الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

31- أحوال المتقين يوم القيامة


عناصر المادة
وقفات مع أحوال المؤمنين يوم القيامة
أسباب الأمن من الفزع يوم القيامة
من أحوال المؤمنين بياض الوجوه والنور
الأعمال التي تسبب النور يوم القيامة
من أحوال المؤمنين الاستظلال بظل العرش
فضائل بعض الأخلاق والأعمال

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:

وقفات مع أحوال المؤمنين يوم القيامة

00:00:12

فنحن الآن في وقفات مع أحوال المتقين المؤمنين يوم القيامة، فإن يوم القيامة فيه أحوال، والناس فيه أنواع فمنهم أهل الأيمان الذين يفزع الناس ولا يفزعون، ولا يحزنون إذا حزن الناس أولئك سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله -تعالى-، وقد قال إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۝ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ۝ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء: 101- 103].
فيوم القيامة إذاً هو يوم الفزع الأكبر، وهنالك أناس يأمنون من هذا الفزع، وهؤلاء أهل الإيمان والتقوى وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون، لا يقلقهم ما يقلق الناس، وذلك حين ينفخ في الصور فيقوم الناس من قبورهم فزعين.
قال حُميد بن عبد الرحمن: "كنت عند ابني صالح وهما علي والحسن -رحمهما الله- إمامان كبيران، ورجل يقرأ: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ، فالتفت علي إلى أخيه الحسن وقد اخضر واصفر فقال: يا حسن إنها أفزاع فوق أفزاع، ورأيت الحسن أراد أن يصيح ثم جمع ثوبه فعض عليه حتى سكن عنه، وقد ذبُل فمه واخضار واصفار". [سير أعلام النبلاء: 7/370].
فهكذا لما سمع قوله الله -تعالى-: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ، وصف الله الذين يأمنون من يوم الفزع الأكبر بأنهم أهل الإيمان والتقوى، فقال أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ۝ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[يونس: 62-64]، ينجيهم بالتقوى والعمل الصالح والإيمان وينجيهم من مثوى الكافرين.
وقد قال : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ۝ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر: 60-61].
إذاً هنالك حزن في ذلك اليوم، وهنالك فزع فينجي الله أهل الإيمان والتقوى من الفزع ومن الحزن، حزن وفزع.

أسباب الأمن من الفزع يوم القيامة

00:02:56

ومن شُعب الإيمان، وأعمال التقوى التي جعل الله عاقبتها الأمن من الفزع الشهادة في سبيل الله، والرباط في سبيل الله.
فروى الترمذي -رحمه الله تعالى- عن النبي ﷺ قال: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر وهذا هو الشاهد يأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتان وسبعون زوجة من الحور العين، ويُشفع في سبعين من أقاربه [رواه الترمذي: 1663، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 1375].
وهذا مضى معنا في أحاديث الشفاعة، وهنا للشهيد عند الله ست خصال، ذكر في حديث ابن ماجه: وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع [رواه ابن ماجه: 2767، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 1221].
فلا يوجد مجموعها لأحد غيره، قال السندي -رحمه الله- في شرح ابن ماجه: "المذكورات سبع إلا أن يجعل الإجارة والأمن من الفزع واحدة". [حاشية السندي على ابن ماجه: 5/424].
وقوله: ويجار من عذاب القبر، يعني: يُحفظ ويؤمن ويوضع على رأسه تاج الوقار وهذا من أسباب العزة والعظمة في ذلك اليوم، وهنالك أناس يُعزهم الله ويُفخم شأنهم ويعليهم، وهنالك أناس يُحقرهم الله ويجعل أمرهم وضيعاً مثل المتكبرين الذين يحشرون يوم القيامة أمثال النمل.
وقوله في الشهيد: ويزوج اثنتان وسبعون زوجة، هذا أقل ما يُعطى، ولا يمنع الزيادة على ذلك ففضل الله واسع، والشهيد يشابهه المرابط في سبيل الله فإنه يؤمن من الفزع أيضاً، فكما أنه كان يحرس الثغور على حدود الكفار، وكان ذلك الموقف مخيفاً؛ لأن الكفار يمكن أن يغيروا في أي لحظه كافأه الله بأن جعل خوفه في الدنيا ومقامه في مكان الفزع أمناً يوم القيامة، فقال النبي ﷺ: رباط شهر خير من صيام دهر، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر وغدي عليه برزقه وريح من الجنة ويجري عليه أجر المجاهد حتى يبعثه الله   رواه الطبراني [المعجم الكبير:6180،ليس بهذا اللفظ]، وقال الهيثمي: "رجاله ثقات" [مجمع الزوائد: 12/93]، وصححه الألباني. [صحيح الترغيب: 1219].


وكذلك فإن الذي يصوم في الجهاد في سبيل الله له أجر خاص ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً متفق عليه. [رواه البخاري: 2840، ومسلم: 1153].
وفي رواية:  من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض، قال المنذري: رواه الطبراني بإسناد حسن [المعجم الكبير: 7921]، وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب. [صحيح الترغيب: 990].
قال المنذري: "وقد ذهبت طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت في فضل الصوم في الجهاد". [الترغيب والترهيب للمنذري: 2/53].
وذهبت طائفة إلى أن كل الصوم في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجه الله، واعتبروا قوله: صيام في سبيل الله يعني ابتغاء وجه الله.
وتحقيق التوحيد من أعظم أسباب الأمن يوم القيامة: وكلما كان العبد أكثر إخلاصاً لله كان أكثر أمناً في ذلك اليوم؛ ولذلك فإن الموحدين الذين لم يلبسوا إيمانهم بشرك أبداً لهم الأمن التام، قال تعالى: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 81-82].
لما سمعها الصحابة قالوا: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه، فقال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[لقمان: 13].
فالأمن من المخاوف ومن العذاب ومن الشقاء والهداية إلى الصراط المستقيم لهؤلاء الذين لم يقعوا في الشرك وتحصل الهداية التامة والأمن التام للذين لم يقارفوا معصية الله وإذا قارفوها تابوا منها.

