الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

نحو أسرة مطمئنة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة
إقامة الأسرة على طاعة الله
الواجبات الدينية لرب الأسرة تجاه أسرته
النفقة على الأهل
مراعاة حقوق الأهل والانبساط معهم
غياب المسؤولية عن الأسرة
الخطبة الثانية
الآثار الناتجة عن ضياع الأسرة
التحذير من الغش والمنكرات في الاحتفالات بالنجاح

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن الله قد اقتضت حكمته أن يخلق لأبينا آدم زوجاً من نفسه، يأوي إليها ويسكن، ويقيم بها  أول أسرة عرفتها البشرية، وعمر آدم ما شاء الله أن يعمر، وكان منه أولاد وأحفاد، وأقيمت أسر في أول هذه البشرية –جماعات معتبرة نواة للمجتمع البشري- على التوحيد وعلى طاعة الله ، كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد، فكان مبدأ الأسرة وبناؤها على توحيد الله من نبي كريم معه زوجه، بث الله منهما رجالاً كثيراً ونساء، هذه العناصر من الأب والأم والأبناء، عماد الأسرة المسلمة التي هي نواة المجتمع الصالح، وصلاحها صلاح للمجتمع، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَالذاريات:  49.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىالحجرات:  13، هذه الجاذبية بين الجنسين هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّالبقرة:  187، لأجل إقامة طاعة الله.

الشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة

00:02:15

وامتن الله على البشر بالبيوت التي هي مكان الأسر وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا النحل: 80، فهذه البيوت لمكان هذه الأسر منة من الله في قيام الأسرة في ذلك المكان، أرادها الله أن تكون أسرة إسلامية، قائمة على التوحيد وطاعة الله ، أرادها الله أن تكون مسؤوليات يقوم بها جميع الأفراد في هذه الأسرة، فقال النبي ﷺ: والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها، وولده وهي مسئولة عنهم، وأخبر: أن الابن راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، حتى الخادم في البيت له مسؤولية، قال النبي ﷺ: والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته.

إن إنشاء حس المسؤولية في نفس المسلم أمر واضح في هذه الشريعة، الشريعة تريد من كل واحد أن يحس بمسؤوليته، وأنه مسؤول أمام الله -تعالى- يوم القيامة، وأنه راع يرعى، وأن عليه واجبات، وأن عينه لا بد أن تكون ساهرة، فهذا الرجل يرعى أهله وأولاده، وهذه المرأة ترعى تدبير البيت والأولاد، وهذا حتى الخادم يرعى ما تحت يده، ويقوم بما يجب عليه من الخدمة، ولو علمت الأطراف ما أراد الله منها فأطاعت لاستقامت، وكانت السعادة في البيوت، قال النبي ﷺ لعبد الله ابن عمرو: ولأهلك عليك حقا.

إقامة الأسرة على طاعة الله

00:04:32

هذه الحقوق التي أعظمها حق إقامة أهل البيت على طاعة الله إنها تربية على الدين، إنها أمر بالصلاة؛ لأن الله قال عن نبيه إسماعيل: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّامريم: 55، أمرنا بذلك، وأمر أنبيائه، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاطه: 132،  و"كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"، وعندما كان ﷺ يرى فتناً وأهوالاً، أول ما يفزع إليه إقامة أهله، فكانت تلك الليلة التي استيقظ النبيﷺ فزعاً فيها؛ مما رأى من الفتن التي ستحيق بأمته، فقال: سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات؟من هن صواحب الحجرات؟ إنهن زوجاته ﷺ: من يوقظ صواحب الحجرات؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة فنبه على إقامتهن للصلاة، وإتمامهن للحجاب.

