الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

نماذج من التزام السلف


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الهداية أعظم نعمة
التفكر من أسباب الهداية
أثر المواقف الصادقة في هداية الناس
الخطبة الثانية 
أثر الهداية على المهتدين

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [سورة آل عمران:102].يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [سورة النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [سورة الأحزاب:70، 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذه خطبة الحاجة أيها الأخوة: التي كان رسول الله ﷺ يستهل بها خطبه ومواعظه وكلامته إلى الناس، وقد احتوت هذه الخطبة على فوائد عظيمة، وقواعد مهمة في أصول الإسلام.

الهداية أعظم نعمة

00:01:53

فمن ذلك أيها الأخوة: قوله ﷺ في هذه الخطبة: من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له[1]، وهذه الهداية التي ينعم الله بها على من يشاء من عبادة، جديرة بالتفكير بالتفكر من كل مسلميريد أن يكون على هدىً من الله وعلى بصيرة.

إن الله قسم الخلق إلى قسمين: أبراراً من أهل الجنة، وفجاراً هم أهل النار، هذين القسمين أيها الأخوة: تميز أحدهما عن الآخر بالهداية التي هي من أعظم نعم الله ، إن لم تكن هي أعظم نعمة، نعمت الهداية إلى الحق، ونعمت الهداية إلى الإسلام والتمسك به، هذه الهداية وهذه النعمة التي حرمها كثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم، فإنهم ضلال على غير طريق الحق في أبواب كثيرة من أبواب الدين: فمنهم من هو على ظلال في العقيدة، ومنهم من هو على ظلال في عبادة، يعبد الله على غير ما شرع رسول الله ﷺ ومنهم من هو على ضلالة في أخلاقه، وفي سلوكياته، وفي تعامله.

هذه الهداية التي نسأل الله دائماً، في الصلاة كل ركعة لا تخلو من طلب الهداية، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [سورة الفاتحة:6]، هذه الهداية أيها الأخوة: التي يكون الإنسان بها سعيداً، وبغيرها يكون شقياً، هذه الهداية التي طالما تعجبت المتعجبون، واحتار الحائرون، كيف تدخل إلى القلوب؟ كيف يهتدي الإنسان أيها الأخوة؟ كيف يهتدي الإنسان؟ كيف يدخل نور الإيمان إلى قلب الإنسان؟ ما بال بعضنا غافلون نائمون؟ والبعض الآخر هداه الله بهذه النعمة، فهداه إلى الصراط المستقيم، كيف أيها الأخوة؟ لماذا هذا الأخ في هذا البيت هداه الله، وأخوه الآخر من أبيه وأمه يرتع في مراتع الضلالة والشقاء؟ كيف اهتدى هذا؟ كيف دخل نور الإيمان إلى قلبه؟ ماهي الأسباب التي من أجلها أصبح هذا الشخص مهدياً؟ كيف التزم هذا الإسلام؟ كيف انتقل هذا  الرجل من معسكر أهل الشقاء إلى معسكر أهل النعيم والإيمان؟ هذا سؤال محير، وسؤال مهم أيضاً؛ حتى يعلم كل من هو من البعداء عن منهج الله يعلم من إجابته كيف يكون من أهل الصراط المستقيم؟

التفكر من أسباب الهداية

00:05:34

لا بد أيها الأخوة: من النظر في بعض الأمثلة التي حدثت في عهد رسول الله ﷺ من إسلام بعض الصحابة، كيف أسلم بعض الصحابة؟ كيف دخل الإيمان في قلوبهم؟ كيف اهتدوا؟ كيف انقذوا من الشرك والكفر والضلال ودخلوا في الإسلام؟ كيف حدث هذا؟ وكيف اهتدى بعض الفسقة، وبعض الضالين من الفجار؟ كيف اهتدوا وصاروا أناساً صالحين طيبين؟ هذا السؤال من الأهمية بمكان؛ حتى يعلم كل إنسان مكانه، وحتى يعلم الإنسان السبل التي يسلكها ويصل إلى هذه النتيجة، لماذا نحن أيها الأخوة مقصرون؟ لماذا نحن واقعون ومنغمسون في الشهوات؟ لماذا لا نترك هذه الشهوات وننتقل إلى دائرة الضوء ودائرة الإيمان؟ كيف انتقل الصحابة؟

