الجمعة 11 شوّال 1445 هـ :: 19 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كونوا على الخير أعوانا


عناصر المادة
مقدمة
تعريف التعاون لغة وشرعاً
الفرق بين البر والتقوى
الفرق بين الإثم والعدوان
منزلة التعاون على الخير
أهمية الحديث عن موضوع التعاون على الخير
ووسائل التعاون على الخير
مجالات التعاون على الخير
التعاون على إقامة العبادات
التعاون في بناء المساجد
التعاون في العبادات
التعاون بين طلبة العلم
التعاون على تأليف الكتب
التعاون على الجهاد
تعاون الصحابة في المعارك تخطيطاً وقتالاً والتحاماً مع العدو
التعاون على القيام بحقوق المسلمين
التعاون على سائر أنواع البر والخير والإحسان
إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الاعتداءات
التعاون في مجال العيش
التعاون بالرأي
التعاون بين أصحاب المسؤوليات
أسباب التعاون على الخير
ضوابط التعاون
التعاون المذموم
الخاتمة

مقدمة

00:00:05

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد

أما بعد

فدرسنا ومحاضرتنا في هذه الليلة انطلاقاً من قول الله -تعالى-:  وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  [المائدة: 2].

إنه حديث في التعاون على أنواع البر والخير، وإنها حث على المشاركة في الخير، وهذا هو الفرض العظيم والمهمة الكبيرة للمسلم في حياته أن يتعاون مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى.

تعريف التعاون لغة وشرعاً

00:00:35

حديثنا إذاً عن الإعانة على الخير، فما هي الإعانة؟ وما مرادفاتها؟

قال في الألفاظ المؤتلفة: باب الإعانة، شد على يده وأعانه وأجاره وأيده ورأبه وردفه وعاونه وعانه وعاضده وكانفه وآزره وناصره ونصره وظافره وظاهره وضالعه ومالأه. [الألفاظ المؤتلفة 1/159].

وقال في "مختار الصحاح": رجل معوان كثير المعونة للناس، واستعان به فأعانه وعاونه [مختار الصحاح، للرازي، ص: 222].

وفي الدعاء:  رب أعني ولا تعن علي  [رواه أبو داود: 1510، وابن ماجه: 3830، وأحمد: 1997، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].

وتعاون القوم، أي أعان بعضهم بعضاً.

وفي تعريف الألفة يقول: اتفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش.

وتحت كلمة: اتفاق الآراء، نقف وقفة -ونحفظ هذه العبارة-: اتفاق الآراء في المعاونة؛ لأن الكلام على سبل نجاح التعاون مهم للغاية.

وأما معنى التعاون شرعاً: فإن سفيان بن عيينة لما سئل عن قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى  [المائدة: 2] قال: هو أن تعمل به، وتدعو إليه، وتعين فيه، وتدل عليه.[حلية الأولياء 7/284]

والدليل من القرآن واضح على هذا المبدأ في قوله : وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى .

قال العلامة محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى-في كتابه الذي سيره من تبوك : "الرسالة التبوكية"  أو المسمى: "زاد المهاجر إلى ربه"، وهذه رسالة في الحقيقة هي تعليق على هذه الآية، قال في مقدمتها: "أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه محمد ﷺ، وبعد: فإن الله - يقول في كتابه وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  [المائدة: 2].

وقد اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضاً وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين، وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق" [الرسالة التبوكية، ص: 6].

الواجب الذي بينه وبين الله: أن يعبد الله.

فما هو الواجب الذي بينه وبين الخلق؟

قال: "من المعاشرة والمعاونة والصحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم، وصحبته لهم، تعاوناً على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله" [الرسالة التبوكية، ص: 7].

الفرق بين البر والتقوى

00:03:40

فما هو الفرق بين البر والتقوى، حيث أن الله قال: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ؟

فأما بالنسبة للبر والتقوى فيمكن أن يكون البر بمعنى التقوى، والتقوى بمعنى البر، لكن إذا اجتمعا في سياق واحد فلا بد من فرق.

وفي هذه الحالة يكون الفرق هو أن البر هو المطلوب لذاته، كمال العبد وصلاحه.

وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر، والوسيلة إليه، قال تعالى:  وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى .

وكما قال رحمه الله: والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم.

الله خلق الناس وجعلهم مجتمعين لماذا؟

المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علماً وعملاً؛ فإن العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك، ولا بالقدرة عليه، فاقتضت حكمة الرب -سبحانه- أن جعل النوع الإنساني قائماً بعضه ببعضه، معيناً بعضه لبعضه.

إذاً، لا يمكن لإنسان أن يقيم البر والتقوى بمفرده.

ممكن يعمل أعمالاً من البر والتقوى بمفرده، يصلي في الليل، هناك عبادات فردية، يؤديها واحد، قيام الليل مثلاً.

لكن لا يمكن إقامة البر والتقوى في الواقع إلا بتعاون جماعي، ما يمكن واحد أن يقيمه كله.

بل حتى العبادات الفردية فيها تعاون فإن الرسولﷺذكر لنا معاونة الرجل زوجته ومعاونة الزوجة زوجها على قيام الليل، وهي: مسألة الإيقاظ.

فإذاً، الحياة إذا أردنا أن نطبق فيها البر والتقوى لا يمكن أن تنفك عن تعاون لتحصيل ذلك، ولا يمكن أن تكون القدرة على إقامة البر والتقوى فردية.

الفرق بين الإثم والعدوان

00:05:48

ما هو الفرق بين الإثم والعدوان؟

أما الإثم والعدوان متقاربان في المعنى، لكن إذا اجتمعا في سياق واحد فلا بد من فرق، فالإثم محرم الجنس، ما كان محرماً من الجنس كالخمر والزنا.

وأما العدوان فهو المحرم محرم القدر؛ لأنه جاوز الحد؛ مثل نكاح الخامسة.

واحد في الصحراء على وشك الموت فيشرع له لقمة يدفع بها عن نفسه الموت فأكل الميتة كلها، ما هذا؟ عدوان؛ لأنه مجاوزة للحد.

فالعدوان هو تعدي حدود الله التي قال الله -تعالى- فيها: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  [البقرة: 229].

منزلة التعاون على الخير

00:06:49

ولا بد أن نعلم أن التعاون على البر بر، قال الإمام القزويني -رحمه الله- في كتابه: "شعب الإيمان، باب التعاون على البر والتقوى"، وذكر الآية، قال: ومعنى هذا أن المعاونة على البر بر؛ لأنه إذا عدمت مع وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها، يعني المعاونة وتعاونوا، في نفسها بر، ثم رجح هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد، يعني العمل الجماعي التعاون يرجح على ما يقوم به الشخص بمفرده من أي جهة يكون أرجح وأكثر أجراً؟

قال: بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل الدين والتشبه بما بني عليه.

إذاً، موافقة أهل الدين والتشبه بهم، زائد ما يحصل من التعاون من البر الكثير الذي لا يمكن أن يفعله إنسان واحد لوحده يتبين أن التعاون الجماعي على البر أفضل من قيام الشخص الواحد بالبر لوحده، فقال: مع موافقة أهل الدين والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من الاشتراك فيها وأدائها في الجماعة.