وكذلك فإن من مسؤولية الرجل أن يأمر أبناءه الذكور بصلاة الجماعة في المسجد، وأن يتابعهم على ذلك منذ أن يأُمر الولد بالصلاة من سبع سنين، وليس أن يلقي المسؤولية على الأم في مكابدة هؤلاء إذا كبروا، وأمرهم بالصلاة، وهي لا تستطيع في عدد من الحالات القيام بالواجب والمطلوب، ولذلك كان فعل بعض الآباء بالتخلي عن مسؤولياتهم وإلقاءها على الزوجات فيه تفريط منهم؛ لأنهم المسؤولون الأولون، نعم لو غاب تلته في المسؤولية، ولو مرض كذلك.

الواجبات الدينية لرب الأسرة تجاه أسرته

00:07:04

عباد الله: إن منع الأهل من المنكرات من الواجبات الدينية لرب الأسرة تجاه أسرته، وكذلك فإن النبي ﷺ "كان إذا رأى أحداً من أهله كذب كذبة، أعرض عنه حتى يحدث توبة"، بقي معرضاً لا يكلمه تأديباً له؛ لأنه ارتكب ذلك المنكر، وهو الكذب، وكذلك كان الصحابي الجليل "لما نزل به الموت غشي عليه، فصرخت زوجته، فلم يتمكن من نهيها عن ذلك المنكر، فماذا فعل؟ أول ما أفاق علمها أن النبي ﷺ بريء من الصالقة والحالقة والشاقة"، التي ترفع صوتها عند المصيبة، والتي تحلق شعرها، أو تقطعه عند المصيبة، والتي تشق ثيابها عند المصيبة.

عباد الله: إن مسؤولية متابعة التدين والإشراف عليه أمر مهم جداً، لما ضيعناه ضاعت كثير من الأسر، وضاع كثير من الأبناء والبنات، وحتى إخراج أهل المعاصي ومنعهم من دخول البيت، كان ذلك من سنن السلف -رحمهم الله-، حتى أن عمر أخرج أخت أبي بكر لما صاحت أو ناحت، فبلغ عمر، فنهاهن فأبين، فخرج ليعلو بالدرة بضربات، فتفرق النوائح حين سمعن ذلكK كان إذاً يتابع المنكرات بحكم ولايته العامة حتى في بيوت الغير.

عباد الله: لدينا أجهزة لهو ومنكرات في البيوت، وأقران سوء يدخلون البيوت، وبعض الخدم والسائقين من أرباب الانحرافات والمحرمات يسكنون في البيوت، هناك الكثير من  المقروءات فيها منكرات في البيوت، وكذلك المسموعات من الأشرطة والاسطوانات المدمجة وغير ذلك، وحتى الألعاب تشتمل على منكرات كثيرة.

ولو دققنا -يا عبدالله- في بيتك الذي أنت مسؤول عنه، في أقرب الناس إليك لوجدت منكرات شتى، فما هو الجواب عندما يسألك الديان عن هذه الأمور التي تركتها تستشري في البيت؟ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُالتحريم: 6.

ومن المتابعات الدينية متابعة خروج البنات والأبناء من البيت، هذه المسألة التي لم يعد للكثيرين من الآباء سلطة على أولادهم فيها، ولذلك ترى التسكع في الأسواق والمجمعات التجارية بشكل خطير جداً، وأول ما يمسك الشاب إذا عمل جريمة في البلد يسأل عن أبيه، أين أبوك؟ ليوجد الأب وهو لاهٍ غافل على أحسن الأحوال، يضرب كفاً بكف حزنًا على المصيبة التي وقع فيها، أين الدور؟ أين المطلوب؟ أين الإحساس بالمسؤولية؟ ونحن قادمون على إجازة وعطلة، وهذه الساعات التي كان يقضيها الأولاد في المدارس ستكون في البيوت والطرقات والمحلات، فما هي مسؤولية الآباء إذاً في ملء أوقات فراغ أولادهم؟

