الجمعة 18 شوّال 1445 هـ :: 26 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام صلاة العيد - الدرس الثاني


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن صلاة العيد وقلنا: إن صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة التي أجمع المسلمون على مشروعيتها، وأن أهل العلم اختلفوا في حكمها، ومنهم من قال: إنها سنة مؤكدة، ومنهم من قال : إنها فرض كفاية، وقيل: بل هي واجبة على كل من تجب عليه صلاة الجمعة، والأول هو مذهب أكثر العلماء، والأخير هو مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - ورواية عن أحمد واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين وإليه مال الشيخ عبد العزيز - رحمه الله - وقبلهما الشوكاني والشيخ صدّيق حسن خان، واستدلوا بأن النبي ﷺ أمر بالخروج إليها حتى أمر النساء بذلك، واستدلالات أخرى على وجوبها على كل من تجب عليه صلاة الجمعة .

وصلاة العيد لا تقام إلا في المدن والقرى، فلا تشرع إقامتها في البوادي والسفر، ويبدأ وقتها من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح ليزول وقت النهي، وآخر وقتها قبل الزوال، وإذا لم يثبت العيد إلا في أثناء النهار خرجوا من وقتهم وصلوا صلاة العيد، وإن شهدوا بعد الزوال فيخرجون من اليوم التالي لصلاة العيد صباحًا .

ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام فيشرع له أن يفعلها منفردًا أو في جماعة عند جمهور العلماء، ومن حضر والإمام يخطب يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة، وذكرنا أن الأحاديث الصحيحة دلّت على أن النبي ﷺ كان يصلي العيدين في الصحراء في خارج البلد ويترك مسجده مع فضل الصلاة فيه، وقد استمر العمل على ذلك في الصدر الأول، لم يكونوا يصلون العيد في المساجد إلا إذا كان لضرورة من مطر وغيره، واستثنى العلماء من ذلك أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام صلاة العيد، كما قال الشافعي - رحمه الله -: "لم يبلغنا عن أحد من السلف صلى بهم عيدًا إلا في مسجدهم" [الأم للشافعي: 1/267]، وقلنا: إن السبب في ذلك أن المسجد الحرام خير بقاع الدنيا فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه، وقيل: إن الصلاة في الصحراء في مكة صعبة؛ لأنها جبال وأودية فيشق على الناس أن يخرجوا، فلهذا كانت صلاة العيد في المسجد الحرام نفسه، وتقدم أن الأفضل في وقت صلاة العيد بالنسبة للأضحى تقديمها، وبالنسبة للفطر تأخيرها شيئًا ما، وذلك ليتسع وقت التضحية، فيبكر بصلاة عيد الأضحى، ويتسع وقت صدقة الفطر، فيؤخر صلاة عيد الفطر ليتسع وقت إخراجها.

ومن السنن عند خروج المسلم لصلاة العيد: التبكير والذهاب ماشيًا وأن يتنظّف ويتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه ويذهب من طريق ويعود من آخر، ولا يخرج لصلاة عيد الفطر حتى يأكل تمرات وأنه يأكلهن وترًا، وأما في عيد الأضحى فإن المستحب أن لا يأكل إلا بعد الصلاة، ويجعل أكله من أضحيته .

ثم قال المصنّف - رحمه الله - تعالى: "فيصلي بهم ركعتين" يعني، الإمام، قال ابن قدامة في المغني: "لا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان، وفيما تواتر عن النبي ﷺ أنه صلى العيد ركعتين، وفعله الأئمة بعده إلى عصرنا، لم نعلم أحدًا فعل غير ذلك ولا خالف فيه" [المغني لابن قدامة: 2/279].

قال عمر : صلاة الجمعة ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد ﷺ"، [رواه النسائي: 1420، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي] 

ولا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها إذا صليت في المصلى كما جاء عن ابن عباس أن النبي ﷺ خرج يوم العيد وصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها" [رواه البخاري: 964، ومسلم: 884].

فإذن هل يوجد للعيد سنة قبلية؟ لا، هل يوجد لها سنة بعدية؟ لا، قال النووي - رحمه الله -: "فيه أنه لا سنة لصلاة العيد لا قبلها ولا بعدها" [شرح النووي على مسلم: 6/181]، وقال الزهري - رحمه الله - أيضًا: "لم يبلغنا أن أحدًا من أصحاب النبي ﷺ كان يسبّح" يعني: يصلي نافلة أو سنة لها يوم الفطر والأضحى قبل الصلاة ولا بعدها - يعني في المصلّى - إلا أن يمر منهم مار بمسجد رسول الله ﷺ فيسبح فيه"، يعني: يصلي نافلة فيه، [فتح الباري لابن رجب: 9/91]، فإذا كانت صلاة العيد لا سنة قبلية ولا سنة بعدية لها، فما حكم التنفُّل عمومًا بعد صلاة العيد ولو أراد أن يصلي الضحى مثلًا؟ الجواب: لا حرج ولا بأس في ذلك.