الله جعل في الإسلام طاعات كثيرة، يقول: إن أكثر الطاعات-هذا كلام عالم- أكثر الطاعات من الاشتراك فيها وأدائها بالجماعة، ونلاحظ الخطابات الكثيرة في قوله : {يا أيها الذين آمنوا} خطاب بصيغة الجماعة لأن هناك أمور لا يمكن تحقيقها على المستوى الفردي.

والتعاون مما يتميز به الإنسان، قال في "أبجد العلوم": "الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء وغير ذلك من اللوازم، وإنما يمتاز عنها بالفكر والتعاون بأبناء جنسه والاجتماع المهيأ لذلك التعاون وقبول ما جاءت به الأنبياء [أبجد العلوم، للقنوجي، ص: 90].

والكلام هذا مأخوذ من ابن خلدون في مقدمته، قال ابن خلدون -رحمه الله-: الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكَنّ، وغير ذلك، وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيّء لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء [تاريخ ابن خلدون: 1/542].

وقال مؤكداً على أهمية الاجتماع والتعاون لبني البشر، وأن التعاون يحصل به من الثمرة أكثر من حاجات المتعاونين، يقول: قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه، وإنهم متعاونون جميعاً في عمرانهم على ذلك، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافاً [ينظر: تاريخ ابن خلدون: 1/450] يعني إنتاج مجموعة، لو اجتمع عشرة لأنتجوا أكثر مما يحتاجه العشرة، ولأنتجوا بمجموعهم أكثر مما ينتجه الواحد بالعشر، يعني أنت ممكن تقول: الواحد ينتج بمفرده عشر العشرة، ولكن العشرة إذا اجتمعوا يمكن ينتجوا عشرين ضعف شخص واحد لوحده، هذا من بركة الاجتماع، قال: فالقوت من الحنطة مثلاً لا يستقل الواحد بتحصيل حصته منه، وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد ونجار بالآلات وقائم على البقر وإثارة الأرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلاحة، وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا، وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت، فإنه حينئذ قوت لأضعافهم [تاريخ ابن خلدون: 1/450].

ولذلك ترى أن العمل التجاري الفردي لو واحد فقط يبيع ويشتري يمكن يحقق ربح عشرة مثلاً أو خمسين، لكن لو اجتمعوا ناس وعملوا شركة يصبح نصيب الفرد الواحد منهم من الأرباح أضعاف أضعاف ما يحصله الواحد لوحده الذي يعمل خارج الشركة، وهذا لأهمية مبدأ العمل الجماعي، أهمية مبدأ التعاون على البر والتقوى.

أهمية الحديث عن موضوع التعاون على الخير

00:12:21

فإذاً، لماذا نؤكد على التعاون على البر والتقوى والمشاركة في الخير؟ لماذا نطرح الموضوع؟

لأسباب متعددة تؤكد على أهميته:

أولاً: تحصيل الأجر في امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى  [المائدة: 2].

ثانياً: أن التعاون نفسه إذا حصل صار فيه زيادة في الأجر ومضاعفة، يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: "الروح": فإن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعمله في الحياة مع عمله، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها كالصلاة في جماعة فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفاً.

لو صليت وحدك تأخذ أجراً معيناً، لو صليت مع جماعة تأخذ سبعة وعشرين ضعفاً، وكل واحد من الآخرين في الجماعة يأخذ سبعة وعشرين ضعفاً، لماذا؟

لاجتماعهم، حصل كل واحد نفع الآخر، وتضاعفت الأجور كثيراً، لما اشتركت أنت في صلاة الجماعة تضاعف أجرك أضعاف مضاعفة، سبعة وعشرين ضعفاً؛ لأنك اشتركت في جماعة، قال: لمشاركة غيره له في الصلاة فعمل غيره كان سبباً لزيادة أجره كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر.

لاحظ معي: هذا ترى من فقه الدين، الدين مبني على التعاون، ولما تدخل في الإسلام بإسلامك أنت تحصل أجوراً وتدخل في الأعمال الجماعية تحصل أجوراً أضعاف أضعاف ما تكون لو كنت مستقلاً وحدك، قال -رحمه الله -: فعمل غيره كان سبباً لزيادة أجره كما أن عمله كان سبباً لزيادة أجر الآخرة، بل قد قيل: إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين لذلك كلما كانت الجماعة أكثر كلما كان الأجر أكبر، تتفاضل المساجد بأي شيء؟ بالأكثر جماعة، قال ابن القيم: وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد قال النبي ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً  وشبك بين أصابعه [رواه البخاري: 481، ومسلم: 2585] ومعلوم أن هذا في أمور الدين أولى منه في أمور الدنيا فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته".

الآن أنت لما تسلم تكون من المسلمين تموت على الإسلام كل واحد في الأرض يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين في الصلاة أنت داخل فيهم، أنت لما أسلمت وثبتت على الإسلام كل ملك في السموات من الذين يستغفرون لمن في الأرض ويقولون: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غافر: 7] أنت داخل فيهم وتصيبك دعوة الملائكة.

ثالثاً في أسباب التعاون على البر والتقوى ولماذا نطرح الموضوع ونؤكد عليه؟: الحاجة إليه، فإنه لا يمكن تحقيق كثير من المشاريع ولا إقامتها على الجهة الفردية أن واحداً يقيمه لا يمكن، فمثلاً جهاد العدو، تحضير جيش لقتال العدو هل يقوم به واحد ويقاتل واحداً؟ لا يمكن، صلاة الجماعة؟ لا يمكن ؛ كثير من أعمال الدعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد فيها من عمل جماعي، لا بد من تعاون على البر والتقوى، ولذلك من أسباب التأكيد على الموضوع ولماذا نحتاجه؟ أن هناك حاجة قائمة، ولهذا قيل في المثل: لا يعجز القوم إذا تعاونوا.

واحد وحده لا يمكن يقوم بالشيء، يتعاون مجموعة يقومون بالشيء.

رابعاً: البركة؛ لأن النبي ﷺ قال:  البركة في ثلاث  وذكر منها: ((الجماعة)).

خامساً: أن العمل التعاون الجماعي أقرب إلى الإخلاص؛ لأن العمل الفردي مدعاة للفخر والعجب وإظهار العمل، ونحو ذلك، وأنه مستفرد به، قام به وحده، لكن إذا كان مع جماعة إذا تعاونوا على البر والتقوى فإنهم لا أحد منهم سيفتخر بكل شيء؛ لأنه يعلم أنه لم يحققه وحده، وأن معه آخرون.

سادساً: بروز مظهر الاجتماع على الخير؛ لأن إظهار الاجتماع على الخير فيه إغاظة للكفار، وإغاظة الكفار عمل يؤجر عليه المسلم:  وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ  [التوبة: 120].

إذاً، اجتماع المؤمنين على الخير وتعاونهم على الخير فيه إغاظة للأعداء والمنافقين وللكفار باجتماعهم، ألا ترون أنه يأكل بعضهم بعضاً غيظاً مما يرون من اجتماع المسلمين في الحج مثلاً، ويتمنون لو أن صلاة الجماعة أزيلت من قاموس الدين، ولكن هيهات هيهات.

سابعاً: إغاظة أعداء الإسلام: ما حسدنا اليهود على شيء كما حسدونا على التأمين وتسوية الصفوف.

