الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

تثبيت الناس في زمن العواصف


عناصر المادة
فتن الشبهات والشهوات
الاعتصام بالله والثبات
دور العامة في تثبيت الناس
لص يثبت عالماً
دور الأبناء في تثبيت الآباء
الفتن بالأهل والأولاد
فتنة المال
فتن الشهوات
وسائل تثبيت الناس
فتنة إرعاب الأعداء للمسلمين
فتنة الامتناع عن النفقة
وعد الله المؤمنين بالاستخلاف في الأرض
تثبيت الناس في زمن الطعن في الإسلام
يجب تصحيح الأخلاق والمعاملات
الثبات على الحق ولو لوحدك
فتنة المنافقين
فقدان التسليم للعلم
فقدان التدرج في تلقي العلم
إعادة النظر في الممارسات لا في المنهج
الحاجة إلى الفقه في الدين
الوسطية الحقة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

فنسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وموضوعنا على التثبيت في زمن العواصف.

فتن الشبهات والشهوات

00:00:33

إنه زمن العواصف الهوجاء ورياح الفتنة التي هبت على المسلمين، وشاء الله التمحيص واقتضته حكمته: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ  [آل عمران: 142].

ويريد الله ليبلوكم، و لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الأنفال: 37].

وهكذا تفتحت أبواب الشر وأطلقت الفتنة أعنتها، تمر عاصفة تدمر كل مفتون بإذن ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مغموص عليه بالنفاق أو عاجز هزيل لا يثبت على راحلة الإيمان.

لقد أصبح المسلم يعيش زمان الصبر الذي يكون فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر، وثارت الفتن من حوله كقطع الليل المظلم يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا.

ليس العجيب ممن هلك كيف هلك، لكن العجيب ممن نجا وبقي وصبر كيف نجا.

وبقي عباد الله الأوابون على طريق الحق ثابتين، هذه القلة هي التي ستنقذ الموقف، مفاتيح للخير مغاليق للشر، معقود نجاة الأمة بهم بإذن الله -تعالى-، يؤدون عملهم، ويقومون بالواجب، نصيحة لله ورسوله وللمؤمنين.

نسأل الله أن يجعلنا منهم.

ما هو دورنا في التثبيت؟ ما هو المطلوب أن نفعله ونحن نرى فتن الشهوات كرياح الصيف والشتاء وأمواج البحر تبتلع من تبتلع وتهب وتفتن؟

قنوات للعري لإبليس ينزع عن الناس لباسهم بالمعصية ليريهم سوآتهم، فتنة الشهوات ومواقع ومعارض للعورات على الشبكات، وكاميرات في الجوالات، ورسائل مغرية، وأشكال في الطرقات، والأسواق فاتنة، أرقام ترمى، تعارف وتخاطب، وفتح الباب بين الجنسين ومداخلات سرًا وعلانية، وأفلام جنسية وأنواع من الفواحش حتى مع البهائم؟

وأما فتنة المال وفتنة هذه الأمة بعد النساء في المال أيضًا فأبواب للكسب الحرام ما أكثرها، فتح للربا وتنويعه وتسويقه وتنميته، وكذلك الميسر والقمار ومشاريعه ومسابقاته، وأكل المال بالباطل خداعًا وغشًا كذبًا واحتيالًا، رشوة في توظيف أو بيع أو شراء أو عقد أو صفقة أو عقود ومقاولات، وأنواع من الغرر والجهالات والبيوع المحرمة والاستئجار المحرم والتأجير المحرم والاستثمار المحرم.

ومن الناس من يفتح أبواب الربا لهؤلاء.

ثم الزلزال الكبير في فتنة الشبهات، خلخلة للأصول، طعن في الكتاب والسنة وفهم الصحابة والسلف وفتاوى العلماء الثقات وكتب الإسلام.

بث الشبهات حول منهج السلف، هجومًا على المبادئ التي لم تكن تمس والمسلمات، وجعل هذه المسلمات قابلة للنقاش أخدًا وردًا، وشنًا للغارات على رموز هذا المذهب السلفي وشيوخه ودعاته وعلمائه الكبار جرحًا وقذفًا وتشويهًا وتشنيعًا واتهامًا لهذا المنهج السلفي بالجمود والنصوصية والانغلاقية وأحادية النظرة، ومصادرة آراء الآخرين، وأن الزمن قد تجاوزه، ولابد من تجديده وتغييره، ويقومون بذلك انتهازًا سيئًا خبيثًا لئيمًا لغلو بعض المنتسبين إليه وجرائمهم وأخطائهم وتهوراتهم لإسقاط منهج السلف وتمييعه وتحييده وعزله وإحالته على التقاعد، وجعله في متحف النظريات.

ونحن في هذا الخضم من هذه الفتن والأعاصير التي تهب يجب علينا أن نقوم لله بالواجب، وأن نبين الحجة وأن نثبت على الدين، وأن نكون أوفياء لهذا المنهج منهج الكتاب والسنة والسلف الصالح.