قال ابن العربي - رحمه الله -: "التنفُّل في المصلى لو فعل لنقل ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه السبب في تركه ماذا رأى أن النبي ﷺ لم يفعله ومن اقتدى فقد اهتدى" [فتح الباري لابن حجر: 2/476]، إذن رأي ابن العربي أنه لا توجد صلاة في المصلى.

وقال ابن حجر - رحمه الله -: "والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافًا لمن قاسها على الجمعة؛ لأن الجمعة لها سنة بعدية لكن ليس لها سنة قبلية، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص" [فتح الباري لابن حجر: 2/476]. أما مطلق النفل فقد قال ابن حجر - رحمه الله - وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام"، [فتح الباري لابن حجر: 2/476] فقبل صلاة العيد سيكون وقت نهي، يعني سواء بعد الفجر نهي كراهة، أو عند طلوع الشمس نهي تحريم، ثم سيصلون العيد، وبعدها إذا أراد أن يتنفل تنفلًا مطلقًا أو يصلي سبحة الضحى في غير المصلى فلا حرج ولا بأس بذلك.

وهذا الخلاف فيما لو تنفل في المصلى، وأما لو صلى في بيته بعد رجوعه مثلًا فلا حرج، قال ابن رجب: "فأما الصلاة في غير موضع صلاة العيد، كالصلاة في البيت، أو في المسجد، إذا صليت العيد في المصلى، فقال أكثرهم: لا تكره الصلاة فيه قبلها ولا بعدها إلا إذا وافق وقت النهي قبلها" [فتح الباري لابن رجب: 9/93]، كما تقدم، وجاء عن أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله ﷺ لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين"[رواه ابن ماجه: 1292، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4859]. رواه ابن ماجه وحسّنه ابن الملقن وابن حجر والمباركفوري والألباني وقال الحاكم - رحمه الله -: "هذه سنة عزيزة بإسناد صحيح" يعني أنه نادر من يطلع عليها ومن يعمل بها.

فصلّى ﷺ في بيته ركعتين بعد ما رجع من صلاة العيد، وإذا صلّى العيد في المسجد فهل يصلي تحية المسجد عند دخوله؟ الآن عرفنا إذا صلى في الصحراء في المصلى لا صلاة فيه، لكن إذا صلوا صلاة العيد في المسجد، فإذا دخل مريد صلاة العيد فهل يتنفل في المسجد تحية المسجد؟ اختلف في ذلك، قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: "والظاهر أنه يصلي وفعلها في المسجد لا للعيد فعلها في المسجد للمسجد لا للعيد"، [إحكام الأحكام: 1/291].

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في فتاويه: "صلاة العيدين إذا صليت في المسجد فإن المشروع لمن أتى إليها أن يصلي تحية المسجد ولو في وقت النهي، لكونها من ذوات الأسباب، لعموم قوله ﷺ :  إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " [مجموع فتاوى ابن باز: 13/15].

ولو كانت صلاة العيد في المصلى فهل يصلي تحية المسجد في المصلى؟

الجواب: من أهل العلم من قال لا يصلي فيه تحية المسجد؛ لأنه ليس بمسجد؛ ولأن حكم المصلى يختلف عن حكم المسجد؛ ولأن النبي ﷺ لم يصل قبل صلاة العيد شيئًا، واختار هذا من المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وعلماء اللجنة الدائمة، قال الشيخ: إذا صليت في المصلى المعد لصلاة العيدين فإن المشروع عدم الصلاة قبل صلاة العيد؛ لأنه ليس لها حكم المساجد من كل الوجوه؛ ولأنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها" [مجموع فتاوى ابن باز: 13/16]، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة [فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (7/276]: لا يصلي من دخل المصلى لصلاة العيد ركعتين تحية قبل أن يجلس لأن صلاة التحية بالمصلى مخالف لما كان عليه العمل من النبي ﷺ وأصحابه ، ذهب آخرون إلى أنه يصلى في المصلى تحية المسجد، ومن هؤلاء: الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - وقال: إن أصحاب أحمد - رحمه الله - قالوا بذلك وأن صاحب المنتهى قال: "ومصلى العيد مسجد لا مصلى الجنائز" [الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/154]، وبماذا استدلوا على أنه مسجد؟ قالوا: إن النبي ﷺ أمر أن يعتزل الحيّض المصلى فهذا دليل على أنه أعطاه حكم المسجد، وبناء عليه نقول: إن النبي ﷺ قال: إذا دخل أحدكم المسجد.... الحديث  يشمل المصلى.