الصحابة أيها الأخوة انتقلوا بطرق عديدة، انتقلوا بطرق عديدة من الكفر إلى الإسلام، فمنهم من جلس مع رسول الله ﷺ فناقشه ﷺ مناقشة إيمانية، لا مناقشة عقلية مجردة عن دلائل الإيمان، ونور الإيمان، مناقشة إيمانية، هداهم الله تعالى بهذه الكلمات نبوية إلى الإسلام، فمنهم من ناقشهم ﷺ- في عقيدتهم الضالة المنحرفة، فقال: كم إله تعبد؟ قال: "سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء"، شرك قال له: فَأَيَّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ أيهم إذا نزلت بك الشدة لجئت إليه؟ أي واحد من هؤلاء السبعة؟ قال: "الذي في السماء"[2] فاهتدى هذا المشرك إلى الحقيقة وإلى التوحيد فأسلم.

وعمر بن الخطاب فيما يروى كيف أسلم؟ إن هي إلا في آيات من القرآن الحكيم، كثير من الصحابة أسلموا لما سمعوا آيات الذكر الحكيم تتلى عليه، ولو بعد حين كانت هذه الآيات بما تقرره من حقائق قائدة لهم، ودليل لهم إلى الإسلام والإيمان؛ ولو كان في يوم متأخر من أيام السنوات.

هذا الجبير بن مطعم ورسول الله ﷺ يقرأ في الصلاة ،وهذا المشرك يسمع يقرأ قول الله في سورة الطور: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [سورة الطور:35]، أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؟ من العدم، الله يناقش الملاحدة الكفرة، أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ؟ الذين خلقوا أنفسهم، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ۝ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [سورة الطور:36، 37]، فقال جبير بن مطعم: "فكاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي"[3].

هذا المشرك أيها الأخوة: لما سمع هذه الآيات أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [سورة الطور:35]، لامست نفسيته، ولامست الأجزاء السليمة في تفكيره؛ فقادته إلى الإيمان، ما أسلم مباشرة، رجع إلى قومه، ثم حصلت له أحداث، ثم أسلم بعد ذلك.

أبو سفيان قائد المشركين حدثت له أحداث أدت به إلى الإسلام، شاهد من إيمان المسلمين، ومن نصر الله لهم في غزوة بدر، وشاهد قبل ذلك صبر ضعفائهم في مكة على الإسلام، حتى ولو عذبوا، هذه الصورة أثرت في نفسه.

وفي معركة أحد جرت مناقشة بين أبي سفيان وبين المسلمين، قال أبو سفيان بعدما انتصر المشركون في معركة أحد مرتجزاً رافعاً شعار الجاهلية: "أعلوا هبل أعلوا هبل" فأمر الرسول ﷺ أن يجيبوه، فقالوا: الله أعلى وأجل هو يقول: أعلوا هبل أعلوا هبل مفتخراً بالصنم، قال المسلمون :الله أعلى وأجل، أعلى من هبل، وأجل من هبل، قال: "لنا عزى – لنا صنم اسمه العزى- لنا عزى ولا عزى لكم"– عندنا صنم اسمه العزى وأنتم أيه المسلمون ليس عندكم صنم اسمه العزى – فقال المسلمون: الله مولانا ولا مولى لكم أعظم من العزى، ماذا تساوى العزى من جانب ولاية الله الله مولانا، ولا مولا لكم، قال: " قوم بيوم بدر"، قال أبو سفيان لما اسقط في يده، وخسر في نقاش العقيدة وأصبح مفلساً، ورد عليه بأشياء أعظم بكثير مما أتى بها، أنتقل إلى جانب آخر، فقال: "يوم بيوم بدر"[4] يعنى انتقمنا منكم، والحرب سجال، فقال عمر بن الخطاب،"لا سواء" لا يستويان، لا تساوي الانتصار في معركة بدر انتصاركم في معركة أحد "لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"[5]،

هذه مناقشة التي أفلس فيها هذا الرجل من كل ما يحمله في عقله من معطيات الجاهلية، كانت من أسباب زيادة الإيمان في القلب، ومسمار من المسامير التي، أو دقت من الدقات التي أثرت في قلبه، فلما جيء به في فتح مكة، وأمر رسول الله ﷺ العباس أن يحبس أبى سفيان -كما في الحديث الصحيح- على جبل من الجبال؛ ليرى كتائب المسلمين وهي تمر في طريقها لدخول مكة، وقع في قلبه من هيبة الإسلام أشياء عظيمة.

