الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

25- التعامل مع المستفتين 2


عناصر المادة
عدم الإجابة عما لا يعلم حتى يعلم أو صرف السائل إلى ما هو أهم
قبول المراجعة المستفتي
عدم التضجر من السائل إذا كان ينتفع
أمر المستفتي بأخذ الحيطة
تهيئة نفس المستفتي لتقبل الحكم
وكان عليه الصلاة والسلام يراعي حال المستفتي في الفتوى
استخدام الحجج العقلية واستفسار السائل حتى يتضح السؤال
اختيار الأيسر على المستفتي إذا وجد
ارشاد المستفتي إلى البديل الشرعي
اللجوء إلى الله عن تعسر الفتوى
الرفق بالسائل إذا جاء تائبا
إجابة أسئلة غير المسلمين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد. فلا زلنا نتحدث عن هدي النبي ﷺ مع السائل والمستفتي.
وقد ذكرنا أن النبي ﷺ كان يراعي حال المستفتي، ويفتي كل سائل بما يناسب حاله، إذا سألوه عن فضائل الأعمال: أي العمل خير؟ أي العمل أحب إلى الله؟ أي العمل أفضل؟
وأنه ربما سئل عن الشيء فسكت كراهية أن يكون في الإجابة مشقة على الأمة أو يفرض عليهم شيء بسبب المسألة.
وأنه كان يجيب بجواب حكيم للسائل، وإذا رأى أن السائل بحاجة إلى حكم آخر بينه له، وأضافه وإن لم يكن في السؤال.
وأنه كان يستفصل من السائل ويستوضحه ليحيط علماً بالواقعة لتكون الفتوى مطابقة للواقع ويجيب السائل بما يحصر له المسألة ويضبطها، ويتحمل أسئلة الغرباء والأعراب.
وكذلك فإنه ﷺ كان يؤخر الإجابة أحياناً تنبيهاً للسائل على أدب الحديث، وأيضاً يجيب بفعله بالإضافة إلى الإجابة بقول؛ ليكون ذلك أوقع في نفس السائل.
وكان ﷺ يجيب عن أسئلة النساء حتى في الأمور التي يستحيا منها عادة، مع تمسكه ﷺ بالعفة في الكلام وبالحياء أيضاً.

عدم الإجابة عما لا يعلم حتى يعلم أو صرف السائل إلى ما هو أهم

00:01:49

وكان ﷺ إذا سئل عن شيء لا يعلمه لا يجيب السائل حتى يعلم.
فعن جابر بن عبد الله قال: مرضت فأتاني رسول الله ﷺ وأبو بكر يعوداني ماشيين، فأغمي عليّ، فتوضأ رسول الله ﷺ، ثم صبَّ عليّ من وضوئه، فأفقت، قلت: يا رسول الله كيف أقضي في مالي ولي أخوات؟ -كان لجابر تسع أخوات، أبوه مات وترك له تسع أخوات، وجابر غير متزوج، وليس عنده ولد في ذلك الوقت- فلم يرد النبي ﷺ عليه شيئاً، ثم خرج وتركه، حتى نزلت آية الميراث: يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ[النساء:176].
طيب جابر كم أخت له؟ تسع أخوات،
طيب لو مات كم سترث أخواته منه؟ قال تعالى: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ[النساء:176]، وكذلك إذا كن أكثر من اثنتين.
قال: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ [النساء:176].
واحد هلك ليس له لا أصل ولا فرع، لا أب ولا أم ولا جد ولا جدة، وليس له ابن بنت حفيد حفيدة كلالة، له أخت أو أكثر من أخت، أو إخوة وأخوات، فبينت الآية حكم الكلالة.
فصار الآن لأخوات جابر كم؟ الثلثان.


فقال ﷺ: لا أراك ميتاً من وجعك هذا، لن تموت في هذا المرض وإن الله قد أنزل فبين الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين فكان جابر يقول: أنزلت هذه الآية فيّ. [رواه أبو داود: 2889، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 2510]، وهو حديث صحيح.
فإذن النبي ﷺ إذا ما كان عنده علم من الوحي لا يجيب، أو يقول: لا أدري، وأحياناً يصرف السائل إلى شيء يفيده.
مثل الذي سأل متى الساعة، لا أحد يعلم متى الساعة، وفي حديث جبريل قال:  ما المسؤول عنها بأعلم من السائل [رواه مسلم: 8].
وربما سكت النبي ﷺ انتظاراً لنزول الوحي بالإجابة، كما جاء في حديث صفوان بن يعلى عن أبيه قال:
كنا مع رسول الله ﷺ، فأتاه رجل وهو بالجعرانة وعليه جبة، وعليه أثر الخلوق -نوع من الطيب فيه زعفران- فقال: يا رسول الله إني أحرمت بعمرة، فكيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟
أنا الآن عليّ جبة وفيها طيب ماذا أصنع؟ وأنا أحرمت، ماذا أصنع؟ فسكت عنه ﷺ فلم يرجع إليه، فأنزل الله على النبي ﷺ يعني حكم هذه المسألة.


