الثلاثاء 10 رمضان 1445 هـ :: 19 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أبراج الحظ تدمر أسوار الإسلام - 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
فساد عقدي في عصر الحضارة
طرق الكهان وعلاماتهم
إلى الله الملتجأ
من طرق الدجالين
الخطبة الثانية
شعوذة يجهلها أناس كثر
خطر التشاؤم

الخطبة الأولى

00:00:08

 إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71،
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فساد عقدي في عصر الحضارة

00:01:19

تكلمنا في الخطبة الماضية -يا إخواني- عن موضوع يمس العقيدة مساساً خطيراً، وهو موضوع التنجيم، وأبراج الحظ المنتشرة في المجلات والجرائد التي يقرؤها أبناء وبناتنا في الليل والنهار، والعقيدة أعز ما يملك الإنسان المسلم، فإذا طعن فيها فقد سلب منه أعظم ما يملك، ولذلك وجب علينا الدفاع عن عقيدة الإسلام، وعند دين التوحيد الذي بعث الله به الأنبياء، وختمهم برسول الله ﷺ.

هذه العقيدة -أيها الإخوة- التي طالما حاربها الكفار والمنافقون في القديم والحديث، وشنوا  عليها غارات التجهيل والشعوذة والدجل، والطرق الشيطانية المستوحاة من شياطين الإنس والجن ليصدوا الناس عن العقيدة الصحيحة والتوحيد، يجب أن يكون موقفنا حاسماً تجاه هذه الأمور التي تكاد تعصف برأس المال للرجل المسلم.

وفي هذا العصر مع أنه يسمى عصر الحضارة والتقدم العلمي والحضاري والتقني، والمكتشفات والمخترعات، بالرغم من ذلك فإن الناس قد تفشت فيهم هذه الأوبئة المنافية للعقيدة، وهذا يدل -أيها الإخوة- على أن الشعوذة والدجل والكهانة لا تحارب بالحضارة والتقدم العلمي التقني أو التكنولوجي كما يسمونه، بل إنها تحارب يا إخواني بالعقيدة، إنها تحارب بالقرآن والسنة سلاح المسلم الوحيد الفعال الذي يجابه به الشرور والآثام والإفساد في الأرض، ولذلك ترى في المجتمعات الكافرة، بالرغم مما وصلوا إليه من التقدم والحضارة ترى الشعوذة والدجل، والتنجيم والعرافة والكهانة متفشية بينهم، بل إنك ترى دكتوراً في جامعة من الجامعات المحترمة على حد زعمهم، يتردد إلى عرافة أو دجال من الدجاجلة، إذن فالمصدر الوحيد الذي نستطيع من خلاله أن نقاوم ونصد هذه الهجمات الشرسة على دين الإسلام هو القرآن والسنة، النور الذي أنزله الله من السماء لكي يتبين به المسلم طريقه في دياجير الظلمة والشرك.

واعلموا يا إخواني أن الناس يتبسطون ويتساهلون في الإقدام وإتيان العرافين والكهنة، حتى أنه قل ما يخلو بيت من البيوت في هذا العصر إلا وتجد فيه مصدِّقاً بدجال أو مشعوذ، يأتونهم بالليل والنهار، بل إنهم يسافرون إليهم، فتجد إنساناً أصيب بسحر مثلاً يسافر إلى الهند، أو بعض البلدان المجاورة ليذهب إلى ساحر كافر لكي يفك له السحر، أو يريد أن يعرف مستقبله المالي؛ فيذهب إلى عراف، أو عرافة، فتقرأ له الكف، أو الفنجان، أو الودع حتى تطمئنه على مستقبله المال؛ لأن الثقة بالله قد فقدت، ولأن العقيدة قد دُمِّرت في نفوس أولئك الناس، وذكرنا في المرة الماضية شيئاً عن مسألة التنجيم والأبراج، ورسول الله ﷺ يقول في الحديث الصحيح: من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد[رواه أبو داود (3905)]رواه أبو داود بإسناد صحيح.