وثامناً: إسكات المبطل؛ لأنه إذا وجد التعاون في الأمر تراجع أنت وحدك قد لا تسكت مبطلاً أو تغير على صاحب منكر فإنه لا يخشاك ربما، لكن إذا اجتمع مجموعة على تغيير المنكر حصل التراجع مما يفعله صاحب المنكر أو مما ينوي أن يفعله؛ لأنه أحياناً هو ينوي لكن عندما يرى الاجتماع عليه ونصحه وتخويفه وتحذيره مما ينوي أن يفعله، وقد ظهرت البوادر يتراجع.

تاسعاً: تكثير الخير وإنجاز الحسنات الكبيرة.

عاشراً: الاستمرارية في العمل، التعاون على البر والتقوى، أضمن في الاستمرارية من المشاريع الفردية، وكذلك فإن في هذا المبدأ وإقامة هذا المبدأ التعاون تلافياً لسلبيات الفردية البغيضة التي تقوم على الاستبداد بالرأي، وعلى الكبر وعلى العجب في كثير من الأحيان، وكذلك ينتج عنها احتمال خطأ أكبر، فإن الإنسان إذا كان وحده كان الخطأ إليه أسرع، واحتمال وقوعه في الخطأ أكبر.

أما إذا كانوا معاً فإن احتمال وقوعه في الخطأ أقل، فإنه لا يزال يسدد بعضهم بعضاً، وينصح بعضهم بعضاً.

ألا ترى أن هذه الفردية المقيتة التي غزتنا حتى في العمل الإسلامي قد أدت إلى كثير من السلبيات في كثرة الأخطاء والتسرع والتهور نتيجة للقرار الفردي والعجب، واعتقاد الكمال، وتجميد الآخرين، وفقد المعين، وإرهاق الشخص القائم بالعمل، والتسلط والظلم، وعدم ظهور المواهب وعدم حصول البركة.

وكذلك يحصل الملل والتراخي لأنه واحد.

وكذلك يحصل من أنواع السلبيات ما يجعل هذا العمل ينتصر بعد حين.

ولذلك فإذا حصلت المشاركة والتعاون يحصل بسببها خير كثير ويكون العمل أقرب إلى الإخلاص، ويكون هناك توزع للأدوار، وقيام جماعي بالقضية، وأن بعضهم يسدد بعضاً، ويكون هناك استشارة، وإعمال لرأي الجماعة، ورأى الآخرين.

وكذلك فإن الإنسان -كما قلنا- لن يعدم تسديداً ممن حوله عندما يكونون معاً، وهكذا كان حال النبي ﷺ وأصحابه.

ووسائل التعاون على الخير

00:21:05

ووسائل المعاونة كثيرة.

إذا قال قائل: بأي شيء نعين؟

يقول العامة: نعين ونعاون بأي شيء نعين ونعاون؟

يكون ذلك بأربعة أشياء:

أولاً: الجاه.

وثانياً: البدن.

وثالثاً: النفس.

ورابعاً: المال.

فيمكن للإنسان إذاً أن يعين بجاهه، يذهب يتوسط ويشفع في الخير، ويرفع حاجات الآخرين، ويبلغها لمن يقدر على القيام بها، أو إعطائهم ما يريدون، أو تحصيل حقوقهم، أو أن يعثر على أمر ينفعه، فالجاه: "إن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة".

والبدن أن يعين ببدنه وقوة عضلاته وجسمه، وهذا أيضاً من الوسائل العظيمة.

وكذلك أن يعين بماله، ويشارك بالمال هذا من وسائل المعونة.

كذلك يعين بنفسه وقلبه، فهو يدعو لهم.

وهو كذلك يتمنى الخير لهم، وهو كذلك يعمل فكره، ويكد عقله؛ من أجل أن يحصل لهم ولمجموعهم الخير، يعني بالرأي، تعاون بالرأي.

فإذاً، هذه الوسائل التي ينبغي أن يكون فيها تعاون، يتعاون بالجاه وبالمال وبالنفس والرأي والقلب، وكذلك بالبدن.

مجالات التعاون على الخير

00:22:37

فما هي مجالات التعاون؟

التعاون على إقامة العبادات

00:22:39

إن مجالات التعاون على البر والتقوى كثيرة -أيها الإخوة-: التعاون على إقامة العبادات، وعلى رأسها الصلاة، وقد قال أبو موسى الأشعري في خطبته: فانظروا –رحمكم الله- واعقلوا وأحكموا الصلاة، واتقوا الله فيها، وتعاونوا عليها، وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض، والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان، فإن الله قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى والصلاة أفضل البر.

التعاون في بناء المساجد

00:23:12

وكذلك من أنواع التعاون في العبادات: التعاون في بناء المساجد:

البخاري -رحمه الله- قد عقد في صحيحه فصلاً بعنوان: "باب التعاون في بناء المسجد"، وضمنه قول الله -تعالى-: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ  [التوبة: 18] [صحيح البخاري: 1/97].

وروى -رحمه الله- في صحيحه في قصة بناء المسجد النبوي: أن النبي ﷺ قال:  يا بني النجار ثامنوني بحائطكم  [رواه البخاري: 428، ومسلم: 524] يعني اذكروا لي ثمناً لأشتريه منكم، لنعمله مسجداً، ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال أنس: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين، وفيه خرب أبنية متهدمة، وفيه نخل، فأمر النبي ﷺ بقبور المشركين فنبشت، لا حرمة لها، لا بد من استخراجها لعمارة مسجد، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه يعني جانبا الباب الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخرة في رفع المسجد وجدران المسجد وبناء المسجد وهم يقولون ويرتجزون والنبي ﷺ معهم:

اللهم لا خير إلا خير الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره

 [رواه البخاري: 428، ومسلم: 524]

وكذلك روى البخاري -رحمه الله- عن أبي سعيد في بناء المسجد قال: "كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي ﷺ فينفض التراب عنه، ينفض التراب عن عمار مواساة له، وإظهاراً للشفقة عليه، وهو يتحمل هذه الأحمال في سبيل بناء المسجد، ويقول:  ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار [رواه البخاري: 447] ((ويح)) طبعاً كلمة إشفاق، غير "ويل" ويل كلمة وعيد وتهديد، أما "ويحه" هذه كلمة توجع وإشفاق على الشخص.

 ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال: يقول عمار: "أعوذ بالله من الفتن" [رواه البخاري: 447].

فهل تظن -يا عبد الله- أن بناء المسجد يمكن أن يقوم به شخص واحد؟ هو الذي يأتي باللبن والطوب وبالصخر ويقطع ويعمل ويبني مسجداً وحده، إن ذلك أمر عسير جداً ولو فعله لكان صغيراً جداً، لكن بناء المسجد عمل جماعي يقوم به جماعة كما فعل النبي ﷺ في هذا المسجد الذي بني، ورويت لنا قصته، وهذا ساهم بثمن الأرض، وهؤلاء ساهموا بالحجارة، وقال النبي ﷺ لمن كان ماهراً باللبن بالعمل بالخلط:  دعوا الحنفي والطين  [رواه أحمد: 31، وقال محققو المسند: "حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف"] كان رجل من بني حنيفة ماهر بالخلطة التي تنتج اللبن، فأمرهم أن يتركوها له يحسن الصنعة، وأمر شخصاً أن يأمر نجاره بأن يعمل له منبراً، العمل جماعي، مسجد أسس على التقوى من أول يوم وإلى قيام الساعة وهو موجود مسجده ﷺ.