وكان عمر يستره إذا أنزل عليه الوحي يظله.
وكان يعلى من قبل يعلى يقول: "وددت أني أرى النبي ﷺ وقد نزل عليه الوحي".
أشتهي أن أراه في حال نزول الوحي، كيف يكون هيئته وشكله وحاله لما ينزل عليه الوحي.
فقال عمر ليعلى -لما صارت المناسبة الآن، الوحي الآن ينزل الآن يعلى سأل ما في جواب، النبي ﷺ انتظر الجواب، نزل الوحي وعمر يظلل على النبي ﷺ.
فلما أخذ النبي ﷺ ما كان يأخذه عند نزول الوحي قال عمر ليعلى: تعال أيسرك أن تنظر إلى النبي ﷺ وقد أنزل عليه الوحي؟
قلت نعم. فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط كغطيط البكر".
البكر: الفتي من الإبل. والغطيط: صوت النائم الذي يردده مع نفسه.
هذا كان حال النبي ﷺ وصوته عند نزول الوحي، كهيئة النائم له غطيط، وغطيط كغطيط البكر.
فلما سُري عنه، يعني: ارتفع الوحي وانفصل الوحي.
قال: أين السائل عن العمرة؟ انزع عنك جبتك، واغسل أثر الخلوق الذي بك، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك [رواه البخاري: 1789، ومسلم: 1180].
إذن من أصابه طيب ناسياً، أو أصاب طيباً ناسياً أو جاهلاً ثم علم، ماذا يجب عليه؟ المبادرة إلى إزالته.
واحد محتسب في الداخلين إلى الحرم، ومعه قارورة طيب، وكل ما شاف أحد داخل يمسح، واحد داخل ناس داخلين بالمناشف فما انتبه صاحب المحرم إلا وهذا الطيب قد وصل إليه.
محرم مسح على الحجر الأسود، والحجر الأسود وإذا في واحد طيبه فعلق به الطيب ماذا يفعل؟ يتوجه إلى أقرب مكان فيه ماء فيغسل هذا فقط ويواصل عمرته.رواه البخاري ومسلم.


قال النووي رحمه الله: "في هذا الحديث دليل القاعدة المشهورة: أن القاضي والمفتي إذا لم يعلم حكم المسألة أمسك عن جوابها حتى يعلمه، أو يظنه بشرطه. وفيه: أن من الأحكام التي ليست في القرآن ما هو بوحي -لكن- لا يتلى". [شرح النووي على مسلم: 8/78]. لأن الوحي الذي يتلى هو القرآن.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل جافٍ جريء، فقال: يا رسول الله أين الهجرة إليك؟ حيثما كنت؟ أم إلى أرض معلومة؟ أم لقوم خاصة، أم إذا مت انقطعت؟ فسكت رسول الله ﷺ ساعة، ثم قال: أين السائل عن الهجرة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله، قال: إذا أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة فأنت مهاجر وإن مت بالحضرمة، هذه أرض باليمامة.
ثم قام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت ثياب أهل الجنة أتنسج نسجاً أم تشقق من ثمر الجنة؟ -هل هي منسوجة، ولا تخرج من الشجر مثل الثمر-، فكأن القوم تعجبوا من مسألة الأعرابي، فقال ﷺ: ما تعجبون من جاهل يسأل عالماً فسكت هنية –ينتظر الجواب- ثم قال: أين السائل عن ثياب الجنة؟ قال: أنا، قال: لا، بل تشقق من ثمر الجنة [رواه أحمد: 6890، وضعف أسناده محققو المسند]، وهو حديث صحيح.


فإذن ثياب أهل الجنة لا تنسج نسجاً وإنما تخرج من شجر الجنة، شجرة طوبى ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها، ثياب أهل الجنة تخرج من شجرة طوبى كما ثبت في الحديث.