إننا نتعرض في هذا الزمن لهجوم شرس من أعدائنا المنافقين في داخلنا، ومن أعدائنا في الخارج هجوم متتابع على هذا المنهج منهج الكتاب والسنة، فهل ستكونون أوفياء لهذا الدين -أيها الإخوة والأخوات يا عباد الله-؟

الاعتصام بالله والثبات

00:05:17

إننا في زمن العصر، عصر الذي تتابعت فيه هذه الفتن، وليس لنا إلا أن نعتصم بالتواصي بالحق والصبر بعد أن نعتصم بالله : وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

 إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ [الأنفال: 45] سواء لقيتموهم في ميادين المعارك، أو لقيتموهم في ميادين المنازلات بالحجة والمناظرة.

وأن نلقى عدونا الذي يسدد إلينا السهام والاتهامات بالإرهاب ويرجفوننا به، ويريدون أن يغيروا علينا بخيلهم ورجلهم، وأن يحرفونا عما أنزله الله إلى نبينا ﷺ، وقد قال لنا ﷺ: يا عباد الله فاثبتوا [رواه مسلم: 2937]، فيجب أن نثبت على ديننا.

وقد كان نبينا ﷺ كثيرًا ما يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك [رواه أحمد: 12107، وقال محققو المسند: "إسناده قوي على شرط مسلم"]، ويقول: يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك  [رواه أحمد: 9420، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

وقال: يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكتنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد ...  الحديث وهو صحيح[رواه الطبراني في الكبير: 7135]

الدوام على الدين، ولزوم الاستقامة عليه.

إن مهمة الثبات على كل واحد منا أن يثبت نفسه، لكن علينا مهمة جليلة ضخمة كبيرة في تثبيت الناس، في تثبيت الشباب، في تثبيت الآخرين.

الآن القضية أنك ترى فيمن حولك زللًا وانحرافات وهجوماً كاسراً، ولابد أن تصد وأن ترد، وأن تطمئن تلك القلوب المزلزلة، وأن تهدىء تلك النفوس القلقة، وأن تثبت هؤلاء الناس الذين بدؤوا يرتجفون عن المنهج الصحيح وينحسرون ويزولون عنه.

إننا أمام زحف هائل، وقد قال الله للملائكة: فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ  [الأنفال: 12].

ونحن نستفيد من هذا الدرس أننا أمام جحافل الكفار، والهجمة اليوم على السلفية والوهابية وعلى المنهج الصحيح، وذم هذا الدين أتباع هذا الدين الذين يتمسكون به حقيقة ونعتهم بالألفاظ، وغير ذلك من السباب والشتائم التي يطلقونها والتهم، نحن الآن علينا واجب كبير في التثبيت: فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ [الأنفال: 12] قووا عزائمهم، وصححوا نياتهم، ألهموهم الجراءة على عدوهم.

ونحن لا نريد والله أن نواجه هذه الفتن عمدًا، وأن نقول: إننا على أتم الاستعداد للثبات، وسنخرج للملاقاة، إننا نفر منها، ولا نريد أصلًا أن نجابه فتنة قد لا نثبت أمامها، و من سمع بالدجال فلينأ عنه  [رواه أبو داود: 4319، وأحمد: 19875، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"]، و لا تمنوا لقاء العدو ، ولكن إذا لم يكن بد من النزال  فإذا لقيتموهم فاصبروا [رواه البخاري: 2966، ومسلم: 3026].

إذا لم يكن بد من ركوب الأسنة ..................................
ولم نجد من دونها مركبًا .....................................
............................................... فما حيلة المضطر إلا ركوبه

إن هذا الافتتان الذي يحصل اليوم، لابد أن يكون لنا فيه اقتداء بالسلف في التثبيت.

إن المسألة واجب شرعي لا يمكن أن نتخلى عنه، أما وقد رفعوا ألوية الفتنة وأطلقوا أعنة الحرب على دين الله وعلى هذا المنهج الصحيح منهج السلف، فلابد أن نقوم وندافع.

دور العامة في تثبيت الناس

00:09:04

لقد كان العلماء في السابق يثبتون الناس، وكان العامة من الناس يثبتون العلماء وليس هذا بغريب، لما دعي عفان وهو من كبار العلماء للمحنة عرض عليه القول فامتنع أن يجيب فقيل له: يحبس عطاؤك؟ وكان يعطى في كل شهر ألف درهم، قال: وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 22] فلما رجع إلى داره عذله نساءه ومن في داره لاموه، ماذا فعلت بنا؟ وكان في داره نحو أربعين إنسان هو مسؤول عن النفقة عليهم، فدق عليه داق الباب، فدخل عليه رجل، قال: شبهته بالسمان أو زيات، ومعه كيس فيه ألف درهم، فقال: يا أبا عثمان ثبتك الله كما ثبت الدين، وهذا في كل شهر.