يا عباد الله: أن يمن الله على الأب بشخص من أهل الدين والصلاح، قل أو كثر في علمه واشتغاله بخدمة الدين، يمسك له أولاده هذه نعمة عظيمة، لكن كم بالمائة من الأولاد تحصل لهم هذه الفرصة؟ وهل يجوز أن يترك الأب الأمر على ما هو عليه ممنياً نفسه بأستاذ صالح، أو قدوة طيبة، أو أخ فاضل يقترب من أولاده ليأخذهم إلى مجامع الخير في المساجد والحلق والدروس، ومراكز تحفيظ القرآن وغير ذلك؟ هل ينتظر فرجاً من السماء هكذا دون أن يحرك شيئاً؟ أليس في الأمر واجب التخطيط والمتابعة والابتداء والحرص على الخير، بل جر الخير جراً إلى البيت والأولاد؟

عباد الله: إننا لنجد تورطاً شنيعا من بعض أبنائنا في الجرائم، وعندما نسأل عن السبب غياب الأب أولاً، وغياب الإحساس بالمسؤولية، فقد يوجد لكنه غير موجود، وقد يكون حياً لكنه في عالم الأموات.

أيها المسلمون: لقد كان من قبلنا قدوات لأهليهم، حدث عبدالله بن مسعود مرة في لعن الواشمات، و المستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، النقش على الجلد، وغرز الألوان تحته، والنمص بنتف الشعر، وخصوصاً الحاجب، تفليج الأسنان ابتغاء الحسن، أو بردها لتبدو على حال أصغر سناً وهي كبيرة، ونحو ذلك من وجوه الخداع، أو تغيير الخلقة التي خلقها الله عليها، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب فجاءت، فقالت لابن مسعود: إني أرى أهلك يفعلونه"، وكثير ما يبتلى بعض الدعاة بمن يلمز أحوالهم الداخلية من المنافقين أو غيرهم، وقد يكون هذا الاتهام صحيحاً لضعف هذا الداعية مع أهله، وقد يكون باطلاً كما هو ديدن أعداء الدين في محاولة تقويض الصروح الداخلية للدعوة، فقالت: إني أرى أهلك يفعلون، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت، فلم ترى من حاجتها شيئا، كان الاتهام باطلاً إذاً، وسمح لها بالدخول، وهي امرأة لترى بنفسها؛ لأن أبلغ رد على المتهم أن ينظر بنفسه، هل تهمته صحيحة أم لا؟ ولم يتحفظ ابن مسعود بشيء، ويدخل إلى البيت ليقول لأهله: أن هناك زيارة مفاجئة، وأن هناك تفتيشاً، وإنما قال للمرأة مباشرة: اذهبي فانظري، فذهبت فنظرت، فلم ترى من حاجتها شيئا، ثم خرجت، فقال ابن مسعود للمرأة: " لو كانت كذلك -أي زوجتي- ما جامعتها".

قال الشراح: قد يكون المراد بالجماع الوطء، أو الاجتماع، وهو أبلغ، أي: لم أجتمع معها في بيت واحد، لا يمكن أن أساكنها، وفي رواية "ما جامعتنا"، أي: لا يمكن أن أسمح لها بالاجتماع معي إذا كانت هذه حالها.

ولم تكن القضية عند السلف منع الأهل من المنكرات فقط، وإنما نشر الخير فيهم ابتداءً، وليس فقط حملهم على الواجبات، وإنما المتابعة حتى في المستحبات، وعبدالله بن مسعود ضرب لنا مثلاً عجيباً في هذا فقال أبو وائل -وهو من تلاميذ ابن مسعود-: غدونا على عبدالله بن مسعود يوما بعدما صلينا الغداة، فسلمنا بالباب" بعد صلاة الصبح فأذن لنا، "فمكثنا في الباب هنية" لم يدخلوا بالرغم الإذن "فخرجت الجارية، فقالت: ألا تدخلون؟ فدخلنا، فإذا هو جالس يسبح، فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم؟ قلنا: لا إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم" ما أردنا الإزعاج، ظننا أن بعض أهل البيت نائم، قال: "ظننتم بآل ابن أم عبد غفلة" ليس أهلي من هذا النوع، "ثم أقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت، فقال: يا جارية: انظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي لم تطلع، فأقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت، قال: يا جارية انظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت، فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، ولم يهلكنا بذنوبنا".