من أحوال المؤمنين بياض الوجوه والنور

00:07:45

مما يحصل يوم القيامة أيضاً بياض الوجوه ونظرة الوجوه، قال الله -تعالى-: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[آل عمران: 106-107].
وتبيض وجوه أهل السنة، كما تسود وجوه أهل الشقاوة وأهل البدعة، وقد جمع الله -تعالى- للمؤمنين يوم الدين بين الأمن وبياض الوجه؛ لأنهم لما خافوه في الدنيا، وأعدوا لهذا اليوم عدته، وواجهوا أهواله بأعمالهم كفاهم الله شره يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ۝ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا ۝ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ۝ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان: 7-11].
فإذاً يوم القيامة ستكون وجوه ناظرة ونظرة، وعن شداد بن أوس أن رسول الله ﷺ قال: قال الله : وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، فإني أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي [أبو نعيم في حلية الأولياء: 1/144]، وحسنه الألباني [السلسلة الصحيحة: 742].
وكذلك مما يكون يوم القيامة النور، فقلنا الآن: نظرة الوجه، وقلنا البياض، وقلنا الأمن من الحزن، وقلنا الأمن من الفزع، وكذلك النور يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [الحديد: 12].
فإذا كان يوم القيامة كورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في ظلمة، ونُصب الصراط يؤتى المؤمنون والمؤمنات أنوارهم بحسب أعمالهم، ويكون في الأيدي ويكون في مواضع مختلفة، فقال النبي ﷺ: يعطيهم نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يُعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يُعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يُعطى مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلاً يُعطى نوره على إبهام قدميه يضيء مرة ويفيء أخرى، فإذا أضاء قدم قدمه، وإذا طفئ قام، يعني: وقف لا يستطيع قد يقع في النار، فيمرون على قدر نورهم، والحديث صححه الألباني [صحيح الترغيب: 3704]، ورواه الطبراني [المعجم الكبير: 9763].


إذاً: الأنوار تقسم على حسب الأعمال، فهي في الشدة وفي المكان تختلف فناس مثل الجبل، وناس مثل النخلة، وناس يضيء وينطفئ، وناس على الإبهام، وناس باليد، وناس أمامهم نور كالجبل أمامه بين يديه، فكيف يكون سرعته على الصراط؟

الأعمال التي تسبب النور يوم القيامة

00:11:06

ما هي الأعمال التي تسبب النور يوم القيامة؟
منها: كثرة المشي إلى المساجد في الظلمات كالفجر والعشاء، فروى أبو داود عن بُريدة عن النبي ﷺ قال: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة  [رواه أبو داود: 561، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 425].
المشائين جمع مشاء، وهو كثير المشي الذي يعتاد المشي باستمرار إلى المسجد، وهذا يُبين فضل المشي، وأنه أفضل من الركوب، وذلك إذا قدر عليه، في الظلم هذا يشمل العشاء والصبح، بالنور التام يوم القيامة الذي يحيط به من جميع جهاته، فلما قاسوا المشي في الظلمة جوزوا بنور يضيء لهم ويحيطهم.
الناس الآن قد جعلوا أنواراً كهربائية في الشوارع أضاءت الليل، ولكن يبقى في أحيان وفي أماكن يمشي الإنسان في ظلمة، وتنقطع الكهرباء، فعلى أية حال من مشى في ظلمة إلى المسجد كانت له نوراً يوم القيامة.
كذلك إسباغ الوضوء: إتمام غسل الأعضاء كاملة بغير نقص، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة سمعت النبي ﷺ يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء [رواه البخاري: 136، ومسلم: 247].
قال ابن حجر -رحمه الله-: " غراً ذو غُرة، وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد ﷺ"، وقوله: محجلين، التحجيل بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس، والمراد به هنا أيضاً النور"[فتح الباري:1 / 236].
وبهذا الأثر الغرة والتحجيل والبياض الذي يكون في وجوهم ومواضع الوضوء من أجسادهم يعرفهم به محمد ﷺ، يعرف أمته من بين الخلائق، لماذا هو؟ ما مروا عليه جميعاً، شهد أصحابه فقط رآهم.
طيب وإخوانه الذين أتوا من بعد كيف سيعرفهم يوم القيامة؟ يعرفهم بهذا، ولذلك جاء في حديث أبي هريرة: "أن النبي ﷺ أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ودت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، فقالوا: كيف تعرف من لم يأتي بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة فيها بياض، يعني: هذا بالخلقة بخلقتها فيها بياض في الجبهة وفي القوائم، بين ظهري خيل دهم بُهم ألا يعرف خيله؟ لأن العلامة واضحة جدا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون يعني أمتي أمة الإجابة الذين توضؤوا وصلوا في الدنيا يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض   [رواه مسلم: 249].


يعني: وأنا أسبقهم، وسيأتون بعدي ليشربوا منه، وروى أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه، فانظر إلى ما بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال: هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم يأتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريتهم[رواه أحمد: 21785]، صححه الألباني [صحيح الترغيب:180].
من الأشياء التي تسبب النور كذلك يوم القيامة وتكسبه لصاحبه الذين يهتمون بصلاة الجمعة، أهل الجمعة، أهل الجمعة الذين للجمعة في نفوسهم مكانة عظيمة، استعدادات وتكبير، وغُسل، وطيب، وثياب خاصة، ومشي وتبكير وإنصات.
يعني: الجمعة لها هيبة خاصة في نفوسهم، هؤلاء أهل الجمعة، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن خزيمة عن أبي موسى -: إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها يوم سبت، يوم أحد، يوم اثنين ويبعث يوم الجمعة زهراء، والله قادر أن يحول الأشياء المعنوية إلى أشياء حسية، فهذا يوم الجمعة بالنسبة لنا الزمن لا يرى، أنت ترى الزمن؟ لا تراه، ترى الساعة واليوم بعينك لا تراها، يوم القيامة تمكن رؤيتها فقال ﷺ: ويبعث يوم الجمعة زهراء مُنيرة أهلها يحفون بها كالعروس تُهدى إلى كريمها، تضيء لهم يمشون في ضوئها، تضيء لهم هذا موضع الشاهد، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضاً، وريحهم تسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجباً، تعجباً من حالهم، الناس مشدودة أبصارها إليهم، حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون[صحيح ابن خزيمة: 1730، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 706].
كذلك قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة، من مكانه الذي قرأ فيه السورة إلى مكة هذه المسافة كلها نور يوم القيامة، رواه الطبراني. [المعجم الأوسط: 1455]، وصححه الألباني [السلسلة الصحيحة: 2651].
وفي رواية: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين[رواه الحاكم في المستدرك: 3392، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 736].