لص يثبت عالماً

00:09:58

الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر، يعني في المحنة أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها، قال: يا أحمد أن يقتلك الحق مت شهيدًا، وإن عشت عشت حميدًا، فقوى قلبي، قال عبد الله بن أحمد: كنت كثيرًا ما أسمع والدي يقول: رحم الله أبا الهيثم، غفر الله لأبي الهيثم، عفا الله عن أبي الهيثم، فقلت: يا أبت من أبو الهيثم؟ قال: لما أخرجت للسياط يعني للضرب إذا أنا بشاب يجلب ثوبي من ورائي ويقول: تعرفني؟ قلت: لا، قال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب في الديوان أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين.

إذن، حتى هناك من اللصوص من كان يقوم بالتثبيت، يقول: يا أحمد إني أصبر على الضرب وأنا على الباطل أفلا تصبر عليه وأنت على الحق.

دور الأبناء في تثبيت الآباء

00:11:06

بل إن الأولاد الصالحين يثبتون، كتبت ابنتا عاصم بن علي رسالة لأبيهما في محنة خلق القرآن: يا أبانا إنه قد بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل فضربه على أن يقول القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه، فوالله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في سبب الوقوع في الفتن: ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به فإنه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر، فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر، هذه الخلاصة، الفتنة إما من ترك الحق أو من ترك الصبر.

ولذلك قال الله: وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

الفتن بالأهل والأولاد

00:12:13

وأنواع الفتن كثيرة، والنبي ﷺ قد أخبر حذيفة: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة [رواه البخاري: 525، ومسلم: 144] هذه الذنوب التي تكون في الأهل والمال والجار، هذه الأعمال الصالحة تكفرها.

إن هناك فتن تحدث بالأهل بسبب الأهل، وتحدث على الأهل، يعني معاصي تقع فيهم مثل عدم العدل بين الزوجات، فهذه فتنة بسبب الزوجة، هذه حصلت بها معصية مع الزوجة الأخرى، الانشغال بالأهل عن طاعة الله، ارتكاب الحرام بسبب الأهل تحت ضغوط الأهل، التفريط في الحقوق الواجبة بسبب الأهل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6].

الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته.

هناك فتنة بسبب الأولاد، والانشغال بهم عن الخير، التفريط في تأديبهم، إهمال الأولاد، بنت تترك مع جوال ورسيفر في حجرة، ما هذا الجنون؟

من الفتنة بالأولاد: عدم العدل بينهم، تفضيل بعضهم على بعض.

يحملون الأب على البخل والجهل والجبن، الولد مجبنة مبخلة محزنة مجهلة  يأتي الأب ليجاهد في سبيل الله يقول الابن: تتركني يتيمًا؟ يأتي لينفق في سبيل الله يقول الشيطان: ولدك أولى بالمال، يأتي الأب ليطلب العلم فيشغله ولده عن ذلك، يشغله فيبقى جاهلًا، فإذا مرض كان حزنًا، وإذا عقه كان ذلك أشد محزنة، فقال الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ [التغابن: 14] لاحظ إن "من" هذه من للتبعيض؛ لأن بعضهم يثبطون، وبعض الأولاد يكونون خيرًا على آبائهم، وأما الفتنة فهي حاصلة بهم جميعًا، لأن الله قال:  إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15].

ولا يشترط أن الولد يفتن أباه، لكن الأب يفتتن بسبب الولد مما يوحي الشيطان به إليه، يحمل الرجل ماله وولده على قطيعة الرحم أو على معصية كما ذكر الله : قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة: 24].

كان هناك ناس أسلموا بمكة وأرادوا أن يأتوا رسول الله ﷺ في المدينة هجرة واجبة، فرار من أهل الشرك والفتنة، انتقال إلى بلد الإسلام لدعم المسلمين وتقوي بالإيمان وتعلم هذا الدين والجهاد مع النبي ﷺ، والطاقات تصب في المجتمع الإسلامي الناشئ، ويحرم منها الكفار، لكن أبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله ﷺ هاجروا بعد مدة، رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهموا أن يعاقبوهم يعاقبوا أولادهم وأهليهم، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن: 15 - 14].

فتنة المال

00:15:48

وكذلك فإن المال فتنة في هذا الزمان، فتن ربا، وأنواع الربا، وحيل على الربا، وبيع العينة، وأشياء يندى لها الجبين تستعمل فيها المعادن والسيارات وأكل أموال الناس بالباطل، ورشوة، وأنواع من السرقات، وغش، وميسر، وتطفيف في المكيال والميزان، وأخذ من غير حقه، وصرف في غير حقه، وتكبر به وإسراف، ومنع للحقوق الواجبة؛ حق الله بالزكاة وغيره، وحق الأولاد بالنفقة والوالدين المحتاجين، وهكذا... وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [الكهف: 42] عقوبة من الله: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم: 19].

