الخميس 17 شوّال 1445 هـ :: 25 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أسرانا في أيدي الكفار


عناصر المادة
الخطبة الأولى
كرامة الإنسان
حال الأسير عند الكفار
كيف يعامل الأسير في الإسلام؟
وحشية الأعداء مع الأسير

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد:

كرامة الإنسان

00:01:13

فإن الله قال في كتابه العزيز: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًسورة الإسراء70، فكرمهم بالعلم والعقل، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وكرمهم بالمآكل والمشارب والمناكح، وفضلهم على كثير ممن خلق من أنواع المخلوقات.

ومما كرمهم به ذلك اللباس الذي أنزله عليهم يواري سوءاتهم، وكذلك أنزل عليهم ريشاً، وذكرهم باللباس الديني بعد لباس الدنيا، ولباس الدنيا فيه واجب يستر العورات، وفيه زيادة وزينه وهو الرياش، هذا مقتضى  التكريم الذي كرم الله به بني آدم، وأخبرنا الله أنه قد قسمهم إلى قسمين: مؤمنين، وكفار، وأن العداوة بينهما إلى قيام الساعة، وحذر المؤمنين من الكفار فقال: كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يعني: بالقدرة والسلطة لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةًسورة التوبة8لا يرحموكم، وإن يظهروا عليكم لا يرحموكم، كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً لا عهد ولا قرابة، بل يسومونكم سوء العذاب، ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به في وقت الخوف منكم، فإنهم يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْسورة التوبة8 تأبى محبتكم، بل يناصبونكم العداء، ولو استطاعوا وقدروا وتسلطوا عليكم لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَسورة التوبة10.

إنهم يعادونكم في الدين فكيف سيرحمونكم، ومن أين ستأتي الشفقة منهم عليكم، هذا لا يكون أبداً، لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةًسورة التوبة8؛ ولذلك حذرنا الله من تقريبهم ومن اتخاذهم بطانة فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً لا يقصرون في الإساءة إليكم، ولا في المكر بكم، ولا في الإضرار بكم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاًسورة آل عمران 118، لا تتخذوهم أصدقاء، ولا أخصاء، ولا تسرون إليهم بالأسرار، ولا تفوضوهم بالأمور إنهم أعداء، قال : قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَسورة آل عمران 118.

حال الأسير عند الكفار

00:04:48

عباد الله: لقد طفحت الأخبار في هذه الأيام، بما يلقاه إخواننا الأسرى من أذى الصليبيين، لقد ساموهم سوء العذاب، قتلاً، وتعذيباً، وتشويهاً، وشياً، وتعرية، وأنواعاً من الإيذاء النفسي والجسدي الذي صبوه عليهم، وهذا لا استغراب منه؛ لأنهم كفرة لا يؤمنون بالله ولا يخافونه، لأنهم كفرة، حقد الصليب على أهل الإسلام؛ لأن الله أخبرنا عنهم فليس هنا جديد، قال تعالى: لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةًسورة التوبة8 إذا قدروا عليكم وتسلطوا، فهؤلاء قد تسلطوا، ولما سجنوا المسلمين ماذا فعلوا بالأسرى المسلمين، أهانوا الكرامة الإنسانية، وقد قال الله: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَسورة الإسراء70، حتى اللباس نزعوه عنهم، وقد قال الله لبني آدم: قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْسورة الأعراف26، لكن هؤلاء أزالوا هذا اللباس.

كيف يعامل الأسير في الإسلام؟

00:06:07

يا ترى كيف يكون حال الأسير في الإسلام، كيف يعامل الأسير في هذا الدين؟

إن هذا الحقد الصليبي، إن هذه الوحشية، إن هذه القاذورات التي ألقيت على المسلمين في بلاد المسلمين، تبين بجلاء ووضوح حجم العداوة والحقد الذي ينبعث من تلك النفوس العفنة، عباد الصليب الأرجاس الأنجاس، أهل الوقاحة والدناءة والخسة، هكذا يفعلون بالمسلمين.