وقال للعباس: "لقد بلغ من ملك ابن أخيك اليوم أمراً عظيماً" فقال العباس مستغلاً: "أي نعم أنه أمر النبوة"، فاستغل ﷺ كبرياء أبي سفيان، وأعطاه فائدة تشري هذا الكبرياء وترويه، وتكون آخر مرحلة من مراحل دخول أبي سفيان في الإسلام، فقال: من دخل داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن [6] فأحس أبو سفيان بجودة المعاملة من المسلمين ومن الرسول ﷺ، وأحس بقيمته وكيانه، وأرضي كبريائه بما ليس هو محرم في الشرع، وبما لا يترتب عليه خسارة للمسلمين في عقيدتهم وفي دينهم، فأعلن أبو سفيان الإسلام.

ضماد من مشركي العرب، من أزد شنوأة، كان رجلاً يرقي من الريح، يعني: يرقي المصروع من الجن، جاء إلى مكة، فسمع الكفار يقولون عن رسول الله ﷺ: أنه مجنون، وإنه مصروع، فقال في نفسه: أذهب إلى هذا الرجل الذي اعتجنت المشكلة بسببه بينه وبين قومه، فأعالجه؛ لعل الله أن يشفيه على يديه، -هكذا يقول ضماد المشرك- فذهب إلى رسول الله ﷺ فدخل عليه، فقال: يا محمد إني كنت امرأ أرقي من الريح -عندي مقدرة في الطب، فهلا أذنت لي بأن أعالجك؛ لعل الله أن يشفيك من هذا المرض- فقال رسول الله ﷺ لما فرغ ضماد من كلامه: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله هذا جزء من خطبة الحاجة التي نستفتح بها في كل خطبة، فقال ضماد: "لقد سمعت قول السحرة، فما هو من قول السحرة، وقول الكهان فما هو من قول الكهان، ولقد بلغن ناعوس البحر"[7] يعني عمق البحر، هذه الكلمات بلغت في عمق دلالتها عمق البحر، ثم  أعلن إسلامه، عرضت عليه حقائق التوحيد فأعلن إسلامه.

هؤلاء المشركون -أيها الأخوة- عندهم عقول يفكرون، هذه واحدة مهمة؛ لأن الآن كثير من المسلمين يقولون: نحن نقرأ آيات الله على كثير من هؤلاء الضلال لا يسلمون، ولا يؤمنون.

أحد الأسباب: أنهم لا يعملون فكرهم في الآيات كثير، من المسلمين انتقلوا بسبب قراءة آيات تليت عليهم، بعضهم كان فاسقاً، كان فاجراً، يعمل جميع أنواع المعاصي والمنكرات، لما سمع قول الله : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [سورة الحديد:16]، منهم من كان قاطعاً الطريق فترك والتزم بإسلامه، ومنهم من كان زانياً فترك، ودخل في الإسلام، والتزم بأحكام الإسلام، وروى ابن كثير في البداية والنهاية: عن رجل من الأغنياء الكبار كان داخلاً على فرسه، وهو يتبختر في هذا المال الذي كان قد حباه الله به، فلما سمع هذه الآية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [سورة الحديد:16]  صادفت من قلبه مكاناً خالياً فتمكنت، فنزل عن فرسه، وأنفق أموالاً كثيرة، أكثر ماله أنفقه في سبيل الله؛ لما سمع الآية مباشرة.

بعض الناس كانوا يتأثرون من سماع الآيات مباشرة واحد من فسقة المسلمين لما سمع قول الله : فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ ۝ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الحجر:92، 93]، كل الناس، ليس هناك أحد سيسلم من هذا السؤال، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [سورة مريم:95] كل واحد سيحاسب لوحده بمفرده، لما سمع هذه الآيات فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ ۝ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الحجر:92، 93] خاف من الحساب، ودخل في الإسلام، ولما أقول: دخل في الإسلام، لا يعني أنه كان كافراً بالضرورة، فقد كان فاسقاً أو فاجراً، لكن ترك الفسق ترك المنكرات ترك الفجور، خاف من الحساب، ودخل في الإلتزام بالإسلام، ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً [سورة البقرة:208]، يعني ادخلوا في الإسلام، في جميع الإسلام، تمسكوا بجميع شعائر الدين على قدر استطاعتكم، ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً [سورة البقرة:208].

بعضهم أسلم، أو التزم بالإسلام للتو واللحظة، وبعضهم تأخرت بهم على مراحل: مثل خالد بن الوليد، و عمرو بن العاص، ما أسلموا من أول موقف شاهدوه، تكررت عليهم المواقف حتى بلغ الإيمان في قلوبهم مبلغاً دفعهم إلى الإسلام وحفزهم عليه.