قبول المراجعة المستفتي

00:09:43

وكان ﷺ يقبل أن يراجعه المستفتي في الحكم.
فعن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها قالت: والله فيَّ وفي أوس بن الصامت -زوجها-، أوس بن الصامت أخو من؟ عبادة بن الصامت، قالت: فيَّ وفي أوس بن الصامت أنزل الله ﷺ صدر سورة المجادِلة، أو المجادَلة، قالت: كنت عنده. يعني عند زوجي، وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه وضجر، قالت: فدخل عليَّ يوماً فراجعته بشيء فغضب، فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، وهذه عبارة كانت في الجاهلية معروفة، وكانت تعتبر المرأة بموجبها مطلقة، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة -يعني الزوج- ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني على نفسي، فقلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليَّ وقد قلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، فواثبني وامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني، ثم خرجت إلى بعض جاراتي، فاستعرت منها ثيابها، ثم خرجت حتى جئت رسول الله ﷺ، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه -يعني من زوجي- فجعلت أشكو إلى النبي ﷺ ما ألقى من سوء خلقه، فجعل رسول الله ﷺ يقول: يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني -يعني أكثرت له الأولاد، كنت شابة ألد باستمرار- حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك.
فقال النبي ﷺ: ما أعلمك إلا قد حرمت عليه، هذا العلم الذي كان عنده عليه الصلاة والسلام فحلفت أنه ما ذكر طلاقاً، فقال: ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت: لا تقل ذلك يا نبي الله، والله ما ذكر طلاقاً، فرادت النبي ﷺ مراراً، وجعلت تراجع رسول الله ﷺ، وترفع رأسها إلى السماء وتشكو إلى الله.


قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيَّ القرآن، فتغشّى رسول الله ﷺ ما كان يتغشاه ثم سري عنه، فقال لي: يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك، ثم قرأ عليّ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ۝ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ۝ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ۝ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ[المجادلة:1-4].
فقال لي رسول الله ﷺ: مريه فليعتق رقبة، قلت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين فقلت: والله يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام. -لا يطيق- قال: فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، قلت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده، فقال رسول الله ﷺ: فإنا سنعينه بعرق من تمر، -العِرق: المكتل ويتسع لثلاثين صاعاً، وقيل يتسع ستين- قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر -تبرع من عندها الزوجة- قال: قد أصبت وأحسنت، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك، ثم استوصي به خيراً، قالت: ففعلت. [رواه أحمد: 27360، وأبو داود: 2214].
وهذه القصة رواياتها صحيحة وحسنة [صحيح أبي داود: 1934]، وزاد ابن ماجه، والنسائي، عن عائشة أنها قالت: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله ﷺ تشكو زوجها، فكان يخفى عليّ كلامها وأنا في ناحية البيت". [رواه ابن ماجه: 188، والنسائي: 11570].
يعني أسمع بعضه ويخفى عليّ بعضه وينزل القرآن: "سبحان الذي وسع سمعه الأصوات"، تقول أنا قريبة ما سمعت كل الكلام، وما انتهت من الشكوى إلا وتنزل الآية.

عدم التضجر من السائل إذا كان ينتفع

00:15:00

وكان ﷺ لا يتضجر من السائل ولو أكثر من الأسئلة مادام ينتفع بها.
فعن أبي ذر قال: "سألت رسول الله ﷺ: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها، قلت: فإن لم أفعل؟ -يعني لم أقدر على ذلك- قال: تعين ضائعاً الضياع: الأيتام والفقراء وذوو العيال،- أو تصنع لأخرق، الأخرق: الذي لا يحسن الصنعة، قلت: فإن لم أفعل؟ يعني لم أعن الصانع ولا الضائع عجزاً مني، وعدم قدرة مثلاً.
وفي رواية: "يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك متفق عليه [رواه البخاري: 2382، ومسلم: 84].
فنرى صبره ﷺ على السؤال، ورفقه بالسائل، واحتمال كثرة المسائل.
وربما أجاب ﷺ المستفتي وهو يخطب على المنبر.
عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول الله ﷺ وهو على المنبر عن أكل الضب، قال:  لا آكله ولا أحرمه [رواه مسلم: 1943].
وهذا يقضي الإباحة؛ لأنه إذا لم يحرمه فهو حلال؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، وكونه لا يأكله لا يدل على تحريمه، وذلك لأنه لا يشتهيه طبعاً، ولكن لا يمنعه شرعاً.
الآن لو قلت لامرأة: ما موقفك من زواج زوجك عليك؟ ماذا ستقول؟ أكرهه طبعاً ولا أكرهه شرعاً.
واحتفظ بهذه فإنها تحل لك إشكالات قد ترد عليك في بعض النصوص.