هذه المسألة مسألة التنجيم التي عرفها علماؤنا بأنها: "الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية" هي من الأمور الشائعة اليوم.

طرق الكهان وعلاماتهم

00:05:59

ونذكر أيضاً -أيها الإخوة- في هذه الخطبة بعض الطرق الأخرى التي يستخدمها أولئك الكهان، فمن الطرق مثلاً كتابة الرقى والعزائم، الرقى الشركية التي تحوي استغاثة بالجن أو بالموتى، وتحوي كذلك طلاسم من الرسومات المجهولة، أ والأرقام الغريبة، أو الأحرف التي لا تدل على معنى واضح، وقد تكون مكتوبة بلغة أجنبية، لا يستطيع الإنسان أن يقرأها، وقد تكون مكتوبة بلغة عربية واضحة، وأنا أعرض لكم مثالاً من الأمثلة التي وجهت لعلمائنا الأجلاء، فأجابوا عنها الإجابات الشافية الواضحة.

يقول أحدهم متوجهاً بالسؤال: إن عندنا في بلادنا رقية منتشرة تسمى برقية العقرب، ونص هذه الرقية يقول: بسم الله، يا قراءة الله، بالسبع السماوات، وبالآيات المرسلات، التي تحكم ولا يحكم عليها، يا سليمان الرفاعي، ويا كاظم سم الأفاعي، ناد الأفاعي باسم الرفاعي، أنثاها وذكرها، طويلها وأبترها، إلى آخر الرقية المزعومة.

وقد أجاب علماؤنا عن هذه الأسئلة الموجهة من بعض الحريصين الذين وقع عندهم استغراب لما يقرؤون، ولما اطلعوا عليه، فأجابوا: بأن مثل هذه الرقية رقية شركية، تنافي التوحيد، وتضاد العقيدة، مثل قوله في هذه الرقية: بالسبع السماوات، يستغيث بالسبع السماوات، والسبع السماوات مخلوقة من مخلوقات الله ، أو يقول منادياً ذلك الولي بزعمهم: يا سليمان الرفاعي، يا كاظم سم الأفاعي، ناد الأفاعي باسم الرفاعي! والاستغاثة بالأموات لا تجوز مطلقاً، يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله[رواه الترمذي (2516)].

انظر كيف استبدلوا الأدعية الصحيحة التي علمنا رسول ﷺ! استبدلوها بهذه الأشياء الشركية، ماذا علمنا ﷺ، ألم يقل لنا في أذكار الصباح والمساء أن نقول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم[رواه الترمذي (3388)]، نستغيث بالله ، نطلب منه العون، باسم الله فقط لا باسم غيره، ولا بأي مخلوق من المخلوقات مهما كان عظيماً، "باسم الله" فقط "الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض، ولا في السماء، وهو السميع العليم" الذي يقولها في الصباح والمساء لا تصيبه آفة، ولا يضره شر بإذن الله .

ألم يعلنا رسول الله ﷺ أن نقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق[رواه مسلم (2709)]؟ أليس عندنا من الرصيد في القرآن، وصحيح السنة ما يغني عن هذه الأشياء المحرمة؟ بل إن فيه أجراً بالإضافة إلى الحفظ الذي يحفظ الله به قارئ هذه الأشياء وتاليها، القارئ والتالي يحفظه الله، ويكسب الأجر أيضاً، أما تلك الأشياء المحرمة فإنها توقع في الشرك، ويكسب بها الإثم، ولا تحميه من شيء، وإن حصل شيء فهو بإذن الله ، وليس بسب هذه الشركيات والشعوذات.