وكذلك من الأعمال من رمى بسهم في سبيل الله كان له نوراً يوم القيامة [رواه الطبراني في مسند الشاميين:958]، السلسلة الصحيحة: [2555].
ومن الأعمال إذا شاب الإنسان في طاعة الله: أدركه الشيب وهو مقيم على طاعة الله، روى الترمذي عن كعب بن مرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة [رواه أبو داود: 4202، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 3371].
قال في التحفة: شاب شيبة يعني: ولو شعرة واحدة بيضاء". [تحفة الأحوذي: 5/215]، ولو شيبة واحدة، في الإسلام يعني مقيم على طاعة الله مسلم يعبد الله على هذا الدين ثابت، كانت له نوراً يوم القيامة ضياء مخلصاً من ظلمات ذلك اليوم وكرباته وشدائده، إذا كانت هنالك أشياء تزيد الظلم يوم القيامة الظلم ظلمات يوم القيامة [رواه البخاري: 2447، ومسلم: 2578].
فإن هنالك أشياء تُبدد الظلم يوم القيامة مثل: يوم الجمعة، ونور سورة أهل الكهف، وهذا الذي شاب في الإسلام شيبه، قد يقول قائل: وما دخل العبد في الشيب، هل العبد هو الذي يُشيب نفسه ؟ فكيف يكون الشيء الذي لا كسب له فيه منيراً ونافعاً ويستفيد منه وما كان بفعل منه ليس هو الذي شيب نفسه؟
فالجواب: أنه لما كان مقيماً على الطاعة، ثابتاً على الاستقامة حتى شاب العمر الذي قُطع الذي مضى في طاعة الله، حتى أدرك صاحبه الشيب، هذا صرف العمر في الطاعات فعل من العبد، وكسب منه فيؤجر عليه.
ويشهد لهذا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة، وفي رواية: إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة، كل شيبة كل شعرة بيضاء. رواه أبو داود [4204]، وصححه الألباني [صحيح الترغيب: 2091] .
وعن فضالة بن عبيد أن رسول الله ﷺ قال: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة، فقال له رجل: فإن رجالاً ينتفون الشيب، فقال رسول الله ﷺ: من شاء فلينتف نوره، هذا نور تريد تنتف نورك انتف الشيب، رواه البزار. [مسند البزار: 3755]، وحسنه الألباني. [السلسلة الصحيحة: 1244].


جاء النهي عن نتف الشيب، وكذلك جاء النهي صبغ الشيب، وتغيير الشيب بغير الأسود، ولو صبغه بغير الأسود ما تزول لا تذهب هذه الفائدة يوم القيامة، لكن الذي ينتفه أو يغيره بالأسود له شأن آخر، والمشروع في الشيب تغييره بالصبغ بغير الأسود وليس نتفه، وقد قال ﷺ: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم [رواه البخاري: 3462، ومسلم: 2103].
أشياء أخرى نور يوم القيامة، نريد أنواراً هنالك ظلمات تحتاج إلى تبديد، المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة.
روى الترمذي عن أبي مسلم الخولاني -رحمه الله- حدثني معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء، حديث صحيح [رواه الترمذي: 2390، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 3019].
وروى أحمد عن أبي مالك الأشعري : "أن رسول الله ﷺ لما قضى صلاته أقبل على الناس بوجهه، فقال: يا أيها الناس! اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله، فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس، وَأَلْوَى بِيَدِهِ إلى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله، ناس من الناس ليسوا بأنبياء، ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله، انعتهم لنا -صفهم لنا- فسُر وجه رسول الله ﷺ لسؤال الأعراب.
فقال رسول الله ﷺ: هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل، يعني: ما تجمعهم قبيلة واحدة، هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نوراً، وثيابهم نوراً، يفزع الناس يوم القيامة، ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون [رواه أحمد: 22957، وصححه في صحيح الترغيب: 3027].
 أفناء الناس  الذي لا يُعلم منهم يعني ليسوا مشهورين، نوازع القبائل غرباء لا صلة بينهم ولا قرابة تجمعهم، من هم؟
المتحابون في جلالي لأجل إجلالي وعظمتي، فليست المحبة بينهم على أموال ولا على قرابات ولا على مصالح شخصية ولا على افتتان وعشق، لكن لأجل إجلال وتعظيم، تحابوا في الله، اجتمعوا لنصرة ديني، وتعلم شرعي، التعاون على البر والتقوى.
فالمحبة في الله على أساس، ليست مجرد مشاعر قلبية، ليس لها هدف، وإنما قال: المتحابون في جلالي، يعني: لأجل إجلالي وتعظيمي، وكيف يكون إجلاله وتعظيمه؟ بتعلم دينه، بالدعوة إلى سبيله، بالجهاد في سبيله، فجمعتهم المحبة في الله على طاعة، مثلاً علم درس، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
هذا العمل وهؤلاء الأشخاص يغبطهم النبيون والشهداء من الغبطة بالكسر، وهي التمني نعمة بدون أن تتحول عن صاحبها، بخلاف الحسد تمني مثلما للشخص مع تمني أن تزول عنه هذه النعمة، فالغبطة حُسن الحال والمسرة في الأصل، يعني: اغتبط فلان يعني سُر، ولذلك يغبطهم الأنبياء والشهداء، يعني: يسرون لحالهم، وكل ما يتحلى به الإنسان، أو يتعاطاه من علم وعمل، فإن له عند الله منزلة لا يشاركه فيها صاحبه، ممن لم يتصف بذلك، وإن كان قد يكون عنده أنواع أخرى يفوق فيها، فلا  مانع أن يغبط الأعلى الأدنى ويكون عند الأعلى ميزات أكثر، ولكن الأدنى عنه شيء تميز به أيضاً يُغبط عليه من قِبل الأعلى.


