الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

10- نواقض الإيمان 1


عناصر المادة
اعتقاد الوعيديَّة في باب الإيمان
إعتقاد المرجئة في باب الإيمان
أهمية معرفة المكفرات
الحكم على الظَّاهر
تكفير المعيَّن
بماذا تُقام الحُجَّة
موانع التَّكفير
العذر بالجهل
قواعد العذر بالجهل
واجب العلماء والدُّعاة في إقامة الحُجَّة

الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
فقد سَبَقَ الكلامُ في الدَّرس الماضي عن الإيمان، فنحمد الله أن هدانا للإيمان وما كان لنهتدي لولا أن هدانا، ونسأله أن يُحيينا على الإيمان، وأن يميتنا عليه، إنَّه سميعٌ مجيبٌ.
وسبق الحديث بأنَّ الإيمان: قول وعمل، وأنَّه: قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، وأنَّ الإيمان حقيقةٌ مركبةٌ من هذه الأشياء الأربعة جميعاً، لا ينفك بعضها عن بعض، فلمَّا ذكرنا ما هي عقيدة أهل السُّنة والجماعة في الإيمان ذكرنا أيضاً مفهوم الإيمان عندهم، وقضية الكبائر والصغائر، وتمييز بينهما، وحكم مرتكب هذه وهذه، ثم ننتقل لمفهوم هذا الرُّكن، أو هذا الأمر العظيم عند المبتدعة، نُشير إلى بعض مَن انحرف في هذا الجانب.

اعتقاد الوعيديَّة في باب الإيمان

00:01:24

فمِن الذين انحرفوا في هذا الجانب الوعيدية، مثل: المعتزلة والخوارج، فالإيمان عند المعتزلة والخوارج يشمل الأقوال والأفعال والاعتقادات فيتفقون من حيث الإجمال مع مفهوم أهل السُّنَّة والجماعة للإيمان، إلَّا أنَّ أهل السُّنَّة لا يُكَفِّرون من أخلَّ بالواجبات وارتكب الكبائر، أمَّا هؤلاء فيجعلون الإيمان كُلاً لا يتجزأ، إذا ذهب بعضه ذهب كُلُّه، وقوله في الزِّيادة والنَّقص في الإيمان فرع عن قولهم فيه، فلما قالوا: إنَّ جميع الطَّاعات داخلة في الإيمان ظنُّوا أنَّ القول بالنَّقص يلزم منه، ذهاب جميع الإيمان، فنفُوا نقص الإيمان، وأجازوا زيادته من جانب اختلاف الناس في وجوب التَّكاليف على بعضهم دون البعض الآخر، فالخطأ عند الخوارج والمعتزلة في قضية الإيمان هي في حصرهم للزِّيادة بهذا، وفي قولهم أنَّ النَّقص في غيره كفر، أمَّا أهل السُّنَّة والجماعة فيوافقونهم أنَّ الزِّيادة في التَّكاليف والإيمان بها والعمل بها يزيد الإيمان، ويجعلونه من مجالات زيادة الإيمان، ولكن ليس المجال الوحيد، فعندنا كذلك أعمال القلوب الظَّاهرة والبَاطنة، وذكر القلب والعمل والتَّصديق نفسه، وقد بيَّنَّا قضية التَّصديق في الدَّرس، حتى قضية التَّصديق النَّاس يتفاوتون فيها، ولكن هناك حد معين إذا نقص عنه صار شكاً وكفراً ولم يعد إيماناً، ويتفق عامَّة الوعيديَّة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وإلى تعريف الكبيرة، ويختلفون في الحكم على أصحابها، فهؤلاء يتفقون المعتزلة والإباضية في الحكم على مرتكب الكبيرة، فكلاهما لا يرى أن مُرتكب الكبيرة يخرج من الملة في الدنيا، ولكنهم يرون خلودهم في النَّار في الآخرة، وإن اختلفوا في اسمه، حيث يقول المعتزلة: أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، وهو أحد أصولهم الخمسة، بينما يقول الإباضية بأنَّه كافر كفر نعمة، فالخلاف في الحقيقة بينهما خلاف لفظي، ولا شكَّ أنَّ ما ذهبوا إليه ضلال، وأن آيات الوعيد التي احتج بها هؤلاء لا يجوز أن تُخص بالتَّعلُق بها دون آيات العفو، وأحاديث العفو التي احتَّج بها من أسقط الوعيد، بل الواجب جميع تلك الآيات وجميع تلك الأخبار، وكُلُّها حقٌّ وكُلُّها من عند الله، وكُلُّها تفسيرها مجملٌ بآيات الموازنة، وأحاديث الشَّفاعة التي هي بيان لعموم تلك الآيات، وتلك  الأخبار وكُلُّها أخبار من عند الله، فلو قال الخارجي: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ونفى قال هذا غير مؤمن، وهذا كافر يخلد في النَّار، نقول له: فأين أحاديث موازنة الحسنات والسيئات؟ أين أحاديث الشفاعة؟ أين الأحاديث التي تنصُّ على أن هناك أُناسٌ من أهل الكبائر تشملهم الشَّفاعة؟ وأنَّ النَّبي ﷺ خبأ الشَّفاعة لأهل الكبائر من أُمَّتِه؟ وأين الأحاديث التي فيها إخراج من النَّار من في قلبه مثقال ذَرَّة من إيمان، لو كان يخلد مرتكب الكبيرة في النَّار فإين موقع هذه الأحاديث؟ المعتزلة تقول: إنَّ الإيمان يضيع ويحبط، وهذا خلاف قول الله تعالى بأنَّه لا يضيع إيماننا ولا عمل عامل مِنَّا، قالوا: إنَّ الخير ساقطٌ بسيئةٍ واحدةٍ، إذا شخص عمل سيئةً كبيرةً يَسقُط كُلُّ الإيمان، والله قال: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114].
فقالت المعتزلة: فإنَّ السَّيئات يُذهبن الحسنات، وقد نصَّ الله تعالى على أنَّ الأعمال لا يُحبطها إلا الشِّرك والموت عليه، وقال تعالى: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا[الأنعام: 160].
فلو كانت كل سيئة تُوجب الخلود في جهنَّم، وتُحبط كُلَّ الأعمال الحسنة؛ لكانت كُلُّ سيئةٍ أو كبيرة كفراً، ولتسَاوَت السِّيئات كُلُّها، وهذا واضحٌ أنَّه خلاف النَّص الشَّرعي.