عباد الله: إن مراعاة الرجل لأهل بيته في أمور الدين هي الأساس والله، ثم إعانتهم على العبادة، إعانتهم على الطاعة، التمكين لهم من ذلك، هل تتخيل كم يكون لك من الأجر وأنت تنفق عليهم في رحلة عمرة مثلاً؟ أو تمكنهم من طاعة وعبادة.

وبعض الآباء مع الأسف ربما يمنع أولاده من أبواب الخير بحجة الخشية عليهم، وهو مسكين كيف يقف عائقاً أمامهم في مثل هذا؟ وماذا سيكون شعور الولد وهو يمنع من الخير، وأبواب الخير، وأهل الخير، وطرق الخير، ومجالس الخير، ومناسبات الخير؟ هل يريد أن يجعله يتجه إلى الانحراف أكثر مما هو موجود؟

النفقة على الأهل

00:17:35

عباد الله: إن من مسؤولية معيل الأسرة الانفاق عليها، والنبي ﷺ لفت نظرنا إلى مسألة احتساب الأجر في النفقة على الأهل، فقال: إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة، والمراد بالاحتساب القصد إلى طلب الأجر، ولا يحسب هذا إلا بالنية، فيؤجر على نفقته حتى في شراء الخبز والحليب، وحتى لا يتخيل بعض الناس أن الإنفاق هنا لا أجر فيه، وصفة الصدقة إذا احتسبها كانت كالصدقة ينفقها عليهم، والنبي ﷺ يحبس لأهله نفقة السنة.

وذلك الرجل الذي انطبقت عليه الصخرة في الغار، كان من أعماله الصالحة أنه كان يخرج فيحتطب، يرعى، ثم يجيء فيجلب لأبوية وأولاده. ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك.

عباد الله: إن هذه المسألة -مسألة الإنفاق على الأهل- عدم الإنفاق الذي يجعل بعض الأولاد يسرقون، وربما تنحرف بعض البنات بسبب قلة النفقة؛ لترتجي مالاً من طريق حرام، والمسؤول هو الزوج الذي لا ينفق والأب الذي لا ينفق.

مراعاة حقوق الأهل والانبساط معهم

00:19:12

عباد الله: لقد كان النبي ﷺ حريصاً على أهل الناس الآخرين، وليس على أهله فقط، فيقول لعبد الله ابن عمرو لما رآه يصوم النهار ويقوم الليل: إن لأهلك عليك حقا، وعندما يأتيه شباب يقيمون عنده عشرين ليلة، ولهم أهل، وجاءوا ليس في لعب، ولا متابعة مباريات، فيقول لهم بعدما أقاموا عشرين ليلة، وظن أنهم اشتاقوا لأهلهم، يسألهم عنهم، سألهم عمن تركوا خلفهم، فأخبروه، وكان رفيقا رحيما، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم لِيَؤُمَّكُمْ أكبركم.

كان الذكر في البيت معمورا بطاعة الله، إذا دخل بسم الله، إذا أكل بسم الله، إذا شرب بسم الله، إذا أتى زوجته بسم الله، وهكذا إذا أراد أن ينام ينام على ذكر الله، ويقوم على ذكر الله، وأمر الأهل بذكر الله، والشيطان لا مبيت له، ولا عشاء في تلك البيوت الصالحة.

عباد الله: إنها صلاة، وقيام، وصدقة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، تكفر فتنة الرجل في أهله: المراد التقصير الذي يحصل منه تجاههم أو الالتهاء بسببهم عن فعل واجب، أو الوقوع بسببهم في فعل محرم؛ لأن بعض الأهل والأولاد يكونون أعداء، إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْالتغابن: 14.