من أصحاب الأنوار، أو الذين يؤتون نوراً على منابر من نور المقسطون في ولايتهم، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وما ولوا [رواه مسلم: 1827] ، ولوا يعني: كانت لهم عليهم ولاية، والمقسطون العادلون، وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[الحجرات: 9]، أمر بذلك.
أما القاسط فهو الجائر وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن: 15]، المقسطون العادلون فيما تولوا، المدير، أمير، رب أسرة، أي واحد تولى على ناس، وعدل بينهم رئيس نوبة عمال، رئيس مجموعة عمل، الذي يعدل بينهم يكون له هذا الأجر يوم القيامة.
وسمي المنبر منبراً لارتفاعه، منابر ولكن من نور، النور في الدنيا لا يحمل، يوم القيامة المنابر من نور تحمل أصحابها، إنهم على منابر من نور، وعلى يمين الرحمن، وهذه من أحاديث الصفات التي نؤمن بها كما جاءت، هؤلاء الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا، في خلافة، إمارة، قضاء، نظر يتيم، أوقاف يتولون عليها، حكم بين الأولاد والأهل في البيت، زوج على زوجات، أب على أولاد، أم على أولاد وبنات، ذكوراً وإناثاً تعدل بينهم، هذه التي تعدل بين أولاده على منبر من نور يوم الدين.

من أحوال المؤمنين الاستظلال بظل العرش

00:28:28

حيث أن يوم القيامة فيه حر شديد، من دنو الشمس، تقريب جهنم، وزحام الناس، والفزع الذي يولد العرق، الحرارة هذه يحتاج الواحد فيها إلى ظل ظليل، وإلا يتعذب، ويعرق حتى يغرق في العرق، فهنالك يوم القيامة من أنواع النعيم ظل العرش.
وفي هذا الحديث العظيم الجليل الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... [رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031].
قال ابن عبد البر: "هذا أحسن حديث في فضائل الأعمال، وأصحها إن شاء الله وحسبك به فضلاً؛ لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف". [التمهيد: 2/282].
فإذا واحد جُعل في ظل عرش الله يوم القيامة معنى ذلك أنه آمن، آمن من الفزع، وآمن من الحرارة، وآمن الكربات، ولذلك قالوا: هذا أحسن حديث في فضائل الأعمال.
وقال -رحمه الله- في كتابه التمهيد [2/282]: من كان في ظل الله يوم القيامة نجا من هول ذلك الموقف إن شاء الله، والله أعلم جعلنا الله منهم أجمعين.
هذه الخصال العظيمة السبع التي وردت في الحديث ما بين عدل، وعفة، وتقى ،وتعاون وتحابب، الرابط بينها الذي يجمعها لمن تأمل فيها، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه [رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031].
الجامع بينها مراقبة الله، والخوف منه، وإيداع السر عنده يعني الإسرار بالعمل، والصبر على دواعي النفس وابتغاء مرضاته تعالى، وإذا تأملت فيما يجمع بينها مراغمة النفس في مرضاة الله، والصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، الإمام العادل هذه المنزلة العالية حصلت له لخوفه من الله ورجاء ما عنده، فمنع نفسه من الظلم مع قدرته عليه وسلطته وقوته.


والشاب الذي نشأ في طاعة الله منع نفسه مع دواعي الصبا والشهوة واللهو وألزمها تقوى الله، ولم ينتهك محارم الله، والرجل الذي قلبه معلق في المساجد جعل قلبه يتعلق بالدين لا بالدنيا، ولا لامرأة ولا بمعشوق، وإنما علق القلب ببيت الرب ، يرابط فيه يرجو ثوابه، ويخشى عقابه.
قال سلمان فيما يرويه عن النبي ﷺ: من توضأ في بيته، فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر الله، وحق على المزور أن يُكرم الزائر، قال المنذري: رواه الطبراني في الكبير [6139] بإسنادين أحدهما جيد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب [322].
أم المتحابون بجلال الله لا نسب، ولا رابط إلا هذا، ولا رحم يجمعهم، ولا مصالح دنيوية تدفعهم، إنما هي المحبة في الله؛ ولذلك فإنهما إذا اجتمعا اجتمعا على طاعة الله، وإذا افترقا كان لله، فارتباطهم حقاً في الله، والمتصدق الخفي الذي يغلب شح نفسه لم يتلفت إلى مدح الخلق وثنائهم، بل إلى مرضاة الله -تعالى-،إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا[الإنسان: 9].
وهذا الباكي من خشية الله قد توارى عن الناس، حتى لا يروا بكاءه، ولم يكن يتصنع أمامهم ولا يُرائي، وإنما كان سراً بينه وبين ربه، إن تلك الأعمال يجمعها مخالفة دواعي النفس، والعمل بالإخلاص.
فهذا الإمام يقيم العدل، وهذا الشاب نشأ في طاعة الله، وخالف هواه، وهذا الذي علق قلبه ببيت ربه، وهذا العفيف الذي ترك المغريات -الإغراء- لله في الله، إن أعمالهم عظيمة، فلذلك يظلهم في ظل عرشه، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46].
قد لخص ابن أبي جمرة -رحمه الله- الجامع بين هؤلاء السبعة بأنه اجتمع فيهم قوة قهر النفس والهوى، وحقيقة الإخلاص، فعندهم إخلاص وقهر لهوى النفس، هذا الجامع المشترك في السبعة، الإخلاص وقهر هوى النفس.