ثم إنَّهم ادَّعوا أنَّه يُستحيل اجتماع الولاية والعداوة، والحمد والذم في الشخص الواحد، وأنَّ من عمل كبيرةً صار عدواً لله كافراً، ولكن هذا الكلام لا يمكن أبداً، فأهل السُّنَّة والجماعة يعتقدون أنَّه يمكن يجتمع في الشَّخص الشَّرُّ والخير والحُبُّ، ممكن تُحبُه من وجه طاعته، وتبغضه من وجه معصيته، وتواليه بحسب ما فيه من الدِّين والإيمان، وتبغضه بحسب ما فيه من الشَّرِّ والعصيان وهكذا، ثُمَّ إنَّ الله قد أخبر أنَّ رحمته سبقت غضبه، فعكست المعتزلة والخوارج القضية وجعلوا غضبه يسبق رحمته، والله قال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ[الرعد: 6].
وهؤلاء خالفوا هذه الآية، ثُمَّ إنَّ النَّبي ﷺ بيَّن أنَّه يأتي يوم القيامة أُناسٌ ظَلَمةٌ، فلا دينار ولا درهم، فيؤخذ من حسناتهم وتُعطى للمظلومين إذا فنيت حسناتهم يؤخذ من سيئات المظلومين وتُطرح على هؤلاء الظَّالمين، فإذاً هل للظَّالم حسنات يُوفَّى منها المظلوم يوم القيامة أم لا؟ له حسنات، فهل ظُلمُه أو كبائره أحبطت حسناته؟ لا، إذاً له حسنات، يستوي المظلوم حقه منها، ولو كان عمل الظَّالم حابطاً بالظُّلم لم يكن لديه حسنات أبداً، ولو كان تائباً لم يُسمَّى ظالماً.
فهذا بالنُّسبة لقضية الإيمان عند الخوارج والمعتزلة، ماذا عند الصنف الآخر الذين هم في المقابل تماماً وهم المرجئة؟.

إعتقاد المرجئة في باب الإيمان

00:07:46

 لقد اختلفت فرق المُرجئة في تعريفها للإيمان، وحاصل أقوالهم يرجع: إلى أنَّ الإيمان مجرد المعرفة، وبعضهم يقول: المعرفة والتَّصديق، ومن هؤلاء من يدخل عمل القلب فقط، كعامة فرق المرجئة، ومنهم من لا يدخل عمل القلب أصلاً كالجهم بن صفوان، ومنهم من يقول: إنَّ الإيمان مجرد قول اللسان، وهذا انفردت به الكرامية، قالوا: الإيمان قول اللَّسان فقط، وقد استقر المذهب الأشعري والماتريدي والتقيا حيث جعل الإيمان مجرد التَّصديق، وهذا استقرَّ عليه المذهب الإرجائي في قوله الأخير، وقالت المرجئة أيضاً: إنَّ الإيمان: هو تصديق القلب، وقول اللسان، وهذا الذي يُسمى بإرجاء الفقهاء، وقد اشتهر إطلاق هذا المصطلح على بعض أو أكثر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله، بسب موافقتهم المرجئة في إخراج الأعمال عن مُسمَّى الإيمان، ولذلك يُسمى هذا المذهب أحياناً مذهب الحنفية، وقد عُرف هذا القول عند المتقدمين قبل ظهور أبي منصور الماتريدي، فلما ظهر تأثَّر به عامَّة الأحناف، وصاروا يقولون بقوله: إنَّ الإيمان هو التصديق فقط، وقول اللسان شرط لأجراء الأحكام في الدنيا، كالقول المشهور عند الأشاعرة، ولا شكَّ أنَّ هذا مخالف لمذهب أهل السُّنَّة والجماعة وطريقتهم في الإيمان أنه قول وعمل في القلب والجوارح يزيد وينقص، ومع الأسف هناك بعض الدعاة لما ألَّفُوا في كتب العقائد زلُّوا في هذا المقام، وألَّفوا كتباً تُبيِّن عقيدة المرجئة وعقيدة الأشاعرة والماتريدية في قضية الإيمان هذه، قضية العكس: التَّصرُّفات، والسُّلوك، والموقف من الأشخاص والجماعات هذه مسألة الإيمان، وممن زلَّ في هذا غفر الله له صاحب كتاب تبسيط العقائد الإسلامية الشيخ حسن أيوب، وخلاصة المشهور في مذهبهم أنَّهم يقولون: الإيمان هو مجرد المعرفة والتَّصديق، وأن قول اللَّسان ليس جزءاً من الإيمان داخلاً فيه، ولا شرطاً خارجاً عنه، وإنَّما هو شرطٌ لإجراء الأحكام الدَّنيوية على المرء، فمن كان مؤمناً بقلبه ولم ينطق الشَّهادة بلسانه دون عذر فهو ناجٍ عند الله، وإن أُجريت عليه أحكام الكافرين في الدُّنيا، ونحن نقول: إنَّ الذي يرفض أن ينطُق بالشَّهادتين من غير عذر أننَّا نحكم عليه بالكفر ظاهراً وباطناً، كما بيَّنا في الدَّرس الماضي، ومسألة الزِّيادة والنُّقصان عندهم ترجع إلى تعريف الإيمان، فمن أدخل أعمال الجوارح في الإيمان -وهم أهل السُّنَّة- أثبتوا الزِّيادة والنُّقصان، وهذا مذهب السَّلف، ومن لم يدخل أعمال الجوارح في الإيمان سيقول: إنَّه لا يزيد ولا ينقص، ولذلك اشتهر عند الأشاعرة والماتريدية أنَّهم يقولون بعدم الزِّيادة والنُّقصان، ويتَّفِق الأشاعرة والماتريدية من حيث الإجمال مع أئمة السَّلف في عدم تكفير مرتكب الكبيرة، وذلك بالنَّظر إلى قضية مرتكب الكبيرة لا يكفرونه، وإنَّما هو تحت المشيئة إن شاء عذبه، ولا يخلد في النَّار إن عذبه، وإن شاء غفر له ويخرج بالشَّفاعة.
والكفر عندهم فرع عن مفهومهم للإيمان، فلمَّا عرفوا الإيمان بأنَّه مُجرد المعرفة والتَّصديق، حصروا الكُفر بالجهل والتَّكذيب ونحوه، من الجحود والإنكار والعناد، فلمَّا قيل لهم: إنَّ سابَّ الرَّسول ﷺ، أو السَّاجد للصَّنم، أو مُلقي المصحف في القاذورات كافرٌ عند الجميع، ولا يلزم من ذلك انتفاء التَّصديق في قلبه، إذاً ماذا تقولون في هذا؟ بما أنَّهم قالوا الإيمان تعريفه هو: التَّصديق والمعرفة، فعندهم أنَّ الشَّخص يكفر إذا جحد، وإذا أنكر، إذا كذَّب، فتجدهم اضطربوا في قضية مثل: السُّجود للصَّنم، وإلقاء المصحف في القاذورات، فقال: بعضهم هذا علامة على تكذيب القلب وبهذا عرفنا أنه مُكذِّبٌ في قلبه، وقال آخرون: نحكم بالظَّاهر ولكن يجوز في البَاطن أن يكون مؤمناً، وهذا مصيبة، والإمام أحمد رحمه الله ألزم جهماً في قضية الإرجاء هذه بالشِّيء؛ لأنَّه يقول الباطل العظيم، ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله كما نقل عنه شيخ الإسلام: "فيلزمه أن يقول إذا أقر" يعني: أنتم أيها المرجئة تقولون: أنَّ الإيمان هو الإقرار فقط، فيلزم جهم وغيره من المرجئة الذين يقولون الإيمان هو الإقرار فقط "يلزمه إذا أقرَّ ثُمَّ شدَّ الزّنَّار في وسطه، وصلَّى للصَّليب، وأتى الكنائس والبيع، وعمل الكبائر كلَّها إلَّا أنَّه في ذلك مُقِرٌّ بالله يلزمه أن يكون عنده مؤمناً عند الجهم وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم" [مجموع الفتاوى: 7/401].