عباد الله: قد يقع ما يشغل عن ذكر الله فيجب على الإنسان أن يكون نبيها منتبها متيقظ الحس، قال البخاري -رحمه الله-: "باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج"لم يكن النبي ﷺ يشغله أهله من ذكر الله في ذات الوقت الذي كان يسمر معهم، سمر الرجل مع أهله ليس مكروها إذا كان فيه مباح، أو كان في طاعة فهو أولى وأحب، مناقشة قضايا الأسرة، ومشكلات الأولاد، والحلول، ونحو ذلك مما يقع أثناء اليوم من الأحداث والأخطاء، إننا نحتاج إلى جلسات مصارحة بين الأب والأم من جهة، وبينهما وبين الأولاد من جهة أخرى، إن وجود الهوة بين الأبوين والأولاد، تجعل الأولاد بعيدين كل البعد عن آبائهم وأمهاتهم، ويجد ذلك الابن سلوته في قرين سوء، وتجد تلك البنت سلوتها عن إهمال أبويها بقرين سوء تتصل به، فيأخذها ويمنيها بالأماني ويلعب بعواطفها، ثم تقع معه في الحرام في النهاية، ثم تكون الفضيحة، ولا ينفع الندم حينئذ، لماذا؟ لوجود فراغ عاطفي في البيت لا الأب ملأه ولا الأم ملأته، ولا قاما بالواجب ولا التفقد.

إن قضية التفقد للأولاد للأسرة في غاية الأهمية، كان النبي ﷺ يعود بعض أهله، يمسح بيده اليمنى على مكان الوجع، وعلى المريض لماذا؟ قال العلماء: تفاءلاً بزوال الوجع، وإظهارا للحنان والعطف على الممسوح عليه، ويقول مع مسحه: اللهم رب الناس أذهب الباس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما، إنه كان يداعب ويلاعب ﷺ مراعاة لحاجة الطفل النفسية إلى ذلك.

وقال البخاري -رحمه الله-: "باب الانبساط إلى الناس والدعابة مع الأهل"، والدعابة: الملاطفة بالقول بالمزاح وغيره، فهو نبي وهو يمارس العبادة والذكر دائما ومع ذلك فإنه ليس صاحب تضييق على أهله، إن المهابة والوفاء التي كان يتمتع بهما ﷺ لم تكن لتمنعه عن التبسط والمؤانسة والممازحة لأهله، لقد كان في ذلك في شيء عظيم، إنه كان ﷺ كان يداعب ويلاعب، كان يجعل من وقته لأولاده، كان ﷺ يعمل أشياء كثيرة من أجل أيضاً حتى أحفاده، وربما ارتحل الولد ظهره، فيتركه وهو يرتحل ظهره؛ ليقضي حاجته ونهمته من اللعب، وكذلك يدلع لسانه للحسن فيرى الصبي حمرة لسانه، فيهش إليه، أي: يسر هذا الولد، يسر بذلك المنظر، و كذلك يحمل بعضهم في الصلاة ﷺ ويقول: إن ابني ارتحلني.

غياب المسؤولية عن الأسرة

00:24:56

عباد الله: إننا نعيش اليوم في عالم من الغياب عن المسؤولية، هذا الأب إما في العمل، أو يغط في نوم عميق، أو مع الشلة خارج البيت، حتى إنك لتستغرب من بعض المتقاعدين الذين فرغوا من عملهم صارت لهم شلل، ومجالس أيضا بعيداً عن الأهل والأولاد، فقبل وبعد لازال التقصير حاصلاً، فعجباً كيف يحدث ذلك؟

ليس اليتيم من انتهى أبواه من ذل الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أبا مشغولا

تخلت عن المسؤولية، وانشغل هو بالمال، وجمعه وأصدقائه، والاجتماعات، وغير ذلك من المناسبات، وانشغل بالقنوات، وانشغل حتى بالمباريات.

