السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

لماذا لا تصلي ..؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
من فضائل الصلاة
الصلاة سعادة وطمأنينة
أجر عظيم وتكفير للسيئات
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
من أعلام الخاشعين
عِظَم الصلاة
الخطبة الثانية
الله متم نوره ولو كره الكافرون

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

من فضائل الصلاة

00:00:31

فإن الصلاة قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، وبستان العابدين، وثمرة الخاشعين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال المجتهدين، وهي من أعظم نعم الله عليهم، وأفضل هداياه التي ساقها إليهم، فهي بستان قلوبهم، ولذة نفوسهم، ورياض جوارحهم، ففيها يتقلبون في النعيم، وتوجب لهم القرب والمنزلة من العزيز الكريم، ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه[رواه البخاري (6502)]، فهي عمود الدين.

خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن-أي: احترازاً عما إذا ضاع شيء سهواً أو نسياناً، فإذا حصل الاستخفاف فهو أمر آخر- خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة رواه النسائي، وهو حديث صحيح [رواه النسائي (461)].

وكذلك فإنها وسيلة مرافقة النبي ﷺ في الجنة، عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ، فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود[رواه مسلم (489)].

وقال النبي ﷺ: عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة[رواه مسلم (488)].

الحث على الإكثار من السجود، أي الإكثار من الصلاة أيضاً، وهو غاية التواضع والعبودية لله، وتمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها -وهو وجهه- من الأرض ذلاً لرب العالمين.

إنها تنجي العبد من الكفر: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة[رواه مسلم (82)]، يا مسلم، يا عبد الله، لماذا تصلي؟ قرباناً إلى الله، وإرضاءً له، وطلباً للجنة، إنها راحة نفسية أيضاً.

الصلاة سعادة وطمأنينة

00:03:53

قالت إحدى الكافرات قبل إسلامها "جميلة الفلبينية": لم أكن أعرف لحياتي معنىً ولا هدفاً، سؤال ظل يطاردني ويصيبني بالرعب لماذا أحيى، كل شيء من حولي يوحي بالسخف واللا معقول، وقد نشأت في أسرة كاثوليكية تعهدتني بتعليمي لهذا المذهب بصرامة، يحلمون أن أكون إحدى العاملات في مجال التبشير، لكن كان في داخلي شيء بأن هذا لن يحدث أبداً، كنت أستيقظ كل يوم عند الفجر، شيء ماء يحدثني أن أصلي كي أخرج من الضيق والاكتئاب، ويحدث أيضاً عند الغروب، ولكن ما هي هذه الصلاة؟ أي صلاة تلك؟ كنت متعطشة لشيء غير الذي عند قومي، وكنت أدعو الله أن يمنحني النور والبصيرة، وازددت وقلقلاً، وراح الفراغ يطاردني، وفي أحد الأيام أحسست برغبة قوية تدفعني للبحث عن مكان للصلاة ليس فيه صور، وبحثت عن ذلك المكان طويلاً حتى وجدته أخيراً، مسجد صغير جميل في أطراف بلدتنا بين المروج الخضراء في وسط حقول الأرز.

لقد ارتجفت لأول وهلة وأنا أضع قدمي على أعتابه، وانشرح صدري، وأيقنت أنه المكان الذي حدثتني نفسي عنه طويلاً، والتقيت بإحدى المسلمات التي علمتني كيف أتوضأ وأصلي للواحد القهار، وشاركت المسلمين الصلاة لأول مرة في حياتي، وعندما بدأت الصلاة غمرتني السكينة، ولفتني الطمأنينة كما لم يحدث لي من قبل أبداً، وعندما سجدت لله مع جموع المصلين فاضت نفسي بسعادة لا حدود لها، كأني سأطير فرحاً بعثوري على هذه الصلاة، الصلاة هي تماماً ما كنت أتعطش له، لقد أصبحت صديقتي المحببة، ورفيقتي الدائمة، ودَّعت الاكتئاب إلى الأبد، فلم يعد له معنىً في حياتي بعد أن هداني الله للإسلام، وأكرمني بهذه الصلاة، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله.