ولذلك الجهم في النَّهاية استسلم وقال: نعم، أنا أحكم عليه، وإذا حكمنا عليه بالكفر في الدُّنيا، لكن لا نحكم عليه أنَّه عند الله إذا مات على هذا أنَّه كافر، وهذا باطل عظيم جداً، فماذا بقي بعد ذلك؟
عرفنا الآن إذاً طائفة من أقوال المبتدعة في الإيمان، والخلاصة: أن الإيمان قولُ بالقلب، وعمل القلب، وقول باللسان نطق بالشهادتين، وعمل الجوارح، لابُدَّ من هذه الأشياء، هذا الإيمان عند أهل السنة والجماعة.

أهمية معرفة المكفرات

00:14:47

فماذا بالنسبة للكفر؟ ونواقض الإيمان؟
هذه أيها الإخوة: قضيةٌ عظيمةٌ جداً، وكبيرة، وخصوصاً في هذا الزمان لأسباب:
أولاً: شيوع المكفِّرات، القولية والعملية في أهل الزمان.
ثانياً: كثرة المكفرين، وانطلاق فرقُ التَّكفير بغير حُجَّة، ووجود من زاغ في هذه القضية، فنحن في هذا العصر نعيش فتناً، من ضمن هذه الفتن كثرة الأشياء المكفرة قولاً وعملاً واعتقاداً: مذاهب، أحزاب، طوائف، ثم استهزاءات بالدِّين، تصريحات بالكفر، قصص، روايات مقابلات، وأنواع من المكفرات كثيرة جداً، انتشرت في هذا الزَّمان، فلابُدَّ نعرف ما الذي ينقض الإيمان وماذا نحكم على هؤلاء الأشخاص، وما هو موقفنا منهم؟
من جهة ثانية خرجت فرق من المكفراتية الذين يُكفِّرون المسلمين، ويأتي على شخصٍ بأكمله يقول كلهم كفرة، صغيرهم وكبيرهم، فلابُدَّ أن نضبط القضية ونفهم ما الذي يُكفِّر، وما الذي لا يُكفِّر، وما هي الضوابط في القضية؟ وما هي موانع التَّكفير؟ يعني: قد يكون هذا كفر، لكن لا نحكم على الشَّخص بالكفر، فإذاً متى ستتِّضح القضية؟ وكيف نحكم نحن على الأشخاص؟ وما هي الموازين الشرعية في هذا؟

الحكم على الظَّاهر

00:16:35

هذه من المسائل العظيمة، فلننطلِق  في هذه الأمور ببيان المسألة الأولى وهي الحكم بالظَّاهر: الحكم بالظَّاهر من مذهب أهل السُّنَّة والجماعة في الحكم على النَّاس، فلا تكون أحكامهم مبنية على ظنون وأوهام لا يملكون عليه بينات، قال الشَّاطبي رحمه الله تعالى: "إن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصاً، وبالنُّسبة إلى الاعتقاد في الغير عموماً، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحي يُجري الأمور على ظاهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمُخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه"[الموافقات2/467].
تصوروا المسألة: الرَّسول ﷺ يعرف حقيقة المنافقين وبالوحي، ومع ذلك كيف كانت سيرته وكيف كان تعامله معهم؟ بنى على ما أُخبر بالوحي من بواطن قلوب المنافقين، ولم يَبنِ على ما يظهرونه في قضية معاملتهم، فعاملهم على الظاهر، وأجراء أحكام النَّاس على الظَّاهر، وعلى ما يظهر لنا منهم، فمن أظهر كفر نُكفِّره بعد إقامة الحُجَّة، وإذا لم يظهر كفراً لا يجوز لنا أن نُكفِّره، ولا نستطيع أن نحكم على البَاطن، ونقول النَّبي عليه والصَّلاة والسَّلام بذاته الذي أُخبر بالوحي عن بواطن الأشياء لم  يتعامل على قضية الضَّوابط، فنحن نشقُّ عن قلوب النَّاس ونحكم على بواطنهم! لا يمكن.