وهكذا مساجد المسلمين عمرت بعد ذلك، حتى قال أحد الشعراء:

بنى زياد لذكر الله مصنعة من الحجارة لم تعمل من الطين
لولا تعاون أيدي الناس ترفعها إذاً لقلنا من اعمال الشياطين

يعني هذا المسجد الذي بني في الكوفة وبناه واجتمعوا عليه وجعلوا فيه أربعة أعمدة، قالوا: لم ير فيها خلل، وقامت على هذا.

التعاون في العبادات

00:27:11

التعاون في العبادات أيضاً يشمل التعاون في قيام الليل، وقد ذكرنا أن هذه من العبادات الفردية التي يقوم بها واحد، مثل الأذان يقوم به واحد.

هناك أعمال فردية لكن هذه الأعمال الفردية في الحقيقة تنبني على تعاون جماعي، فهذا قيام الليل يمكن أن يوقظ بعضهم بعضاً لقيام الليل، كما أخبر النبي ﷺ عن الزوج وزوجته.

وكما كان أبو هريرة وأمه وزوجته، يقومون الليل أثلاثاً، الأول يقوم الثلث الأول ثم يوقظ الثاني وينام، الثاني يقوم ثلث الليل الثاني، ثم يوقظ الثالث وينام، والثالث ثلث الليل الأخير ثم يوقظهم لصلاة الفجر.

وهكذا كان الحسن بن صالح وأخوه علي وأمهما، كانوا يتعاونون على العبادة في الليل، قال صاحب "حلية الأولياء": وبالنهار يصومون، فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وكان يقال: الحسن بن صالح حية الوادي؛ لأنه كان لا يكاد ينام في الليل.

التعاون بين طلبة العلم

00:28:30

وأما في طلب العلم الذي هو مجال آخر من مجالات التعاون على البر والتقوى فإن طلبة العلم كانوا لا يزالون يتعاونون، وهذا عمر بن الخطاب يتعاون مع الأنصار في طلب العلم، فيجلس هذا في المزرعة يوماً ليعمل فيها لأجل كسب العيش الذي لا بد منه، والثاني ينزل إلى المسجد وفي اليوم التالي بالعكس، هذا يذهب للمسجد والأول يبقى في المزرعة، ثم يبلغ الأول الثاني بما قيل في ذلك اليوم من الأحاديث والذكر الحكيم.

فإذاً كان هناك تعاون وحتى في مواساة طلبة العلم بعضهم بعضاً إعارة الصحف، لو واحد غاب الثاني يخبره بما قال الشيخ حتى بالأشياء المادية يقول عمر بن حفص الأشقر: كنا مع محمد بن إسماعيل بالبصرة، يعني البخاري نكتب الحديث ففقدناه أياما فطلبناه فوجدنا في بيت وهو عريان، وقد نفذ ما عنده ولم يبق معه شيء، والرجل عفيف ما يذهب يطلب من الناس، قال: فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوباً وكسوناه، ثم اندفع معنا في كتابة الحديث.

وهذه القصة ذكرها الخطيب في تاريخه.

وأما الذهبي في "سير أعلام النبلاء" فإنه قد ذكر مثلاً عجيبا في قضية كيف يحمل واحد طلبة علم وهو ليس طالب علم أو ليس فقيها لكن يتخرج بسبب تعاونه فقهاء، فقال في ترجمة رافع بن نصر البغدادي: قال هياج بن عبيد: كان لرافع قدم في الزهد، -يعني كان صاحب عبادات- وإنما تفقه الشيخ أبو إسحاق وأبو يعلى بن الفراء-هذان من كبار الفقهاء، تفقه هذان الاثنان بسبب الرجل هذا- بمعاونة رافع لهما لأنه كان يحمل وينفق عليهما [سير أعلام النبلاء: 18/52].

هذا يؤجر دابته ويحمل يأخذ أجرة ويعطيها ويعاون بها اثنين من النبغاء في طلب العلم، فصار أبو إسحاق وأبو يعلى كلاهما من الفقهاء تفرغا لطلب العلم ما اشتغلا بالتجارات والدنيا ولو لكسب عيشهما؛ لأنه كان في واحد يمدهما بالمال.

وهذا نوع من التعاون، تجد واحداً يشتغل بتجارة وينفق على طلبة علم وبسبب الإنفاق هذا يصبح هناك طلبة علم أقوياء؛ لأنهم يفرغون كل الأوقات في الطلب، فهناك من يكفيهم وينفق عليهم، هذا نوع عظيم من التعاون.

التعاون على تأليف الكتب

00:31:07

التعاون في تأليف الكتب، يقول صاحب "طبقات الشافعية" في ترجمة الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي: "ولع بتخريج أحاديث الإحياء، الذي هو العراقي، ورافق الزيلعي الحنفي، العراقي شافعي، والزيلعي حنفي، والزيلعي كان ماهر بالتخريج أيضا جداً، قال: وولع بتخريج أحاديث الإحياء، ورافق الزيلعي الحنفي في تخريجه أحاديث الكشاف، وأحاديث الهداية، فكانا يتعاونان. هذا كلام صاحب طبقات الشافعية.

فاستفدنا من هذا التعاون تخريج ثلاثة كتب من الكتب المهمة حتى صارت هذه التخريجات من أهم مراجع طلاب الحديث: تخريج أحاديث الإحياء، وتخريج أحاديث الكشاف، وتخريج أحاديث الهداية.

وهذا كتاب تخريج أحاديث الإحياء للعراقي، هو الذي هدى الله به الألباني لطلب علم الحديث، وإلا كان لا يعرف شيئاً عن هذا العلم، أول ما جذبه تخريج العراقي، وهذا التخريج الذي اكتسبه العراقي بتعاونه مع الزيلعي كان في جهود علمية، تعاون.

الآن كثير من المصنفين والمؤلفين يعزفون عن التعاون مع الكفار الغربيين الذين لا يدينون بدين الحق يتعاونون فتجد واحداً يجمع المادة، وواحداً يصيغ، وواحداً يجعل الفهارس والنواحي الفنية، وهكذا يخرج كتاب مجموعة ألفته، وتخرج مراجع ضخمة، ما يمكن يعملها واحد لوحده، فلذلك ترى إنتاجاً غزيراً بسبب التعاون -كما قلنا- التعاون هذا الذي ينتج البركة.

التعاون على الجهاد

00:32:52

ومن التعاون المهم للغاية الذي كان على عهد النبي ﷺ والمسلمين هو قضية التعاون في الجهاد في سبيل الله.

إن هذا التعاون في الجهاد يمثله أو مبدأ حديث عن النبي ﷺ يجسد هذا المعنى، كيف يكون التعاون يؤدي لدخول الجنة؟

في الحديث الصحيح أنه ﷺ قال: إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة -والسهم واحد، وهم ثلاثة-:  صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، والممد به [رواه الترمذي: 1637، وابن ماجه: 2811، وأحمد: 17338، وقال محققو المسند: "حديث حسن بطرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف"].

فإذاً، واحد يصنع وواحد يناول وواحد يرمي وثلاثة يدخلون الجنة. الحديث رواه الترمذي.

احتساب الأجر في صناعته والذي يناوله ويمد به ويناول سهماً بعد سهم، أو يرد النبل عن الرامي، ثم الرامي الذي يستعمل التصويب لإيصاله إلى نحور الأعداء، وهكذا يكون التعاون على البر والتقوى.