ولعل الراجح - والله أعلم - أن مصلى العيد ليس بمسجد وإن وافقه في بعض أحكامه، فكما ذكر الشيخ عبد العزيز ليس له حكم المسجد من جميع الوجوه، ومنع الحائض من إتيان مصلى العيد لا يشترط أن يستدل منه على أن مصلى العيد مسجد، فإن منع التقذير والتلويث والرائحة الكريهة في المصلى فيه فائدة واضحة؛ ولأنه مكان صلاة فلا يناسب أن تمكث فيه الحائض، ولذلك منعها منه لا يدل على أنه مسجد، لا يدل بالضرورة على أنه مسجد، ثم إن المنقول عن النبي ﷺ وأصحابه أنه لا صلاة قبلها، وكان يصلون في المصلى، ولو كان هذا مسجدًا لفهموا منه أن تصلى تحية المسجد فيه، ونقل ذلك، لكن القضية أنه الآن نقل العكس، وإن كان الذين يقولون بالصلاة ناقشوا الأمر أيضًا وقالوا : كون النبي ﷺ ما صلى قبلها لأنه إمام، وهو سيخرج إليهم، ويصلي مباشرة، مثل صلاة الجمعة، يعني سيدخل الجامع ولا يصلي تحية المسجد، بل يصعد المنبر ويخطب، ومن العلماء من قال: حتى وإن كان مسجدًا فلا تصلى تحية المسجد فيه في العيد كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد - رحمه الله - لأن النبي ﷺ صلّى العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، وهذا ثابت كما في الصحيحين.

وكذلك فإننا لو قلنا : إن هذا مسجد فسوف يكون وقفًا، ولا يجوز تغييره إلى شيء آخر، يعني ستترتب عليه أحكام أخرى إذا قلنا إنه مسجد، فالشاهد أن الصحابة رضوان الله عليهم نقلوا أن النبي ﷺ لم يصل قبلها ولا بعدها شيئًا، هذه مسألة خلافية، ولكل من القائلين بأحد القولين نظر واجتهاد، فيجري عليها ما يجري على المسائل الخلافية، لكن أكثر أهل العلم أنه لا يصلي شيئًا إلا صلاة العيد.

قال المصنف - رحمه الله تعالى -: "بلا أذان ولا إقامة" يعني: أن صلاة العيد يجتمع الناس إليها، وتصلى بلا أذان ولا إقامة، قال ابن قدامة - رحمه الله –: "ولا نعلم في هذا خلافًا ممن يعتد بخلافه إلا أنه روي عن ابن الزبير أنه أذن وأقام، وقيل: أول من أذن في العيد ابن زياد، وهذا دليل على انعقاد الإجماع قبل ابن زياد على أنه لا يسن لها أذان ولا إقامة، وقد ثبت أن النبي ﷺ كان يصلي العيد بلا أذان ولا إقامة" [المغني: 2/280]

 كما جاء في حديث جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول اللهﷺ العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة رواه مسلم - رحمه الله - في صحيحه، قال النووي: "قوله هذا دليل على أنه لا أذان ولا إقامة للعيد، وهو إجماع العلماء اليوم، وهو المعروف من فعل النبي ﷺ والخلفاء الراشدين، ونقل عن بعض السلف فيه شيء خلاف إجماع من قبله وبعده" [شرح النووي على مسلم: 6/175]، لعله يشير إلى ابن الزبير .

هل ينادى لها: الصلاةُ جامعة أو الصلاةَ جامعة؟

استحبّ ذلك بعضهم من الشافعية والحنابلة ولكن قال ابن جريج - رحمه الله -: "أخبرني عطاء عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى، ثم سألته بعد حين عن ذلك، فأخبرني قال: أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيئاً. رواه مسلم، لا إقامة ولا نداء ولا أي شيء، لا الصلاة جامعة ولا غيرها، قال النووي: "هذا ظاهره مخالف لما يقوله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب أن يقال : الصلاة جامعة" [شرح النووي على مسلم: 6/177].