أولاً: لقد بين لنا ربنا في كتابه أنه لا بد من فكاك الأسير المسلم، فقال : وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْسورة البقرة85 فيجب فك الأسير المسلم، ولا بد من استنقاذه من أيدي الكفار.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره، في الجامع لأحكام القرآن في المجلد الثاني: "ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن، فتظاهر بعضنا على بعض، ليس بالمسلمين بل بالكافرين، حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين، يجري عليهم حكم المشركين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

قال ابن خويز منداد من فقهاء المالكية: "تضمنت الآية وجوب فك الأسارى، وبذلك وردت الآثار عن النبي ﷺ، أنه فك الأسارى، وأمر بفكهم، وجرى على ذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع، ويجب فك الأسارى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين، ومن قام به منهم، أسقط الفرض عن الباقين".

وقال الجصاص الحنفي في الآية: "تدل على أن فداء أسراهم كان واجباً عليهم".

قال مالك: "على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم".

وقد حث الله على الجهاد في سبيله لأجل هذه المسألة، وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًاسورة النساء75، ولياً ينقذنا، ونصيراً ينصرنا ويحامي ويدافع عنا.

قال ابن العربي رحمه الله: "قال علماؤنا أوجب الله سبحانه في هذه الآية القتال لاستنقاذ الأسرى من أيدي العدو، مع ما في القتال من تلف النفس، فكان بذل المال في فدائهم أوجب لكونه دون النفس وأهون منها".

عباد الله: كيف يكون حال الأسرى في الإسلام؟ وعندما يأسر المسلمون قوماً ماذا يفعلون بهم؟

إن الله لما أمر بالكفار أن تضرب أعناقهم؛ لأن هؤلاء الصناديد الكفرة سيستمر شرهم إذا لم تضرب أعناقهم، فإذا أخذهم المسلمون في المعركة قال: فَشُدُّوا الْوَثَاقَ؛ لكي لا يهربوا فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء، إذاً مجرد التقييد لكي لا يهرب، ثم بعد ذلك ينظر في المن عليه أو المفاداة به، إذا لم يكن في قتله الفائدة للإسلام وأهله.

أما مسألة تعذيب الأسير، وتعرية الأسير، وتجويع الأسير، فما حكمها في شريعة الله، وكيف يخاطب الأسير؟

إن الأسرى في الإسلام يعاملون معاملة حسنة، بل إنه توجه إليهم الدعوة، قال تعالى في سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ، إذا أخذ منكم الفدية فإن الله سيؤتيكم بعد ذلك خيراً مما أخذ منكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، فإذا أسلمتم عوضكم الله خيراً، فإذا أخذ الأسير في الإسلام، فإنه يجب على المسلمين إطعامه، ولا يجوز تجويعه، استجابة لأمر الله في سورة الإنسان: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًاسورة الإنسان8.

وقد قام المسلمون بإطعام أسراهم، وكان أحد أسرى بدر وهو أبو عزيز بن عمير يقول حول معاملة: كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز؛ لوصية رسول الله ﷺ إياهم بنا، فما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحي، فأردها على أحدهم، فيردها علي وما يمسكها.

وقد أوصى النبي ﷺ بالأسارى خيراً، وقال ﷺ في أسرى بني قريظة بأن يتركوا للقيلولة حتى يبردوا، ولا يجمع عليهم حر اليوم وحر السلاح.

وسئل مالك رحمه الله أيعذب الأسير إن رجي أن يدل على عورة العدو؟ فقال: ما سمعت بذلك.

فإذاً الأسير إذا وقع فإن كانت المصلحة في قتله كأرناط الذي قتله صلاح الدين بيده، وكان يقتل الحجاج الذين يذهبون من الشام إلى مكة، ويحرق بواخر الحجيج فيكون المسلمون بين الغرق والحرق، لما كانت المصلحة في قتل عدو الله عجل به إلى الله.