تعاون الصحابة في المعارك تخطيطاً وقتالاً والتحاماً مع العدو

00:34:26

لقد تعاون الصحابة -رضي الله عنهم- في موضوع الجهاد تعاوناً عظيماً، ومثال ذلك في غزوة الخندق: لما حفروا ذلك الخندق العظيم كان من عمقه وعرضه وطوله لا تستطيع خيول العدو أن تتجاوزه، كان لا بد من تعميقه وتوسيعه وتعريضه، وأن يكون على طول الجبهة، عريض وعميق كم واحد حفروه؟ بورك في ذلك العمل، ولذلك لما حاول بعض المقاولين حفر في نفس منطقة الخندق تكسرت المعدات الكثيرة، وعجزوا، حتى جاء مقاول كبير وحفره وعمل شارعاً  كان تمهيداً لعمل شارع في شهر، والصحابة رضوان الله عليهم عملوه أول ما جاءهم الخبر في أسبوع، حفر ما هو تمهيد طريق، حفر، وواجهتهم صخور، ومنها الصخرة الكدية التي فتتها النبي ﷺ، كان واضح جداً مسألة التعاون في ذلك، وأصابهم جهد شديد، حتى ربط النبي ﷺ على بطنه حجراً من الجوع. رواه الإمام أحمد، قام وبطنه معصوب حجر ولبثنا ثلاثة أيام كما يقول جابر "لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي ﷺ المعول فضرب أي الكدية التي عرضت لهم فعادت كثيباً أهيل" [رواه البخاري: 4101].

تعاون الصحابة في المعارك تخطيطاً وقتالاً والتحاماً مع العدو، بل حتى انسحاباً كما حدث في مؤتة، وهكذا فعلوا تعاوناً في قتل رؤوس أهل الشرك، واغتيال من سب النبي ﷺ، ومثال ذلك في قصة قتل كعب بن الأشرف الذي قال النبي ﷺ في شأنه: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟!  فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: ((نعم)) قال: فأذن لي أن أقول شيئاً، أريد أن أكذب؟ اسمح لي بالكذب؟ قال: قل ما دام الحرب خدعة اكذب، فأتى محمد بن سلمة لليهودي يطلب مقابلة، يقول فيها: إن هذا الرجل، يعني النبي ﷺ قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا، أتعبنا وأرهقنا من كثرة الطلبات المالية التي يطلبها منا، وإني قد أتيتك استسلفك، اليهودي فرصة أن الرجل هذا قال: عنانا وتعبنا، قال: وأيضاً والله لتملنه، اصبروا سيرهقكم زيادة من الضرائب والأموال المأخوذة منكم، ويضجركم، طبعاً يهودي في حصن، والآن المطلوب إخراجه من الحصن لقتله، فبدأها بهذه الخدعة مقابلة شخصية لقضية طلب معونة على مواجهة هذه الإرهاقات المالية، فقال محمد بن مسلمة: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه، حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه؛ يقول: الآن تبعناه ونريد أن نكمل المشوار نريد ما هي النهاية؟ وقد أردنا أن تسلفنا وسقاً أو وسقين، قال: ارهنوني، هذا يهودي أول شيء ضمان الحقوق، قال: أي شيء تريد؟ رهن؟ قال: ارهنوني نساءكم، قال محمد بن مسلمة: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ نخشى على نسائنا، قال: فارهنوني أبناءكم، قال: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم، فيقال: رهن بوسق أو وسقين، في المستقبل يقال: أنت ولد مرهون رهنت يوم من الأيام بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا، ولكننا نرهنك اللأمة، السلاح، وهذه أول الخطة، فواعده أن يأتيه فجاءه ليلاً، ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم، فالآن جاؤوا مسلمين مجموعة ومعهم سلاح على موعد مع اليهودي على أساس هذا السلاح فقط هو رهن، يعطونه السلاح ويأخذون هذا الحب، فقالت امرأة اليهودي: وكأن قلبها قد جعلها تحس: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة، قالت: أسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم، يعني اليهودية هذه عندها فراسة، قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب، هذا يقول ما فيه حتفه اليهودي، ويدخل محمد بن مسلمة ومعه رجلان منهم عباد بن بشر وقد اتفق معهما على الاتفاق التالي قال: إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه، سأطلب منه أن أشم رأسه الأول، فإذا رأيتموني بعدما أطمئن الرجل واستمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه [رواه البخاري: 4037].

وفي رواية: أنه قال: ثم أشمكم، ثم إذا استمكنت من رأسه اقتلوه، فنزل إليهم متوشحاً اليهودي وهو ينفح من ريح الطيب، فقال الصحابي محمد بن مسلمة: ما رأيتك اليوم ريحاً أطيب، نفخ فيه، قال اليهودي منتفخاً: عندي أعطر نساء العرب [رواه البخاري: 4037] وأجمل العرب من النعيم...

التعاون على القيام بحقوق المسلمين

00:41:18

والتعاون من مجالاته أيضاً: التعاون في القيام لحقوق المسلمين، ألم يقل النبي ﷺ: من أعان مجاهداً في سبيل الله أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله  [رواه الإمام أحمد] النبي ﷺ عاون الرقيق عاون المكاتب سلمان الفارسي، فاته بدر وأحد؛ لأنه كان عبداً عند يهودي، يوم من الأيام النبي ﷺ قال لسلمان الفارسي: ((كاتب يا سلمان)) اطلب من صاحبك اتفق معه على مبلغ تدفعه له وتصبح حراً، هذه المكاتبة، كاتب يا سلمان، قال: فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له، أزرع له ثلاثمائة نخلة، وبأربعين أوقية، فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: ((أعينوا أخاكم)) هذا رجل لو صار حراً نفع المسلمين ونفع نفسه بدلاً ما يبقى تحت رق هذا اليهودي، قال: ((أعينوا أخاكم)) يعني هذا مبدأ التعاون ((أعينوا أخاكم)) فأعانوني بالنخل هات فسيلة، الآن يريد يغرس له، اتفاق يغرس له ثلاثمائة نخلة، فلا بد من الإتيان بهذه الفسائل النخل، قال: فأعانوني بالنخل، الرجل بثلاثين ودية، وهي النخل الصغار، والرجل بعشرين، والرجل بخمسة عشرة والرجل بعشر، يعني الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله ﷺ:  اذهب يا سلمان ففقر لها وجهز مكانها، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي ففقرت لها وأعانني أصحابي على حفر أماكن هذه الفسائل، حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته، فخرج رسول الله ﷺ معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله ﷺ بيده، فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، كل الذي زرعها ﷺ عاشت ونمت، فأديت النخل وبقي على المال، فأتي رسول الله ﷺ بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، غنائم، فقال: ما فعل الفارسي المكاتب؟ فدعيت له فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: خذها فإن الله سيؤدي بها عنك، فأخذتها فوزنت له منها، والذي نفس سلمان بيده، أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله ﷺ الخندق، ثم لم يفتني معه مشهدا رواه الإمام أحمد، وهو حديث حسن في قصة إسلام سلمان .