وقال ابن قدامة: "وقال بعض أصحابنا ينادى لها: الصلاة جامعة، وهو قول الشافعي، وسنة رسول اللهﷺ أحق أن تتبع"، [المغني لابن قدامة: 2/281] إذن لا نداء ولا إقامة ولا أي شيء لهذه الصلاة.

وقال ابن القيم - رحمه الله -: "وكان ﷺ إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة، ولا قول الصلاة جامعة، والسنة أن لا يُفعلُ شيء من ذلك"، [زاد المعاد: 1/427].

في فتاوى اللجنة الدائمة أيضًا: إذا قام الإمام لصلاة العيد فإنه يبدأ بتكبيرة الإحرام، ولا يقول للناس قبلها: الصلاة جامعة، ولا صلاة العيد أثابكم الله، ولا غير ذلك من الألفاظ، فتاوى اللجنة الدائمة فيه: ولا صلاة العيد أثابكم الله، مقتبسة من نداءات بعض المؤذنين، وليست من السنة، فبعضهم يقول: صلاة الجنازة أثابكم الله، صلاة العيد أثابكم الله، صلاة الاستسقاء أثابكم الله، ما ورد هذا ليس في السنة، ليس من السنة في شيء، في فتاوى اللجنة الدائمة: إذا قام الإمام لصلاة العيد فإنه يبدأ بتكبيرة الإحرام، ولا يقول للناس قبلها: الصلاة جامعة، ولا صلاة العيد، ولا غير ذلك من الألفاظ، لعدم ورود ما يدل عليه، وإنما ينادى به الصلاة جامعة في كسوف الشمس وخسوف القمر، انتهى من فتاوى اللجنة [فتاوى اللجنة الدائمة: - 1 (8/314].

قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: "ويكبّر سبعًا بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمسًا سوى تكبيرة القيام".

يعني يكبر الإمام في صلاة العيد تكبيرة الإحرام، ثم يدعو بدعاء الاستفتاح، ثم يكبر ست تكبيرات، ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقوم مكبرًا، فإذا انتهى من القيام كبر خمسًا، ويقرأ بعدها سورة الفاتحة، ثم يقرأ سورة في الركعة الثانية، وذلك لقوله ﷺ:  التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما  [رواه أبو داود: 1151، وصححه الألباني في الإرواء: 3/108].

قال ابن عبد البر: "وقد روي عن النبي ﷺ أنه كبّر في صلاة العيد سبعًا في الركعة الأولى، وخمسًا في الثانية، من طرق كثيرة حسان، منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن حديث جابر بن عبد الله، ومن حديث عائشة، ومن حديث عوف بن عمرو المزني، ومن حديث ابن عمر، ومن حديث أبي واقد الليثي، كلها عن النبي ﷺ  [الاستذكار: 2/395].

وقد اختلف العلماء في كيفية عد هذه التكبيرات فقيل: هي سبع في الأولى مع تكبيرة الإحرام، وهو مذهب المالكية والحنابلة، [المغني لابن قدامة: 2/282]، واختاره الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في تعليقه على بلوغ المرام، [موقع الشيخ ابن باز رحمه الله]. وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكبر في العيد في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح، وفي الآخرة ستًا بتكبيرة الركعة، يعني القيام، كلهن قبل القراءة"، رواه ابن أبي شيبة [رواه ابن أبي شيبة: 5703]  وصححه في إرواء الغليل [إرواء الغليل: 3/111]. وقيل: هي سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام، وهذا مذهب الشافعي، قال ابن عبد البر - رحمه الله -: "واتفقا -يعني مالكًا والشافعي- في الثانية على خمس سوى تكبيرة القيام والركوع"، [التمهيد: 16/38].

فإذن: حصل الخلاف في السبع التي في الركعة الأولى هل تكبيرة الإحرام منها أو ليست منها؟ والأمر في هذا واسع، وماذا يفعل المأموم إذا أدرك إمامه أثناء التكبيرات؟ هل يقضي ما فاته أم لا؟ لا يقضي؛ لأنها سنة فات موضعها فلا تقضى، فيتابعه فيما بقي من التكبيرات .

قال المصنّف - رحمه الله -: "ويرفع يديه مع كل تكبيرة" فيُستحب أن يرفع يديه في حال تكبيره حسب رفعهما مع تكبيرة الإحرام"، [المغني لابن قدامة: 2/283]، وهذا مذهب جمهور العلماء كما قال ابن قدامة.

وعن وائل بن حجر الحضرمي قال: رأيت رسول الله ﷺ يرفع يديه مع التكبير، وهذا وإن كان في الصلاة العادية إلا أن الإمام أحمد قال: أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله" [المغني لابن قدامة: 2/283].