أمر المستفتي بأخذ الحيطة

00:17:15

وربما أمر النبي ﷺ المستفتي بأخذ جانب الحيطة، فعن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز -هذه المرأة اسمها غنية، وكنيتها أم يحيى فأتته امرأة لهذا الرجل المتزوج عقبة، فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، -يعني كيف تتزوج هذه؟ أنا أرضعتكما معاً عندما كنتما صغيرين- فأرسل إلى آل أبي إهاب -يعني إلى أهل زوجته- يسألهم، قالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا، –ما عندنا علم أنها أرضعت ابنتنا- فركب عقبة من مكة إلى المدينة إلى رسول الله ﷺ بالمدينة فسأله، فأعرض عنه وتبسم، ثم قال رسو الله ﷺ: كيف وقد قيل؟ كيف وقد قيل؟.
يعني كيف ترضى أن تمكث معها، وتواصل العلاقة معها، وقد قيل إنك أخوها من الرضاعة، يعني كأنه يقول: ليكن عندك ورع تترك به هذه المرأة، وقد شهدت امرأة أنها أرضعتهما، والمرأة هذه ليست معروفة بالكذب؛ لأنها لو كانت امرأة كذابة خلاص خبرها كعدمه، وكذلك لو كان في عداوة، لو في عداوة، وجدت عداوة، فتأتي امرأة حاسدة باغية إلى رجل وزوجته علاقتهما سمن على عسل، وتقول: أنا أوريكم إذا خليتهم يستمروا، ثم ذهبت تشيع: أرضعتهما معاً، أرضعتهما معاً. وراحت أنا أرضعتكما أنا أرضعتكما. الآن المرأة صرحت بالعداوة فهل يقبل قولها؟ لكن امرأة مستورة، ما يعلم عنها كذب ولا عداوة قالت هذا. ما هو الاحتياط؟ تركه، قال: ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره. [رواه البخاري: 88].
فهذا فيه أن على المرء أن يتقي الشبهة.

قد ذلك إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلا

هذا الحديث محمول عند أكثر العلماء على الأخذ بالاحتياط، هذا الحديث كما قال صاحب مرقاة المفاتيح: محمول عند أكثر العلماء على الأخذ بالاحتياط. يعني أنه لا يجب، لكن الأحوط.
قال ابن بطال رحمه الله: "قال جمهور العلماء: إن النبي ﷺ أفتاه بالتحرز عن الشبهة، وأمر بمجانبة الريبة خوفاً من الإقدام على فرج قام فيه دليل على أن المرأة أرضعتهما، لكن لم يكن قاطعاً ولا قوياً" [عمدة القاري: 3/141].لأنها شهادة امرأة واحدة.
وكان ﷺ يعرض أحياناً عن المستفتي إذا كره سؤاله، ورجا أن يسكت دون أن يسكته.


فعن وائل الحضرمي قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله ﷺ فقال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء، يسألون حقهم ويمنعون حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه النبي ﷺ، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثالثة، فقال رسول الله ﷺ: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم [رواه مسلم: 1846].
عليهم ما حملوا: يعني ما كلفوا به من العدل وإعطاء حق الرعية.
وعليكم ما حملتم: من الطاعة والصبر على البلية.
فكأن النبي ﷺ كره أن يفتح هذا الباب.

تهيئة نفس المستفتي لتقبل الحكم

00:21:13

وكان ﷺ يقوم بتهيئة نفس المستفتي لتقبل الحكم ومعرفته أحياناً بنفسه، يعني كأنه يقوده بكلام معين إلى معرفة الجواب.
وهذا من هدي القرآن، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة: 222].
قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة: 222]. فأمر سبحانه نبيه أن يذكر لهم علة الحكم قبل الحكم.
وكان ﷺ يمهد أحياناً بأشياء يبتغي بذلك أن ينزل الحكم برداً وسلاماً على المستفتي بدون أن يجد في نفسه شيئاً.
فعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله ﷺ يسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال لمن حوله: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. فنهاه النبي ﷺ عن ذلك.
لأن هو الآن صح صاع بصاع، لكن اترك هذا الصاع سيجف، فإذا جف الرطب صار أقل من صاع التمر، هذا هو سبب المنع.
أينقص الرطب إذا يبس؟  قالوا: نعم. فنهاه رسول الله ﷺ عن ذلك. [رواه أبو داود: 3359 والترمذي: 1225]. وهو حديث صحيح.
وهذا النقصان بالجفاف، والنبي ﷺ يعرف، هذه من البدهيات يعني أن الرطب ينقص إذا جف، لكن أراد بسؤاله أن ينبههم على علة الحكم، يعني لماذا المنع؟ لماذا؟
ولذلك قال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. فنهاه عن ذلك.