إن هناك ملك يوميًا يدعو بدعاء: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان  وليس واحدًا  ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا [رواه البخاري: 1442، ومسلم: 1010] فهذا الدعاء للمنفقين.

فاليوم قد فتن كثيرون بفتنة المال يأخذونه، ولا يبالون من أين يأخذون؟ وفيما ينفقون؟

إنها فتن شديدة.

وفتن في الجيران كذلك، فهذا يؤذيه ويوصل الشر إليه، ويتجسس عليه، ولا يراعي حرمته، حتى لا تنجو زوجة الجار وبنته ورفع للأصوات، ونحو ذلك من أعمال الإزعاج المحرمة.

فتن الشهوات

00:17:33

وأما الشهوات التي صارت اليوم أكوامًا من الرذائل والفجور، وهذه الأفلام المنتشرة، ومسابقات ملكات الجمال، وصور في الجرائد والمجلات، وأشياء غرامية، وقصص قذرة، وأمور تنشر الانحلال، فإنه لابد من الصبر أمام فتنة النساء ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء [رواه البخاري: 5096، ومسلم: 2740].

وسائل تثبيت الناس

00:18:04

يجب أن نثبت الناس، أن ندعوهم إلى الطهر والنقاء، أن نبين لهم حكم إتيان هذه المحرمات وغشيانها، فإن بعضهم ربما لا يدري في أي شيء يقع، وربما يظن بنفسه خيرًا، فإذا بها تخونه.

وكذلك فإنه لابد أن نربي الناس على الإيمان الذي يجعلهم يواجهون هذه الشهوات، على مراقبة الله .

نربي أولادنا وإخواننا لكي يصمدوا أمامها إذا أغرتهم، أن نعلمهم غض البصر عن المحرمات، فإن في ذلك تثبيتًا لهم، وأن نعلمه كيف يحارب الخواطر السيئة التي متى ما انساق معها البال وصلت به في النهاية إلى إرادة وعزيمة وفعل وعادة.

ونحن ندعو للنكاح والصيام والبعد عن أهل السوء وأماكن الفتن، ونقول لهم تثبيتًا: أشغلوا أنفسكم بالطاعات عن المحرمات، وانظر في المصحف بدلًا من أن تنظر في هذه الأجساد المتعرية، واغتنم وقتك في طاعة الله بدلًا من أن تغشى هذه الأماكن للفسق والعدوان.

ثم إذا حصل لواحد من إخواننا مكانة أو منصب أو رئاسة ثبتناه وذكرناه، وقلنا له: إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، و ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال، والشرف لدينه [رواه أحمد: 15794، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].

إنه يفسد دينه جدًا، لكن إذا ابتليت به فماذا ستفعل؟

العناية بتحقيق الإخلاص لله، وأن يمنع الإنسان نفسه من طلبها إذا كان سيبغي بها على خلق الله، النبي ﷺ ما كان يرضى أن يعطيها أحدًا سألها، وأن نذكرهم بالآثار السيئة التي ستترتب على من أراد بها الفخر والبغي، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة  [رواه البخاري: 7148]،  ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً يوم القيامة، يده إلى عنقه، فكه بره، أو أوبقه إثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة [رواه أحمد: 22300، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

ومن وضع في هذا المكان يداوم على محاسبة نفسه والتوبة والاستغفار دائمًا، ويجب أن لا يترك أي فرصة للتعلم، خصوصًا أنه ربما يحرج، تفقهوا قبل أن تسودوا، فقد يمنعكم الجاه وكبر السن من طلب العلم، وثني الركب عند العلماء.

ولذلك ما أحسن من صاحب منصب يثني ركبتيه عند أهل العلم، يطلب العلم، لم يمنعه منصبه ولا جاهه من أن يطلب العلم.

وعليه أن يذكر نفسه دائمًا بأن الدنيا ذاهبة مولية، وأن هذا المنصب لا يدوم له، وأن التعلق يجب أن يكون بالآخرة، قال الحسن: "إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة".

أيتها المديرة، أيتها المسؤولة، أيها الرجل: إذا صرت في منصب اتق الله في ذلك، وفكر ما يعوض الله العبد إذا سخر هذا الجاه لخدمة الدين، وإن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة.

وليستشعر قدر المسؤولية في الولاية، وأنها تكليف لا تشريف، وأن الله سائله عما استرعاه، وأن يعرف الإنسان قدر نفسه، فإن بعض الناس إذا تبوأ منصبًا نسي قدره، نسي حقيقته، ولذلك يجب التواضع لله ، والنظر في عيوب النفس وجوانب القصور فيها أن نثبت إخواننا هؤلاء وأن نقول لهم: احمدوا الله أن من عليكم بهذا، وابذلوا جاهكم بالشفاعة للمحتاجين، والسعي في قضاء حوائج المسلمين، واقرؤوا في سير الصالحين ممن ولاهم الله الولايات ماذا كانوا يفعلون؟

عمر بن الخطاب الذي ولاه الله فكان يقول لنفسه في خلوة: "عمر أمير المؤمنين بخ بخ، لتتقين الله أو ليعذبنك".