ووجه سؤال أيضاً لعلمائنا يقول السائل: هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي -على حسب كلامهم-، وحينما أتيت أحدهم قال لي: اكتب اسمك، واسم والدتك، ثم راجعنا غداً، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: أنت مصاب بكذا، وعلاجك كذا، فما حكم إتيانهم وسؤالهم؟

فكان الجواب الموفق على هذا السؤال: من كان يعمل هذا الأمر في علاجه، فهو دليل على أنه يستخدم الجن، ويدعي علم المغيبات، فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه، ولا سؤاله لقول النبي ﷺ في هذا الجنس من الناس: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة[رواه مسلم (2230)]رواه مسلم.

وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى، أو الودع، أو التخطيط في الأرض، أو سؤال المريض عن اسمه، أو اسم أمه، أو اسم أقاربه، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين أو الكهان الذين نهى النبي ﷺ عن سؤالهم، وتصديقهم.

وكذلك الذين يكتبون هذه الأحجبة والتمائم والعزائم -هذه الأشياء الشركية- لا يجوز إتيانهم، ولا أخذ هذه الأحجبة والتمائم منهم، ولا استعمالها، ولا دفع قرش واحد من أجلها.

إلى الله الملتجأ

00:11:55

الآن الناس إذا أصاب أحدهم سحر، أو مرض، أو مكروه، أو شيء غريب، أو امرأة أسقطت، أو مرض ولدها، أو أصابتها عين، أو أصاب إنسان حسد مثلاً يفزعون إلى من؟ إلى من يفزعون؟ قال الله أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَسورة النمل:62، من الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ومن الذي يكشف السوء، إنه الله ، هو الذي يكشف الضر، وينزل رحمته على عباده بعد أن قنطوا ويئسوا، بدلاً أن يلتجئ هؤلاء الذين يتسمون بأسماء المسلمين إلى الله ليكشف لهم هذا الذي نزل بهم، فإنهم يسافرون ويذهبون، وينقبون ويسألون، وتجد الواحد يهمس في أذن الآخر، هناك عراف في البلد الفلاني اذهب إليه، في الشارع الفلاني يوجد امرأة تفك هذه الأشياء اذهب إليها، سافر إلى بلد كذا وأنا أعطيك عنوانه اذهب إليه، لقد جربته فنفع أكثر من مرة! ضحك الشيطان عليهم! اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِسورة المجادلة:19، أنساهم من الذي يكشف الضر، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ۝ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ۝ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِسورة الشعراء:80-82.

يقول رسول الله ﷺ في المعوذات قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِسورة الفلق:1، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِسورة الناس:1، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص:1: ما تعوذ متعوذ بمثلهن[رواه الحميدي في مسنده (874)]، هذه السور التي يجب أن نتعوذ بها، أن نقرأ بها على أنفسنا، أن ننفث في أكفنا بعد أن نجمعها، ونقرأ هذه السور قبل النوم ونمسح بها أجسادنا، هذا هو العلاج الشرعي لهذه الأشياء؟

الناس اليوم ماذا يفعلون؟ إلى من يلجئون؟ ماذا يقرؤون؟ وماذا يستعملون؟ إنها دياجير الشرك والظلمة التي خيمت على عقول وقلوب أولئك النفر الذين جهلوا التوحيد وما يضاد التوحيد، لا يكفي أن نتعلم التوحيد فقط، لكن يجب أن نتعلم ما يضاد التوحيد، ما الذي ينافي التوحيد، ما هو الشرك، ما هي أنواع الشرك.

تعلم التوحيد -أيها الإخوة- مهم، لكن تعلم الشرك أيضاً مهم، ولذلك بين لنا القرآن، وبينت لنا السنة أنواعاً من الشرك لكي يحذرها الإنسان، لا يكفي أن تتعلم الخير فقط، بل يجب أن تتعلم ما يحذرك من الشر، ما هي طرق الشر، ما هي أساليب الدجالين والمشعوذين حتى تحذر منهم.

