الخميس 17 شوّال 1445 هـ :: 25 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

آيات للصائمين


عناصر المادة
الخطبة الأولى
نداء الإيمان من الرحمن لتهذيب قلب الإنسان
بماذا يثبت شهر رمضان؟
الدعاء والصيام قرينان لا يفترقان
وللنساء مع الصيام شأن آخر
الخطبة الثانية
رمضان موسم التجارة الرابحة مع الله
رمضان فرصة للدعوة إلى الله

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

نداء الإيمان من الرحمن لتهذيب قلب الإنسان

00:00:29

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نداء الإيمان من الرحمن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ فرض، فهذا المبني للمجهول، من الذي فرض؟ ومن الذي كتب؟ إنه الله ، فتستسلم قلوب المؤمنين لحكم رب العالمين، وتستبشر نفوسهم؛ لأن من وراء الفرض والحكم حكماً؛ لأنه لا يحكم ولا يفرض، ولا يشرع عبثاً وإنما لحكمة يريدها سبحانه، كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ فلستم وحدكم في هذه العبادة، لقد سبقكم إليها العباد من الأمم من قبلكم، وليس في هذه الأمة فقط، فطريق الصوَّام طويل، ومسلسلهم قديم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ سورة البقرة 183. تخافون الله، وتخشون عقابه، وتجتنبون معصيته، وتتمسكون بما أوجب لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فهذا هو ما شرع لأجله الصيام، ويأتي تبعاً أمور أخرى كالفوائد الصحية، ولكن لا تقدم بأي حال، ولا تقارن بالتقوى، التي لأجلها شرع الله الصيام، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَتخافون الله، وتخشون عقابه، وتجتنبون معصيته، وتتمسكون بما أوجب، وهذا هو ما شرع لأجله الصيام، ويأتي تبعاً أمور أخرى كالفوائد الصحية، ولكن لا تقدم بأي حال، ولا تقارن بالتقوى، التي لأجلها شرع الله الصيام.

إثارة المنافسة عند هذه الأمة لتحصل فضائل من سبقها، وتزيد عليها، إنه ركن من أركان الدين، لا نصوم تقليداً، ولا عادة، وإنما نصوم اتباعاً، وسمعاً، وطاعةً، وإيماناً، واحتساباً للأجر والثواب.

فرض الله على الأمة صيام عاشوراء، ثم نسخ وجوبه بصيام رمضان، وكان صوم رمضان اختيارياً في مرحلة من المراحل، ومن لم يرد الصوم فيفدي فدية، ثم نزل الإلزام به، التقوى لب الأعمال، وثمرة ما أوجب الله تعالى من الصيام.

أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ هي أيام رمضان، إنها ليست شهوراً، ولا سنين، وإنما أيام، لا تلبث أن تنقضي فَمَن كَانَ مِنكُم يا أهل الإسلام مَّرِيضًافيشق عليه الصيام، أو يتأخر به الشفاء، أو يفوت به العلاج، أو يزيد به المرض، فإن لذلك مندوحة، وإن له عذراً، ويلحق بالمريض الحامل، والمرضع، سواءً خافتا على نفسيهما، أو ولديهما، قال ﷺ: إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم[رواه الترمذي 715].رواه الخمسة.

والعاجز عن الصيام لكبر سن، أو مرض مزمن، يشق عليه مشقة كبيرة لكبر سنه، فإنه يفطر، ويخرج الفدية، فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لمن كان معذوراً مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فإنه يقضي وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ كان هذا عندما كان الصوم اختيارياً، ومن لا يصوم يفدي.