فتنة إرعاب الأعداء للمسلمين

00:23:07

نعيش اليوم في الفتنة، فتنة إرهاب الأعداء إرعاب المسلمين إنهم يشنون علينا غارات كثيرة، نحتاج اليوم إلى تثبيت شديد، الله قال لنا: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ  [العنكبوت: 2-3].

لابد أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وأن يديل الأعداء عليهم تارة، ويديلهم على الأعداء تارة، ويديلهم على الأعداء تارة، حتى ينظر كيف يعملون، لما احتج الكفار كفار قريش على النبي ﷺ لما قال: اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ  [غافر: 38]،  وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا [القصص: 57] سيشن علينا الأعداء الغارات، ونتخطف من أرضنا، سيطبقون علينا، سيهاجموننا، سيقتحمون بلدنا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا  [القصص: 57] ما هو الرد؟ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [القصص: 57].

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: يخبر تعالى أن المكذبين من قريش وأهل مكة يقولون للرسول ﷺ إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا بالقتل والأسر ونهب الأموال، فإن الناس قد عادوك، فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم، ولم يكن لنا بهم طاقة.

وهذا الكلام منهم يدل على سوء الظن بالله، وأنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، بل يمكن الناس من أهل دينه فيسومونهم سوء العذاب، وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق، قال الله -تعالى- في ذكر حالتهم التي اختصهم بها دون الناس:  أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا [القصص: 57] فالذي جعلهم من قبل في أمن من غارات العرب والقبائل لا يشنونها على مكة قادر على أن يجعلهم بعد الإسلام في أمن وأكثر، أليس كانوا في حال الكفر في أمن من غارات العرب بعد الإسلام؟ ماذا سيكونون إذن؟

سيزيد الأمن.

ولذلك فإن مسألة التخويف وسياسة الإرهاب للمسلمين التي يتبعها الأعداء اليوم عندما يجعلونك تحس -يا أيها المسلم- أنك منبوذ مطارد، أنك غير مرغوب فيك، أنك تهمة، أنت تهمة في نفسك، وإذا كنت متمسكًا بالدين فإن العين عليك والنظر من قبل هؤلاء الأعداء حتى تحسب أنك مأخوذ، وأنه قد أحيط بك، وأنك هالك، لكن لنتذكر أن إرجاف الأعداء يؤثر في نفوس المنافقين: يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا  [الأحزاب: 20].

هذا طبع المنافقين رجفة مع كل صيحة: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ  [المنافقون: 4].

لما خلت قلوبهم من خشية الله امتلأت بخشية غيره: لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ  [الحشر: 13]،  فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [محمد: 20].

الله نهانا أن نخاف الكفار، قال: فَلاَ تَخَافُوهُمْ [آل عمران: 175].

لا تخافوهم أي خوف؟

الخوف الشركي، الخوف الذي يصد عن مواجهتهم، الخوف المؤدي للجبن، الخوف المؤدي إلى الهوان.

 وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ  [آل عمران: 139]،  الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ [المائدة: 3]،  فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ  [البقرة: 150].

نعم إن بعض المهتدين الجدد قد صار يخاف اليوم كثيرًا، بل بعض من اهتدى قديمًا قد اضطرب به الأمر وتزلزلت نفسه ورجف قلبه، لكن  فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ [يونس: 83]، لكن هذا خوف مشروع، خافوا على دينهم لا على أنفسهم، لم يخافوا على أرزاقهم ووظائفهم، وإنما خافوا على إسلامهم، على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، وهذا خوف طبيعي بل إن الإنسان ينبغي أن يخاف على دينه، لكن الخوف الذي يؤدي إلى ترك الالتزام بالإسلام وترك العمل بالدين وترك الانتساب لهذا الدين وترك الدعوة لهذا الدين:  أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر (36].

إذن، لا نقلق  إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه يعني يخوفكم بأوليائه فيجعل الشيطان العدو كبيرًا في نفوس المسلمين، ويجعلهم يظنون أن العدو لا ينهزم، والله إن في القوم لثغرات، إن في القوم لضعفًا، إن في نفوسهم لجبنًا، إن في قلوبهم انخلاعًا ورجفة، لا يقفون أمام أهل الإيمان لو صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

ومن الناس من يحب التخلي عن الواجب في وقت المحنة، فأين الوفاء؟ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ [التوبة: 49]، يفرون من الموت: أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء: 78].

يخافون على أموالهم:  الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  [البقرة: 268].