كذلك انظر إلى تلك الأوراق ماذا يُكتب فيها، لقد فتحنا بعضها أيها الإخوة فإذا الرائحة العفنة تنطلق منها، أوراق بالية كتبت بحبر قديم يعلوها التراب، جلد معفن يضعونه على أعناقهم، أوراق يضعونها بين أجسادهم وثيابهم، يزعمون أنها تنفع وتدفع، يعلِّقون الخيط والتمائم والأحراز، ثم يقول أحدهم في أحد الرقى التي أعطاها، أو العزائم التي أعطاها لبعض الناس، كتب فيها: ينقش في خاتم من ذهب، ويبخر بعود وعنبر، ويلبس على طهارة تامة، ويديم ذكر اسم الله تعالى علي عظيم في دبر كل صلاة ألفاً ومائة وثلاثين مرة، لمدة أسبوع، من بعد صلاة الصبح يوم الجمعة تنتهي يوم الخميس بعد صلاة العشاء! إلى آخر الدجل والشعوذة، هات دليلاً على قراءة هذين الاسمين ألفاً ومائة وثلاثين مرة بعد كل صلاة لمدة أسبوع، يعطونها للجهلة على أنها وصفات مثل الوصفات الطبية، لها مقادير معينة، مرات معينة تستخدم، مدة العلاج كذا وكذا.

حتى متى يظل أغبياؤنا وجهالنا يصدقون بمثل هذه الأمور؟

وبعد ذلك يقول ذلك المجرم يكتب في خاتم من ذهب، ينقش في خاتم من ذهب، وهل يجوز للرجل أن يلبس خاتماً من ذهب؟!

من طرق الدجالين

00:16:40

من الطرق كذلك المستخدمة عند هؤلاء الدجالين والمشعوذين قراءة الكف، ويقولون: أن خطوط الكف هذه مرتبطة بالفلك، وأن الأصابع والنتوءات الصغيرة الموجودة على راحة اليد لها علاقة بالكواكب، ويقولون: في الكف أربعة خطوط الخط العمودي الأول يدل على الحالة الصحية، والخط الثاني خط القلب، والخط الثالث هكذا، والخط الرابع خط القدر، ثم يأتي هذا العراف أو العرافة تقول: افتح كفك، وتقرأ لك مستقبلك، وعندهم قواعد قعدوها لهذا الفن بزعمهم -فن قراءة الكف-، يقولون مثلاً: الدوائر ترمز إلى الفشل، والنقط نذير مشاكل صغيرة، ومع مرور السنين تتغير هذه الخطوط والدوائر في الكف؛ فتتغير الأحداث، ويقولون لك عن الأحداث الجديدة التي ستحدث، ولذلك ينبغي عليك أن تذهب سنوياً لقراءة الكف على الأقل، هذا عندهم في حد زعمهم، هذا هو الذي حذرنا رسول الله ﷺ منه، فقال ﷺ: من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين ليلة[رواه مسلم (2230)].

وكذلك طريقة قراءة الفنجان ولها قواعد عندهم، يقولون مثلاً: البن يكون مطحوناً وناعماً، والقهوة على الطريقة التركية، ويصب التفل في فنجان مع كمية قليلة من البن، ويدار ثلاث مرات باتجاه عقارب الساعة، ويقلب فجأة ثم تقرأ، ويقولون أيضاً: فإذا رأيت في الفنجان هذا تمساحاً فهو يدل على حادث سيارة، أو وسيلة نقل، وإذا رأيت عنكبوتاً فإنه يدل على مدخول مادي، وإذا رأيت مظلة فإنها تدل على حب جديد، وإذا رأيت جبلاً فإنه يدل على مشروع كبير جداً، والكلب صديق، والحصان نصر..! إلى آخر الدجل والشعوذة.

هؤلاء الذي قال رسول الله ﷺ عنهم: من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد ﷺ [رواه أحمد (9252)].