وقوله: في ظله، الإضافة إضافة تشريف، كما يقال للكعبة بيت الله، وقد ورد في الروايات ما يفيد أنه ظل العرش كما عند سعيد بن منصور بإسناد حسن: سبعة يظلهم الله في ظل عرشه  [رواه الطبراني الأوسط: 9131].
وجاء أيضاً عند أحمد وأبي داود عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: لما أصيب إخوانكم بأُحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خُضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش [رواه مسلم: 1887]، هذا موضع الشاهد.
وقال النووي: "ظاهره أنه في ظله من الحر والشمس، ووهج الموقف وأنفاس الخلق". [شرح مسلم للنووي: 8/122]، فإذاً وقاية من الحر، والشمس ونفح جهنم وأنفاس الخلق، فهذا إكرام وستر.
والله -تعالى- أجارهم من ذلك، وجعلهم في جواره، وجعلهم في ظل عرشه، يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين، ودنت الشمس، وأخذ الناس العرق، ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش، ما في شيء أصلاً لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا[طه: 107]، لا صخر، ولا شجر، ولا شيء، ما في جدار، ليس هنالك ظل إلا ظل العرش، وهذا أقرب من أن يقال ظل طوبى أو ظل الجنة؛ لأن الناس لم دخلوا الجنة بعد، وظل العرش هو ظل الله؛ لأن الله يملكه، ويملك العرش، ويملك الظل، ويتصرف فيه ، ويمد كيف يشاء، ويجعل برودته كيف يشاء، ويدخل في هذا الظل من يشاء، إظلال الله معافاة، وإيناس لهؤلاء، وإكرام لهم.
وقوله في الحديث: ورجل قلبه معلق، ورجل دعته امرأة، لا يعني تخصيص الرجال بل يشترك النساء في ذلك قطعاً إلا الإمامة العظمى، فإن المرأة لا تتولاها، وإلا فلو أنها تولت على أيتام، فعدلت بينهم على أولاد، تولت على مدرسات، على طالبات، تولت ولاية خاصة تدخل في ذلك، وكذلك فإن صلاتها في البيت أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة للنساء، في جميع الأبواب حتى رجل الذي دعته امرأة فيقال: وامرأة دعاها رجل ذو منصب وجمال فرفضت، وقالت: إني أخاف الله وامتنعت، دخلت في السبعة.
هل الظل خاص بهؤلاء السبعة أم يوجد غيرهم أعمال أخرى لها ميزة بدخول أصحابها في هذا الظل؟
الجواب: قد وردت أحاديث أخرى فعلاً كقوله ﷺ: من أنظر معسراً، أخره، ينتهي الدين أجله اليوم فأجله إلى أسبوع إلى شهر إلى سنة أعطاه مهلة أكثر، أو وضع له، تنازل عن نصف الدين، عن ربع الدين، عن ثلث الدين أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله[رواه مسلم: 3006].
إذاً الإنظار والتنازل وضع، إذاً تجاوزنا الآن عدد سبعة، ولذلك قال ابن حجر -رحمه الله-: "ولذلك تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذيلاً على بيتي أبي شامة"، ما هذه الأعمال الأخرى:
وزد سبعة إظلال غاز أنت تظلل على شخص غاز في سبيل الله وترافقه وتظلل عليه.

وزد سبعة إظلال غاز وعونه وإنظار ذي عُسر وتخفيف حمله
وإيرفاد ذي غُرم وعون مكاتب وتجار صدق في المقال وفعله

[فتح الباري: 2/144].
 

وعون مكاتب: الذي يريد إعتاق نفسه وشرائها من سيده، الشهيد المجاهد بنفسه وماله، يقول فيه النبي ﷺ: القتلى ثلاثة: رجل مؤمن قاتل بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، اقترف وعمل أسرف، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل إذاً: ثبت حتى مات قتل مات قتلاً في سبيل الله، مُحيت ذنوبه وخطاياه إن السيف محاءُ الخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب ولجنهم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض، أبواب الجنة بعضها أفضل من بعض، الباب الأيمن وعرفناه في الدرس الماضي، الباب الأيمن من أبواب الجنة يدخل منه أول دفعة من أمة محمد ﷺ لا حساب عليهم ولا عذاب يقول: أدخلهم من باب الجنة الأيمن، في ترتيب الثمانية والثمانية أول واحد على اليمين باب الجنة الأيمن يدخله هؤلاء.
فبعض الأبواب أفضل من بعض، وفي باب الصلاة، وباب الريان، وباب العتق، وباب الصدقة، قال: ورجل منافق جهاد بنفسه وماله، حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله يعني فيما يظهر للناس وإلا في الحقيقة أنه ما خرج لله، ولا في سبيل الله، حتى يقتل فإن ذلك في النار السيف لا يمحو النفاق [رواه أحمد: 17693، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب: 1370].
إظلال رأس الغازي في سبيل الله، قد ورد فيه حديث عند أحمد -رحمه الله- أن النبي ﷺ قال: من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة، ومن جهز غازياً حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع، حتى يموت الغازي أو يرجع من الغزو، ومن بنى لله مسجداً يُذكر فيه اسم الله تعالى بنى الله له بيتاً في الجنة  [رواه أحمد: 126، وقال المحققون: صحيح] وصححه في صحيح ابن ماجه.


الظل يأتي أيضاً في تلاوة البقرة، وآل عمران، كما مر معنا في رواية مسلم عن النبي ﷺ قال: اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة يعني السحرة [رواه مسلم: 804].
مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 81]، يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، يعني: تلاوة العبد تأتي كهذه الغمامة، تظلل على هذا التالي للبقرة وآل عمران، الثواب يأتي كغمامة، أو قطيعين، أو جماعتين من طير صفت أجنحتها تظلل على من تحتها.
قال ﷺ: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران، ما دام أطول السور ففي تلاوتها مع الصبر على مشقة الطول أجر، وضرب لهما رسول الله ﷺ ثلاثة أمثال ما نسيتهما بعد.
قال الراوي النواس: "وضرب لهما رسول الله ﷺ ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، يعني: ضياء ونور، أو كأنهما حِزْقَانِ، يعني: جماعتان، من طير صَوَافَّ تحاجان عن صاحبهما [رواه مسلم: 805].
هنالك في مواقف القيامة ناس تلبس تيجان، والتيجان هذه ليست كتيجان الدنيا، ومن الذين يُلبسون التيجان الشهيد كما مر معنا يُوضع على رأسه تاجر الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها صحيح. [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 4254، وصححه الألباني صحيح الجامع: 5182].
وأما أهل القرآن المتخصص بكتاب الله المتفرغ لكتاب الله صاحب القرآن أهل الله أهل القرآن، قال عليه الصلاة والسلام: تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة، ثم مكث ساعة ثم قال: تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره، هذا خارج من قبره يلقاه القرآن الذي كان ملازماً له في الدنيا حفظاً، وتلاوة، وتفسيراً، وتدبراً، وعملاً، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، كثرة التلاوة في الصيام تُنشف الحلق والريق، وأسهرت ليلك، يعني: في قيام الليل، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجاره، فيُعطى الملك بيمينه، صاحب القرآن، والخُلد بشماله، ويوضع على رأسه تاجر الوقار ويُكسى والده حلتين، لا يُقَوَّمُ لهما أهل الدنيا، هذا والدا حافظ القرآن أو صاحب القرآن فكيف بصاحب القرآن نفسه، ويُكسى والده حلتين لا يُقَوَّمُ لهما أهل الدنيا، فيقولان: بما كُسينا هذه، فيقال: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد بدرجة الجنة وغُرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذاً كان أو ترتيل[رواه أحمد: 23000].