وأهل السُّنَّة والجماعة استندوا إلى قضية إجراء أحكام النَّاس على الظَّاهر، وما يظهر منهم: قولٌ وعملٌ على أدلَّةٍ منها:
أولاً: قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[النساء: 94].
معنى: لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً قيل معناه الإسلام، أي: لا تقولوا لمن ألقى إليك التَّسليم فقال السَّلام عليكم لست مؤمناً، والمراد نهي المسلمين على أن يهملوا ما جاء به الكُفَّار مما يستدلُّ به على إسلامه، ويقولون إنما جاء بذلك تعوذاً وتقيةً، فإذا جاءك واحدٌ وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، تقول: لا، أنت قلتها تقيةً، أنت منافق، فما يدرينا إذاً أنك أنت لو نطقت الشَّهادتين يمكن قصدك أنَّك تندس بين المسلمين، وأنَّك منافقٌ ونحن لا ندري عنك، ما نحكم لك بالإسلام، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[النساء:94].
فقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: "فالآية تَدلُّ على أنَّه يجب الكفَّ عنه، والتَّثبت، فإذا تبيَّن منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل، لقوله تعالى: فَتَبَيَّنُوا" وقال: "من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك"[كشف الشبهات].
هذه القاعدة: من أظهر التوحيد والإسلام نكف عنه ونعصم ماله ودمه حتى يتبين منه ما يناقض ذلك، وقال ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويأتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله [رواه البخاري: 25، ومسلم: 20].


فقوله: حسابهم على الله، يقول ابن رجب رحمه الله: "وأما في الآخرة في حسابه على الله فإن كان صادقاً أدخله الله الجنة، وإن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار" [جامع العلوم والحكم: 1/88].
فإذاً لو قال قائل: وما يدرينا أن هذا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، ويقول أنا دخلت في دينكم، يمكن أنه منافق أو كافر، نقول: لا تخاف، فهناك حل، في الآخرة يوم القيامة يُجعل في الدَّرك الأسفل من النَّار، أمَّا بالنُّسبة لنا لا نستطيع ولا نملك إلَّا أن نحكم له بالإسلام، وأن نعامله على أنَّه من المسلمين، وأن نأكل ذبيحته، وأن نعامله ونسلم عليه، ونحو ذلك من الأحكام.
ومن الأدلَّة على الحكم على النَّاس بما يظهرونه، حديث أسامة في قصته المشهورة: لما بعثهم النَّبي ﷺ إلى قوم من المشركين فأدرك أسامة رجلاً فرفع عليه السيف فقال المشرك: لا إله إلا الله، فطعنه أسامة، فأخبر النَّبي ﷺ فعاتبه على ذلك عتاباً شديداً جداً، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها أم لا يعني: قالها يتقي السَّيف أو قالها حقاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. [رواه مسلم: 96].
لأنَّ الإسلام يجب ما قبله، قال: يا ليتني أسلمت بعد الحادثة هذه؛ ليُغفر لي ما قد سبق، وأني فعلت الفعلة هذه في الجاهلية.
وكذلك من الأحاديث العظيمة في الحكم على الناس والظاهر حديث: النَّبي ﷺ مع معاوية بن الحكم السُّلمي لما ضرب جاريته فندم فجاء النبي ﷺ، طلب أن يأتي بها فلما جاء بها، قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أناقالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة [رواه مسلم: 537].


فالإيمان الذي عُلِّق به أحكام الدُّنيا، نحن نريد أن نجري على النَّاس أحكاماً، نتزوج منهم ونزوجهم، نأكل ذبائحهم، نُسلِّم عليهم، نصلَّي وراءهم، نجري الأحكام بناء على ما يظهر منهم، قال شيخ الإسلام: "فإن الإيمان الذي عُلقت به أحكام الدنيا هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام" [مجموع الفتاوى: 7/416]. لأنَّ الإيمان الظَّاهر الذي تُجرى عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في البَاطن، هذه نقطة مهمة، حتى تأكل ذبيحة فلان، وتصلَّي وراء فلان، وتتزوج المرأة الفلانية فلا يُشتَرط أن يكون هذا الشَّخص مؤمناً في باطنه، وإنَّما يكفي لحل ذلك كُلِّه وصحته أن يكون مؤمناً ظاهراً؛ لأنَّ البَاطن ما يَطَّلِع عليه إلا الله، فإذا أظهر نواقض الإسلام والإيمان فلا صلاة وراءه، ولا نسلِّم عليه، ولا نأكل ذبيحته، ولا نتزوَّج المرأة هذه، ولا نُزوِّج الرَّجل الذي نقض الدِّين، وهكذا، قال في معاملة النَّبي ﷺ المنافقين على ظواهرهم، فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويتوارثونهم ولم يحكم النبي ﷺ في المنافقين بحكم الكفار المُظهرين للكفر، لا في مناكحتهم، ولا موارثتهم، ولا نحو ذلك، بل لما مات عبد الله بن أُبي بن سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق وورثه ابنه عبد الله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، وإذا مات لأحدهم وارث ورثه مع المسلمين[مجموع الفتاوى7/ 210]؛ لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة لا على المحبة التي في القلوب، "وهكذا كان حكمه ﷺ في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر"[مجموع الفتاوى: 7/213].
فإذاً عرفنا المسألة الأولى وهي: إجراء الأحكام على الظَّاهر، وأدلتها الشرعية.