فإذن ليس المراد بالاستفهام معرفة الجواب، هو يعرف أن يبسه تؤدي إلى أن يكون الرطب أنقص، فلا يكون هناك تماثل، ومن الشرط حصول التماثل، ولذلك نهى عنه، فالرطب ينقص إذا جف فيصير أقل من التمر، ولذلك فسد البيع، فلا يجوز بيع التمر بالرطب أصلاً.
عن عمر قال: هششت يوماً فقبلت وأنا صائم -قبلت زوجتي وأنا صائم- فأتيت النبي ﷺ، فقلت: صنعت اليوم أمراً عظيماً فقبلت وأنا صائم.
فقال رسول الله ﷺ: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك. فقال رسو الله ﷺ: ففيم؟ [رواه أبو داود: 2385]، وهو حديث صحيح [صحيح أبي داود: 2089].
معنى الحديث: لما سأل عمر: قبلت وأنا صائم؟ قال طيب لو تمضمضت وأنت صائم؟ قال: لا بأس بذلك، عمر يخبر بما عنده من العلم، قال ﷺ: ففيم؟ يعني كما أنك لو تمضمضت ومججت الماء لا يضرك شيء، فكذلك إذا قبلت وأنت صائم لا يضرك شيء.
فما هي وجه العلاقة بين القبلة والمضمضة؟ لماذا اختار له المضمضة؟


قال العلماء: فأشار إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم، وهي أول الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع. وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع.
فإذن المضمضة أول الشرب، لو خرجت ما فيه شيء، لو كمل صارت شرباً فسد الصيام.
القبلة أول الجماع، ما تعدت مجرد قبلة ما صار شيء، لو تعدت وصار إنزال أو صار جماع فسد الصوم.
فإذا أنزل بسبب القبلة ماذا يحدث؟ عليه التوبة إلى الله، وإكمال اليوم، وقضاء يوم بدلاً منه.
فإذا جامع بسبب القبلة عليه التوبة إلى الله، وإمساك بقية اليوم، وقضاء يوم بدلاً منه، وعتق رقبة؛ لأن الجماع أسوأ المفطرات، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
لاحظ الآن قضاء اليوم الذي أفسده؛ لأن بعض الناس يفكر الكفارة الشهرين، فيه قضاء اليوم الذي أفسده.
وبعضهم ما يقول؟ يقول: مادام جامعت خربانة خربانة هات الغداء. ما يجوز، يجب أن تمسك بقية اليوم.

وكان عليه الصلاة والسلام يراعي حال المستفتي في الفتوى

00:26:27

 فعن أبي هريرة "أن رجلاً سأل النبي ﷺ عن المباشرة للصائم. -معنى المباشرة: مس البشرة للبشرة- فرخص له -اللمس باليد-، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب". [رواه أبو داود: 2387] وصححه بعض أهل العلم ، [صححه الألباني صحيح أبي داود: 2090].  
وفيه: مراعاة الفرق بين الشاب والشيخ، ولذلك فرق بينهما في الحكم، ولذلك قال العلماء: القبلة والمباشرة تكرهان للشباب، ومن يمكن أن تتحرك شهوته ويخشى عليه من مواقعة الحرام، بخلاف الشيخ إلا إذا كان الشيخ أيضاً يخشى على نفسه فإنه لا يجوز له ذلك.

استخدام الحجج العقلية واستفسار السائل حتى يتضح السؤال

00:27:20

كان ﷺ يقنع المستفتي بالحجج العقلية أحياناً.
فعن عطاء بن يسار أن رسول الله ﷺ سأله رجل فقال: يا رسول الله أستأذن على أمي. يعني أنا إذا أردت أن أدخل على أمي حجرتها لازم استأذن.
فقال: نعم، فقال رجل: إني معها في البيت. فقال رسول الله ﷺ: استأذن عليها، فقال الرجل: إني خادمها، -أدخل أشياء وأطلع أشياء- فقال له رسول الله ﷺ: استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها رواه مالك في الموطأ عن عطاء مرسلاً [901]. وقال ابن عبد البر: وهو مرسل صحيح مجتمع على صحة معناه [الاستذكار: 8/473].
إذن ما يجوز واحد يدخل على حجرة أحد من محارمه؛ لئلا يطلع على عورة؛ لأنه إذا لم يستأذن عليها ففاجأها فقد يرى ما لا يجوز له رؤيته.
أما الزوجة والأمة فله الدخول دون استئذان.
وكان ﷺ يستفسر من المستفتي عن طبيعة الشيء المسؤول عنه ليتبين حكمه.
فعن أبي موسى قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله إن بها أشربة، فما أشرب وما أدع؟ قال: وما هي؟ قال: البتع والمزر؟ قال: وما البتع والمزر؟ قال: أما البتع فنبيذ العسل، وأما المزر فنبيذ الذرة، فقال: تسكر؟ قال: نعم، فقال رسول الله ﷺ: لا تشرب مسكراً فإني حرمت كل مسكر رواه النسائي [5113]، وأصله في مسلم [مسلم:2001]، وصححه الألباني [السلسلة الصحيحة: 2424].