يعني: بما فيها تكبيرات العيدين والجنازة، وروي عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة، وفي العيد. رواه الأثرم، والأثرم من أعلم أصحاب وأتباع الإمام أحمد بالحديث، قال ابن قدامة: "ولا يعرف له مخالف في الصحابة" [المغني: 2/283] يعني: رفع اليدين في تكبيرات العيد، بالنسبة لحديث عمر ضعّفه الألباني في الإرواء [إرواء الغليل: 3/112]، قال ابن القيم: "وكان عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة"، [زاد المعاد: 1/427].

قال الشيخ ابن عثيمين : والصواب أنه يرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن هذا ورد عن الصحابة  ولم يرد عن النبي ﷺ خلافه، ومثل هذا العمل لا مدخل للاجتهاد فيه، لأنه عبادة، فهو حركة في عبادة، فلا يذهب إليه ذاهب من الصحابة إلا وفيه أصل عن رسول الله ﷺ" [الشرح الممتع: 5/138].

ثم قال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - : ويحمد الله ويصلي على النبي ﷺ بين كل تكبيرتين، فإذًا إذا قام الإمام لصلاة العيد كبر تكبيرة الإحرام، ثم استفتح بدعاء الاستفتاح بعد التكبيرة الأولى مباشرة، وبعد دعاء الاستفتاح يكبر تكبيرات العيد، وسبق الخلاف هل هي ست أو سبع بعد الاستفتاح؟ وإذا كبر التكبيرات ماذا يفعل؟ يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقرأ الفاتحة:  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  [الفاتحة: 1 - 2].

بين التكبيرات ماذا يقول؟ كبر التكبيرة الثانية الثالثة متواليات، قال بعض العلماء: لا يقول بينهن شيئًا، هي تكبيرات متوالية، وقال بعضهم: بل يقول ما ورد، أين ورد؟ وعمن ورد؟ عن إبراهيم النخعي أن الوليد بن عقبة دخل المسجد، وابن مسعود وحذيفة وأبو موسى في عرصة المسجد -في ساحة المسجد-، فقال الوليد: إن العيد قد حضر فكيف أصنع؟ لأنه هو كان الأمير، وهؤلاء الصحابة العلماء أعلم منه، فقال ابن مسعود: تقول : الله أكبر، وتحمد الله، وتثني عليه، وتصلي على النبي ﷺ وتدعو الله، ثم قال ابن مسعود أيضًا : ثم تكبر، وتحمد الله، وتثني عليه، وتصلي على النبي ﷺ، ثم كبّر، يعني في النهاية التي هي آخر تكبيرة، التي بعدها القراءة، واقرأ بفاتحة الكتاب، وسورة، فقال حذيفة وأبو موسى تعليقًا على كلام ابن مسعود : أصاب، فأقرّه على ذلك". رواه الطبراني في المعجم الكبير [الطبراني في الكبير: 9515]. وصححه الألباني في الإرواء [إرواء الغليل: 3/114]. فإذن، إذا ثبتت عندنا هذه السنة عن هؤلاء الصحابة، فبين تكبيرات العيد، حمد لله، وثناء عليه، وصلاة على النبي ﷺ ودعاء.

وفي المغني [المغني لابن قدامة: 2/283]: أن أحمد والشافعي جاء عنهما بين التكبيرات، يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي ﷺ وإن قال : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أو ما شاء من الذكر فجائز؛ لأن هذا داخل في الثناء على الله، وذكره، وقال أبو حنيفة ومالك : يكبر متواليًا، لا ذكر بينه؛ لأنه لو كان بينه ذكر مشروع لنقل، كما نقل التكبير، كالتسبيح في الركوع والسجود، فلعله لم يبلغهما أثر ابن مسعود، على أية حال الأمر في هذا واسع كما قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع: "إن ذكر ذكرًا فهو على خير، وإن كبر بدون ذكر فهو على خير" [الشرح الممتع: 5/140]، قال ابن قدامة: "والتكبيرات والذكر بينها سنة، وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمدًا ولا سهوًا، ولا أعلم فيه خلافًا، فإن نسي التكبير - غير تكبيرة الإحرام وغير تكبيرة القيام - وشرع في القراءة لم يعد إليه" [المغني: 2/284]؛ لأنه فات محله، فات موضعه، شرع في القراءة، لا يعود للتكبير، فإذن التكبيرات سنة، لو نسي الإمام، لو أخطأ في العدد، لو نسي التكبيرات هذه، فهي سنة، وإذا شك في التكبيرات بنى على اليقين، يعني على الأقل.