أثر المواقف الصادقة في هداية الناس

00:19:01

خبيب بن عدي: ذلك المسلم المجاهد لما أرسله رسول الله ﷺ في أحدى السرايا، فأسره المشركون، ثم جاءوا به إلى مكة ليبيعه، ويأخذوا بدلاً منه أسيراً من هذيل، كانت قريش قد اعتقلته وأسرته، كلا من المشركين، فأعطوا هذا الرجل، وأخذوا بدلاً منه أسيراً لهم؛ لأن كان بين الكفار في الجاهلية معارك كان بينهم الأسرى والقتلى، هذا الرجل- خبيب بن عدي-كان قد قتل الحارث يوم بدر، الحارث واحد من مشركي قريش، فجاء أولاد الحارث الكفار في مكة، واشتروا خبيب بن عدي لكي يقتلوه؛ فينتقموا لأبيهم الذي قتله خبيب يوم بدر فوضعوه في بيت من بيوتهم؛ حتى يتشاوروا في الأمر، ففي يوم من الأيام استعار خبيب موسى ليستحد بها من بعض بنات الحارث، كما أورد البخاري-رحمه الله- في صحيحه -سبحان الله.

أيها الأخوة: رجل مشرف على القتل لا ينسى سنة من سنة الرسول ﷺ، وهي الاستحداد، حلق شعر العانة بالموس، سنة من سنن الرسول ﷺ لا ينساها هذا المسلم وهو على مشارف الموت – استعار من احدى بنات الحارث موس ليستحد بها، وهو يعلم بأنه بعد قليل سيقتل، يطبقون السنة مهما كان الأمر، وفي أي موطن، ومهما كانت الظروف، فلما صارت الموس في يده، وهو أسير في البيت، درج بعض صبيان هذه البنت – ولد صغير درج، نسيت الولد غفلت عنه، فالولد حبى ودرج حتى دخل على خبيب في البيت من المكان الذي كان فيه خبيب، دخل الولد الصغير يحبوا حتى وصل إليه، والموس في يد خبيب، وهو يعلم أنه سيقتل انتقام للمشرك الذي قتله، الآن نفسية الانتقام من النفسيات التي من المتوقع أن تكون في قلب هذا الرجل، سيقتل، فلينتقم، وليقتل صبيا ًمن المشركين، فرأت المرأة، رأت، التفت، انتبهت، فرأت الرجل خبيب قد وضع الصبي على حجره، والموس بيديه، ففزت فزعةً! ارتعبت لأنها لم تعلم ماذا يمكن أن يحدث لهذا، فلما رأى خبيب الفزع في المرأة، قال: "أتظنين بأني سأقتله، كلا إن شاء الله" ثم رد الصبي إليها، لما أخذوا خبيبًا ليقتلوه، وصلبوه على تلك الخشبة، قالوا له: "أيسرك بأن محمداً مكانك الآن، وأنت حر طليق" قال: لا، ماذا تظنون أن يقول؟ يقول وهو على مشارف الموت، نعم أنا أفدي نفسي بمحمد وغير محمد، فقال: "لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه"،  يعني: ما أرضى أن يشاك الرسول بشوكة، وليس أن يكون مكاني يقتل، ولا أن شاك بشوكة، هذه الجملة –أيها الأخوة- أثرت في نفس أبي سفيان.

وكذلك زيد بن الدثنة: لما قال نفس الكلمات، قال بعض المشركين: ما رأينا أناساً قوماً يحبون محمداً يحبون صاحبهم كحب أصحاب محمد محمداً ﷺ.

أثر هذا الدرس في محبة الرسول ﷺ يلقن لهؤلاء المشركين، ثم أنه قال: -أي: خبيب- لهم: أريد أن أصلي ركعتين قبل أن أموت – يعطيهم درس في عبادة الله حتى آخر لحظة، والتعلق بالله حتى آخر وقت من الدنيا، أنه يريد أن يصلي، الرجل على وشك الموت، عادة يفضي في أهم شيء، لو كان قد خبأ شيئاً يقوله، ولو كان قد أذنب ذنباً يعترف به، على فراش الموت، على وشك الموت، ماذا قال هذا الرجل ما ذا يريد؟ "إئذنوا لي أن أصل" -دعوني أصلي- ركعتين" علمهم درساً، فلما ضرب السهام بجانبه لكي يخيفوه، ما خاف! حتى جاء ولد الحارث أبو سروعة عقبة بن الحارث فطعنه بحربه بيده فقتله[8] هذه مواقف أيها الأخوة من خبيب أثرت في نفوس المشركين، فأسلم تلك المرأة، وأسلم كثير من المشركين الذين حضروا موته  بعد ذلك.