اختيار الأيسر على المستفتي إذا وجد

00:29:01

وكان ﷺ يختار الأيسر والأسهل للمستفتي إذا وجد لذلك سبيلاً.
فعن عبد الله بن عمرو قال: رأيت النبي ﷺ عند الجمرة وهو يسأل، فقال رجل: يا رسول الله نحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج قال آخر: يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر؟ قال: انحر ولا حرج، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج [رواه البخاري: 83].
طبعاً هذا يعني مما يجوز التقديم والتأخير فيه، ما يجي واحد يقول إيه، الحديث هذا الحمد لله الشريعة يسر, إيش يعني؟ قال: طفت الإفاضة قبل عرفة! لا حرج! طفت الوداع قبل مزدلفة! لا حرج! فهذا لا يجوز.
وكذلك بعضهم يعني بدلاً من افعل ولا حرج يقول: اترك ولا حرج، اترك ولا حرج، يالله تخفيضات.
هذا دين الله لا يجوز التلاعب فيه: "ما سئل يومئذٍ عن شيء قدم ولا أخر" من أعمال يوم العاشر.
يعني مثلاً: رمي، وحلق، نحر، طواف، سعي، ماشي فيها التقديم والتأخير.
لكن هل يمكن واحد أن يجعل طواف الوداع قبل عمل من أعمال الحج؟ ما يمكن، لا يجوز.
وكذلك لو وقع أي عمل من أعمال يوم عشرة، قبل منتصف ليلة مزدلفة لا عبرة به، واحد راح طاف الإفاضة قبل منتصف ليلة مزدلفة، واحد راح نحر أو رمى جمرة العقبة قبل منتصف ليلة مزدلفة، لا يصح فعله رمى قبل الوقت.


وإذا لم يجد النبي ﷺ رخصة للمستفتي صرح له بذلك وأفتاه بالعزيمة.
يعني ابن أم مكتوم لما جاء، وقال: يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني -يعني ما هو دائماً أجده- فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة. [رواه أبو داود: 552، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 561]
وهذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ندباً لرخص له في ذلك، خصوصاً ابن أم مكتوم أعمى.

ارشاد المستفتي إلى البديل الشرعي

00:31:13

وكان ﷺ يرشد المستفتي إلى البديل المباح.
وهذا من جودة المفتي وتوسعته، وإرشاد السائل إلى البديل.
عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه فيروز قال: أتينا رسول الله ﷺ فقلنا: يا رسول الله قد علمت من نحن، ومن أين نحن، فإلى من نحن؟ قال: إلى الله وإلى رسوله، فقلنا: يا رسول الله إنا أصحاب كرم عنب عندنا عنب بساتين عنب- وقد أنزل الله تحريم الخمر فماذا نصنع بها؟ قال: زببوها.
اجعلوها زبيباً، يعني طيب يؤكل منها، ممكن يباع بس يبقى بقية، العنب هذا الكثير هذا المحصول ماذا نفعل به؟
قال: زببوها قلنا: ما نصنع بالزبيب؟
يعني طيب وإذا صار عندنا الزبيب كيف نستعمله؟
قال: انبذوه على غدائكم، واشربوه على عشائكم، وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم.
ما هو الانتباذ؟ أن يوضع الزبيب في الماء أو التمر، ويبقى مدة، ويشرب الماء، فيكتسب الماء حلاوة من الزبيب أو التمر، ويصبح له طعم يستسيغه ويحبه بعض الناس.
طيب لما قال: انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم، كم بين الغداء والعشاء؟ ثلاثة أيام؟ عشرة أيام؟ ولذا هنا الكلام، ولذلك بين لهم يعني أن المدة يسيرة.


قلت: أفلا نؤخره حتى يشتدّ؟ -يعني يتخمر ويسكر- قال: لا تجعلوه في القلل -الجرار الكبار- لأنه يتخمر فيها، واجعلوه في الشنان -الأسقية من الجلد واحدها شن الجلد الرقيق- قال: فإنه إن تأخر صار خلاً، [رواه النسائي: 5244] وصححه الألباني [صحيح وضعيف سنن النسائي:5735].
إذن قبل مرحلة التخمر يجوز شربه، بعد مرحلة التخمر، خلاص إذا تخمر لا يجوز إلا إذا صار خلاً.