ولم يكن في الإسلام التعذيب، ولا التعرية، ولا التجويع، ولا الجرح، ولا نكأ الجراح، ولا وضع الملح عليها، ولا إدخال العصا في الأدبار، ولا تعرية السجناء، وتكويم بعضهم فوق بعض كما يفعل هؤلاء الأرجاس الأنجاس، هؤلاء الحاقدون على أهل الإسلام.

عباد الله: ليس من الإسلام في شيء أن يجعل على عينه رباط، وعلى سمعه رباط، وعلى فمه رباط حتى يصاب بالجنون.

ألا نفوس أبيات لها همم أما على الخير أنصار وأعوان

وهكذا غمضت أعين المسلمين ووضع الحجاب على الأذن وعلى الفم.

يا نائمين على الحرير وما دروا أنا ننام على فراش قتاد
يا نائمين وما دروا أنا هنا لسنا نذوق اليوم طعم رقاد

وهكذا تعرف أخبار إخواننا المسلمين الذين يستنجدون ولا من ينجدهم، والذين يستغيثون ولا يكادون يجدون من يغيثهم.

عباد الله: لقد أفرد فقهاؤنا في أحكام الأسير المسلم، وصنفوا في ذلك لأجل أهمية هذا الأمر، حتى يعرف كيف يعبد ربه، وليبشر الذي صار في يد العدو بما حصل من الابتلاء، فإن الله جاعل ذلك في عمله يرفعه به ويكون عنده مكرماً يوم يلقاه.

ولما سجن الإمام البويطي رحمه الله ووضع الغل في عنقه، والقيد في رجليه، قال: لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، وكان يغتسل كل جمعه، ويتطيب ويصلي، وكتب البويطي إلى الذهلي: أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث، لعل الله أن يخلصني بدعائهم، فإني في الحديد وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة، فضج الناس بالبكاء والدعاء له لما قرأت رسالته عليهم.

ولما سجن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سبع مرات، وكان سجنه أسوأ من سجن النصارى الذين يسجنهم المسلمون، لما تفنن أعداءه به من أذيته، قال: "ثم النصارى في حبس حسن، يشركون فيه بالله، ويتخذون فيه الكنائس، فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النصارى، ويا ليتنا سوينا بالمشركين وعباد الأوثان، بل لأولئك الكرامة ولنا الهوان، وبأي ذنب حبس أخوتي في دين الإسلام غير الكذب والبهتان".

وقال ابن القيم يحكي حال شيخه في سجن القلعة: "وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهباً، ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو ما جزيتهم على ما تسببوا به من الخير".

ولما كان هناك أسرى من المسلمين عند سرجوان ملك قبرص النصراني، كتب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية الرسالة المشهورة الموسومة بالرسالة القبرصية يدعوه فيها إلى إطلاق أسرى المسلمين، وقال له : ولو أسروا حربياً لأجل تخليص من أسروه منا جاز اتفاقاً.

وكان يقول له: إن في المسلمين من الفداوية من يقتل الملوك على أسرتها. ترهيباً له، ويقول له: "وأنت تعرف حال سجناءكم لدينا وأسراكم عندنا. يعني كيف نكرمهم ونعتني بهم، كيف نبذل لهم ونهتم بهم، يعني يقول: له ألا تستحي أننا نحسن إلى أسراكم عندنا، ثم تهينون أسرانا لديكم.

ولما قدر شيخ الإسلام رحمه الله على إطلاق الحافظ المزي، ذهب إليه وأخرجه من الحبس بيده، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: يجب على القريب افتكاك قريبه من الأسر.