أجر عظيم وتكفير للسيئات

00:06:45

الصلاة تذهب السيئات والآثام: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ سورة هود:114، الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن[رواه مسلم (233)]، تحترقون، تحترقون، فإذا صليتم الفجر غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، تحترقون، تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، تحترقون، تحترقون أي: بنيران المعاصي والذنوب فإذا صليتم المغرب غسلتها، تحترقون، تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون، فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا[رواه الطبراني في الصغير (121)].

قال النبي ﷺ: إن العبد إذا قام إلى الصلاة المكتوبة أتي بذنوبه كلها، فوضعت على عاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه[رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (293)].

ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله[رواه مسلم (228)].

أحسن التطهير واخشع قانتاً مطمئناً في جميع الركعات
فهو كفارة ما قدمته من صغير الذنب والسيئات

وأما من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة فإن الله يبني له بيتاً في الجنة، ومن تطهر في بيته وأتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة [رواه ابن ماجه (1412)]، و من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة[رواه الطبراني في مسند الشاميين (1548)]، و من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله[رواه ابن ماجه (227)].

أما صلاة الجمعة، وما أدراك ما صلاة الجمعة: من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنى من الإمام فاستمع وأنصت ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها [رواه أبو داود (345)].

إن الصلاة سبب لحماية العبد، قال النبي ﷺ: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة اللهالذمة الضمان والأمان، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم [رواه مسلم (657)].

الصلاة مقسومة بين العبد والرب، سؤال وعطاء، الصلاة مجلبة للرزق والبركة: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىسورة طه:132.

الصلاة ميزان تقويم الموظفين، روى الترمذي عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال لأبي الهيثم: هل لك خادم؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سبي، فأتنا، فأتي النبي ﷺ برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي ﷺ: اختر منهما، فقال: يا نبي الله، اختر لي، فقال النبي ﷺ: إن المستشار مؤتمن، خذ هذا ما هي المؤهلات، خذ هذا؛ فإني رأيته يصلي، واستوص به معروفاً، فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته، فأخبرها بقول رسول الله ﷺ، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي ﷺ: استوص به معروفاً إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق، فقال النبي ﷺ: إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه أي: لا تقصِّر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي[رواه الترمذي (2369)].

الزوجة بطانة للزوج، خير أو شر، وقد ذكرته بالعتق؛ فأعتقه.

الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

00:12:04

عباد الله: إن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي يدخل فيها صاحبها مستجمعاً لشروط القبول؛ لأن الله قال: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَسورة المائدة:27.

إن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي صلاة العبد الذي يتم أركانها وشروطها وخشوعها، ويستنير قلبه بها، صلاة المناجاة والخشوع، هذه ستؤدي حتماً إلى ترك الفحشاء والمنكر، أما صلاة جسد بلا روح، أما صلاة تضييع وسهوٍ عن وقتها وإخراج فلا.

روى أحمد عن أبي هريرة قال: جاء رجل للنبي ﷺ، فقال: "إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، قال: إنه سينهاه ما يقول " [رواه أحمد (9486)]، في النهاية إذا استمر على صلاة الليل، لا بد أن يتغلب جالب الخير، ويتحقق الوعد الإلهي: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِسورة العنكبوت:45، عندما تبلغ في قلب هذا العبد تستقر قراراً، عندما تصل إلى حد ودرجة عظيمة لا بد أن يكون لها أثر.

عباد الله: أكيس الناس، وأكرم الناس أكثرهم ذكراً للموت، وأشدهم استعداداً له، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة، هؤلاء يستعدون لما بعد الموت بأي شيء؟ بالعمل، ويحاسبون أنفسهم قبل نزول الأجل: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسرحديث صحيح [رواه الترمذي (413)].