وطرق أخرى مثل طريقة بقع الحبر، تأخذ هذا القلم من الحبر فتنفضه ثلاثة عشر مرة على صفيحة من الورق، ثم يبدأ ذلك الدجال يقرأ لك: عنقود العنب يدل على دعوة غداء أو عشاء، والبيضة ترمز إلى حب خفي، والبيت يدل على الأمان، والطبل يدل على الأقوال المتناقضة، وهم طبول جوفاء أقوالهم متناقضة.

ثم ظهرت طرق أخرى مثل طريقة كرة الكريستال التي تتموج بالألوان، فيأخذون من هذه الألوان الحوادث التي تقع لك في المستقبل، فيقول: إذا كانت الألوان حارة فهذا دليل على خطر، وإذا كانت الألوان مريحة فهذا دليل على خير، وإذا تحركت الصور إلى الأعلى هذا دليل على نجاح المشاريع، وإذا تحركت إلى الأسفل فإنها تدل على فشل المشاريع، وإذا رأيت صورة رأس في كرة الكريستال فهذا يدل على موت سيحدث، وهكذا.

هؤلاء الذين حذرنا رسول الله ﷺ منهم، فقال لمعاوية بن الحكم السلمي لما قال له، قلت: يا رسول الله، إن منا رجالاً يأتون الكهان؟ قال: فلا تأتهم[رواه مسلم (537)]، لا يجوز أن تأتيهم، رواه الإمام مسلم.

هؤلاء الذين من طرقهم رمي الودع، فيذهب بعض الناس إلى العرافة، أيها الإخوة هذه ليست أشياء بائدة ومنقرضة قد اختفت تماماً، لا، هذه أشياء موجودة الآن في مجتمعنا الذي نعيش فيه، في داخل بيوتنا، وفي حوارينا حاراتنا، وفي شوارعنا، وفي مجتمعاتنا يوجد أناس يصدقون بهذه الأشياء، ويذهبون، وأنت تسمعون ربما أكثر مما سمعت، عما يحدث من الأشياء المناقضة لدين الله وللتوحيد وللعقيدة، التي تؤدي إلى الوقوع في الشرك والكفر.

يذهب أو تذهب إلى العرافة، أو العراف والدجال، فتأتي له بكومة من الحصى والودع، أو المفاتيح والحدايد، فترميها بينها وبينه، ثم تبدأ تقرأ له من واقع الأشياء المرمية على الأرض ما هي الحوادث التي ستستقبله في زمانه القائم، هؤلاء الذين قال رسول الله ﷺ في وصفهم أنهم يكذبون، قال: فيكذبون[رواه البخاري (3210)]، كذب.

إذن -أيها الإخوة- هذا الدجل، وهذه الشعوذة المنافية للعقل الصحيح، لو كان عقل أولئك صحيحاً لما قبلوا، وأنت تأمل في بعض طرق العلاج التي يأتي بها أولئك الناس، وانتبه -يا أخي- فقد تجد مثلاً أن أماً من الأمهات، أو أختاً من الأخوات، أو كبيرة في السن، أو رجلاً عجوزاً، وربما شاباً جامعياً مثقفاً يستخدم هذه الأشياء، تأمل فيها لتعرف ما مدى الدجل الموجود.

العين تعالج بخرزة حمراء أو زرقاء! وبعضهم يسخن روث الحمار لكي يعالج به العين! وبعضهم يستعمل في العلاج دم الحائض، ويكتحل به! يأمره الكاهن أو الدجال أن يكتحل بدم الحائض المخلوط بالمني.

أيها الإخوة: أشياء مقرفة تتقزز النفس عند سماعها.

وكتابة الأرقام وغيرها من الأشياء، وهناك كُتب لهذه الأمور، منها كتاب: "الرحمة في الطب والحكمة" الذي يستحق أن يسمى: "اللعنة في الطب والحكمة" كله علاج مرض كذا، علاج مرض كذا، علاج كذا، بهذه الأشياء المقرفة التي تتقزز منها الأنفس، وتصطك لها الأسماع عند سماعها.