يعني: قراءة حدر أو بتأني وترتيل، وفي رواية أخرى، والرواية السابقة صححها الألباني في: [سلسلته الصحيحة: 2829]، الرواية الأخرى عن بُريدة قال: قال رسول الله ﷺ: من قرأ القرآن وتعلم وعمل به، وهذا المقصود من صاحب القرآن تعلم وعمل به، أُلبس والده يوم القيامة تاجاً من نور، ضوءه مثل ضوء الشمس، ويُكسى والده حلتين لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان: بما كُسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن. [رواه الحاكم في المستدرك: 2086، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب: 1434].
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: يجيء صاحب القرآن يوم القيام، فيقول القرآن: يا رب حليه، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيُلبس حلة الكرامة، إذاً تاج والآن حلة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارق، ويزداد بكل آية حسنة. [رواه الترمذي: 2915، وحسنه الألباني صحيح الترغيب: 1425]. وهو حديث حسن.

فضائل بعض الأخلاق والأعمال

00:48:42

هنالك من الأخلاق أيضاً ما يكون لأصحابها مزايا يوم الدين، خصوصاً أن الأخلاق هذه فيها مجاهدة للنفس والخلق ما يكون خُلقاً من موقف واحد إلا الواحد تمرس وجاهد نفسه عليه حتى صار له طبعاً وخلقاً مثل التواضع.
فأما بالنسبة للتواضع، فقد قال النبي ﷺ: من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي حُلل الإيمان شاء يلبسها، [رواه الترمذي: 2481]، وهو حديث صحيح [حسنه الألباني صحيح الترغيب: 2072].
هذا رجل أو امرأة ترك اللباس الحسن، رفيع القيمة، الغالية الثمينة مع قدرته على شرائها، لماذا تركها بُخلاً على نفسه؟ لا، تركها تواضعاً لله، وليس ليقال عنه متواضع، وزاده وإنما تواضعاً لله، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ليشهر أمره ويناجيه على الملأ، كما أنه نواها نية صافية خالصة لله، وكانت سراً بينه وبين ربه، فالله يُشهر هذا يوم القيامة، ويناديه فيعرفه أهل الموقف، ويخيره من أي حُلل أهل الإيمان شاء يختار ويلبس.
وفي رواية لأبي داود: أن رسول الله ﷺ قال: من ترك لُبس ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعاً كساه الله حُلة الكرامة [رواه أبو داود: 4780] وحسنه لغيره في صحيح الترغيب [2073].
إذاً: سيؤتى هؤلاء بحلل من الجنة من حُلل أهل الإيمان يُخيرون، هذا في الموقف قبل أن يدخلوا الجنة على رؤوس الخلائق يُخيرون.
إذاً هنالك يوم القيامة فزع يحتاج إلى أمن لإذهابه، وحر يحتاج إلى ظل لإذهابه، وحزن يحتاج إلى سرور وفرح لإذهابه، وعُري الناس عراة يحتاجون إلى كسوة، وظلمات تحتاج إلى نور، لاحظ كيف الأعمال التي جاءت في هذه النصوص جاءت لتعالج الناس أزمات يوم القيامة، هؤلاء الأمم كلهم محشورون، وأعداد رهيبة، من يعرف من! لكن هناك ناس يُشهر أمرهم وينادون على الملأ تكريماً، وناس على منابر، وناس على يمين الرحمن، وناس تغبطهم الأنبياء.
أيضاً يُكسى من الحُلل من أصحاب الأعمال، قال ﷺ: ما من مؤمن يُعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله -سبحانه- من حُلل الكرامة يوم القيامة [رواه ابن ماجة: 1601]، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه [1301].
التعزية أن يقول له كلاماً يُصبره فيه على المصيبة، يوصيه بالصبر، وحُلل الكرامة، حُلل نُسجت من الكرامة، وكذلك فيها كرامة لأصحابها.
هنالك روائح زكية تنطلق يوم القيامة قال ﷺ فيما رواه البخاري: والذي نفسي بيده لا يُكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله، لأن الذين يُجرحون كثير في المعارك، لكن، من الذي جُرح في سبيل الله ولله؟، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم، والريح ريح المسك [رواه البخاري: 2803، ومسلم: 1876].