وقال بعض العلماء: لم تنسخ، بقيت في حق الكبير، الشيخ، والعجوز وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ يغديه، أو يعشيه، وفي رمضان يعشيه بوجبة تكفيه فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا وزاد عن الفدية الواجبة، أو صام مع إخراج الصدقة، فهو خير له وَأَن تَصُومُواْ يا أيها القادرون خَيْرٌ لَّكُمْمن الإفطار والفدية إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ما في الصيام من الأجر، ثم نزل الأمر الإلزامي فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ من حضر أو علم يا أيها المؤمنون منكم الشَّهْرَ رمضان، وكان حاضراً، مقيماً، صحيحاً، ليس به مانع، ولا عذر فَلْيَصُمْهُ فليصم نهاره وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لما نسخ التخيير في قضية الصيام، أو الفدية، أعاد عذر المسافر، والمريض، حتى لا يظن بأن العذر قد نسخ، فبقيا على حالهما معذورين في ترك الصيام مع القضاء فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

تتجلى رحمة الرب ، ويتجلى تيسيره على عباده لما قال: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ليس المراد تجويع، وتعطيش العباد، ومنعهم من الاستمتاع بنسائهم، وحبسهم عن ذلك، وإنما هي أيام؛ لمنفعتهم، ومصلحتهم، وإلا فإن الله تعالى لا ينتفع بشيء من أعمال العباد لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ سورة الحـج 37. وهكذا في الصيام أنتم المستفيدون، أنتم تؤجرون، والتقوى تصعد إليه؛ لأنها عمل صالح يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ليثيبكم عليها، ويأجركم، ويدخلكم جنته، فأنتم المستفيدون أولاً وآخراً من هذا الصيام.

هذا التخفيف للمريض، والمسافر، والحامل، والمرضع، وأهل الأعذار يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ولو أراد العسر لأوجب عليكم الصوم في السفر، والمرض، ولجعله طيلة العام، وإنما هي بهذه المثابة وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ عدة أيام رمضان، ولذلك المسافر، والمريض، والمعذور، يقضي ليكمل العدة، إذن فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ إذا أكملتم رمضان وعدته، فقوموا بالتكبير، تكبروه لتهتدوا، وتكبروه على هدايته لهذه العبادة وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ والشكر طاعة المنعم.

بماذا يثبت شهر رمضان؟

00:07:58

فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ إذن القضية رؤية بصرية، فَمَن شَهِدَ والشهود معلوم كيف يكون، وقد قال ﷺ: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته [رواه البخاري 1909 ومسلم 1081]. فعلقه بالرؤية، ولماذا جعلت الأهلة مواقيت للناس؟ لعباداتهم من صوم، وحج، وعدد نسائهم، وآجال ديونهم، هذا الهلال الذي يظهر فيكبر، ثم يصغر فيختفي ليعود من جديد، آية بينة من آيات الله، وعلامة في العبادات.

فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ ولا يمكن أن نترك هذه الرؤية ما دامت النصوص الشرعية قد نصت عليها أبداً، ولا أن نلغي النصوص، ولا أن نعتدي عليها، ولا أن نعطلها، ولا أن نوقف العمل بها، لما يقترحه البعض من إجراء الحسابات فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وقد قالوا في العام الماضي: لا يمكن رؤيته في الليلة الفلانية، ورآه عدد من الثقات الأثبات، وقالوا في هذه السنة: الكسوف سيمنع رؤية الهلال، ورآه عدد من الثقات الأثبات، فها أنت ترى بعض الفلكيين يجزمون بعدم إمكان الرؤية ويرى فما معنى ذلك؟

عباد الله: إنهم مراتب وطبقات، إنهم بشر يصيبون ويخطئون، فتبقى النصوص هي المقدسة، والبشر وحسابات البشر تصيب وتخطئ.