وأيضاً فقد بيّن الفقهاء ماذا يعمل الأسير المسلم، وقالوا: إنه لا يجوز عند أحد من المسلمين تجريد السجين من ثيابه، أو حبسه مكشوف العورة مهما كانت جريمته، ويجب تمكينه من سترها، ومن أسباب الصلاة، وإذا لم يجد ما يغطي به عورته، صلى عارياً، ويستحب له القعود، وإن صلى واقفاً صحت صلاته، وإن اجتمع عراة في الظلام صلوا عريانين جماعة استحباباً، بركوع وسجود كالمستورين، ويقف إمامهم في وسطهم، وإلا إذا لم يقدروا على ذلك تباعدوا وجوباً وصلوا فرادى، فإن لم يمكن تفرقهم، ولم يكن ظلاماً صلوا قعوداً غاضين أبصارهم، أو قياماً غاضين أبصارهم، فيكونون متفرقين؛ لأنه ما دام الحال أنهم عراة فإنهم لا يكونون متماسين، وإذا جهل المحبوس القبلة فعليه أن يتحرى جهتها ويصلي، وكذلك يتحرى في مواقيت الصلاة، وإذا كان السجين يعجز عن الركوع والسجود، فله أن يصلي بحسب استطاعته، قاعداً، أو مستلقياً، ولو على جنبه، ولو أومأ برأسه، ولا يترك الصلاة ما دام عقله باقياً، والأصل في هذه قوله تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَسورة البقرة185.

وأيضاً: فإنه إذا مرض السجين فإنه يعالج ولا يمنع من الطبيب، بل والخادم إذا احتاجه، وقد قال أحد الأسرى، لما مر النبي ﷺ، ناداه أحد الأسرى: يا محمد، يا محمد: فأتاه وقال: ما شأنك؟، قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني، فأمر له النبي ﷺ بقضاء حاجته.[رواه مسلم1641]رواه مسلم، فيمكن إذاً من أي شيء يحتاجه إذا دعت الحاجة إليه.

وقال الفقهاء: بأن هؤلاء يطببون ويعالجون.

بل قالوا: بأنه - أي الأسير- يوفر له رؤية زوجته والخلوة بها.

ونص الفقهاء على عدم جواز تعذيبه أو كسر شيء من عظمه؛ لأن النبي ﷺ نهى عن التمثيل بالأسرى وقال: لا تمثلوا[رواه مسلم1731]. رواه مسلم.

ولا يجوز تعذيبه بالنار، أو خنقه، أو غطه في الماء، أو تجويعه، وتعريضه للبرد، أو إطعامه ما يضره، أو منعه من اللباس، كما لا يجوز تجريده منها.

وكان الخليفة علي يتفقد السجن، ويشاهد المسجونين بنفسه، ويفحص أحوالهم.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى.

وجعل الخليفة المعتضد العباسي ألفاً وخمسمائة دينار لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم.

وقد قال النبي ﷺ: فكوا العاني[رواه البخاري3046] يعني: الأسير، والنبي ﷺ لما أمر بالاستيصاء بهم خيراً أطلق ستة آلاف أسير من قبيلة هوازن دفعة واحدة، وفي غزوة بني المصطلق أطلق الصحابة الأسرى إكراماً لنبي الله ﷺ، مع أنه يجوز استرقاقهم.

عباد الله: كل ذلك يبين بجلاء كيف حرص هذا الدين على الكرامة البشرية، الإنسانية، ثم السجين المسلم كيف يعامل.

عباد الله: إن هذا الحقد الذي ترسف به نفوس هؤلاء الأعداء، لا يستغرب لمن تأمل قوله تعالى: وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةًسورة التوبة8. هكذا عندما يتبجح هؤلاء بأنهم جاؤوا لإطلاق الحريات، هكذا عندما يتبجح هؤلاء بأنهم جاؤوا لتحرير الإنسان، هكذا عندما يتبجح هؤلاء بأنهم جاؤوا لنشر الديمقراطية، فقد أكذبهم الله تعالى على الملأ، وفضحهم، ونقل ممارساتهم التي تجري بعلمهم، وقدر أن يرى العالم كله ما هي هذه الحريات، وأن يرى العالم كله عندما يتسلط الكافر ماذا يفعل في الأرض، إن الأرض لتئن اليوم من هؤلاء الطغاة، وتحن إلى وقت كان المسلمون يقودون فيه العالم، لا يصلح العالم إلا بهذا الدين، ولا يمكن أن تسعد البشرية إلا بنور الإسلام، والدنيا ملعونة إلا ما أشرقت عليه شمس هذه الرسالة.