كان هناك تعاون في المجتمع الإسلامي، كان هناك تعاون مادي على قلة ما عندهم، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن في سفر مع النبي ﷺ إذ جاءه رجل فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، رجل عفيف ما يريد أن يقول، يمد يده فجعل يصرف بصره لعل أحد يلتفت له وينتبه له وينظر ما به من الحاجة ويعطيه، أول واحد انتبه النبي ﷺ، انتبه أن هناك واحداً يصرف بصره يميناً وشمالاً يبحث عن شيء، فقال ﷺ:  من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له  قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل [رواه مسلم: 1728] يعني بعد الموعظة هذه ظننا أن الواحد إذا عنده زيادة فلوس زيادة أثاث، زيادة مراكب، ركائب، دواب، أي زيادة أنه لا حق له فيها، لازم يعطيها لإخوانه المسلمين.

فهذا الحديث فيه الحث على الجود والمواساة والاعتناء بمصالح الأصحاب، والتعاون على البر والتقوى، وهكذا كان حال المسلمين قال لهم ﷺ مرة: يا معشر المهاجرين والأنصار، إن من إخوانكم قوماً ليس لهم مال ولا عشيرة، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة، فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة كعقبة يعني أحدهم  فضممت إلي اثنين أو ثلاثة، ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي [رواه أبو داود: 2534، وأحمد: 14863، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"] يعني صحابي عنده جمل أو عنده دابة وفي ناس ما عندهم شيء يقول: تعالوا نحن كم واحد أنتم اثنان وأنا الثالث، الطريق من هنا إلى البلد نقسمه على ثلاث مراحل، كل واحد فينا يركب مرحلة ويمشي الاثنان الآخران، ليس أنا أمشي على دابتي استريح عليها وأنتما تمشيان على أرجلكما وتتعبان، قال: كل واحد مالي إلا عقبة هذا يقوله صاحب الدابة: مالي عقبة يعني نصيب في الركوب إلا كعقبة أحدهم من جملي، يقول يزيد بن الأسود: " لقد أدركت أقواماً من سلف هذه الأمة، قد كان الرجل إذا وقع في هوي أو دجلة نادى: يا لعباد الله، فيتواثبوا إليه فيستخرجونه ودابته مما هو فيه، ولقد وقع رجل ذات يوم في دجلة، فنادى: يا لعباد الله، فتواثب الناس إليه، فما أدركت إلا مقاصه في الطين، فلأن أكون أدركت من متاعه شيئا فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها" [شعب الإيمان: 10/95].

يعني من شدة التعاون لما قال هذا الذي طاح في الطين: يا لعباد الله قاموا كلهم، جاء هذا ما وجد شيئاً يحمله، كل شيء حمل وانتهى والرجل انحلت مشكلته، والآن تجد أصحاب المصائب كثر، ولا من يحمل إلا النادر، ولا تحل المشكلة وتبقى سنين طويلة.

التعاون على سائر أنواع البر والخير والإحسان

00:48:21

من مجالات المعاونة سائر أنواع البر والخير والإحسان للمسلمين كالتعزية، يقول الذهبي في كتاب "الكبائر": "واعلم -رحمك الله- أن التعزية هي التصبير وذكر ما يسلي صاحب الميت ويخفف حزنه، ويهون مصيبته، وهي مستحبة؛ لأنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي داخلة في قول الله -تعالى-:  وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى  [المائدة: 2].

وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية.

واعلم أن التعزية هي الأمر بالصبر، مستحب قبل الدفن وبعده، قال أصحاب الشافعي: من حين يموت الميت [الكبائر للذهبي، ص: 188]

لأن بعض الناس إذا جئت تعزيه، ماتت أمه، مات أبوه، الآن قبل خمس دقائق، قبل عشر دقائق، يقول: ما بعد دفن، انتظر العزاء بعد الدفن، أشياء ما أنزل الله بها من سلطان.

متى يحتاج الإنسان للتعزية؟

أول ما تحدث المصيبة، يمكن يكون هذا أهم  التعزية أول المصيبة، وليس ننتظر يوماً حتى يكون في الثلاجة في المستشفى وتخلص الإجراءات ويدفن ويصلى عليه ويدفن ثم بعد ذلك نذهب نعزي، نعزيه من أول ما نسمع خبر مصيبته.

وعموماً سائر أوجه معاونة المسلمين كما قال النبي ﷺ في أنواع الصدقة: وتهدي الأعمى وتسمع الأصم الأبكم حتى يفقه وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث.

الآن مثلاً موسم الاختبار اقترب، فيه أشخاص عندهم فهم وفي ناس أفهامهم قاصرة فيتعاون هذا مع هذا في شرح المواد الدراسية، الشرح من الخبير بها للقاصر عن فهمها، هذا من أنواع التعاون.

ندب الله للتعاون كل شيء في أنواع البر والتقوى.

والتعاون في تجهيز الميت.

 كان بعض نبلاء المسلمين يشتري المصاحف والألواح ويوزعها على أطفال الكتاتيب، معونة لهم على حفظ القرآن، يشتري مصاحف يوزعها عليهم، وكان يعطي فقراء الفلاحين البذور والتقاويم، إعانة لهم على زرع محاصيل يستفيدون منها.

في ترجمة شمس الدين محمد بن عبد الرحيم البعلي في "شذرات الذهب" كان يحترف بعمل الإسفيذاج والزنجار، ويبيع ذلك وسائر أنواع العطر في حانوت ببعلبك، وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس في أوراق ملفوفة، وإذا وقف عليه فقير أعطاه من تلك الأوراق ما يخرج في يده، ولا ينظر في الورقة المدفوعة ولا في الفقير المدفوع إليه، طلع ووزع، وكان كثير الصدقة، معاونا على البر والتقوى.

وفي ترجمة كافور الطواشي في "التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة": أنه كان آية في الزهد في الدنيا، وقلة حرص عليها، وفي كل يوم يملأ كبشة يجعلها في جيبه لأجل من يقف عليه من السؤال والأيتام، لا تزال يده تنفق سرا وعلانية، وربى أيتاماً كثيرين، وأعتق غير واحد من الأرقاء، وكان هو والعماد متجاورين في المسكن متعاونين على البر والتقوى.

إذاً من أنواع التعاون المهمة تعاون الجيران على البر والتقوى.

وفي ترجمة محسن بن محمد بن علي بن فايع الصنعاني في "البدر الطالع" قال: "كان حسن الأخلاق واسع المروءة كريم الطباع مفضالاً، بذل نفسه في معاونة الفقراء والمساكين، وأتعب خاطره في الطلب لهم، وتفقد أحوالهم، والسعي في قضاء حوائجهم، وعلاج مرضاهم، والقيام بمؤونتهم، وجعلت بنظره صدقات، فبالغ في التحري عليها، وإنفاقها في وجوه الخير، وعمّر المساجد، وزاد في المساجد التي تحتاج إلى زيادة، واعتنى بتدريس القرآن، وجعل الرواتب للمدرسين، وهكذا..

رغم أنه كان كثير العوارض والأمراض متلقياً لها بالقبول.

في آداب الطريق ذكر ابن حجر.

أفش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطساً وسلاماً رد إحساناً
في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغث لهفان اهد سبيلاً واهد حيراناً
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا

إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الاعتداءات

00:53:21

من المعاونات المهمة: إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الاعتداءات، النبيﷺ قال يوصي أبا ذر:  تعين صانعاً أو تصنع لأخرق [رواه البخاري: 2518، ومسلم: 84] لا يحسن الصناعة.

وعند قوله:  تعين صانعاً، وتصنع لأخرق  نتذكر القصة العظيمة التي قصها الله علينا في كتابه في سورة الكهف قصة ذي القرنين، صنع لأخرق.