فتنة الامتناع عن النفقة

00:30:19

قال بعض هؤلاء المنفقين: والله إني كدت من كثرة الدعايات لأتركن الإنفاق في سبيل الله والصدقات وأغلق هذا الباب تمامًا، خشية أن أوصم بالإرهاب، ولكن لما قرأت آية في كتاب الله زال عني هذا، الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً ماذا قال الله في شأنهم في كتابه: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  [البقرة: 274]، قال: فثبتت نفسي، استمريت.

إن الشيطان أيضًا يقول لك: إذا أنفقت نقص مالك، عشرة ناقص واحد يساوي تسعة بعد الصدقة، عشرة زائد واحد بالربا يساوي إحدى عشر: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39].

 ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا [رواه مسلم: 2588].

ذهبت كلها، بقي كلها غير كتفها: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 262]، هذه الآية مائتين واثنين وستين من سورة البقرة يجب التأمل فيها جيدًا في هذه الأيام حتى لا نترك الإنفاق والصدقة لله.

أما أهل النفاق فلا زالوا يرجفون ويتهمون بالرياء: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ [المطففين: 29-31]، لكن النتيجة تكون يوم القيامة وبالًا عليهم.

وعد الله المؤمنين بالاستخلاف في الأرض

00:32:03

أيها الإخوة: إن الكفار  يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ  [التوبة: 32].

وإن الله وعد المؤمنين بالاستخلاف في الأرض إذا نصروه: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد [غافر: 51]، ليس فقط يوم يقوم الأشهاد، بل في الحياة الدنيا أيضًا، و الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]، تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83]، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30].

وكلما طال الليل فقد أزف الفجر، وكلما اشتد المكر فقد أذن الله بالفرج، ولكنكم قوم تستعجلون كما قال لنا النبي ﷺ.

وهذا الدين بالغ ما بلغ الليل والنهار، وذاهب في مشارق الأرض ومغاربها بإذن الله، ونحن نراه يوميًا يكتسح حصنًا من حصون العدو ويتغلغل وينتشر، ويدخل أناس من الكفار في الإسلام في ديار الكفر، فما بالك بالذين يتمسكون بالدين ويدخلون في الدين في بلاد المسلمين، وفي رمضان وقفات مع هؤلاء الجاليات الذين يدخلون، يدخل في الدين أعداد منهم؟ لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك [رواه البخاري: 7460].

هذا تثبيت لنا أن هناك طائفة منصورة باقية إلى قيام الساعة، هذا تثبيت لنا  لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، وإذا لم يستطيعوا أن يقاتلوا بالسنان فإنهم ينافحون ويجاهدون باللسان، فدفاعهم عن الدين قائم بشكل مستمر لا يتركون ذلك أبدًا، ويبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها من العلماء العاملين والدعاة المخلصين، الله يقيضهم.

فإذن، طريق النصر طويل وشائك، مليء بالقروح والجروح، ولكن لابد من الاستمرار وتقديم التضحيات: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ  [البقرة: 214].

سئل الشافعي: أيهما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ قال: لا يمكن حتى يبتلى.

لابد إذن، من ابتلاء قبل التمكين.

تثبيت الناس في زمن الطعن في الإسلام

00:35:37

وإن من الفتن التي نحتاج فيها إلى تثبيت ما يشن من الطعن على أهل الإسلام.

وهذا الطعن على أهل الإسلام يحتاج منا إلى وقفات، أحيانًا يكون انتقاد الناس لبعض من ظاهره التدين صحيحًا بسبب في شخصية ومسلك هذا الإنسان.

وهذه التصرفات التي تحدث من البعض تسبب اهتزازاً في الثقة.

إن التصرفات الخاطئة هي التي تدفع أن يأخذ الناس تصورات خاطئة في المقابل، التصرفات الخاطئة تؤدي إلى تصورات خاطئة، فتهتز ثقة بعض الناس بالدين وببقية المتدينين نتيجة هذه التصرفات فيحتاج الناس إلى تثبيت.

وقد يكون الشخص يظهر في الظاهر التدين لكنه في الحقيقة ليس بمتمسك بالدين أبدًا، قد يكون يأمر بالبر وينسى نفسه، وقد عاب الله ذلك: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة: 44].

قد يكون يأمر عن جهل فيأمر بمنكر وينهى عن معروف.

قد يكون إنساناً مفتوناً، فتن، ولذلك يقول الناس: فلان ركب الموجة، فلان راح مع القوم، فلان يفتي على الهوى، فلان فيه التميع، فلان جالس مع امرأة أجنبية بلحيته، فلان راح في عالم المال، فلان رحمه الله ضاع في متاهات المناصب.

ولذلك فإننا ينبغي في التثبيت أن نقول: الحق لا يعرف بالرجال، الرجال يعرفون بالحق، اعرف الحق تعرف أهله.