قال المصنّف - رحمه الله تعالى -: "ثم يقرأ الفاتحة" قال ابن قدامة: "لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أنه يشرع قراءة الفاتحة، وسورة في كل ركعة، من صلاة العيد" [المغني لابن قدامة: 2/281].

ويدل على ذلك عموم قوله ﷺ:  لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب [رواه البخاري: 756، ومسلم: 394]. ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى سورة سبح، وفي الركعة الثانية الغاشية، فقد كان رسول الله ﷺ يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى  [الأعلى: 1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1]، كما جاء في صحيح مسلم، وثبت عنه أيضًا ﷺ سنة أخرى في القراءة في العيدين، وهي أن يقرأ في الركعة الأولى بـ:  ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ  [ق: 1]، والثانية:  اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ  [القمر: 1]، وهذه مجامع الناس العظيمة، من مجامع الناس العظيمة العيد، فيذكر باليوم الآخر، وعلى هذا اشتملت سورة ق وسورة اقتربت، والحديث المتقدم في صحيح مسلم، وينبغي للإمام إحياء السنة بقراءة هذه السور حتى يعرفها المسلمون ولا يستنكروها إذا وقعت، وإذا قرأ بغيرها جاز، وتكون القراءة بعد التكبير في الركعتين.

قال المصنّف - رحمه الله -: "ويجهر بالقراءة فيهما" يُسن الجهر إلا أنه روي عن علي أنه كان إذا قرأ في العيدين أسمع من يليه ولم يجهر ذلك الجهر، وقال ابن المنذر: "أكثر أهل العلم يرون الجهر بالقراءة وفي إخبار من أخبر بقراءة النبي ﷺ دليل على أنه كان يجهر؛ ولأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة"، [المغني: 2/281].

ثم قال المصنف - رحمه الله -: "فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي العيد"، لم يرد هنالك دليل صريح صحيح على أن العيدين لهما خطبتان، لكن على هذا سار عامة الفقهاء، لكن جاء عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهذا تابعي من فقهاء المدينة السبعة، قال : "السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس" [رواه الشافعي في مسنده: 463]. قال ابن الملقن: "وإذا قال التابعي : من السنة كذا، فالأصح وقفه، وقيل: إنه مرفوع مرسل، ولا حجة فيه على القولين، أما على هذا فلإرساله، وأما على الأول فلأنه لم يثبت إسناده، يعني مرفوعًا ولا حجة فيه" [البدر المنير: 5/114]، إذن على الصحيح، هذا قاله ابن الملقّن في البدر المنير.

قال النووي: "ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة" [خلاصة الأحكام: 2/838].

وجاء في المدونة : قال مالك: الخطب كلها، خطبة الإمام في الاستسقاء، والعيدين، ويوم عرفة، والجمعة، يجلس فيما بينها، يفصل فيهما بين الخطبتين بالجلوس" [المدونة: 1/231]، وذكر ابن حزم في مسائل العيد : "فإذا سلّم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما، ثم قال : كل هذا لا خلاف فيه" [المحلى بالآثار: 3/293].

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في شرحه على منتقى الأخبار : "هذا الحديث مرسل، ولكن تقاس خطبة العيد على الجمعة، مع هذا الحديث المرسل، وعلى هذا العلماء والأخيار، ومن خطب خطبة واحدة للعيد، فيذكر باتباع العلماء والأخيار، وأنهم لم يخطبوا خطبة واحدة، وإنما خطبوا خطبتين" [صلاة العيدين في ضوء الكتاب والسنة للدكتور سعيد بن وهف القحطاني: ص 72]، وسألت الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن هذه المسألة فقال ما معناه هكذا، يعني الخطبتين، جاء عن السلف، فلماذا المخالفة؟ يعني لم ينقل عن السلف غيره، ومال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - إلى الخطبة، وقال : "أرجو أن الأمر في هذا واسع". [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/246].

والسنة البدء بالصلاة ثم الخطبة فعن ابن عباس قال: "شهدتُ العيد مع رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة" [رواه البخاري: 962].

وهنا قصة مشهورة، وفيها فوائد كثيرة، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم" وهذا يشعر أنه لم يكن بالمصلى منبر زمان النبي ﷺ قال: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان - لم يزل الناس والخلفاء والصحابة على أن الخطبة بعد الصلاة - حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني، أي خالفني، فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم والله، فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال-الآن اللهجة الانهزامية في قضية التبريرات السخيفة-: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة" [رواه البخاري: 956].