اللجوء إلى الله عن تعسر الفتوى

00:33:34

وكان ﷺ إذا جاءه السؤال العسير في القضية الشديدة يلجأ إلى الله.
فروى مسلم في قصة الملاعنة، قال: سأل رجل رسول الله ﷺ: رجل وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ، فقال ﷺ: اللهم افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان. [رواه مسلم: 1495].
وهذا الحديث يا إخوان حديث فيه فوائد كثيرة، والحديث يعني فيه عبر وأشياء أيضاً موجعة.
عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي الأنصاري –صحابي إلى صحابي، عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري- عاصم هذا كبير القوم، فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه –يعني قصاصاً- أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله ﷺ.


من السائل؟ عويمر العجلاني.
كان يا إخوان في ذلك الوقت الذي جاء عويمر لعاصم، ما حصل لعويمر شيء، افترض المسألة.
فسأل عاصم رسول الله ﷺ عن ذلك: رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟، فكره رسول الله ﷺ المسائل وعابها، كراهة ما لم يقع، لاسيما فيه كلام يعني هتك ستر مسلم أو مسلمة، وكلام شنيع، وما حصلت القضية فلماذا الآن يعني يسألوا عنها.
كان الصحابة يسألون عن الأحكام الواقعة، وهذا الآن سؤال عاصم عن شيء لم يقع بعد، حتى كَبُر على عاصم كبر عليه أن النبي ﷺ رده وما أجابه، وهو كبير قومه، فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عويمر، قال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله ﷺ؟ فقال عاصم: لم تأتني بخير، -سؤالك ما جاب لي خير- قد كره رسول الله ﷺ المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله ﷺ عن ذلك، فأقبل عويمر حتى جاء رسول الله ﷺ وسط الناس، فقال: يا رسول أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟، وفي رواية لمسلم: "إن وجد رجل مع امرأته رجلاً، فإن تكلم به تكلم بأمر عظيم –يعني صار قذف، الآن ستقيمون عليه حد القذف- وإن سكت سكت على مثل ذلك- على غيظ"، وفي رواية لمسلم: "إن تكلم جلدتموه -قذف-، وإن قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ"، هنا قال عويمر: "إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به".
شوف من أول ما كان حصل، قال له: روح اسأل لي ما كان صارت، بعدما سأل والنبي ﷺ سكت صارت، رجع فعلاً وجد مع امرأته رجل. فجاء الآن يسأل عن شيء وقع.
فقال ﷺ: قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها.


صارت القضية الآن الملاعنة، ونزلت الآيات آيات الملاعنة، وهذا يعني أن اللعان لا يكون إلا عند الحاكم، ما هو أي واحد يقول جيب زوجتك وتعال، لا الملاعنة عند الحاكم.
والملاعنة هذه قضيتها كبيرة، ولذلك قالوا يعني إذا قذف زوجته برجل، فسيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
والمرأة سيقال لها: تقري بما رماك به، فإن أقرت رجمت؛ لأنها محصنة، وإذا ما أقرت ستلاعن هي أيضاً، وتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به.
وهذا يغلظ قالوا إن كان في المدينة عند المنبر النبوي، وإن كان في مكة عند الحجر الأسود، وإن كان في أي مسجد آخر عند المنبر في الجامع بعد صلاة العصر.


يعني القضية كبيرة قضية اللعان، والنتيجة بعد ذلك إذا صار اللعان من الطرفين فرقة أبدية، ما ترجع له إطلاقاً، لا بعد زوج ولا من غير زوج أبداً، فرقة نهائية، ترتب عليها أشياء.
وبعدين الولد هل سينفي الولد أو ما ينفي الولد، وينسبه إلى نفسه ولا ينفي الولد عن نفسه.
فلما حصلت القصة أمرهما رسول الله ﷺ بالملاعنة بما سمى الله في كتابه، فلاعنها في المسجد، فدعاه رسول الله ﷺ فقال: أتشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، فشهد بذلك أربعاً، ثم قال له في الخامسة: ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين، ففعل، ثم دعاها فذكر نحوه، فلما كان في الخامسة، لما قيل وغضب الله عليك إن كنت من الكاذبين، غضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به، سكتت، فظنوا أنها ستنكص ما تكمل الخامسة، تلكأت ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت بالقول في الخامسة، ثم قال: يا رسول الله إن حبستها فقد ظلمتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي ﷺ، طلاق البتة.
قال ابن شهاب: "فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين، وكانت حاملاً، وكان ابنها يدعى لأمه، ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له"، ثم قال رسول الله ﷺ: انظروا فإن جاءت به أفحم أدعج العينين الدعجة: شدة سواد العينين عظيم الأليتين، خدلج الساقين يعني ممتلئ عظيم الساقين فلا أحسب عويمراً إلا قد صدق عليها.