وإن الجهل قد أودى بالكثيرين بسبب تصرفاتهم السيئة أن أخذ بعض الناس تصورات خاطئة عن هذا الدين، وصارت زلزلة في نفوسهم فعلًا، عندما يرون من هؤلاء شيئًا من سوء الأخلاق، سباب، شتائم، تعنيف، كبر، كذب، سوء معاملة؛ لأن السريرة من الداخل غير صالحة، وإذا كان الوضوء يغسل ذنوب الأعضاء، فلابد من توبة تغسل ذنوب القلوب، ولابد من إخلاص وإصلاح للسريرة من الداخل.

وبعض العوام لا يفرق بين الدين والمتدين، فيظن المتدين هو الدين والدين هو المتدين، ويحسب أخطاء هذا على هذا، ويحمل الدين أخطاء من يظنه متدينًا في الظاهر فتحصل الزلزلة، ولذلك لابد من التفريق بين الدين وتصرفات الذين ينتسبون إليه، ولماذا قال السلف: "من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة".

يجب تصحيح الأخلاق والمعاملات

00:39:39

لماذا يجب علينا أن نصحح تعاملاتنا وأخلاقنا؟

حتى لا نتسبب نحن في زلزلة فيحتاج الناس إلى تثبيت بسببنا، يجب أن نصدق مع الله، أن نصدق مع الناس، أن نصدق في حمل هذا الدين، أن يكون التدين صحيحًا: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [الأحزاب: 24].

يجب أن يكون لدينا صدق في الأقوال وصدق في الأفعال: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً [الملك: 2] أخلصه وأصوبه.

يجب أن يكون هناك وضوح في المواقف لئلا يفهم الناس قضايا خطأ، عثمان بن عفان جاء بعبد الله بن أبي سرح إلى النبي ﷺ وكان عبد الله بن أبي سرح قد أهدر دمه من قبل النبي ﷺ، فأوقف عثمان ابن أبي سرح عند رسول الله ﷺ، قال: يا نبي الله بايع عبد الله؟ فرفع رسول الله ﷺ رأسه فنظر إليه ثلاثًا كل ذلك يأبى أن يبايعه، يا رسول الله بايع عبد الله، يا رسول الله بايع عبد الله، والرسول ﷺ ينتظر ما بايع، ينظر للرجل ولا يبايعه، بعد الثلاث بايع، ثم أقبل رسول الله ﷺ على أصحابه، فقال:  أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ، لأن حد الذي يسب النبي ﷺ القتل.

ورجح عدد من أهل العلم كشيخ الإسلام أنه يقتل لحق النبي ﷺ ولو تاب من حق الله؛ لأن النبي ﷺ ليس حيًا ليسامح في حقه، ولابد من أخذ حق النبي ﷺ، فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك إشارة؟ قال ﷺ: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ، إنه لا ينبغي لنبي أن يومئ، ما في إشارات خفية، النبوة كل شيء واضح.

وهكذا الداعية كتاب مفتوح، لما قدم النبي ﷺ المدينة خرج إليه عبد الله بن سلام ورآه فقال: فلما رأيته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب.

نحن نحتاج إلى هذا النوع من أهل الدين الذين يصدقون في الأقوال والأعمال حتى يصبح الصدق سجية لهم، يطل من طلعات وجوههم، فإذا رآهم الناس قالوا: هذا ليس بوجه كذاب.

وأيضًا التواضع الذي كان أهل الخير والصلاح يكسبون به قلوب الناس، حتى قال ابن المبارك لرجل: إذا خرجت من منزلك فلا يقعن بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك.

يمكن هذا العامي خير مني، لماذا؟ تقول أنت في نفسك، حتى لو كنت طالب علم، وكنت داعية: قد يكون لهذا العامي من العبادات الخفية والإخلاص، قد يكون عنده والدة يقوم بها، قد يكون عنده صلة أرحام وأعمال بر وخير وكفالة محتاجين، قد يكون عنده صلة رحم وبر والدين، قد يكون عنده أشياء ترفعه عند الله فوق، أنا الذي قد أتكلم ويدخل علي وارد الرياء ووارد العجب، ووارد.. ووارد..، ولذلك فإن الإنسان ينبغي أن يتخلق بالأخلاق هذه التي تصحح نظرة الناس إلى الدين، والإنسان قد يوضع أو يكون موضع نظر الناس، أبو حازم يقول: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، أبو هريرة كان عنده رأي غريب في مسألة الوضوء فيغسل إلى الإبط، معروف أن السنة إلى المرفق، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم هاهنا، لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء.

قال القاضي في شرحه: إنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدى به إذا ترخص في أمر ضرورة أو تشدد فيه لوسوسة أن يفعله بحضرة العامة الجهلة لئلا يترخص برخصته لغير ضرورة، أو يعتقد أنما تشدد فيه هو الفرض اللازم، مراعاة موضع الناس، ولذلك فإن عمر لما رأى طلحة يلبس ثيابًا مصبغة في الإحرام، وطلحة قدوة، قال: لا تلبسوا أيها الرهط شيئًا من هذه الثياب المصبغة، لأن الناس ينظرون إليكم، فقد يقتدون بكم في غير سنة، الناس يظنونها سنة، قال الأوزاعي: "كنا نضحك ونمزح فلما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسم".