وهذا عقبة أبو سروعة بن الحارث أسلم بعد ذلك، كما قال ابن كثير: وله حديث في أحكام الرضاع نقله عن الرسول ﷺ.

فإذا أيها الأخوة: هذه المواقف تؤثر تأثيرا ًمباشراً في نفسيات الناس؛ فتجعلهم يسلمون، تجعلهم يلتزمون بالإسلام، مواقف، القضية قضية مواقف.

هذه النقطة الثانية بعد قضية التفكير السليم: قضية المواقف الإسلامية الممتازة من المسلمين، التي تدعوا الكفار بالقدوة للدخول في الإسلام، وكثير من المصلحين والدعاة اليوم الذي انتهجوا هذه الطريقة -التأثير بالقدوة- كان بسلوكهم أكبر الأثر في التزام الناس بالإسلام، لكن أيها الأخوة هذه قدوات اليوم ضعيفة وقليلة جداً في المجتمع، وإلا فأخبروني بالله عليكم هؤلاء الكفرة الذين يعيشون في بيوتنا اليوم من سائقين ومن خدام وخادمات بعضهم كفرة، بوذي أو هندوس أو نصراني لماذا لم يسلموا؟ لماذا لم ينتشر الإسلام بينهم على نطاق واسع؟ لماذا؟ من المسؤول؟ نحن -أيها الأخوة- لأننا في داخل بيوتنا أمام هؤلاء الخدم والسائقين لا نمثل الإسلام تمثيلاً صحيحاً، بل إننا نشوه الإسلام، ونعطي سلوكاً منحرفاً بأخلاقياتنا المنحرفة، والوقوع في مهاون الرذيلة والضلال والفساد لهؤلاء الكفرة.

فبالله عليكم كيف يسلمون وهم يرون هذا الواقع المتناقل؟ قد يسمعون عن الإسلام شيئاً طيباً؛ ثم يرون في سلوكياتنا وواقعنا أشياء متناقضة مناقضة لما يسمعون.

فإذاً هذا ليس ديناً صحيحاً في اعتقادهم، لو كان صحيحاً لأثر في نفوس أتباعه، أكثر من هذا لماذا نحن لا يؤثر بعضنا في بعض لماذا؟ لماذا هذا الغثاء من المسلمين اليوم المنحرفين عن الإسلام بشكل كبير لماذا؟ لماذا لم يتأثروا بإخوانهم المسلمين الملتزمين الآخرين، فيدخلوا في الإسلام أفواجاً كما يخرجون منه كل يوم أفواجاً في استهزاء بالله، أو رسوله، أو شرع من شرائعه لماذا؟ نحن السبب -أيها الأخوة- إننا نعطي واقعاً سيئاً بتصرفاتنا وسلوكياتنا، أولئك الصحابة زادوا إخوانهم الذين معهم في الطريق هدىً وعلموهم وتأثروا منهم، كان الضعيف إيماناً يتأثر من القوي إيماناً، الضعيف من العلم يتأثر من القوي في العلم، وهكذا.

وكان الكفار يدخلون -كما سردت لكم من النماذج الآن- في دين الله بسبب تصرفات المسلمين، نحن  لا نؤثر على أنفسنا، ولا على غيرنا من إخواننا المسلمين، ولا على الكفار الذين نعايشهم، فأية جريمة هي تلك التي نجنيها على أنفسنا؟

نسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يهدينا سبلنا، وأن يوفقنا للالتزام بشرائع الدين، وصلى الله على نبينا محمد.

الخطبة الثانية 

00:28:10

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة ،وجاهد في ذلك حق جهاده.

أثر الهداية على المهتدين

00:28:26

أيها الأخوة: مازال دخول الإيمان في النفوس مسألة محيرة، ونحن نرى اليوم -والحمد لله- في واقع الصحوة الإسلامية التي يعيشها المسلمون نماذج كثيرة من أناس هداهم الله تعالى؛ فتركوا طريق الشر وسلكوا طريق الخير.