ذو القرنين كان ملكاً صالحاً: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ   [الكهف: 83 - 84] عنده جنود وآلات الحفر، وأعطيناه الأسباب والوسائل التي مكنته من الجهاد في سبيل الله:  حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلً  [الكهف: 93] متخلفين في جميع المجالات: {قالوا يا ذا القرنين} يشتكون إليه  إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ  [الكهف: 94] يأجوج ومأجوج من أين؟

الكبيسي هذا الذي يفتي في القنوات الفضائية: من مخازيه، يقول: يأجوج ومأجوج جاؤوا من الاستنساخ، -سبحان الله- الذي خلق العقل، دجل على الناس في القنوات الفضائية، يقول: يأجوج ومأجوج يجون من الاستنساخ، ممكن نفاجأ خلية تفلت في مختبر من المختبرات في أمريكا أو فرنسا يطلع قبائل، يقول ذو القرنين من زمان: قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ  [الكهف: 94 - 95] هذه وسائل التعاون أن يعين صانعاً أو تصنع لأخرق، قال: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ يريد يشغل الطاقات المعطلة، ناس متخلفين، يعلمهم صنعة، هو عنده جيوش جرارة لكن يريد هؤلاء القوم أن يشتغلوا ويتحركوا ويقوموا ينفضوا غبار الكسل، جهلة، يتعلموا صنعة: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ  ، اجعل بينكم وبينهم ردماً، ما هو فقط أنا أشتغل وأنتم تتفرجون، قوموا اشتغلوا معي {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] اجمعوا قطع الحديد، حاجة سهلة، اجمع قطع الحديد  حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ الجبلين قَالَ انْفُخُوا  انفخوا الحطب والنار على هذا قطع الحديد؛ لأن هذه قطعة تحتاج إلى حرارة لتصهر وتصبح سبيكة واحدة، قطعة واحدة، كيف القطعة الحديد تصير قطعة واحدة؟ لا بد من حرارة، قال: أوقدوا عليها وانفخوا: حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا  نحاس مذاب أفرغ عليه من الأعلى، حديد مغلف بنحاس، هذا أقوى أنواع السبائك، قال الله -تعالى-: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف: 97] لا من فوق ولا خرق: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا  [الكهف: 97]،  قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي [الكهف: 98]، ما تفاخر أنه من منجزاته العظيمة: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا  [الكهف : 98].

التعاون في مجال العيش

00:57:44

من مجالات التعاون بين المسلمين: التعاون في مجالات العيش، عن أبي موسى قال: قال النبي ﷺ: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم [رواه البخاري: 2486 ومسلم: 2500].

إذا أصابهم فقر والتصق الواحد بالرمل من القلة، أرملوا، جمع كل واحد يأتي بما عنده قل أو كثر جمعوه، ثم وزعوه بالتساوي على المجموعة، تعاون ((هم مني وأنا منهم)) فخر.

التعاون بالرأي

00:58:31

من التعاون المهم -كما قلنا سابقاً- التعاون بالرأي، والإنسان قد يقدم رأياً ينفع المسلمين فيه نفعاً عظيماً جداً، يمكن لا يقدر بمال، هي مجرد فكرة انبثق ذهنه عنها، انبثقت عن عقله وتفكيره، رأي ممتاز ينفع المسلمين، يسد خللاً، يسد ثغرة، فيه حماية، فيه نشر خير، فيه إزالة منكر، فيه إحلال معروف، فيه إعانة على فكرة، رأي، ألم يقل النبي ﷺ في مسألة معاونة كل من تولى مسؤولية للمسلمين الذي يتولى مسؤولية للمسلمين أي مدير أي مسؤول أي شخص يتولى مسؤولية للمسؤولين إعانته في الخير مهمة جداً:  من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيراً جعل الله له وزيراً صالحا، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، جعل له وزير صدق، صدق إذا نسي ذكره، وإذا ذكر أعانه  [رواه النسائي: 4204، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 489].

التعاون بين أصحاب المسؤوليات

00:59:45

وكذلك من أنواع التعاون المهمة: تعاون أصحاب المسؤوليات فيما بينهم، ممكن هذا مسؤول عن شيء، وهذا مسؤول عن شيء، وهذا مسؤول عن شيء، لا بد يتعاونون فيما بينهم، بعث النبي ﷺ معاذا وأبا موسى إلى اليمن بماذا أوصاهما؟ واحد مسؤول عن اليمن الشمالي، وواحد مسؤول عن اليمن الجنوبي، وواحد راح اليمن الشمالي  وواحد راح حضرموت، وزع المسؤولية على معاذ وأبي موسى، قال: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا  يقول الراوي: فانطلقا، فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائماً وقاعداً وعلى راحلتي وأتفوقه تفوقاً قال: أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، أنا إذا نمت لأرتاح لأقوم، نومتي هذه أحتسب بها أجراً عند الله؛ لأنني نويت أن أنام لأقوم، وضربا فسطاطاً، فجعلا يتزاوران بين الفترة والثانية، هذا يزور هذا وهذا يزور هذا، يتشاوران في أمور الدعوة في نشر الدين في إقامة الدين في تلك البلاد.

ذهبوا إلى أناس من أهل الكتاب، احتاجوا إلى خبرة في الدعوة، وتبادل آراء، فمرة من المرات زار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق بالقيود والأغلال، فقال معاذ: ما هذا؟ ما قصة الرجل المقيد؟ قال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لأضربن عنقه، فلم ينزل معاذ حتى ضربت عنق المرتد، والحديث في البخاري [رواه البخاري: 4344].

يعني هذا حد لا بد يقام، ولماذا يؤخر الحد؟ الآن يقام، مرتد.

أسباب التعاون على الخير

01:02:15

الآن نحتاج إلى تبيين كيف نهيئ أسباب التعاون، الاجتماع يهيئ أسباب التعاون.

اتفاق الآراء يولد النتائج المرجوة من التعاون.

التعاون لا بد من عقد أسبابه، الذهبي قال في "سير أعلام النبلاء" في المؤاخاة أول ما قدم النبي ﷺ المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء ولهؤلاء، فأوجد الجو التعاوني بالمؤاخاة الدمج التقريب وضع الأشخاص مع بعض تكوين بيئة جو اجتماع، هذا هو أساس لا بد منه للتعاون، ثم تحديد الهدف، ثم اختيار الوسائل المناسبة، ثم معرفة طاقات الموجودين، ثم توزيع المهمات على الأشخاص، كل واحد المهمة المناسبة له. بعد وضع خطة تكون الثمرة هنالك أضعافاً مضاعفة، إذا صار هناك نيات طيبة، وتخطيط حسن، وتوزيع المسؤوليات، اجتماع، رغبة في الخير، تعمر وتقوم الدنيا.

المعاونة تورث المحبة، قال عمر لسعيد بن عامر: إن أهل الشام يحبونك، قال: لأني أعاونهم وأواسيهم.

ضوابط التعاون

01:04:39

التعاون له أصول وضوابط، حتى ذكر بعض المصنفين علماً يسمى بالسياسة المدنية، بعد أن ذكر علم تدبير المنزل تدبير المنزل بعض الناس يفهم منه الطبخ والنفخ، يقول في كتاب: "أبجد العلوم" هو: علم في مصالح جماعة متشاركة في المنزل، كالوالد والولد، والمالك والمملوك، ونحو ذلك، ويسمى تدبير المنزل، والحكمة المنزلية [أبجد العلوم، ص: 376].