أيها الأخوة: إننا نحتاج إلى عودة إلى الله لكي نرى ماذا علينا من العمل؟ لو فقط فرغنا أنفسنا لمتابعة الأولاد في الصلاة، وانقضى من ذلك وقت طويل، فإننا لن نخسر، كانوا يصومون أولادهم حتى عاشوراء يصومه الرضيع، سبحان الله! فماذا عن الكبار إما أن نترك أولادنا نهباً لتربية المربيات الخادمات، هناك مربون ينازعونك في أهلك وأولادك: قنوات، مجلات، خادمات، سائقون، ينازعونك في تربيتهم، هناك تزين وخلوه ودعوة للانحراف، هناك من يعمل ذاك العمل الذي انطوت عليه القصة في سورة يوسف، هنالك من يقوم بترك أولاده الشباب مع تلك الخادمة المتبرجة، خلوة، وتزين، وماذا تظن إذا جعلت النار بجانب الوقود، هناك من يترك حتى بعض الخادمات ينقلن معتقدات كفرية إلى الأطفال من هؤلاء النصرانيات والبوذيات، فقد وجد من أطفالنا من يؤشر بعلامة التثليث على الرأس وجانبي الصدر، وتقول الخادمة للطفل: هذه الحلوى من المسيح، وأخرى يراها الطفل تحمل تمثال بوذا، أو تحتفل بأعياد قومها، وتنقل الفرح ذلك إلى أبنائنا.

هنالك الفجيعة الكبرى عندما نرى ونرى أنواعاً من الكفر يرتكب في البيوت، وكذلك السحر، والشعوذة التي تفرق بين الرجل وزوجته، أو تضر بعافية الأبدان، وغزوا الكلمات الأجنبة للغة أطفالنا، وتشوية سمعة أهل البيت، وحصول إدخال رجال أجانب للبيت من قبل بعض الخادمات، وكذلك حصول الطلاق، وحمل السفاح، وسائل أقسام الولادة في المستشفيات، ثم الفتنة بهن كثيرة في نقل الأمور الغريبة، وهكذا حتى الشذوذ إلى بعض البنات قد تعرضن له بفعل الخادمات، ثم أن العجب أحياناُ أنك تجد من يفسد الخادمات من أهل البيت أنفسهم، فربما تكون بعيدة عفيفة عن هذه الأمور، فتتعلمها، وتنتقل إليها فتخبث من وراء ما يحدث لها، فإذا كانت مسكينة مغتصبة فماذا تقول لمشاعرها ودموعها؟ وهي التي لا تستطيع أن تذهب وتشتكي، فلذلك يحدث الهرب، ويحدث هرب مع عشيق لفسقها، أو هرب من البيت لسوء معاملتها، وسوء ما يقع عليها من أنواع الامتهان والاغتصاب.

عباد الله: ستنشر الصحف يوم القيامة، ولن يبقى شيئاً، ولن يكون هناك شافع يشفع إلا من أذن الله له، فانظر ماذا عملت -يا عبد الله-؟ وتأمل في حالك وحال أهلك وأولادك، واجعل من هذه الإجازة فرصة للجلوس معهم، وتربيتهم وتقويمهم.

اللهم إنا نسألك الصلاح في الأولاد والذرية، وفي البنين والبنات، وفي البيوت والدور يارب العالمين، اللهم أصلح نفوسنا، آتي نفوسنا تقواها، وزكها إنك خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:29:52

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الآثار الناتجة عن ضياع الأسرة