تبريره للمخالفة، قال : يمكن في نفوس الناس شيء علينا، فإذا صلوا العيد مشوا وما سمعوا خطبتي، فعكسها، وعكس السنة، وجعل الخطبتين قبل الصلاة، ليجبرهم على سماع خطبته، وهذا تبرير سيئ، وفيه الإنكار الواضح على من أعلن المخالفة، قال ابن حجر - رحمه الله -: "وفيه جواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى؛ لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف فيستدل به على أن المبادءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها" [فتح الباري لابن حجر: 2/450]، فهو ليس شرط صحة، لكن هذه هي السنة، وهي التي يجب المحافظة عليها، والحرص عليها، وإنكار خلافها والله أعلم"، قال ابن قدامة - رحمه الله – : "إن خطبتي العيد بعد الصلاة لا نعلم فيه خلافًا بين المسلمين إلا عن بني أمية، ولا يعتد بخلاف بني أمية؛ لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم، ومخالف لسنة رسول الله ﷺ الصحيحة، وقد أنكر عليهم فعلهم، وعد بدعة ومخالفًا للسنة" [المغني: 2/285].

بماذا كان النبي ﷺ يفتتح خطبتي العيد؟ درج بعض الخطباء على افتتاحها بالتكبير، فهل في ذلك سنة؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "لم ينقل أحد عن النبي ﷺ أنه افتتح خطبته بغير الحمد، لا خطبة عيد، ولا استسقاء، ولا غير ذلك"، [مجموع الفتاوى: 22/394].

وقال ابن القيم - رحمه الله -: "وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله، وأما قول كثير من الفقهاء، إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وخطبة العيدين بالتكبير، فليس معهم فيه سنة عن النبي ﷺ البتّة، وسنته تقتضي خلافه، وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد لله" [زاد المعاد: 1/179].

ما حكم الاستماع لخطبة العيد؟ سنة، قال ابن قدامة - رحمه الله -: "والخطبتان سنة، لا يجب حضورها، ولا استماعها، وإنما أخرت عن الصلاة، والله أعلم؛ لأنها لما كانت غير واجبة، جعلت في وقت يتمكن من أراد تركها من تركها، بخلاف خطبة الجمعة" ثم قال: "والاستماع لها - يعني خطبة العيد - أفضل"، [المغني لابن قدامة: 2/287].

إذا حضر هل يجب الإنصات؟ نعم، لعموم حديث : إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت رواه النسائي وهو حديث صحيح، [رواه البخاري: 934، ومسلم: 851]. وربما قال بعضهم بعدم الوجوب، ولكنه إذا شوش على غيره، فإنه قد آذى الحاضرين، فلابد أن يمتنع إذا كان فيه تشويش على الحاضرين، فيقال له : إما أن تجلس وتنصت، وإلا انصرف راشدًا، ثم قال المصنّف - رحمه الله -: "إلا أنه يذكر في كل خطبة الأحكام المناسبة للوقت" يعني إن كان في عيد الفطر، أمرهم بصدقة الفطر، وبين لهم وجوبها، وثوابها، وقدر المخرج، وجنسه، وعلى من تجب، وعلى من تدفع، طبعًا هذا المفترض أنهم قد علموه من قبل، لأن الإخراج قبل صلاة العيد، لكن قال بعض العلماء : إن وقت صدقة الفطر يمتد بعد صلاة العيد في يوم العيد، وإن كان هذا ليس هو الراجح، لكن التذكير يفيد في أي شيء؟ من خالف من نقص من نسي فربما يفيده ذلك، فربما يكون الناس مثلًا عندهم جهل فيتعلمون، أو نسيان فيتذكرون، أو ظن شيئاً آخر أقل من المطلوب، فيكمل المطلوب الواجب، أو يكون حدث خلاف بين بعض العامة فيؤكد لهم الحق، وهكذا، فيبين الإمام أن من أخرجها قبل الصلاة فهي زكاة متقبلة، ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، ويأمر بالتقوى ويعظ ويوصي بطاعة الله وإذا كان في الأضحى المجال أوسع الآن؛ لأنهم سيذبحون بعد، فذكر أحكام في عيد الأضحى هذا، يعني الفائدة فيه واضحة، فيذكر الأضحية، وفضلها، وأنها سنة مؤكدة جدًا، وما يجزئ فيها، ووقتها، وذبحها، والعيوب المانعة، وكيفية التفريق، وماذا يقول عند الذبح، والأمر بتقوى الله، ويوصي بطاعته، ويذكر الناس، ويأمر بالصدقة، وكذلك فإنه أيضًا يبين للناس أن الذبح يستمر إلى يوم الثالث عشر، وعن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر، والأضحى، إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، رواه البخاري، لأن الآن يسأل بعض الناس : ما محتوى خطبة العيد؟ يعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإذن فيها موعظة، فيها وصية، فيها أوامر، رواه البخاري، وعن جابر بن عبد الله عنه : قال شهدت مع رسول الله ﷺ الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، إذن هذه أيضًا، وحث على طاعته، وهذه أيضًا، ووعظ الناس، وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن، وذكرهن، فقال : تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم  فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال:  لأنكن تكثرن الشكاة  فينبغي على المرأة المسلمة أن لا تكثر الشكاية، لا تكثر التأفف، تصبر، قال:  لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير  وكثرة الشكاية إذا كان فيها اعتراض على القضاء والقدر، وهنا تكون القضية خطيرة جدًا، فإذن ينبغي الصبر والتحمل وقد يعرض لها ما يؤذيها لكن تصبر، قال: "فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن" [رواه مسلم: 885].