ومعنى لا يُكلم، لا يُجرح، إذاً: رائحة المسك تنبعث من هذا، وأيضاً زعفران، اللون لون الزعفران والريح ريح المسك، قال ﷺ: من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة، يعني: أي رجل مسلم يقاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن جُرح جرحاً في سبيل الله أو نُكب نكبة، قد يُصاب بعرج بشلل بكسر فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران -الجرح- وريحها كالمسك [رواه أبو داود: 2541، والترمذي: 1650، والنسائي: 4349، وابن ماجه: 2792]، وهو حديث صحيح. [صححه الألباني صحيح الترغيب: 1278].
قال: نُكب نكبة أُصيب إصابة، أو حدثت له حادثة فيها جراحة من غير العدو، قيل: للجرح والنكبة كلاهما واحد، وقيل: الجرح ما يكون من فعل الكفار والنكبة الجراح التي أصابته من وقوعه من دابته، أو وقوع سلاحه عليه، ونُكبت أصبعه، أي نالتها الحجارة، والنكبة عموماً ما يصيب الإنسان من الحوادث، الحوادث التي تصيب الإنسان.
قال: فإنها أي: النكبة التي فيها الجراحة تجيء يوم القيامة وقد سبق شيئان: الجرح والنكبة، وهي ما أصابه في سبيل الله من الحجارة، فأعاد الضمير إلى النكبة دلالة على أن حكم النكبة إذا كان بهذه المثابة فما ظنك بالجرح بالسنان والسيف، تأتي أغزر ما كانت كهيئتها حين تكون غزارة دمه أبلغ من سائر الأوقات.
هل هذا خاص بالشهيد أو عام لكل من جُرح؟ قال بعضهم ذلك، وقال الحافظ: "ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل اندماله، لا ما لا يندمل في الدنيا، فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول، ولا ينفي ذلك أن يكون له فضل في الجملة لكن الظاهر أن الذي يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً من فارق الدنيا وجرحه كذلك، ويؤيده ما جاء عند ابن حبان عليه طابع الشهداء". [فتح الباري: 6/20].


وجاء عن النبي ﷺ أنه قال: من جُرح جرحاً في سبيل الله جاء يوم القيامة لونه الزعفران، وريحه كريح المسك عليه طابع الشهداء، ومن سأل الله الشهادة مخلصاً أعطاه الله أجر شهيد، وإن مات على فراشه [رواه ابن حبان: 3191، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 1324].
ما هي الحكمة من بعثه على هذه الصفة طابع الشهداء على الجرح؟ أن يكون معه شاهد بفضل ما بذله من نفسه ودمه في سبيل الله.
هنالك أيضاً يوم القيامة في الزحام يتمنى الواحد أن يكون له طول، فأطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون، وروى مسلم في صحيحه من حديث معاوية عن النبي ﷺ: المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة [رواه مسلم: 387].
ما معنى أطول الناس ما هي هذه الميزة يعني؟ فقال بعض العلماء: "أكثر الناس تشوفاً إلى رحمة الله؛ لأن المتشوف للشيء يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فلأنهم يرون كثرة الثواب فيتشوفون إليه".
وقال بعض العلماء: "إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة، طالت أعناق المؤذنين لئلا ينالهم من الكرب والعرق ما نال الآخرين".
لأن العرق يكون يرتفع بحسب حال الشخص، فإذا كانت العنق طويلة كان أبعد عن الاختناق، وعن التأثر بهذا العرق، "وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء يوم الدين، والعرب تصف السادة بطول العنق، فيقولون: كان طويل العنق"، يعني: كان سيداً في قومه، أو أكثر أتباعاً". [شرح صحيح مسلم للنووي: 13/25].


والمؤذن له ميزة يوم القيامة من الميزات أن تشهد أشياء لأشخاص، روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك وأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن، ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله ﷺ-" [رواه البخاري: 3296].
فإذاً رفع الصوت بالأذان سنة وفيها مزيد من الأجر، وقوله: مدى صوت المؤذن، يعني: غاية الصوت، فيشهد له القريب والبعيد إلى منتهى الصوت، ولا جن ولا أنس ولا شيء إلا ويشهدون له، يعني: الجمادات والأحياء، وفي رواية لابن خزيمة: لا يسمع صوته شجر، ولا مدر، ولا حجر، ولا جن، ولا إنس[صحيح ابن خزيمة: 389]، وصححه الألباني [صحيح الترغيب: 232].
وفي رواية لأبي داود والنسائي: المؤذن يُغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس [رواه أبو داود: 515، وسنن النسائي الكبرى: 1609، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 234]، يابس حجر رطب نبات.
هنالك كربات يوم الدين وناس تحتاج للتنفيس، تحتاج إلى نجاة من تلك الكربات، اليوم طويل يحتاج إلى تخفيف، يحتاج الناس فيه إلى تخفيف يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:  6].
قال ﷺ: مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة، فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب [رواه ابن حبان: 7333، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 3589].
وقد مر معنا الحديث، فقوله: على المؤمن، هذا يبين أهمية الإيمان، وكذلك التنفيس يكون كما في قوله ﷺ: من نفس عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا، قد يكون دين، قد تكون أزمة نفسية نتيجة موقف شديد وعائلي، قد يكون نتيجة مصيبة، قد يكون معاملة صعبة من المعاملات، قد تكون مادية قد تكون معنوية، قد تكون نفسية، نفس الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة [رواه مسلم: 2699].
وقال أيضاً: ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كُربات يوم القيامة، الناس عراة يحتاجون إلى ستر فقال ﷺ: من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة  [رواه البخاري: 2442].
الستر قد يكون مادياً، وقد يكون معنوياً، فهذا إنسان ما عنده ثياب فقير فأنت سترته بثوب، رأيته انكشفت عورته وهو نائم فغطيته بثوبه، أو بغطاء.
زل زلة فلم تفضحه وسترتها عليه بدون أن يكون هناك ضرر على المسلمين، ولم تُشهر به سترته، لم تجعل الخبر يصل إلى الناس فتسوء سمعته ويسوء شأنه عندهم، فهذا الستر الشرعي يستر الله من قام به يوم الدين.
يوم القيامة فيه عثرات، قال ﷺ: من أقال مسلما أقال الله عثرته، وإذا أقاله في بيع أو شراء دخل في بيعه وندم أنه اشترى، أو ندم أنه باع، فقال لك: أنا ندمت أقلني، فقلت: هذا الثمن قد أقلتك في البيع، أو تقول: هذه سلعتك رددتها عليك، أقلتك الإقالة إلغاء البيع؛ لأن صاحبه ندم.
فأنت ما تقول خلاص الذي مضى مضى وفاتت عليك، هو إذا تم العقد الشرعي فأتت عليه، لكن إذا راعيته وأقلته كان لك هذا الأجر، أقال الله عثرتك يوم القيامة [رواه الحاكم في المستدرك: 2291، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2614].