الذي يصلي ولا يحدث نفسه بشيء كيف لا تنهاه صلاته ولو بعد حين عن الفحشاء والمنكر، الذي يصلي ويستحضر عند دخوله في صلاته أنه سيقف بين يدي ربه كيف لا يكون لصلاته أثر؟ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَسورة المؤمنون:1-2، سكون، طمأنينة، تؤدة، وقار، تواضع، مراقبة، قُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَسورة البقرة:238.

استقبل القبلة وتوجه بالبدن والقلب، ومن لم يتوجه بقلبه إلى رب القبلة والبدن بل وجه بدنه إلى البيت، ووجه قلبه إلى غير رب البيت فكيف ستكون صلاته؟!

القلب محل الخشوع؛ فاحرص عليه، هذا القلب الذي تقبل فيه على الرب، ولذلك قال النبي ﷺ للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني وأوجز، قال: إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه أي: تندم عليه، وأجمع اليأس عما في أيدي الناس[رواه ابن ماجه (4171)].

إذًا: الصلاة راحة: يا بلال، أرحنا بالصلاة[رواه أحمد (22578)].

من أعلام الخاشعين

00:15:53

الصلاة خوف من الله قال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس قلت: "يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف" حزين يغلب عليه الحزن والخوف من خشية الله، "وإنه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس" [رواه البخاري (713)]من شدة البكاء.

إذًا: هكذا كان أبو بكر، فماذا كان عمر؟ قال عبيد الله بن شداد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ سورة يوسف:86.

أما عثمان فإنه مشهور عند المفسرين أنه داخل في قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ سورة الزمر:9، وهكذا كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود، قال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك، كان يصلي في الحجر، والمنجنيق، منجنيق الحجاج يقصف الكعبة، فما يلتفت.

قال ابن المنكدر: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقه الريح، وحجر المنجنيق يقع هاهنا بقربه، بجانبه.

ما رأيت أحداً أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير، كما قال أبو إسحاق.

وهكذا قال: ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها، وما أقيمت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء، يقوله عدي بن حاتم .

كان مسلم بن يسار يقول لأهله: تحدثوا فلست أسمع حديثكم، أي: إذا صليت، وروي أنه وقع حريق في داره وأطفئ، فذكروا ذلك له بعد الصلاة قال: ما شعرت، وكان محمد بن سيرين إذا قام في الصلاة ذهب دم وجهه خوفاً من الله ، وقال عامر العنبري: لأن تختلف الخناجر بين كتفيَّ أحب إلي من أن أتفكر في شيء من أمر الدنيا وأنا في الصلاة، وكان علي بن الحسين إذا توضأ أخذته رعدة، وتصبب عرقاً، واصفر لونه، فيسألونه عن ذلك، فيقول: ويلكم أتدرون بين يدي من سوف أقوم؟.

قيل لخلف بن أيوب: ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها؟ قال: لا أعود نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي، قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟ قال: بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور، ويفتخرون بذلك، وهكذا الطلاب المشاغبون إذا طلبوا يفتخرون بعد الضرب من الذي صبر أكثر.

إن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال: فلان صبور، ويفتخرون بذلك، فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟!

وكان مسلم بن يسار إذا أراد الصلاة لا يكاد يحس بشيء حوله، صلى يوماً في جامع البصرة، فسقطت حية في ناحية من المسجد، فاجتمع الناس لذلك، فلم يشعر به.

قال ابن عون: رأيت مسلم بن يسار يصلي كأنه وتد لا يميل على قدم مرة، ولا على قدم مرة.

كان مسروق يقوم، فيصلي ويقول لأهله: هاتوا كل حاجة لكم فاذكروها لي قبل أن أقوم للصلاة؛ لأنه دخل في الصلاة انشغل انتهى، لا يرجون منه شيئاً؛ ليقضي حاجاتهم قبل الصلاة، فكان يُرخي الستر بينه وبين أهله، ويقبل على صلاته، ويخليهم ودنياهم، كانت امرأته تقول: والله ما كان مسروق يصبح ليلة إلا وساقاه منتفختان من طول القيام.