انظروا هذا الولد الذي ستلده الزوجة، إذا كان وصفه كذا كذا فالزوج صادق.
وإن جاءت به أحيمر تصغير أحمر، يعني أبيض محمر، حمرة مع بياض قصيراً، كأنه وحرة ماهي الوحرة؟ الوحرة: دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده، وهي من نوع الوزغ، قال: إن جاءت به أحيمر، قصيراً كأنه وحرة فلا أحس عويمراً إلا قد كذب عليها، فجات به على النعت المكروه، يعني جاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله ﷺ من تصديق عويمر، فكان الولد بعد ذلك ينسب لأمه. [رواه البخاري: 6874، ومسلم: 1492].
ما هو الشاهد الآن؟  كره النبي ﷺ  المسائل وعابها، يعني شيء ما وقع، وفيه كشف أستار وفرضيات شنيعة.
رجل وجد مع امرأته رجلاً، وحد يسأل يقول: أنا لو وجدت مع امرأتي رجلاً، يعني سؤال شنيع، النبي ﷺ ما أجاب.
لكن بعد ذلك هذا الافتراض حصل، ولعلها كانت يعني مقابلة على هذا السؤال الذي ليس له داعٍ في ذلك الوقت، وفرض السوء يؤدي، قد تحصل به المسألة، وتقع به الواقعة، وتكون من المقابلة على طرح مثل هذا قبل أن يحتاج إليه.

الرفق بالسائل إذا جاء تائبا

00:41:48

وكان ﷺ يرفق بالسائل الذي جاء تائباً أو عنده ذنب أو خطيئة، فلا يغلظ عليه مثلما يغلظ على المذنب الذي لم يتب.
فعن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ، إذ جاءه رجل وهو ينتف شعره، ويدق صدره، ويلطم وجهه، ويحثي على رأسه التراب، وقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، أو: ما أجد إلا هذي، ما عنده إلا هذي، رقبتي أنا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، يعني الآن لو أصوم قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: والذي بعثك بالحق ما لنا طعام –ما عندي ما أشبع أهلي- فمكث النبي ﷺ، فبينا نحن على ذلك، أتي النبي ﷺ بعَرَق فيه تمر، والعرق كما قلنا يسع ثلاثين وقيل غير ذلك.
فقال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذها فتصدق بها فقال الرجل: أعلى أفقر منا يا رسول الله، والله ما بين لابتيها -حرتي المدينة- أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطمعه أهلك رواه البخاري [6711]، ومسلم[1111].
لماذا لم يعاقبه؟ لأنه جاء معترفاً بالمعصية، مستفتياً، نادماً، تائباً، محتاجاً، فرفق به.
لكن بعض الناس الآن يأتي ليسأل بكل استهتار ولا مبالاة، يحصل.

إجابة أسئلة غير المسلمين

00:43:38

وكان ﷺ يجيب على الأسئلة، حتى أسئلة غير المسلمين.
فعن ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال: "كنت قائماً عند رسول الله ﷺ، فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقلت: ألا تقول يا رسول الله؟ -إيش السلام عليك يا محمد، قول السلام عليك يا رسول الله- فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله ﷺ: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله ﷺ: أينفعك شيء إن حدثتك؟ -يا ترى لو أجبتك ستنتفع ولا أنت معرض معاند- قال: أسمع بأذني، -شوف الإجابات الدبلوماسية التهرب- فنكت رسول الله ﷺ بعود معه يعني في الأرض -هذا معناه أنه يفكر- فقال: سل، فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟، أخبرنا ربنا في كتابه يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسموات، قال: طيب الناس أين يكونون في هذا؟ فقال رسول الله ﷺ: هم في الظلمة دون الجسر، المنطقة التي فيها الناس تحديداً قبل الصراط المضروب على متن جهنم: في الظلمة دون الجسر، لما يحصل التبديل هذا، يكون الناس مجموعون في: الظلمة دون الجسرمنطقة قبل الصراط.
قال: فمن أول الناس إجازة للصراط؟ قال: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ -التحفة ما يقدم للضيف أول ما يأتي- قال: زيادة كبد النون ما هو النون؟ الحوت، وما جمعه؟ جمعها: نينان قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ يعني هذه أولها أول ما يدخلون الجنة، طيب وبعد قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلا، قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله ﷺ: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به[رواه مسلم: 315].


وفي صحيح البخاري عن أنس، أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي ﷺ المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. [رواه البخاري: 3723].
كان ﷺ يجيب على أسئلة الإنس وعلى أسئلة الجن أيضاً. وسيأتي ذكر ذلك عندما نتعرض لمعاملة النبي ﷺ للجن.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.