وحشية الأعداء مع الأسير

00:24:14

عباد الله: إن الاستخفاف الذي يحصل اليوم، الذي يقول فيه القائد لجنديه القلق من ظهور الفضيحة: لا تقلق بشأن ذلك، هؤلاء الذين لا قيمة عندهم حتى للجثة، تبقى لتتحلل، وإذا أخرجوها وضعوها في صندوق وألقوا عليها شيئاً من الثلج، وأخذوها لتدفن بغير أن يعلم من هو ولا يخبر أهله.

وعندما تسمع أخبارهم اليوم التي تنقلها وكالاتهم عن إبقاء السجناء مستيقظين، ممنوعين من النوم والراحة، بل إنهم يجبرونه على الوقوف ويعزفون أمامه الموسيقى الغربية، ويجبرونه على الرقص ساعات طويلة، ويا ويله إذا توقف عن الرقص، هؤلاء الذين يجردون الأسرى ويجعلون بعضهم فوق بعض، أو يجبرونهم على فعل الفاحشة، أو يفعلون بهم الفاحشة، هذا هو المبدأ، وهذا هو الذي قدموا من أجله.

وأما في الإسلام فقد قال الله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَسورة المؤمنون5، قال الله في تكريم بني آدم أنه أنزل عليهم لباساً يواري سوءاتهم، غط عورتك، وجاء الأمر بتغطيتها، والأسير قلنا: حتى من الكفار إن كانت مصلحة الإسلام في ضرب عنقه يعجل به إلى الآخرة، فإنه لن يعذبه أحد مثل ما يعذبه الله، لا يعذب مثل عذابه أحد، ولا يوثق مثل وثاقه أحد، فلا مصلحة لنا إذاً تعذيبه، وإبقائه، والله سيعذبه أعظم وأشد، بل إن الإسراع بذلك هو في الحقيقة شفاء صدور القوم المؤمنين، وإن كانت المصلحة في إبقائه يحسن إليه، ويدعى إلى الإسلام، ويطعم، ويكسى، ويعالج، كما تقدم.

وأما هؤلاء فإنهم يسكبون عليهم السوائل الفسفورية، ويوثقونهم إلى الأعمدة البارزة، ويضربونهم بالكراسي والمطارق، ويهددونهم بالاغتصاب، ويسلطون عليهم الأضواء شديدة السطوع، من المصادر الكيماوية، وهكذا يجعلون في رقابهم سلاسل الكلاب، ثم يسحبونهم عراة على الأرض، ويضعون الواحد فوق الصندوق وهو مربوط بالأسلاك الكهربائية ليقولوا له: إنك لو نزلت أو جلست فإن الدائرة الكهربائية ستغلق وتصعق فتموت، فيبقى مسكيناً واقفاً طيلة الوقت حتى يحدث له الانهيار، وهكذا الأصوات والأضواء التي تسلط عليهم تعذيباً، فهل يسمحون لهم بستر عورة؟ كلا، هل يسمحون لهم بالطهارة والوضوء؟ كلا، هل يسمحون لهم بأداء الصلاة؟ كلا، فضلاً عن أن يدلوهم على القبلة أو يخبروهم بوقتها.

ثم إنهم لإهدار الكرامة الإنسانية يبولون عليه، فهل رأيت حقارة هذا الأمة التي تزعم اليوم أنها رقم واحد في العالم، هل رأيت حجم الأخلاق التي عند هؤلاء الذين يقولون اليوم: إن الله قد بعثهم لقيادة البشرية، فكيف يقود البشرية أمثال هؤلاء الذين هم أقل مستوى من البهائم، كما قال الله: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًاسورة الفرقان44.