أناس نعرف من واقعهم بأنهم كانوا في يوم من الأيام  من أكبر أصحاب السوء والفواحش، وبعض الذين هداهم الله يصرح تصريحاً فيقول: ما تركت في جاهليتي أمراً من أمور السوء إلا وارتكبته – زنا لواط سرقة رشوة غش كذب – ما تركت شيء وإلا وارتكبته، ثم هداهم الله .

أيها الأخوة: نريد أن نرى كيف هداهم الله؟ هذه الهداية خفية التي لا يملكها أحد من الناس، لا نستطيع أن نشعر بها تماماً، لا نراها بأعيننا، ولكن نحس بآثارها، هل ترى النور الإيماني وهو يدخل قلب ذلك الإنسان فيغيره من الداخل؟ لا ما ترى هذا، لكن ترى انعكاسات هذه المسألة عليه بعدما يلتزم ويهتدي، وكل منكم لا شك أنه قد رأى أخاً له، أو قريباً، أو جاراً، أو زميلاً في الوظيفة، أو زميلاً في المدرسة قد تغيرت حاله بعد سوء، وأبدلهم الله خيراً، أبدلهم الله خيراً.

كيف حدث الانقلاب؟ كيف التزم هذا الرجل؟ قال قيصر لأبي سفيان-أبو سفيان  ذهب إلى قيصر في تجارة من التجارات، وقابل قيصر ملك الروم فسأله قيصر عن حال الذي يلتزمون بالإسلام من الصحابة؟: "هل يرجعون كفار؟ قال لا.

قال قيصر كلمة مهمة توضح الشأن الذي نحن فيه الآن: "كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب"[9] الإيمان له بشاشة، له مفعول، له قوة، وله تأثير إذا خالط القلب ينقلب هذا القلب من الضلال إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فتنعكس ينعكس الإيمان على الجوارح، وعلى الجسم، وعلى محيا الشخص، فيكون وجهه أسود كالح تعلوه غبرة وقترة من الضلال والفساد والمعاصي، فينقلب بإذن الله إلى وجه مضيء بنور الإيمان، هذه الأعمال فاجرة من الفواحش تنقلب إلى صلاة، وصيام، وصدقة، ودعوة، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وطلب علم، وبر والدين، وصلة رحم، كيف حل هذا محل هذا؟

أيها الأخوة: نحن يجب أن نفكر، لأن كل إنسان قد يكون واقعاً في شيء من هذه الترهات، كيف يضع هذا مكان هذا؟ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [سورة الفاتحة:6] هذا المفعول -أيها الأخوة- يكون الإنسان هذا الغافل العاصي شبه نائم مثل النائم، فإذا التزم بالإسلام كأنه قد استيقظ، كأن أحداً قد هزه هزة قوية بآية أو حديث أو موعظة، ويقول له استيقظ، إلى متى أنت نائم؟ حتى متى تستمر هكذا؟ انظر ماذا أمامك؟ في هاوية، أنت تمشي نحو هذه.

أيها الأخوة: كثير من المسلمين يحتاج اليوم إلى إيقاض، وإلى هز شعور بآيات وأحاديث ومواعظ ترقق القلوب، وتعرف سير الصحابة والتابعين، ودعوة الرسول ﷺ تعرض هذه الحقائق الإيمانية على هذه القلوب لعل الله أن يوقظها، هذا دورنا نحن مع أنفسنا، هذا الكلام ليس للدعاة فقط، وإنما هو لكل إنسان.

عليك يا أخي المسلم أن توقظ قلبك من  هذا السبات، يكفيك يوماً، يكفيك معصيةً، يكفيك معيشة في دائرة الظلام، يا أخي: هلم هلم إلى دائرة الإيمان، انتقل ابدل هذا الشر الذي في نفسك بخير من نور الله ومن منهج الله سر على الصراط المستقيم، واقتفي أثر سنة سيد المرسلين، واقتدي بالصحابة والتابعين، ومن هم يمثلون اليوم المنهج الصحيح في العقيدة والعبادة من إخوانك المسلمين، وكن معهم واصبر نفسك معهم، لعل الله أن يهديك بسببهم، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [سورة الذاريات:55]، أقول قولي هذا، وقوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله.

  1. ^  رواه مسلم: (867). 
  2. ^ مسند الروياني: (85).
  3. ^ رواه البخاري: (4854).
  4. ^ رواه البخاري: (4043).
  5. ^ رواه أحمد: (2609).
  6. ^ رواه أبوداود: (3022).
  7. ^ رواه مسلم: (868).
  8. ^ المعجم الكبير للطبراني: (5284).
  9. ^ " رواه البخاري: (7).