الدعاء والصيام قرينان لا يفترقان

00:09:52

إنه يلفت النظر أن تتخلل آيات الصيام آية تأتي في وسطها هكذا: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي إذا سألك عبادي هؤلاء أهل الإيمان عن قربي وبعدي فأجبهم فَإِنِّي قَرِيبٌ قريب منهم بالعلم والإحاطة والإجابة والسمع لدعائهم أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ أسمعه، وأقبل دعاءه، وألبي طلبه إِذَا دَعَانِ دعاني بصدق، دعاني بإخلاص، تحققت شروط الدعاء، وانتفت الموانع، كأكل الحرام، والاعتداء، وقد بين تعالى في آية أخرى أن الإجابة مرتبطة بمشيئته، فخص قوله تعالى: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء سورة الأنعام 41. هذه الآية التي في سورة البقرة: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ لكن الله كريم، ولا بد أن يعطي، فإما أن يلبي مباشرة، وإما أن يؤخر تلبية مطلب الداعي؛ ليزداد دعاءً، وإلحاحاً، فيزداد عبودية، وأجراً، ويرتفع عند ربه، ويُرى إيمانه، وأنه لم ييأس، ولم يستعجل فيترك الدعاء، وإنما يستمر، وقد يصرف الله عنه من السوء ما لا يعلمه، وقد تكون إجابة هذا المطلب ليست من مصلحته، فيمنعه منه لأنه لا مصلحة له فيه، بل قد يكون عليه مضرة، ويعطيه أفضل منه، ويعطيه من الأجر في الآخرة.

عباد الله: فالدعاء في الصيام إذن عظيم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وليستسلموا لأوامري، وينقادوا لشرعي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي بقربي وإجابتي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ يهتدون إلى حسن التصرف.

دعوة الصائم عظيمة، وتنبيه في مجيء آية الدعاء في آخر آيات الصيام أنه ينبغي الاجتهاد في الدعاء في آخر اليوم عند الإفطار.

أيها المسلمون: الجمع بين الدعاء والصيام عظيم، ودعوة الصائم مستجابة؛ لأنه منكسر بالجوع، ودعوة الداعي مع صيامه إذن لله تعالى توحيد.

وللنساء مع الصيام شأن آخر

00:12:45

وما شأن النساء مع الصيام؟ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ كان الواحد من المسلمين، وهذا شيء ما شهدناه، ولا عايشناه، ولكننا نشعر برخصة الله فيه، كان الصائمون في أول الإسلام يحل لأحدهم إذا أفطر: الأكل، والشرب، والجماع إلى صلاة العشاء، فإذا نام لم يحل له شيء من ذلك، حتى لو استيقظ قبل الفجر، فأنزل الله الرخصة والتخفيف أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ في كل الليلة، من أولها، من آخرها، في وسطها، إذا نمت، إذا استيقظت أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ يشمل الزوجات، والإماء هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ يعني: لا يستغني أحد من الطرفين عن الآخر، فهو بمنزلة اللباس له، يستره، ويحتمي به، ويحفظه عن معصية الشهوة المؤذية، كما يحفظ الثوب لابسه عما يؤذيه، من الحر، أو البرد.

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ وربما حصل من بعضهم وقوع في الليل فيما كان محظوراً عليهم، والمعصية خيانة للنفس فَتَابَ عَلَيْكُمْ من فعل المحظور، ونسخ الحكم إلى الأسهل، وعفا عنكم، ومحا ذنوبكم فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ أي: في الليل كله إذا أردتم، وهذا الأمر للإباحة وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ليست القضية قضاء شهوة فقط، وإنما ابتغاء الولد، وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ، وهذا من أدلة كراهية تحديد النسل وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ المقصود بالخيط الأبيض، والخيط الأسود: بياض النهار، وسواد الليل، وكان قوله تعالى: مِنَ الْفَجْرِ لم ينزل أولاً، فلما حصل إشكال عند بعض الصحابة في المقصود نزلت بياناً، وحيث أن الليل والنهار إذا طلع الفجر يكون في شكله كالخيط ممتداً في الأفق، هذا بهذا، الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ سمي فجراً لأنه ينفجر، وينتشر منه النور، ويبدو في الأفق النور، وكذلك الظلمة، هذا كالخيط، وهذا كالخيط، فإذا تحقق من طلوع الفجر فلا بد من الإمساك ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ والليل يبتدئ بالمغرب.

عباد الله: إنه رب رءوف رحيم كريم ، اللهم إنا نسألك أن تتقبل منا عملنا، وأن توفقنا لما تحب وترضى، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك تائبين، إليك منيبين أواهين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.

الخطبة الثانية

00:16:35

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى صحبه والآل، اللهم صل وسلم على نبينا محمد ما تعاقب الليل والنهار، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى ذريته الأطهار.

