إلى هؤلاء الشباب الذين هم في الحقيقة سر نهضة الإسلام وهم فجره الجديد.

فنسأل الله أن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، إنه سميع مجيب قريب.

وصلى الله على نبينا محمد.