ثم أن الدجل والشعوذة لم ينته عند حد معين، فقط طلع علينا أولئك بأشياء كثيرة منها تلك الوصايا المكذوبة التي عمدوا إلى نشرها بين الناس، منها مثلاً وصية خادم الحرم النبوي الشيخ أحمد -كما يزعمون-، هذه الوصية التي فيها أنه رأى النبي ﷺ، وفي بعض الأوراق التي وزعت، وقد حذرت منها الجهات الرسمية من نشرها وتداولها، ويجب على كل من رآها أن يمزقها بدلاً من أن ينشرها، يقول: أنه قد رأى النبي ﷺ في المنام، وفي بعض الأوراق أنه قد رأى النبي ﷺ حقيقة، قبل أن ينام رآه بعينه، رأى جسمه حقيقة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن رسول الله ﷺ لا يمكن أن يُرى بعد موته حقيقة، وإنما يمكن للمؤمنين أن يروه في المنام بصفاته الموجودة في السنة، وقال له أشياء كثيرة، وهذه الوصية مكذوبة عليه، بل إن بعض أقارب الشيخ أحمد هذا، حدثوا بأنه قد مات من حوالي مائتي سنة، وأنه لم ترد عنه وصية مطلقاً فيما تركه من إرثه، ولكن الدجاجلة يكتبون ويـألفون، والجهال والمجانين يصدقون وينشرون.

في هذه الأشياء قضايا من علم الغيب لا يمكن أن يطلع عليها إلا الله ، أنه مات في يوم كذا في الجمعة الفلانية مائة وستين ألف، من الذي يعرف أنه مات مائة وستين ألف على الشرك أو الكفر إلا الله ؟ ثم يقول: من كتب هذه الورقة أو وزعها أو نقلها من بلد إلا بلد بنى الله له قصراً في الجنة! ما رأينا في القرآن، ولا في السنة أن من كتب القرآن العظيم، كتبه بيده من أوله إلى آخره يبنى له قصر في الجنة، فهل كتابة هذه الوصية أغلى عند الله من كتابة القرآن الكريم.

وكذلك هذه الرؤيا المنسوبة إلى زينب عليها السلام، والتي ينبغي أن توزع ثلاثة عشر مرة، أناس في المكاتب، في العمل، في المدارس يوزعون، ويقشعر أحدهم خوفاً، وهو يقرأ، إذا لم تصور، ولم توزع ستنزل بك المصيبة الفلانية، هذا نتج من أي شيء إخواني؟

ما نتج إلا من الجهل المستقر في أنفس هؤلاء ما نتج إلا من الشرك الذي قد انطلى عليهم، والأمور كثيرة، ونسأل الله السلامة، وصلى الله على نبينا محمد.

الخطبة الثانية

00:25:49

الحمد لله الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، أشهد أنه رب الأولين والآخرين، عالم الغيب والشهادة لا يطلع على غيبه أحداً، إلا من ارتضى من رسول، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصحنا وحذرنا، ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، ولا شراً إلا وحذرنا منه.

شعوذة يجهلها أناس كثر

00:26:15

أيها الإخوة: هذه الأشياء التي نسمعها اليوم كثيرة جداً، وقد حدثني بعض الإخوة عن أمور منتشرة في المجتمع قد لا يعرفها كثير من الناس، وقد لا يعرف كثير من الناس أنها من الشرك وأنها محرمة، بعضهم يحرق البخور، أو الشبة لطرد الجن من الغرفة، أو يحرق الحبة السوداء، وكذلك يذهب أحدهم بامرأته إلى بعض الدجالين والمشعوذين ليعالجها، ويطلب هذا المشعوذ من الزوج أن يبقى في الخارج، ثم هو بعد ذلك يمارس الفاحشة مع امرأته.

أي دين هذا؟! وأي عقيدة فاسدة هذه؟! وأي فقدان للغيرة قد انطوت عليها أنفس هؤلاء؟!