وكان الربيع بن خثيم رحمه الله إذا سجد كأنه ثوب مطروح، فتجيء العصافير، فتقع عليه.

وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله، النار، فما رفع رأسه حتى طفيت، فقيل له في ذلك، قال: ألهتني عنها النار الأخرى.

قال عبد الرحمن بن رستة سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله ليلة العرس، يبني بأهله، أيترك الجماعة، قال: لا، ولا صلاة واحدة، وحضرته صبيحة بني على ابنته، فخرج فأذن -يعني للفجر-، ثم مشى إلى بابهما -ابنته وزوجها-، فقال للجارية: قولي لهما يخرجان إلى الصلاة، فخرج النساء والجواري، فقلن: سبحان الله! أي شيء هذا؟! -كما يقول البعض اليوم: ما هذا التزمت؟! ما هذا التعقيد- قال: لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة.

كان كثير الحمصي أم أهل بلده سنين طويلة لم يسهُ في صلاته، فسئل لماذا؟ كيف؟ قال: ما دخل من باب المسجد قط، وفي نفسي غير الله.

فكيف يفكر أحدهم في مخلوق حقير وهو واقف بين يدي الملك الكبير؟ سبحان الله!

وهكذا لما نزل الموت بأبي عبد الرحمن السلمي، وروحه تنزع أراد أن يتحول إلى المسجد، قالوا له: وأنت على هذه الحال؟ قال: حدثني فلان: أن النبي ﷺ قال: لا يزال أحدكم في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة[رواه أحمد (7559)]، فأنا أريد أن أقبض على ذلك.

وقال حاتم الأصم لما سئل عن صلاته: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبيَّ، والصراط تحت قدميَّ، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، أظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بتخشع، وأقعد على الورك الأيسر، وأفرش ظهر قدمها، وأنصب القدم اليمنى على الإبهام، وأُتبعها الإخلاص، ثم لا أدري: أقبلت مني أم لا؟.

هذا حال المخلصين، فما حال المضيعين؟

عِظَم الصلاة

00:23:54

قال ابن القيم رحمه الله عن أحد المحتضرين: أنه كان صاحب معاصٍ وتفريط، فلم يلبث أن نزل به الموت، ففزع من حوله إليه، وانطرحوا بين يديه يذكرونه بالله، ويلقنونه لا إله إلا الله، وهو يدافع عبراته، فلما بدأت روحه تنزع صاح بأعلى صوته، وقال: أقول لا إله إلا الله، وما تنفعني لا إله إلا الله، وما أعلم أني صليت لله، ثم أخذ يشهق حتى مات.

عباد الله: لقد كانت آخر وصية من رسول الله ﷺ وهو يودعنا، يغرغر بنفسه: الصلاة، وما ملكت أيمانكم[رواه ابن ماجه (1625)]آخر وصية، أي مروا العبيد والأرقاء بالصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم، فكيف بمن هو أعلى منهم من الأولاد والزوجات والنفس، الصلاة، وما ملكت أيمانكم وفاضت روحه ﷺ.

اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا، ربنا وتقبل دعاء، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا ممن يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويقضون بالحق، وبه يعدلون.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:25:41

الحمد لله الذي خلق فسوى، أشهد أن لا إله إلا الله، هي العروة الوثقى، وأشهد أن محمداً رسول الله، صاحب السنة والهدى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.