عباد الله: قال ربنا تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ فذكر لنا عبادة عظيمة في حبس النفوس على طاعة الله في بيوت الله، وإذا كان مع الصيام فهو أعظم وأعظم، واشترطه بعض العلماء للاعتكاف، ومنع ربنا من مباشرة النساء في الاعتكاف؛ لأن هذا يبطله، وينافي المقصود من الاعتكاف.

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا حدود تمنع من كان خارجها من الدخول فيها وهي المحرمات، وحدود تمنع من كان فيها من الخروج منها وهي الواجبات، حدود تمنع من كان خارجها من انتهاكها وهي المحرمات، وحدود تمنع من كان داخلها من الخروج منها وهي الواجبات.

والمقصود هنا بالحدود: المحرمات؛ لقوله: فَلاَ تَقْرَبُوهَا فَلاَ تَعْتَدُوهَا سورة البقرة 229. في الآية الأخرى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ والله تعالى من رحمته أنه لا يترك الأمور غامضة على الناس يبينها لهم، يبين الأحكام، يبين معالم الدين لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يقومون بما هو واجب عليهم، ومطلوب منهم لتحصل هذه التقوى.

رمضان موسم التجارة الرابحة مع الله

00:18:48

عباد الله: هذا موسم تجارة رابحة مع الله، والصيام قد اختصه الله لنفسه، ويجزي به فيضاعف أجر صاحبه، والصوم لا عدل له، ودعوة الصائم لا ترد، وله فرحتان إذا أفطر، وعند لقاء الرب، ويشفع الصيام لصاحبه يوم القيامة، ورائحة فمه المتغيرة أطيب عند الله من ريح المسك، والصوم جنة ووقاية من النار، ومن ختم له بصيام يوم دخل الجنة، وخصص باب من أبواب الجنة لمن أكثر النوافل من الصيام بعد القيام بالفرائض، هذا هو الريان.

شهرنا عظيم، فتحت أبواب الجنان، وغلقت أبواب النيران، وسلسلت الشياطين، وأعان الله العباد على العبادة بهذا، لكن كثيراً من الناس أنفسهم يظلمون، فيقعون في هذه المعاصي، وربما ضيعوا من الأحكام، وأفسدوا في الصيام، وليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش؛ بما يحصل من الوقوع فيما حرم الله سبحانه، ولذلك يتذكر المسلم ليلاً ونهاراً بأن الصيام لأجل التقوى، فيسائل نفسه: أين التقوى؟ فهو إذا سمع، ونظر، فإنه يفكر جيداً هل هذا من التقوى أم لا؟.

ومن العجب أن تتسابق هذه القنوات لإفساد صيام الصائمين، وإيقاعهم في المعاصي، بهذا الصرف عن سبيل الله، والصد عنه، وتنوع، وتهافت للمثلين، والممثلات، وأهل الفن المزعوم، ويقولون: هذا المسلسل، وهذا الفلم عشرون مسلسل، وبعضهم يقول: مجزرة الأفلام والمسلسلات في رمضان، ويحتار الناس ماذا يتابعون، وهذا يقول: ابني يرجع من المدرسة متعباً فينام، ولا يستيقظ إلا في الليل وقد ذهب عليه المسلسل، المسكين، يا مسكين، أنت نسيت أن تتأسف على فوات صلاة المغرب على ولدك، وتتأسف على فوات المسلسل.

عباد الله: فإذا علمنا أن بعض هذه المسلسلات فيها لمز، وغمز، من قناة الدين، وأهله، ازدادت القضية خطورة، وصارت المسألة مسألة معركة من أجل العقيدة، ولذلك كان لا بد من الانتباه جيداً، والتنبه، ولو لم يكن في الأمر إلا ما يحدث من هذه المنكرات حتى لو لم تصل إلى الكفر، فإن ذلك كافٍ في الحزن، والتأسف على الحال التي وصلنا إليها، من تضييع مقاصد الصيام، والمؤامرة على رمضان؛ لتفريغه من محتواه، ولذا فإن أهل الشر قال الله عنهم: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِسورة الزخرف 37. يصدون غيرهم، ولذلك فهم يحملون يوم القيامة أوزارهم، ومن أوزار الذين يضلونهم، والجميع سيتحمل مسؤولية ما يفعل، وياليت أن يكون لدى بعض المسلمين على الأقل الحس الكافي للغيرة على الدين، والإنكار، والاتصال، والاحتجاج على هؤلاء الشرذمة، التي تريد خطف رمضان؛ ليصبح الشهر مخطوفاً بهذه الأشياء التي تضيع مقاصده.