الأطفال عندما يولدون من ضمن الهدايا التي تأتي إليهم من الأقارب الخرزات الزرقاء، "مصحف، ذهب، آية الكرسي، الله، ومعها أيضاً خرزات زرقاء"! هذا ما يهدى اليوم عند ولادة الأطفال، يزعمون أن هذه الخرزات الزرقاء تقي هذا الولد العين.

كذلك -أيها الإخوة- ما يسميه البعض بالطبوب، وهو لا شك أنه من السحر، يذهبون إلى بعض السحرة ليفك السحر الذي حدث له ففرق بينه وبين زوجته، ويقول له المشعوذ: افعل كذا، اقرأ سورة يس مائة مرة، صل ثمانين ركعة، افعل كذا، وبعد ذلك لا يحدث شيء.

يصب الماء على المسافر، ويوضع القرآن فيمر تحته بزعمهم حتى يسلم في سفره، ويكتبون على جدران البيوت: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍسورة القصص:85، يزعمون أن هذه الآية ترد المسافر إلى بيته سليماً.

حوادث فظيعة نسمعها بسبب التصديق بهؤلاء المشعوذين، امرأة تُسقط أولاداً، كلما جاء جنين أسقطته، تذهب إلى مشعوذ من المشعوذين، فيقول لها: عندك بنت في البيت، بنتك هذه نذيرة شؤم، ونحس على البيت، ما هو الحل يا أيها الكاهن والعراف؟ الحل: أن تكويها بمسمار مسخن من الحديد ثلاث مرات في ظهرها، وتذهب هذه الأم الجاهلة، فتكوي تلك البنت الصغيرة، وتأن وتصرخ من الألم، وتلك الأم جاهلة تحرق ابنتها بذلك المسمار المحمى بالنار، وما هي قيمة الوصفة؟ خمسمائة ريال، تحرق البنت ثلاث مرات بمسمار من نار، والقيمة -قيمة الوصفة- خمسمائة ريال!.

سلسلة توضع على البطن مقفولة بقفل، يزعمون أن وضع السلسلة عليها القفل ينفع المرأة إذا أسقطت عدة مرات، يعني قفلنا القفل فلن يسقط الجنين مرة أخرى.

ويعلقون الملح في السيارات، ويزعمون أن السباحة في الماء المالح، أو السفر في البحر يدفع العين، ويزيل الحسد والشر، يذبحون الخروف على باب البيت، ويلطخون عتبة البيت وباب البيت بدم الذبيحة، وبعضهم يخوضون في الدم بأقدامهم، أو يذبح دجاجة على السيارة لكي لا يصيب السيارة مكروه، وهكذا.

يا أخي، إذا كان في ثوبك بقع من الزيت هل تغسله بالقطران، ذلك ما يفعله الذين يذهبون إلى المشعوذين، كذلك يذهب إلى الكاهن، فيقول له الكاهن: لكي تشفى يجب عليك أن تذبح ذبيحة للجني الفلاني، باسم الجن الفلاني! فيذهب صاحبنا يفعل هذا، ويقع في عين الشرك، يقول الله : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْسورة الكوثر:2، انحر لله ، وهذا ينحر باسم الجني الذي أعطاه إياه الكاهن، فيقع في الشرك الأكبر وهو الذبح لغير الله.

أجزاء من حيوان توضع في علبة تعلق في الصدر، حدوة حصان تعلق على الباب، وتحضير الأرواح، وغير ذلك، وغير ذلك كثير جداً من الشعوذة، ويضحكون بها على أولئك المغفلين.

جاء أحد الناس عليه ديون كثيرة قالوا له: اذهب إلى ذلك العراف لعله يساعدك في قضاء الديون، فقال له العراف: هات مائة، هات مائة وستين ألف ريال، وأنا أجعلها لك مليون وستمائة ألف ريال، يزيدون أصفاراً، فذهب بها إليه فعملوا بخور وشعوذات كثيرة، ثم سلبوا منه المال وهربوا، وبقي هو وقد ازداد الدين الذي عليه، هكذا يفعل هؤلاء المحتالون.