الله متم نوره ولو كره الكافرون

00:26:07

عباد الله: لا زال المنافقون من بين جلدتنا يشنون الحملات على الدين وأهله ويمطرون المسلمون بمقالاتهم العفنة في الصحافة والوسائل المقروءة والمسموعة، يريدون النيل من أهل الإسلام، ويردون فيما يريدون تحرير المرأة من الدين، يريدون فيما يريدون إلغاء الفضيلة، ومحاربة الأحكام التي أنزلها الله رحمة للعالمين، يريدونها اختلاطاً، يريدونها مداخلة للرجل وسفوراً للمرأة، ورفعاً للحجاب، ويتسابقون إلى نشر الصور والمقالات في تحرر المرأة، ويهاجمون فيما يظنون بقايا الرجعية، وهم أهل الرجعية إلى خلف، حيث العهر والرذيلة.

وطالعتنا الأخبار بقصة فتاة مسلمة من بلاد الرافدين لم يقصها علينا مسلم، لكن الذي يقصها جندي صليبي، لعلنا نلقم بها أولئك القوم حجراً، يقول في مذكراته القريبة: فتاة مسلمة لم تتجاوز الخامسة عشر ربيعاً جاءت تعرج نحونا، دمها ينزف بغزارة من جرح سببته شظية أصابت قدمها اليمنى، أمسك أحد الجنود ساعدها لمساعدتها فيما كان زوجها الذي لا يكبرها كثيراً يساعد رجلاً أعمى، قدم لها الجندي صندوق ذخيرة لتجلس فوقه محاولاً إفهامها أنهم بانتظار طبيب لمعالجة قدمها، أنزلت عباءتها السوداء فوق وجهها وأجهشت بالبكاء، وفهمنا من المترجم المدني الذي كان يرافقنا أنها تبكي لأنها لا تريد أن يمسها سوى زوجها، وقال المترجم، ولك على المترجم: هذه هي العادات هنا، فهذا الغبي بدلاً من أن يستغل الموقف للدعوة للإسلام نسبها إلى العادات، وكل شيء صار عادات وتقاليد، قال الصليبي: خضنا معها مفاوضات استغرقت قرابة عشر دقائق قبل أن تقبل على مضض السماح للطبيب العسكري أن يقص الشريط الأبيض الذي لفت به قدمها، وتنظيف الجرح وربطه، وما لبثت أن اختفت ومعها زوجها والعجوز الضرير.

سبحان الله! كيف حياء المرأة المسلمة؟ سبحان الله! كيف امتناعها عن الأجانب؟ سبحان الله! كيف تأبت عليهم وهي تتألم؟ لأن عندها قضية التكشف على أجنبي، وأن يمس جلدها الأجنبي أكبر من الألم.

وفي هذه الأثناء يتسابق اليهود والصليبيون إلى إمطار إخواننا المسلمين في فلسطين وأرض الرافدين بالرصاص، يطلقونه على الأبرياء العزل، يتسابقون لأجل إيقاع الخسائر في الأرواح، ويشابه الصليبيون اليهود في منع سيارات الإسعاف من الوصول إلى الجرحى.

وهكذا الكفر ملة واحدة، ثم ما هو السبب الذي من أجله أطلقوا الرصاص على المسلمين العزل، ونصفهم أطفال صغار، طلاب مدارس؟ لأنهم تظاهروا احتجاجاً على قيام هؤلاء الصليبين بالنظر إلى المسلمات حين يخرجن إلى السطوح، والإشارة إليهن بإشارات معناها القذارة التي تعوَّد عليها هؤلاء الصليبيون في بلادهم، ويتحرشون بالنساء في طريقهن، وهكذا يمشون بين المسلمين بالثياب الداخلية، ولما احتج المسلمون على ذلك كان جوابهم الرصاص.

عباد الله: لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةًسورة التوبة:10، ويزعمون أنهم أتوا للمصلحة والتحرير وإعطاء الحرية، فقد عرفنا معنى الحرية لديهم.