وقال النبي ﷺ في أهل المسك أيضاً من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكاً يوم القيامة[رواه ابن ماجه: 2775، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2338]، حديث حسن، إذاً: الغبار في الجهاد مسك.
الناس يحتاجون يوم القيامة إلى رحمة في شدائد، قال ﷺ: من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة، حديث حسن [الطبراني في المعجم الكبير: 7915، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 27].
فجعل السكين ماضية ولم يعذب المذبوح، يوم القيامة يكون القرب من الله، والنبي ﷺ ميزة أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً في الدنيا [رواه الترمذي: 2018، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 792].
رضى النفس يوم الكربات ميزة نعيم، من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة [رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج: 36، وحسنه الألباني صحيح الجامع الصغير: 176].
واحد قد يغيظك ويستفزك ويستثيرك فأنت مع قدرتك على البطش به منعت نفسك وحبستها مع ذلك من المجاهدة والشدة، يملأ الله قلبك رضاً يوم القيامة.
من النور يوم القيامة في ظلماتها ما يكون لمن رمى الجمار، والآن رمي الجمار صعب وزحمة وشدة فهذا الزحام ماذا يكون له من الأجر والمقابل إذا رميت الجمار كانت لك نوراً يوم القيامة [مجمع الزوائد: 5588، وحسنه الألباني وعزاه لمسند البزار في السلسلة الصحيحة: 2515]، وحسنه ابن حجر رحمه الله.
مجاورة الله يوم الدين، الله ينادي يوم القيامة أين جيراني؟ أين جيراني؟ فيقول الملائكة: ربنا ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عُمار المساجد  [مسند الحارث: 122]، وقال الألباني: إسناده جيد [السلسلة الصحيحة: 2728].
إذاً هؤلاء الذين يعمرون المساجد بالاعتكاف والتبكير والذكر والصلاة ويحبسون أنفسهم فيها وإلى ما بعد طلوع الشمس عمار المساجد، المرافقة يوم القيامة هناك وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ[التكوير: 7].
الزناة مع الزناة، والسُراق مع السُراق، والمرتشين مع المرتشين، لكن من مع الأنبياء والصديقين والشهداء، المرء مع من أحب، كذلك قالﷺ: التاجر الأمين الصدوق المسلم مع النبيين والصديقين، والشهداء يوم القيامة[رواه ابن ماجه: 2139]، قال في السلسلة الصحيحة: إسناده جيد [3453].
بعض الناس يقول ما هذا كل الميزات؟ نقول: لكن الذي يعرف عالم التجارة اليوم وقذارته ووساخته وما فيه من الغش والكذب وخُلف ونقض العهد والاعتداء، والنزول بمساهمين الصغار ليخسروا، والعصابات، تدليس الأشياء الهائلة الموجودة في عالم التجارة المكاسب المحرمة، فُرص لإثراء أرباح طائلة لكن حرام وشبهات، وفيها مخادعات، وأكل حقوق الناس، ولذلك قال: التاجر الأمين الصدوق المسلم، إنه ليس عملاً سهلاً اليوم تجارة نظيفة ليست سهلة، ولذلك كان المقابل عظيماً، الوفاء بالعهد والوعد، والوفاء بالحقوق ونفسك طيبة، خيار عباد الله عند الله يوم القيامة الموفون المطيبون[رواه أحمد: 26355، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 2062]، وإسناده حسن، إذا واحد أعد فرس في سبيل الله سيكون له بذلك يوم القيامة وزن عظيم، وهذا سيكون موضعه إن شاء الله في ذكر الميزان.


الناس تحب الذكور إذا جاءه ابن فرح يريده كي يعينه والذكر ليس كالأنثى، فالذي يؤتى بإناث ويُرزق بهن، فماذا له؟ من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته -يعني مما رزقه الله ومن المال الذي عنده- كن له حجاباً من النار يوم القيامة، البنات يحتجن إلى مصروف فساتين وحُلي، الأنثى نفقتها كبيرة.
قال: أطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجاباً من النار يوم القيامة إسناده صحيح [ابن ماجه:3669، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 29].
أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلقون في الصف الأول فلا يلفتون بوجوههم حتى يقتلوا، هؤلاء أفضل المجاهدين عند الله يوم القيامة أهل الصف الأول.
الأذكار لها أفضلية أيضاً فقال ﷺ:  أفضل عباد الله يوم القيامة: الحمادون [الطبراني في المعجم الكبير: 254، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 1571]، وإذا قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حين يصبح وحين يمسي لم يأتي أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به.
ماذا بالنسبة لهذا الحجر الأسود والذهاب لمسحه في الحج والعمرة والطواف عموماً، قال ﷺ: ليأتين هذا الحجر يوم القيامة له عينان يُبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق [رواه الترمذي: 961، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 1144].
إذاً هناك أشياء ستشهد يوم القيامة، الأرض تشهد على الناس، الأعضاء تشهد، الحجر الأسود ينطق ويشهد أيضاً.
هناك أناس يُخيرون من الحور العين يوم القيامة، قال ﷺ: من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه وهذا حديث ثانٍ نعيم وميزة لكظم الغيظ من عِظم هذا عند رب العالمين كظم الغيظ، رد الغضب وحبس النفس على الانتقام، وحبس النفس عن رد الصاع صاعين، قال: من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيره في أي الحور شاء حديث حسن. [رواه أبو داود: 4779، وحسنه الألباني صحيح ابن ماجة: 3375].
يقدر أن ينفذه أن يمضيه وأن ينتقم، دعاه الله على رؤوس الخلائق أشهر أمره وهذا ثناء، ورفع الذكر بين الناس، حتى يُخيره في أي الحور شاء معنى ذلك أن مأواه الجنة.
أيها الإخوة والأخوات: كان ذلك طائفة من ما يكون يوم القيامة من أنواع النعيم للمتقين، وما يحصل يوم القيامة من الميزات لأصحاب الأعمال المختلفة، كل ذلك حثاً للناس على القيام بهذه الأعمال، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.