ونحن في رمضان ينبغي أن ننوع العبادات؛ لأن البر أنواع، وهذا موسم، والتجار يعرضون في المواسم أحسن ما عندهم، وينوعون البضائع، ويعملون الدعايات، بل إن كثرة هذه الدعايات، والمشتريات، تجعل الإنسان في حيرة، ما المقصود من الصيام؟ الشراء، والصفق بالأسواق، وتنوع المأكولات، وطبق اليوم، والتنزيلات، والتخفيضات، أم أن المقصود هو التقوى، الطاعة، العبادة؟ ضاعت كثير من الأشياء أيها الإخوة.

في هذه السداسيات، وفك التشفيرات؛ لرؤية المباريات، إهدار للأوقات الشريفة الفاضلة، وبعض الناس خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، يقولون: نعبد بالنهار، والليل إجازة من العبادة.

قيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: "عند أول قدم يضعها في الجنة".

قال الشافعي: "طلب الراحة في الدنيا لا يصلح لأهل المروءات، فإن أحدهم لم يزل تعبان في كل زمان" يعني في طاعة ربه.

قال شعبة: "لا تقعدوا فراغاً فإن الموت يطلبكم".

ولذلك نبذوا البطالة وذموها، و:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

يقول اليوم: يا ابن آدم قد دخلت عليك، ولن أرجع إليك، فانظر ماذا تعمل فيّ، فإذا انقضى طواه، وختم الختم على عمل ذلك اليوم، يا ابن آدم اليوم ضيفك، والضيف مرتحل يحمدك، أو يذمك، وكذلك ليلتك.

اليوم ينادي: يا ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، والليلة تنادي: يا ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي.

والمسلم يقترب من الله، والله فتح الباب إن أتاني يمشي أتيته هرولة، إذا تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً [رواه البخاري 7405 ومسلم 2675]. والرب كريم، وهو شكور، فإذا عبده العبد كافأه الرب.

وينبغي أن نتحسر على هذه الأزمنة التي تقضى في غير طاعة الله ، والعجلة للطاعة مهمة قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى سورة طـه 84.

فحي هلا إن كنت ذا همة فقد حدى بك حادي الشوق فاطو المراحلَ
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ودعه فإن العزم يكفيك حاملاً

والمثبطون كثر، وهؤلاء ممن يكونون حول الإنسان من البطالين، يضيعون وقته، والصاحب ساحب، والقرين بالمقارن يقتدي وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاسورة الكهف 28.

التوبة في رمضان عظيمة، فيتذكر الإنسان ما سلف منه وكان، من معصية الرحمن رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، قل آمين. فقلت: آمين[رواه الترمذي 3545].

يا عبد الله: جد القوم من قبلنا ونحن قاعدون، وقربوا ونحن متباعدون، وقاموا ونحن راقدون، وتذكروا ونحن شاردون، ألا ترى العباد إذا قاموا فلم تر من بينهم، والصالحون إذا عدوا لا تكون معهم، ترجو النجاة ببضاعة مزجاة، فلا صلاة كاملة ولا مناجاة، ولا توبة، ولا مصافاة، لقد باشر الصالحون ليالي رمضان بصفاح وجوههم، وقيام أبدانهم، أطار من عينهم الرقاد، عيونهم من رعبة الله تدمع، وقلوبهم من خوفه تلين وتخشع، يعبدونه في ظلمة الليل والناس ضجع، قوم أبرار ليسوا بأثمة ولا فجار.