وأيضاً: فإن المسلم يقول: لم نجد إلا أن نواري عوراتنا بأيدينا، وإذا كان هذا حال الذكور المسلمين فما بالك بالنساء المسلمات، وما يفعل بهن من هتك الأعراض، وما يفعل بهن من مثل هذا، هل هكذا تكون حتى معاملة البشر، لكن عندما يستلم القيادة الكفار فإنها جاهلية وبربرية، والذي لا إله إلا هو لا يصلح العالم ولا البشرية إلا أن تقاد بالإسلام، هؤلاء الذين قالوا: جئنا لإنقاذ ذلك الشعب، وتجنيب العالم الفوضى، وأن يلعب دوراً حراً، وأنه قد عانى بما فيه الكفاية، وأننا جئنا لوحدته، وأننا نريد إنشاء نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، وأن السلام في العالم مضطرب، وقد جئنا لتثبيته، وأن يوم تحريركم قد أزف، هذه أقوالهم، فماذا كانت الأفعال.

عباد الله: إننا حقيقة لنأسف لهؤلاء المنافقين من جلدتنا الذين يعجبون بهذه الحضارة العفنة، الذين عندهم اغترار وانخداع بالقوم الكافرين، ويريدون من المسلمين أن يسيروا على منوالهم، في اختلاط الرجال بالنساء، والتحرير كما يقولون، والتحرر من كل القيود، وأن نسير مثل سيرتهم، حتى نصل إلى ما وصلوا إليه، فها هو ما وصلوا إليه، لقد طفحت القضية، ليست حالة أو حالات فردية، بل إنها كثيرة جداً، ولذلك لم يستطيعوا إخفاءها ولا محاصرتها، فانتشرت حتى وصلت إلى وكالات الأنباء العالمية، والصحف، والمجلات الغربية نفسها، وهي تدور الآن في العالم في هذه الموجات والمطبوعات شاهدة على ظلم أولئك القوم، وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةًسورة التوبة8، فكيف يمكن الوثوق بهم، أو الإعجاب بحضارتهم، أو التشبه بهم؟

فيا معشر الشباب الذين تتشبهون بلباسهم، وقصاتهم، وتسمعون أغانيهم، وتشاهدون أفلامهم، وتعجبون بممثليهم، ومغنيهم، ولاعبيهم، هذه أخلاق القوم فكيف تعجبون بهم؟ كيف تتشبهون بهم؟ كيف تقلدونهم؟ أرأيتم المستوى الذي هم عليه، أرأيتم هذه المعاملة، وهكذا يحن العالم فعلاً إلى يوم يرجع الإسلام فيه إلى قيادة البشرية.

اللهم إنا نسألك أن تجعل الأمن في بلادنا وبلاد المسلمين، ثبت علينا الأمن يا رب العالمين، اللهم ارزقنا الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، يا رحيم يا رحمن، اللهم من أراد ببلدنا هذا سوءاً أو بلاد المسلمين فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، والصلاح والرشد لولاة الأمور، اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، واهدنا ويسر هدانا إلينا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين والعراق، وفي سائر الأرض يا رب العالمين، اللهم كن معهم، اللهم انصرهم، اللهم أعنهم، اللهم استرهم، اللهم ارزقهم، اللهم ثبتهم، اللهم أيدهم، اللهم افتح عليهم بركات من السماء والأرض، اللهم وانصرهم بجندك يا رب العالمين، اللهم وأنزل بأسك وعذابك ونقمتك بالقوم الكافرين، اللهم سلط جندك على من تسلط على المسلمين، وأذقهم لباس الخزي في الدنيا يا رب العالمين، اللهم عاجلهم بنقمتك، وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم زلزلهم ودمرهم، وابطش بهم يا جبار، واجعلهم سلفاً ومثلاًً للآخرين، وأرنا فيهم آية يا رب العالمين، اللهم مزق ملكهم، وأذهب سلطانهم، واجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، اللهم إنهم لا يعجزونك، اللهم إنهم لا يعجزونك، اللهم إنهم لا يعجزونك، وأنت على كل شيء قدير، اللهم فأذهبهم، اللهم خذهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم وأنت أشد بأساً وأشد تنكيلاً.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه مسلم1641
2 - رواه مسلم1731
3 - رواه البخاري3046