وقوله: امرأة من سطة النساء، يعني جالسة وسط النساء، ومعنى سفعاء الخدين، يعني فيها تغير وسواد الخدين.

بقي عندنا مسألة التكبير المطلق والمقيد .

وبقي مسائل في صلاة العيد، نختم بالمسائل، ونؤجل مسألة التكبير .

أولًا: إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة، فمن حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهرًا في وقتها، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل، لحديث إياس بن أبي رملة الشامي قال : شهدت معاوية بن أبي سفيان، وهو يسأل زيد بن أرقم : أشهدت مع رسول الله ﷺ عيدين اجتمعا في يوم؟ قال : نعم، قال : فكيف صنع؟ صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، فقال :  من شاء أن يصلي فليصل رواه أبو داود وصححه النووي في المجموع [رواه أبو داود: 1070، وصححه النووي. المجموع شرح المهذب: 4/ 492] وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ قال:  قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون [رواه أبو دود: 1073، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4365]. الأفضل حضور الجمعة، والإمام يجب عليه أن يحضر الصلاتين، وهو المسئول عن الخطبة  وإنا مجمعون .

ثانيًا: من لم يحضر صلاة العيد، فلا تشمله الرخصة، ولا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب أن يسعى إليها، فإن لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة صلاها ظهرًا، هذا واحد ما صلى العيد، راح لصلاة الجمعة، ما حصل إلا شخص واحد، وهي تنعقد بثلاثة، لو هو مقتنع بهذا، والا ما حصل، ما وجد إلا نفسه، ماذا يفعل؟ سيصلي ظهرًا.

ثالثًا: يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد إذا حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة، وإلا فيصلي ظهرًا .

رابعًا: من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة، فإن عليه صلاة الظهر بالتأكيد، ما في يوم أصلًا أقل من خمس صلوات، يعني من الفرائض، فإنه يصليها ظهرًا بعد دخول وقت الظهر .

خامسًا: لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فإذا وافق العيد جمعة لا يشرع أذان صلاة الظهر في المساجد، لا يشرع إلا أذان صلاة الجمعة في الجوامع، فلا تفتح المساجد لصلاة الظهر، ولا يؤذن لصلاة الظهر، ويصلي من شاء الظهر في بيته بمن معه، بأهله، وهذا يلغز به، فيقال : رجل مقيم، لا تجب عليه صلاة الجماعة، وهو صحيح، قادر على المجيء، فيكون الجواب : وافق العيد جمعة، فصلى العيد، فلا تجب عليه الجماعة، والقول بأن من حضر صلاة العيد، تسقط عنه صلاة الجمعة، وصلاة الظهر، قول شاذ، ولذلك هجره العلماء، وحكموا بخطئه، وغرابته، لمخالفته للسنة، وإسقاطه فريضة من فرائض الله بغير دليل، ولعل من قال به، لم تبلغه السنن والآثار التي وردت في هذا. إذا لم يحضر خطبة العيد، هل تجب عليه خطبة الجمعة؟ الجواب: كلا، إذا صلى العيد سقطت عنه الجمعة، حضر المشهد مع الناس، شهد الجمع.

قوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]، فاسعوا، هذه واو الجمع، وأقل الجمع ثلاثة، وقيل : اثنان؛ وقيل: أربعون، وحديثه ضعيف، وقيل: على عدد أهل بدر، وما في علاقة، يصلي الظهر في منزله، لكن إذا وجد في منزله جماعة، جمع أهله فصلى بهم، فلم لا؟ فإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته معه هذا، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.