تكفير المعيَّن

00:24:53

ثانياً: الاحتياط في تكفير المعيَّن، مذهب أهل السُّنَّة والجماعة وسطٌ بين من يقول: لا نُكفِّر من أهل القبلة أحداً، وبين من يُكفِّر المسلم بكلِّ ذنبٍ، فمن الذي يقول لا نُكفِّر من أهل القبلة أحداً، كثير من المرجئة، يقولون: أهل القبلة لا نكفِّر منهم أحداً، ولو أظهر كفراً أو عمل كفراً، يقولون: ينطق بالشهادتين من أهل القبلة، وفي المقابل يوجد خوارج ومعتزلة يكفِّرون بالكبيرة، وينسفِون إيمانَ الشَّخص كُلَّه، إذا زنى أو شرب الخمر أو ارتكب كبيرة، فمذهب أهل السُّنَّة والجماعة وسط بين من يقول: لا نكفِّر من أهل القبلة أحداً، وبين من يُكفِّر المسلم بكل ذنب دون النَّظر إلى تَوفُّر شروط التَّكفير وانتفاء موانعه، ولذلك من المهم أن نبيِّن أنَّه يتلخَّص مذهب أهل السُّنَّة في أنهم يُطلقون التَّكفير على العموم، وليس على الشَّخص المعيَّن، مثل قولهم: من استحل ما هو معلومٌ من الدِّين بالضَّرورة كفَرَ، ومن قال: القرآن مخلوقٌ كفر، أو أن الله لا يرى في الآخرة كفر، ولكن لا يُكفِّرون الشَّخص المعيَّن، إلا بعد توفُّر الشُّروط وانتفاء الموانع، فقد يكون جاهلاً وقد يكون متأولاً، وقد يكون مكرهاً، إلى آخره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فقد يكون الفعل أو المقالة كفراً ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا فهو كافر" دون أن تعين شخصاً، "ومن فعل كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها". [مجموع الفتاوى: 23/345].
تتحقق الشروط بإقامة الحجة وتنتفي الموانع، وهذا الأمر مُطَّرد في نصوص الوعيد عند أهل السُّنَّة والجماعة، فلا يُشهد لمعين من أهل القبلة بأنَّه من أهل النَّار لجواز أن لا يلحقه هذا الوعيد، لماذا لا يلحقه هذا الوعيد؟ لفوات شرط أو حصول مانع، يقول شيخ الإسلام: "فلذلك كان أهل السُّنَّة لا يُكفِّرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم"، يعني: لو قال لك قائل: أنا أحكم عليك بالكفر، فتقول أنت من إنصافك وأنا لا أستطيع أن أحكم عليك بالكفر، فهو باغي وظالم ومعتدي بحكمه عليك بالكفر، لكن لا تستطيع أن تحكم عليه بالكفر لأنَّه قد يتخلَّف شرط أو يوجد مانع؛ "لأنَّ الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كما كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنى حرام لحق الله تعالى"[ الرد على البكري: 2/492].


فإذاً هذا حق الله تعالى في القضية، ولذلك ابن تيمية رحمه الله لما كان يجادل الفرق كان يقول لهم كلاماً مهماً في القضية هذه: "ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أنَّ الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم" لاحظ عباراته الدقيقة، يقول: "أنا لو وافقتكم لكنت كافراً؛ لأني أعلم أن قولكم كفرٌ، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جُهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم". [ الرد على البكري: 2/494].
لكن متى يكفرون عند ابن تيمية لما تُقام عليه الحُجَّة، وتتحقق الشُّروط، وتنتفي الموانع، وهذا متحقق فيه هو، فيقول: أنا لو قلت بقولكم اعتبر نفسي كافر، لكن أنا لا أستطيع أن أكفركم أنتم حتى أقيم عليكم الحُجَّة، وأتأكد أنَّه ليس عندكم موانع، وهذا موقف الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السُّنَّة مع أعيان الجهمية ممن آذوه، لو قال قائل: الإمام أحمد لماذا لم يُكفِّر المأمون والمعتصم والواهب لما قالوا بخلق القرآن؟ أليس القول بخلق القرآن كفر؟ ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية أنَّ القرآن مخلوق، وأنَّ الله لا يُرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون النَّاس إلى ذلك، ويمتحنونهم ويعاقبونهم، إذا لم يجيبوهم، ويُكفِّرون من لم يجبهم، حتى أنَّهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يتركوه حتى يُقِرُّ بقول الجهمية أنَّ القرآن مخلوق وغير ذلك، مع هذا فإنَّ الإمام أحمد رحمه الله ترحم عليهم، واستغفر لهم لعلمه بأنَّهم لم يُبيَّن لهم أنَّهم مُكذِّبون للرَّسول ﷺ، وجاحدون لما جاء به، ولكن تأوَّلوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم بذلك، فهذا محيط به شرذمة سوء من بطانة الكفر يملون عليه الكفر صباحاً ومساءاً، ويلقِّنونه إياه، حتى اقتنع بقولهم وتحمس معهم في القضية، وصار يمتحن النَّاس على خلق القرآن، متى يمكن أن نكفِّر هذا الشَّخص؟ لما يكون فرصةً لإقامة الحُجَّة عليه، ونُفند له كل الشُّبه ونُبين كفر المقالة، ولا يوجد موانع لديه عند ذلك يُكفَّر كائناً من كان، كبيراً أو صغيراً، فيتبين إذاً أن أهل السُّنَّة يُطلِقون التَّكفير بالعموم، يقولون من قال بخلق القرآن فهو كافر بالعموم، وكذلك الوعيد: من زنى يدخل النَّار في العموم، ولكن الحكم على المعيَّن بالكفر أو الوعيد، مثل: تقول فلان كافر، وفلان لأنَّه زنى يدخل جهنم، لابُدَّ توفُّر الشُّروط وانتفاء الموانع، فبالنُّسبة لأهل الكبائر لا تستطيع تحكم عليهم بالنَّار؛ لأنَّهم تحت المشيئة، وهم يعلمون أنَّه حرام وليس عندهم موانع، فهذا أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، لكن يستحقون العذاب، أمَّا النَّاس قالوا بمقالات الكفر لا تستطيع أن تُكفِّرهم إلَّا بالشُّروط الشَّرعية، وقد جاءت نصوص وظنَّ بعض المتوهمين بسبب قراءتهم لبعض النُّصوص أنَّ أهل السُّنَّة لا يكفِّرون المعيَّن، فأحياناً قد يقول: أهل السُّنَّة لا يكفِّرون أيَّ شخصٍ، ومن قال الكلام هذا يَكُفر، لكن لا يحكمون على فلان بالكفر، الجواب: خطأ، بل يحكمون على فلان بالكفر إذا توفرت الشُّروط، وتطويقات السَّلف لهذا المبدئ كثيرة، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا عُرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم -بحيث يُحكم عليهم بأنهم من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وهذا الكلام في تكفير جميع المعينين مع أن بعض هذه البدعة أشد من بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلِط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه اليقيني لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزال حتى تقام الحجة عليه وتزال الشبهة. [مجموع الفتاوى12/500- 501].