فالعلم بمصالح أهل البيت الجماعة المشتركة في المنزل هذا تدبير المنزل.

وأما العلم بمصالح جماعة المتشاركة في المدينة ويسمى بالسياسة المدنية ففائدتها: أن تعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان والأديان.

فإذاً، كيف المجموعة هذه كيف نؤلف بينها ونوجهها لمصلحة الدين والبدن، مصالح الأبدان والأديان؟ وكيف يتشاركون معا؟

هذا علم من العلوم كامل مستقل.

التعاون المذموم

01:06:01

فينبغي التأمل في هذه القضية؛ لأننا لا نختم فقط بالتأكيد على أهمية التعاون وأهمية التعاون، ثم بعد ذلك نأتي إلى مسألة كيف نتعاون.

بعض الناس يمكن يتعاون على معصية، يمكن يتعاون على بدعة ، يظن أن هذا خير، لذلك الله قال: على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان.

ولذلك من المهم جداً: أن نحذر قضية التعاون على الإثم والعدوان.

وبعض الناس يمكن يدخل في بدعة ويعاون عليها وينفق فيها هو ومجموعة يظن أنهم يحسنون وهم يسيئون.

كان بعض العرب من أهل الصحراء ربما قد عاونوا في بناء كنيسة للنصارى، فيقول ابن شهاب – ليس الزهري إنما هو واحد آخر- كما نقل عنه صاحب "طبقات الحنابلة" لما عاون عرب الطور على بناء بيعة بعكبراء، يقول:

أردتكم حصناً حصيناً لتدفعوا نبال العدى عني فكنتم نصالها
فيا ليت إذ لم تحفظوا لي مودتي وقفتم فكنتم لا عليها ولا لها
فيا سيف دين اللَّه لا تنب عن هدى ودولة آل هاشم وكمالها
أعيذك بالرحمن أن تنصر الهوى فتلك لعمري عثرة لن تقالها
أفي حكم حق الشكر إنشاء بيعة الن صارى لتتلو كفرها وضلالها
يشيد موذينا الدمشقي بيعة بأرضك تبنيها لَهُ لينالها
وينفق فِيهَا مال حران والرها وتفتيحها قسرا وتسبي رجالها
وترغم أنف المسلمين بأسرهم وتلزمهم شنآنها ووبالها
أَبِي ذاك ما تتلوه فِي كل سورة فتعرف منها حرمها وحلالها
ويركب فِي أسواقنا متبخترا بأعلاج روم قد أطالت سبالها
فخذ ماله واقتله واستصف حاله بذا أمر اللَّه الكريم وقالها
ولا تسمعن قول الشهود فإنهم طغاة بغاة يكذبون مقالها
ويوفون دنياهم بإتلاف دينهم ليرضوك حتى يحفظا منك مالها

[طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى: 2/188].

فهكذا يؤلب الخليفة الانتقام من هؤلاء الذين عاونوا في بناء الكيسة.

بل من شروط أهل الذمة: ألا يحدثوا كنيسة في بلاد المسلمين أبداً، وأن يعاونوا المسلمين، لو دهم العدو لا بد يعاونوهم ويرشدوهم ويصلحوا الجسور، فإن تركوا ذلك خرقوا الذمة، واستحقوا الآن العقاب ولو بالقتل، ولذلك كان من البلية التعاون مع الأعداء، أو فتح مجالات التعاون مع أعداء الله، مع أعداء الإسلام، يقول السلطان عبد الحميد في مذكراته: (إن طراز التفكير عند الأوروبيين وعند النصارى طراز غريب، مليء بالتناقضات، فلا يستطيع الإنسان أن يحدد رأيه فيهم، فيوماً تراهم عريقين صادقين، ويوماً سفلة ظالمين، كتاب مقدس يأمرهم بالمعروف فلا يسمعون، يعني على تحريفه، إنهم أناس لا يؤمنون أبداً بمبدأ، ولا يدينون بدين، يستصغرون رب العالمين، لقد جاءنا أناس منهم بصفة أساتذة أفاضل، يعني في الظاهر، فأصابتنا الدهشة عندما عرفناهم وعرفنا دناءتهم.

إن مفاهيم الحياة عندهم تغاير مفاهيمنا، والبون بيننا شاسع، والهوة سحيقة، كيف يمكننا أن نفكر في التعاون معهم في مثل هذه الظروف؟)[مذكراتي السياسية 1/196]

وشر التعاون في المنكر التعاون في ارتكابه، وقبل ذلك الرضا، وقبل ذلك المداهنة، وقبل ذلك السكوت.

في المنكر شر المراتب عمله، ويلي ذلك الرضا به، ويلي ذلك المداهنة فيه، ويلي ذلك السكوت على الإنكار، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: كثير من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه ويبغضون من لا يوافقهم، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة من موالاة كل قوم لموافقيهم ومعاداة مخالفيهم [مجموع الفتاوى: 28/150].

والمجتمعون على شرب الخمر يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم، إما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير، وإما حسداً له على ذلك، وإما لئلا يعلو عليهم بذلك ويحمد دونهم، وإما لئلا يكون له عليهم حجة، وإما لخوف من معاقبته لهم بنفسه، أو بمن  يرفع ذلك إليهم، ولئلا يكونوا تحت منته وخطره، ونحو ذلك من الأسباب.

وابن القيم -رحمه الله- في "إغاثة اللهفان" ذكر أيضا كلاماً مهماً في قضية عدم التعاون مع أصحاب المنكرات، وأنهم يريدون من الناس أن يتعاونوا معهم، وأن يدخلوا معهم في المنكر، وأن يشاركوهم، ومجالات التعاون المحرمة كثيرة، وقد نص العلماء على تحريم أن يدل رجلاً على مطلوبه ليقتله ظلماً أو يحضر سكيناً له؛ لقوله تعالى:  وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].

تجهيز الشعر للمغنين نصوا على تحريمه.

الاستعانة بالشياطين على السحر والاعتداء وإيذاء المسلمين.

وكذلك الاستعانة بهم على الحرام، يقول ابن القيم في كلامه عن العشق: فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر أو استخدام أو نحو ذلك، ضم إلى الشرك والظلم كفر السحر، والتعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان [الجواب الكافي، ص: 217] .

إذاً، في بعض الناس لكي يصل إلى معشوقه ممكن يستعمل الجن ليجعلوا هذا الشخص طوعاً له يأتيه متى ناداه، ويحضر عنده، ويستسلم له، ونحو ذلك.

وهذا موجود على قلة النماذج إنما هو نوع من التعاون على الإثم والعدوان.

الخاتمة

01:12:29

فالخلاصة: أنه يجب علينا أن نكون على الخير أعواناً، وهذا عنوان درسنا: "كونوا على الخير أعواناً"، وأن نفقه مجالات التعاون، أنواع التعاون، كيفية التعاون، وسبل هذا التعاون، وأن نجعله ديدناً لنا، ومنهجاً نسير عليه، التعاون على البر والتقوى.

ونسأل الله -سبحانه- أن يهدينا سبل السلام، ويخرجنا من الظلمات إلى النور، وأن يتوب علينا، ويرزقنا البر والتقوى، ويعيينا على ذكره وشكره، وحسن عبادته.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.