00:30:12

عباد الله: بسبب الغياب الجسدي والغياب المعنوي للآباء عن البيوت حصلت الأمراض النفسية، قد رصد الأطباء أمراضاً بسبب هذا الفراغ والغياب من آلام الصداع والأرق المستمر، وقلة النوم، والعزوف عن الطعام، ونحو ذلك من أحوال الاكتئاب، وارتباطاً بالعنف، وارتباط للفتيات بأنواع الفساد والانحراف، كل ذلك بسبب غياب الدور، إنها مسؤولية ذكرنا الله بها، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُالتحريم:  6، نريد مزيداً من الالتصاق، مزيداً من الإشراف، اضطلاع بالدور، وقيام بالمسؤولية -يا عباد الله-، وإلا فإن المستقبل خطير والله، بل إنه خطير الآن جداً، فكيف إذا استمر الأمر على ما هو عليه، نحتاج إلى تنقية الأجواء في البيت، إلى تصفية وتربية، إلى مقاومة للفساد الذي دخل علينا من كل جانب.

عباد الله: إننا فعلاً في حاجة ماسة للاعتناء بهذه الأجيال، من الذي سيرفع رأس الأمة؟ من الذي سيرفع لواء الجهاد؟ وكيف ستعود العزة؟ إلا على أكتاف وسواعد، لكن أكتاف وسواعد من؟ جيل يؤمن بالله واليوم الآخر، قد تربى على التضحية، وتربى على معاني الجهاد، والأمة فيها خير كثير والله.

لقد رأينا نماذج عجيبة من أمهات صالحات، تقول الواحدة منهن لابنها وقد طيبته وأشرفت على خروجه من البيت نظيفاً طاهراً تذكره بالله والإخلاص له وذكره وتقول له: إني لم أرسلك لترجع، وإنما أرسلتك لتكون شهيداً في سبيل الله، ثم تقول له مودعةً: بأنها تريد أن تكون التهنئة بالشهادة لا بعودته سالما، إن تلك الأشياء التي كنا نقرأها في بعض الكتب مسطرة، صارت موجودة في نماذج وإن كانت قليلة، لكن وجودها دليلاً على حياة الأمة واستمرار العرق النابض فيها، عندما تعود بإذن الله مظفرة منصورة.

إن وجود النماذج الاستشهادية، وهذه النماذج التربوية الرائعة لتلك الثلة من الآباء والأمهات يغرسون ويغرسن في نفوس الأولاد حب الجهاد والتضحية في سبيل الله، إنه أمر يبعث على الفخر وتمني المزيد.

عباد الله: إن معركتنا مع اليهود وغيرهم، إن الأحداث التي تشهدها ساحتنا الإسلامية: من حرق المسلمين في كشمير، وتخريب بيوتهم، وقتلهم، واغتصاب نساءهم، إن حرق الأحياء، والجرائم التي يفعلها هؤلاء الهندوس الكفرة -الذين أتينا بالكثير منهم ورأسناهم في شركاتنا ومؤسساتنا وأعمالنا- يضطهدون خلقاً من المسلمين، إن هذه القضية الكبيرة التي تحدث اليوم، وتنذر بالعواقب والمآسي على الشعب الباكستاني المسلم، وعلى غيره من المسلمين في تلك البقعة من العالم، وإنما يحدث من قتل النصارى الصليبين لإخواننا المسلمين في بلدان أخرى من الأرض، وتجريعهم كؤوس العذاب، وأنواع البلاء، وصنوف الاضطهادات، لا بد أن يكون له أثر علينا في تنشئة أبنائنا لرفع الذل عن الأمة، والعودة بها إلى خط النصر.

إنه من المؤسف أسفاً عظيماً أن ينشغل أولادنا في غمرة الاختبارات والامتحانات الآن، ينشغلون بشيء مدور فارغ من الداخل، في الوقت الذي يطلق اليهود فيه قمراً اصطناعياً جديداً، كلفهم ستين مليوناً من الدولارات ليحل القمر الجديد أفق خمسة مكان أفق ثلاثة الذي أطلق سابقاً، في الوقت الذي ينتظر فيه الشباب، ويعدون الثواني لبداية المسابقة، والكأس المرتقب، يعلن اليهود عن إطلاق ذلك القمر المتطور.