لكن هل كفَّر السَّلف أُناساً معينين؟ نعم، لما تيقنوا أنَّ الحُجَّة أقيمت عليه، كالجعد بن درهم، وغيلان الدِّمشقي، وما جاء في قتل السَّحرة المعينين، وقاتل أصحابُ الرَّسول ﷺ بني حنيفة وهم يقولون أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ويؤذنون ويصلون، لكن قالوا مسيلمة نبيٌّ، ومن رفع رجلاً إلى رتبة النَّبي كفر وحل ماله ودمه، ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة، ولذلك شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بين هذا وبين قضية تكفير المعين بعد إقامة الحجة فقال: "فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف" وهؤلاء كانوا من الطَّواغيت الذين يُعبدون في نجد قديماً في زمن الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، قال: "إذا كان يعني السَّلف كفَّروا المعين كالجعد بن درهم وغيلان الدِّمشقي، والصَّحابة قاتلوا بني حنيفة على قولهم إن مسيلمة نبي، واستحلوا دمائهم، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف، أو صحابياً أو نبياً إلى مرتبة جبار السَّموات والأرض؟"[كشف الشبهات].
ويقال أيضاً الذين حرَّقهم عليُّ ، فاعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان، وبنوا عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس، كلهم يشهدون بألسنتهم أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، ويدَّعون الإسلام ويُصلَّون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشَّريعة في أشياء، أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأنَّ بلادهم بلادُ حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين، ويقال أيضاً الذين قال الله فيهم: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ[التوبة: 74]. أما سمعت الله كفَّرهم بكلمة مع كونهم مع النَّبي ﷺ، ويُصلُّون معه، ويُزكُّون ويحجون، وكذلك قوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[التوبة:65-66]. فهؤلاء صرَّح الله فيهم أنَّهم كفروا بعد إيمانهم، مع أنَّهم كانوا مع النَّبي ﷺ في غزوة تبوك واعتذروا بالمزاح.


ومن التَّطبيقات العملية لتكفير المعين إذا قامت الحُجَّة إجماع السَّلف على قتال الطَّائفة الممتنعة، كما ذهب إلى ذلك أبو بكر الصَّديق رضي الله تعالى عنه، قال شيخ الإسلام: كُلُّ طائفة ممتنعة عن التزام شعيرة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، من هؤلاء القوم وغيرهم فيجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين ببعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصَّديق مانعي الزَّكاة. [مجموع الفتاوى: 22/51].
الخلاصة: أنَّ من أظهر شيئاً من مظاهر الكُفر لا يُكفَّر حتى تقام عليه الحُجة، للتأكُّد من دوافعه لهذا العمل، فإذا زالت الشبهة وأصرَّ أستتيب فإن تاب وإلا قتل.

بماذا تُقام الحُجَّة

00:38:25

ما هي الأشياء التي تقوم بها الحُجَّة؟ قد يقول قائل: هذا كلامٌ نظري، أنتم تقولون لا يكفر حتى تقام عليه الحجة، فما هي الحجة؟ وكيف تقام؟
أولاً: تقرير قضية أنَّه لا يكفر إلا بعد قيام الحجة هذا القرآن الكريم، قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا[الإسراء:15]. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[النساء:165]. ولا نُكفَّر كذلك بكل ذنب، إذاً لا تُكفِّير إلا بعد قيام الحجة.
ولا نكفر بكل ذنب، وهذا التعبير يجب أن نتوقَّف عنده قليلاً، من الأصول المجمع عليها عند أهل السُّنَّة أنهم لا يُكفِّرون أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ويقصدون بالذنب الذي لا يَكفر صاحبه حتى يستحله: كالزنا، والخمر، والكذب وغير ذلك، مثل الكبائر والصغائر وترك الواجبات، إذاً الأشياء المكفِّرة لها معاملة سبق أن بُينت، لكن لما نقول عدم التَّكفير بكل ذنب، المقصود بكل لا يكفر صاحبه، وإلَّا لو كان يكفر صاحبه فإننا يجب أن نُكفِّره به، ولذلك دفعاً للبس امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأننا لا نكفر أحداً إلا بذنب، إذا لو رأيت عبارةً في أحد كتب العقيدة عن أهل السُّنَّة والجماعة لا نكفر أحداً بذنب، فلازم تُقيِّد كلمة ذنب بالذنوب غير المكفِّرة، فهم يقولون: لا نُكفِّر أحداً بذنب إلَّا أن يستحله؛ لأنَّه إذا استحل صار كافراً، فالمقصود إذاً بالذنب هذا كلمة ذنب لا نكفر أحداً بذنب، الذنوب التي لا يكفر صاحبها كالكبائر وترك الواجبات ونحو ذلك.

موانع التَّكفير

00:40:55

سنتكلم عن قضية إقامة الحجة، من خلال موانع التَّكفير، من خلال عرض هذه الموانع:
فأولاً: الجهل، حالات الجاهل ومتى يكون عذراً، فالجهل: خلو النَّفس من العلم، والعذر بالجهل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، والأشخاص يختلفون فمنهم من أقيمت عليه الحُجَّة، ومنهم من لم تقم عليه الحُجَّة، كما سيأتينا إن شاء الله.