يا عباد الله: فتح الرب الأبواب وقال: هلموا يا عبادي، وربنا يغفر ويتجاوز، ولو أتينا بقراب الأرض، وملء الأرض خطايا، لقابلنا تعالى بالمغفرة إذا تبنا إليه، ونحن لا نشرك به شيئاً.

عباد الله: وربنا أيضاً يضاعف الأجر والثواب، ووعد وهو لا يخلف الميعاد، فأحسنوا العمل رحمكم الله.

رمضان فرصة للدعوة إلى الله

00:28:23

وفي هذا الشهر فرصة للدعوة، وكثير من غير المسلمين بيننا، ولو حسنت الدعوة لأسلم كثيرون من هؤلاء، ونماذج حصلت من هؤلاء تبين الأثر الذي يمكن أن يكون للصيام على غير المسلمين، أما أن ينقضي الشهر ولا نفعل شيئاً، فهذا نقص في حقنا.

جاء أحد الأعاجم من غير المسلمين في الثالث من شوال يقول لصاحب البيت: أين الخيمة التي كانت هنا؟ أين ذهبت الخيمة؟ كان يأكل فيها فاختفت فجأة، فهو لا يدري لماذا نصبت ولماذا اختفت، فهذا يدل على أن أحداً لم يخبره بقضية رمضان والعبادة، والبدء، والانتهاء، فهو مجرد أنه رأى خيمة فجاء يأكل فيها، فلما رفعت الخيمة في نهاية الشهر فوجئ بذلك، فهو يسأل عن الخيمة، أين ذهبت الخيمة؟ لأن أحداً لم يقل له يوماً لماذا نصبت الخيمة؟ وماذا في الخيمة؟ ومنهم هؤلاء؟ وماذا يفعلون؟ ولذا فإن علينا في الحقيقة مسؤولية عظيمة، وواجب كبير في الدعوة لهذا الدين على جميع الأصعدة، والمستويات، سواءً لهؤلاء فيما بيننا، أو لمن بعدوا عنا، بواسطة تلك الشبكات.

عباد الله: بلغوا عني ولو آية[رواه البخاري 3461].

اللهم اجعلنا دعاة إلى سبيلك يا رب العالمين، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم كثرت ذنوبنا وعفوك أكثر، فيا عفو اعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم ثبت قلوبنا على دينك، وخذ بنواصينا إلى الحق يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن ترحمنا في ساعتنا هذه أجمعين، اللهم أنزل علينا رحمتك ومغفرتك واغفر لجميع الحاضرين، اللهم لا تفرق جمعنا إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، اللهم إنا نتوب إليك فتب علينا، اللهم إنا نستغفرك فاغفر لنا ذنوبنا، اللهم إنا نسألك أن توفقنا لما تحب وترضى، اللهم أعنا في شهرنا هذا على عبادتك كما تحب وترضى، اللهم اغفر لموتانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم استر عيوبنا، واقض ديوننا، واكبت عدونا، وانصر إخواننا، اللهم إنه نزل بأهل السنة من البلاء ما لا يعلمه إلا أنت فارفع الضر عنهم يا رب العالمين، اللهم اكشف ما نزل بالمسلمين من ضر يا رب العالمين، اللهم انصرهم على الصليبيين والمجوس المشركين، اللهم إن في بلاد النيجر من المجاعة ما لا يعلمه إلا أنت فاكشف الضر عنهم يا رب العالمين، اللهم أطعهم من جوع، واجعلهم من الخوف آمنين، اللهم ارزقنا الأمن والإيمان في بلادنا هذه وبلاد المسلمين، اللهم اجعلها عامرة بذكرك، محكمة لشرعك، منقادة لأمرك، اللهم إنا نسألك أن تطهر بيوتنا من المنكرات، اللهم اهد الأزواج والزوجات، والبنين والبنات، اللهم إنا نسألك أن تجعل قلوبنا خالصة لك، طهر قلوبنا من الرياء والنفاق يا رب العالمين، وطهر ألسنتنا من الكذب، أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه الترمذي 715.
2 - رواه البخاري 1909 ومسلم 1081.
3 - رواه البخاري 7405 ومسلم 2675.
4 - رواه الترمذي 3545.
5 - رواه البخاري 3461.