أيها المسلمون: وجنود الله تعالى في بلاد العالم تطوف اليوم، الله يسخر منهم، ومن تقدمهم، ومن تكنولوجيتهم عندما ينطلق هذا الوباء، وهذا الفيروس الصغير الذي لا يُرى "سارس" مسبباً تلك الأمراض بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة في أعراض الالتهاب الرئوي، وارتفاع درجة الحرارة، وصعوبة التنفس، والشعور والصداع والخمول، وفقدان الشهية، والطفح على الجلد في حالة غريبة جداً، يقعد أطباء العالم حولها حيارى لا يدرون كيف العلاج، ويتفشى ذلك المرض، يؤثِّر في بلاد بانخفاض السياحة لديها 70%، وتراجع الاقتصاديات في دول أخرى، وهكذا تغلَّب على الحرب التي صارت قبل قليل بنتائجه الاقتصادية، كمامات صارت هي جزئاً من حياة الناس، وانتشار وزيادة وفايات في بلاد من أكثر بلاد العالم تقدماً في الطب، كنداً وسنغافورة، ومائتي ألف تلميذ يحصلون على أجهزة إلكترونية لقياس الحرارة، ويجتمع قادة دول، وفحص الركاب، وتعقيم الطائرات، وإغلاق أماكن التسلية والترفيه، والسينما والمسارح، ومقاهي الإنترنت، وأكبر ثالث جامعة في بكِّين وثمانية آلاف شخص في الحجر الصحي، ويتساءلون وباء القرن الحادي والعشرين المشابه للإيدز، وأوجه انتشار عجيبة وشركات التأمين تستثني سارس من التغطية الصحية، ومنع تسجيل الزواج لمنع إقامة الحفلات، وعزل المصابين في قرىً تشيَّد لأجلهم، وهكذا تحدث الخسائر، ويقف البشر عاجزين أمام هذا الخلق من مخلوقات الله، مخلوق من مخلوقات الله، فيروس من مخلوقات الله، وحمى واضطراب تنتاب الموانئ والمطارات، ورعب يكتسح، وإغلاق للمدارس، وهكذا يبحثون في الأسباب أهو سعال؟ أو ينتشر مع الهواء؟ أو بواسطة الصراصير؟ لا يدرون ماذا يفعلون.

أليس أيها الإخوة نموذجاً من النماذج في ابتلاء لقوم وعقوبة لآخرين، ورؤيا نراها كيف يعجز البشر أمام قدر الله تعالى.

ونسأل الله سبحانه العفو والعافية، والصحة والأمن والإيمان، والنعمة في طاعة الرحمن، نسأله أن يجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان لبلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم ابطش باليهود والصليبين، اللهم إنهم قتلوا إخواننا فاقتلهم، اللهم إنهم أوغروا صدور إخواننا فاشف صدور قوم مؤمنين، اللهم إنا نسألك أن تعاجل هؤلاء الصليبيين واليهود بنقمتك وأن تمطرهم بعذابك، اللهم اشدد وطأتك عليهم، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يا رب العالمين، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم مزقهم كل ممزق.

اللهم إنا نسألك النصر العاجل للمجاهدين، اللهم ارفع لواء الجهاد، اللهم اقمع أهل البدعة والزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.

اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم عجل فرجنا، اللهم فرج كربنا يا أرحم الراحمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه البخاري (6502)
2 - رواه النسائي (461)
3 - رواه مسلم (489)
4 - رواه مسلم (488)
5 - رواه مسلم (82)
6 - رواه مسلم (233)
7 - رواه الطبراني في الصغير (121)
8 - رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (293)
9 - رواه مسلم (228)
10 - رواه ابن ماجه (1412)
11 - رواه الطبراني في مسند الشاميين (1548)
12 - رواه ابن ماجه (227)
13 - رواه أبو داود (345)
14 - رواه مسلم (657)
15 - رواه الترمذي (2369)
16 - رواه أحمد (9486)
17 - رواه الترمذي (413)
18 - رواه ابن ماجه (4171)
19 - رواه أحمد (22578)
20 - رواه البخاري (713)
21 - رواه أحمد (7559)
22 - رواه ابن ماجه (1625)