العذر بالجهل

00:41:40

هل في الشَّرع العذر بالجهل؟ وما هو الدليل؟ لعلَّ من أصلح الأدلَّة وأشهرها في هذا المقام أيها الإخوة: حديث: الرَّجل الذي كان يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت، فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الرِّيح، فوالله لئن قدر الله عليّ ليُعذبني عذاباً ما عذَّبه أحداً، فلمَّا مات فُعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيكي منه ففعلت فإذا هو قائم عند الله، قال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا ربي خشيتك، فغفر له [رواه البخاري: 3481].
السؤال هو: كيف يغفر له وقد شكَّ بقدرة الله على البَعث، وظنَّ أنَّه إذا أُحرق وذُر رماده أنه لا يُبعث، ونحن نعرف أن الذي يشك في البعث كافر، فما الذي منعه من كفر هذا الرجل ومن الذي أدخله في رحمة الله؟ الجهل، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تَفَرَّقَ هَذَا التَّفَرُّقَ  فظنَّ أنه لا يعيده إذا صار كذلك، وكلُّ واحد سواء من إنكار قدرة الله تعالى أو إنكار إعادة الأبدان بعد تفرُّقها كفر". [مجموع الفتاوى: 11/409].
إذاً هذا الرُّجل من كم باب يكفر؟ يكفر في شكِّه في قدرة الله أنَّه لا يجمعه، ويكفر أيضاً من باب شكِّه في قضية البعث، فكيف لم يعتبر هذا كافر؟ وقال يدخل الجنَّة، وفي الرحمة؟ من باب الجهل، قال شيخ الإسلام: "لكنَّه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهل بذلك، ضال في هذا الظن، مخطئاً فغفر الله له ذلك"[مجموع الفتاوى: 11/409].
إذاً الرَّجل هذا عذره ربُّه بجهله، قال ابن حزم رحمه الله: "فهذا إنسان جهل إلى أن مات، أنَّ الله يقدر على جمع رماده وإحياءه، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله"[الفصل في الملل: 3/140].


ما الذي فعله وحمله على ذلك؟ الخوف أن يُعذَّب، وجهله بقدرة الله، وجهله بقضية أن المعاد حتم لازم، على كل الجسد مهما حصل فيه، إذاً نستنتج أن هناك من كلام الأئمة أمرين:
أولاً: أن عمل هذا الرَّجل هو كفر، ليس في ذلك شكٌّ، واعتقاده هذا كفر أكبر مخرج عن الملة، مَن يَظنُّ أن الله لا يقدر على كل شيء كافر، ومَن يظنُّ أنَّ بعض النَّاس لا يُعبثون كافرٌ، وإنكار قدرة الله كفرٌ وإنكار البعث كفر.
ثانياً: أن هذا الرَّجل عنده أصل الإيمان، فلو لم يكن عنده أصل الإيمان لم يكن لينفعه شيءٌ البتَّة، والاعتقاد الذي اعتقده كُفرٌ، والذي منع من الحكم عليه بالكفر وشمول عقوبة الكفرة عليه جهله الذي عذره فيه ربُّه؛ لأنَّ جهل هذا الرَّجل وصل لهذا المستوى، ليس متحايلاً ولا هو كذَّابٌ، وإلَّا فعنده خشية لله وخوف، وكذلك من الأدلَّة حديث حذيفة: تبقى طوائف من النَّاس الشَّيخ الكبير، والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها، ليس عندهم شيءٌ غير هذه الكلمة، لا صلاة ولا صيام ولا قرآن، فقال صلة من جلساء حذيفة: "ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة، فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه بثالثة يعني حذيفة فقال: يا صلة تنجيهم من النار، يا صلة تنجيهم من النار، يا صلة تنجيهم من النار"[رواه ابن ماجه: 4049، والحاكم: 8636، وصححه الألباني في الصحيحة: 87].


يعني: لا إله إلا الله هذه التي ليس عندهم غيرها فائدتها أنَّها تنجيهم من النَّار، فهذا الحديث يتحدث عن أي فترة؟ عن آخر الزمان، أناسٌ وصل الجهل بهم مع تطاول القرون وذهاب نور النُّبوة، واندراس العلم، ورفع القرآن فوصل الجهل إلى أنَّهم لا يدرون شيئاً، لا عن صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج ولا قرآن، ما وصل إليهم كلمةٌ توارثوها سمعوها من الجيل الذي قبل "لا إله إلا الله" ليس عندهم شيئاً في الأرض إلا هذه الكلمة، هذه التي بقيت من الإسلام كله، سألوهم أولادهم لماذا تقولونها؟ قالوا سمعنا آباءنا يقولونها، فهل الكلمة هذه تنفعهم؟ فيقول حذيفة: "تنجيهم من النار"، كيف تنجيهم من النَّار؟ ولماذا تنجيهم من النَّار؟ لجهلهم، شخصٌ ما علم من الدِّين إلَّا هذه الكلمة فتنفعه، فإذاً فالأمكنة  تختلف، والأزمنة تختلف، وقد ينتشر الجهل ويضعف نور النُّبوة، ويخفى على كثير من النَّاس من الأحكام المتواترة كوجوه الصَّلاة والصَّوم، لكن لابُدَّ من الإقرار، ليس في ذلك شكٌّ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثير من علوم النُّبوُّة حتى لا يبقى من يُبلِّغ ما بُعث به رسول الله ﷺ من الكتاب والحكمة، فلا يُعلم كثيراً مما بعث به رسوله، ولا يكون هناك من يبلِّغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن العلم والدِّين والإيمان، وكان حديثَ العهد بالإسلام فأنكر هذه الأحكام الظَّاهرة المتواترة" كأن يقول: لا زكاة ولا نسبة من المال تؤخذ، هو  لا يدري، ليس عنده علم، ولا أحدٌ علَّمه بذلك، "فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول، ولهذا جاء في الحديث: يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة.. [رواه ابن ماجه: 4049، والحاكم: 8636، وصححه الألباني في الصحيحة: 87]"[مجموع الفتاوى11/407].
وحديث أبي واقد الليثي قال: "خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى حُنين، ونحن حديث عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم الفتح، فمررنا بشجرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما هم ذات أنواط" وكان للكفَّار سدرةٌ شجرة يعكفون حولها ويعلقون بها أسلحتهم، يدعونها ذات أنواط، فلمَّا قلنا ذلك للنَّبي ﷺ قال: الله أكبر! قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسىاجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، ثم قال رسول الله ﷺ: لتركبُن سنن من كان قبلكم [رواه التِّرمذي: 2180، والنَّسائي: 11121، وأحمد:  21900، وابن حبان: 6702، والطبراني: 3295، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 5408].