خطر التشاؤم

00:31:04

وكذلك -أيها الإخوة- من القضايا المنتشرة: مسألة التشاؤم، التشاؤم بصوت البوم أو الغراب مثلاً، أو أنهم يجعلون للأيام مهمات معنية، فيقولون: يوم السبت يوم مكيدة أو صيد، ويوم الأحد يوم بناء وغرس، ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة، ويوم الثلاثاء يوم دم، يوم الأربعاء يوم نحس، ويوم الخميس لقضاء الحوائج، والجمعة للنكاح والأعراس، وهكذا.

يعتقدون عقائد في هذه الأيام، ويتشاءمون بالأرقام كما ذكرنا لكم سابقاً: يوم السعد كذا، ويوم النحس كذا، ويتشاءمون بالأرقام، فيقول: رقم ثلاثة عشر هو الرقم المشؤوم، وقد فعلت بعض شركات الطيران العالمية مصدقة بهذا، فلا يوجد في مقاعد الطائرة مقعد رقم "13"، إلى هذه الدرجة أولئك المساكين!

ونحن الذين شرفنا الله بهذا الدين، الذي ينافي الخرافة والدجل نصدق أولئك الكفرة.

في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال لرسول الله ﷺ: "كنا نتطير، قال: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم" [رواه مسلم (537)]، لو أنك تشاءمت بشيء يا أخي، تشاءمت بأي صوت، أو بأي منظر، فردك عن سفرك فقد وقعت في الشرك، فإذا تشاءمت، وشعرت بحرج فعليك أن تمضي، ولا تعتمد على ما جال في نفسك، ولا ما حاك فيها، يقول في الحديث الصحيح: ليس منا من تطيَّر، أو تُطير له، أو تكهن له، أو سحر، أو سُحر له[رواه البزار (3578)]رواه البزار بإسناد جيد.

وعن ابن مسعود مرفوعاً: أنه قال: الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل [رواه أبو داود (3910)].

يعني ما من أحد إلا وقد يقع في نفسه شيء من التشاؤم والتطير، ولكن كيف يذهب؟ بالتوكل على الله.

يجب أن تعلم يا أخي أن الله يقول: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌسورة الحديد:22.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم باعد بيننا وبين أهل الشعوذة والدجل والسحر، واجعلنا من أهل التوحيد، وصحح عقائدنا، وتوفنا على الملة المحمدية، واجعل خروجنا من الدنيا على شهادة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

اللهم وفقنا إلى ما يرضيك، وباعد بيننا وبين ما لا يرضيك، واكشف لنا سبل المجرمين، اللهم واجعلنا هداة مهتدين، دعاة إلى سبيلك، نحذر الناس من الشر، ومن الوقوع فيه.

اللهم وفق أبناءنا في امتحاناتهم، اللهم واجعل عملهم في رضاك، اللهم وباعد بينهم وبين الغش والخديعة، وأكل مال الحرام بالشهادات المزورة، اللهم واجعلنا من يخافك ويتقيك.

وصل اللهم على نبينا محمد صلاة كاملة تامة كما تحب وترضى، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله، وصلى الله على نبينا محمد.

1 - رواه أبو داود (3905)
2 - رواه الترمذي (2516)
3 - رواه الترمذي (3388)
4 - رواه مسلم (2709)
5 - رواه مسلم (2230)
6 - رواه الحميدي في مسنده (874)
7 - رواه مسلم (2230)
8 - رواه أحمد (9252)
9 - رواه مسلم (537)
10 - رواه البخاري (3210)
11 - رواه مسلم (537)
12 - رواه البزار (3578)
13 - رواه أبو داود (3910)