وغير هذا من أنواع الابتلاءات والعذاب الذي يصبونه على رؤوس إخواننا في فلسطين، قام الجيش الإسرائيلي قبل ثلاثة أيام بقتل يوسف صالح أبو شريم خمسة وخمسين سنة، بينما كان في طريقة إلى الصلاة في المسجد الذي يبعد مائة وخمسين متراً عن منزله، وأصيب في الركبة اليمنى، وبقي ينزف ثلاث ساعات حتى مات دون أن يكون هناك إطلاق للنار أصلاً من قبل الفلسطينيين، ولذلك يقولون: لا يوجد مبرر لقتله، فلم نسمع أي إطلاق نار، لماذا يقتلون الشيوخ وهم في  طريقهم إلى الصلاة؟ وهكذا تحدث الانتهاكات، وتموت أجنة المسلمين، أجنة المسلمين تموت وهي تولد عند الحواجز، ويأمرون الحامل في حال الوضع بأن تكشف كل جسدها للتأكد أنها حامل، بزعم أنه لا يوجد في بطنها متفجرات، ثم تترك لتلد عند الحاجز فتموت هي أو يموت الجنين المولود أو يموتان معاً.

التحذير من الغش والمنكرات في الاحتفالات بالنجاح

00:36:46

ونعيد التنبيه إلى قضية الغش، والمآسي التي تحصل من نفر من الذين لا يخافون الله: من طالب، أو مدرس، أو مراقب، أو إداري، أو أشياء تكتب على اللوح، أو تفتح للطلاب، أو تهمس في آذانهم، أو تقال على العلن في الفصل، ونحو ذلك.

يا عباد الله: إنها أمانة فغريب كيف تضيع؟ ثم ماذا سيكون شعور الولد في مكان آخر فيه مراقبين يخافون الله، وضبط إداري في المدرسة عندما يسمع عن غش يحصل في مكان آخر من المدارس الخاصة أو العامة؟ أليس قتلاً، وطمساً، وإرهاقاً لروح المثابرة والجد في نفوس الأولاد عندما يسمعون هذه  الأخبار؟ أو الأسئلة التي تسرب أو تباع، إنها قضية جديرة بالمعالجة واستشعار المسؤولية والأمانة.

أيها الإخوة: يقوم بعض الآباء والأمهات بإقامة حفلات نجاح لأولادهم من الذكور والإناث، فماذا سيكون في هذه الحفلات قد نتغاضى من مناسبة فرح، ونقول: إن الولد فرح بنجاحه فاجتمع أقرانه وأصحابه وأصدقاؤه معه في البيت، وعمل لهم وليمة بمناسبة نجاحه، ونقول: إن الأمر طبيعي، أو إذا التقت صديقات ابنتك معها في مكان مأمون، وليس ينظر إليهم من الشقوق والثقوب، في مكان مأمون فعملت لهن وليمة لنجاحها دون إسراف ولا تبذير، لكن عندما تنقل القضية إلى فنادق وصالات مطاعم راقية، ويكون هناك تكشف، وتبرج، والموسيقى التي تصدح، عندما تحول القضية إلى عالم من التبذير، والإسراف، والتبرج، وأخذ الصور، ودخول الرجال على النساء، عند ذلك تكون القضية ليست تسلية بريئة إطلاقاً، ولا حفلة سلمية، وإنما حرب مع الله ومعصية له ومبارزة له بالمنكرات، ولذلك فيجب الانتباه مما يحصل في هذه القضية من أنواع المحرمات، ولا يتحول الفرح إلى شيء مما يغضب الله .

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين وكشمير وفي سائر بلاد الأرض يا رب العالمين، اللهم اخذل الصليبيين، واليهود، والهندوس، والكفرة المشركين، اللهم اجعل بأسهم بينهم، ودائرة السوء عليهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم عاجلهم بنقمتك يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين، وأعز الدين، وأصلح عبادك إنك أنت السميع العليم، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالصافات: 180-182.