يتضح من هذ الحادثة أنَّ الذي طلبه هؤلاء الصَّحابة حديثو العهد بالإسلام كُفرٌ وشِركٌ، لكن لماذا لم يحكم عليهم بالشِّرك والكفر؟ لأنَّهم حُدثاء عهد بالتَّوحيد، ظنَّوا أنَّ اتخاذ شجرةً يُتبرك بها ويُعلَّق عليها الأسلحة لا ينافي التَّوحيد، فبيَّن لهم أنَّ ما طلبوا من التَّبرُّك ولو لم يكن صلاةً ولا صياماً ولا صدقة هو الشِّرك بعينه، فلم يحكم عليهم ولم يقل أنتم مشركون لجهلهم، حديثو عهد بالإسلام.

 

قواعد العذر بالجهل

00:51:21

واعلموا أيها الإخوة: أولاً: أنَّ مُجرَّد النَّطق بالشَّهادتين كافٍ في الحكم بإسلام الشَّخص، هذه مسألة مهمة نعود للتَّذكير بها لإعادة تسلسل القضية وترتيبها، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقد عُلم بالاضطِّرار من دين الرَّسول ﷺ، واتفقت عليه الأمُّة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلماً والعدوُّ ولياً والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال. [درء التعارض: 4/107].
ثانياً: أنَّ بعض النَّاس الذين قسَّموا الدِّين إلى أصول لا يعذر الجهل بها، وفروع يعذر الجهل بها، هذا التَّقسيم غير منضبط وغير دقيق، ولا دليل عليه، لكن مما ينبغي أن يقال إن هناك أمور تُعلم من الدِّين بالضَّرورة، فلو قال لك قائل: لانقسِّم إلى أصولٍ لا يُعذر بها، وفروعٍ يُعذر بجهلها، فما هي الأشياء المعلومة من الدِّين بالضرورة؟ ومثلاً لمَّا نقول: الله واحد، هل هذا الشِّيء ليس معلوم من الدِّين بالضرورة؟ طبعاً معلوم من الدِّين بالضَّرورة، وأنَّ من أنكره يكفر لا شكَّ بذلك، ولضبط القضية أيضاً أن نعرف مسألة التَّفريق بين النُّصوص المطلقة والمقيدة، فبعضهم يأتي إلى قول عالم من العلماء يقول: إن من نذر أو استغاث بغير الله فهو كافر مشرك حلال الدَّم والمال، ماذا يُفهم من كلام هذا العالم؟ أنَّه يُكفِّر من يفعل هذا الفعل، فهل يُفهم منه أن التَّكفير للشَّخص هذا مهما كان حاله يُكفر؟ أو لا بُدَّ أن نربط القضية هذه مثل الجُمَل التي يطلقها العلماء؟ وأن لابُدَّ أنَّ نربطها بموانع التكفير؟ لابُدَّ أن نربطها بموانع التكفير، فلمَّا يقول مثلاً واحد من العلماء: إن من نذر أو استغاث بغير الله فهو كافر مشرك حلال الدَّم والمال، هذا موجود في كلام علمائنا، إذاً فلو واحد قال: يوجد في الهند، أو قل: باكستان وبنجلادش وإفريقيا والشَّام، وجهات من اليمن وجهات من الجنوب، يوجد أناس يستغيثون بالأموات، ويُنذِرون للقبور والأضرحة، ويسألونهم شفاءَ المرضى، وإعطاء الأولاد إلى آخره، ونحن قرأنا في كتب الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدَّعوة، وبعض العلماء وكلام ابن تيمية مثلاً قرأنا عبارة إن من نذر أو استغاث بغير الله فهو مشرك كافر حلال الدم والمال، فيأتي هذا الشَّخص يقول: إذاً كُلُّ هؤلاء الذين يفعلون ذلك في إفريقيا وآسيا كلهم كفرة مشركون حلال الدم والمال، فلو قَتَلنا واحداً منهم وسلبنا ماله هل ذلك حلال علينا؟ هذا خطأ، لماذا؟  نقول: هذا الكلام ليس على إطلاقه، لا بُدَّ تُقَيِّد، تقول: من نذر أو استغاث بغير الله فهو كافر مشرك حلال الدم والمال إذا أقيمت عليه الحُجَّة وانتفت الموانع، لكن ليس كُلُّ عالمٍ إذا جاء يُبين التَّوحيد جاء بهذا القيد، فالعلماء لما يتسلسون في الكلام، ويُبنون التَّوحيد وعقائد التَّوحيد ليس دائماً في كُلِّ جملة يُبين فيها كفراً أو شركاً لابُدَّ يقول إذا أقيمت عليه الحُجَّة وانتفت الموانع، لكن يجب أن تعلم هذا أنت تلقائياً وتفترضه في كُلِّ نَصٍّ ومثل هذا القبيل الذي فيه إطلاق، احفظ القضية لأنَّه زلَّ فيها أشخاصٌ كُثر، والعلماء في كثير من الأحيان لا يذكرون أعذاراً، وحين يقولون من فعل كذا كَفَرَ، لا يقولون إلَّا إن كان متأولاً أو جاهلاً أو مُكرهاً، إذاً انتبه لهذه المسألة.


ثالثاً: إنَّ قيام الحُجَّة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وكثيرٌ من النَّاس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثير من علوم النُّبوُّة حتى لا يبقى من يُبلِّغهم ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يُبلِّغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أنَّ من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظَّاهرة المتواترة فإنه لا يُحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول. [مجموع الفتاوى: 11/407].

واجب العلماء والدُّعاة في إقامة الحُجَّة

00:57:18

وهنا لابد أيها الإخ