وطبعًا هو يقصد عدم الإغراق، وإلا فإن التبسم من السنة ولا ريب.

الثبات على الحق ولو لوحدك

00:45:50

قال عبد الله بن مسعود: لا يكن أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة؟ قال: يقول: أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطنن أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس أن لا يكفر.

وقيل لخالد بن الوليد وقد أسلم متأخرًا: أين كان عقلك يا خالد، فلم تر نور النبوة بين ظهرانيكم؟ يعني أنت في مكة، ما كفى ما رأيته من النبي ﷺ حتى تسلم، لماذا تأخر إسلامك إلى هذا الوقت؟ أنت جئت تسلم بعد ما هاجر النبي ﷺ من مكة، في مكة كان معكم ثلاثة عشر سنة، ما كفى نور النبوة أن تسلم؟ قال: "كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم كالجبال" كنا مخدوعين بأبي جهل وأمية بن خلف والوليد بن عتبة وفلان وفلان، نظن أن هؤلاء القدوة عقلاء كبار، هؤلاء كبار القوم ووجهاء الناس والأشراف، فظننا أن الحق معهم، هؤلاء كبار القوم ووجهاء الناس والأشراف فظننا أن الحق معهم.

إذن، لابد أن نمشي مع الحق بغض النظر من الذي اتبعه، هذا مع القيام بالتماس العذر للشخص إذا أخطأ، فقد يكون قال ما قال مكرهًا، وكذلك لو كنت مكانه لقلت عشرة أضعاف ما قال من الكلام الباطل، ثم أيضًا تجمع حسناته فتقارن بما حصل.

فتنة المنافقين

00:47:39

وأما الفتنة التالية فهي: فتنة المنافقين في زلزلة عقائد المسلمين، والطعن في الدين، وقد هتك الله أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها على ذكر، ومن أهلها على حذر، وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة المؤمنين والكفار والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربعة آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية، لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدًا؛ لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عليه، ويخرجون عداوته في كل قالب، يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية في الجهل والإفساد، فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه؟ وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه؟ وكم من علم له قد طمسوه؟ وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه؟ وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها؟ وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها؟ فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية، يزعمون أنهم بذلك مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف: 8].

اتفقوا على مفارقة الوحي فهم على ترك الاهتداء به مجتمعون، وتقطعوا أمرهم بينهم زبرًا كل حزب بما لديهم فرحون، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، ولأجل ذلك اتخذوا هذا القرآن مهجورًا، اختفت معالم الإيمان في قلوبهم فليسوا يعرفونها، وأفلت كواكبه النيرة من قلوبهم فليسوا يحيونها، وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وأفكارهم فليسوا يبصرونها، لم يقبلوا هدى الله الذي أرسل به رسوله ﷺ، ولم يرفعوا به رأسًا، ولم يروا بالإعراض عنه إلى آرائهم وأفكارهم بأسًا، شنوا الحملة اليوم على الإسلام وأهل الإسلام، شنوا الحملة منهج السلف، شنوا الحملة على الدين الصحيح، وتبعهم جهلة ومفكرون مزعومون وفلاسفة، ومن يزعم الإشفاق على الدين بجهله، كثر التشكيك والطعن في منهج السلف.

وصارت القضية الآن في حيص بيص.

إن هنالك مصائب عظيمة اليوم تجر على أهل الإسلام بسبب هؤلاء، يكتبون، يؤلفون، يتكلمون.

والناس كثير منهم قد لا يدري شيئًا إلا القليل عن منهج السلف، وبسبب هذا الجهل يظن بعض الناس أن كلام هؤلاء المنافقين صحيح، وأن كلام هؤلاء الجهلة وجيه.

فقدان التسليم للعلم

00:51:22

ومن الإشكالات الكثيرة في عالم الزلزلة هذا اليوم: فقدان قضية التسليم التي كان يحتاجها المتربي في بداية سلوكه، فإن المفترض في الذي يتربى على الدين أن يكون عنده تتلمذ وتلقي ومشورة، لكن الآن ابتلينا بالاعتداد بالنفس وإعجاب كل ذي رأي برأيه وتضخيم الذات، وهذا مأزق في عملية التثبيت.

ومن أسباب الزلازل والبلابل: ظهور المنافذ الغريبة للتلقي مثل هذه المصادر العربية والأجنبية والعالمية والمحلية والبلدية والخارجية والإنترنت تحدث البلبلة والفوضى والحيرة والضياع، وصاروا يأخذون عمن لا يدرى من هو، وصارت الفتاوى والعلم يأتي من مفكر، وكلنا مفكرون، ألستم كلكم من المفكرين المسلمين؟ ألست مفكرًا مسلمًا؟ أليس هذا الصغير مفكرًا مسلمًا؟ على قدر سنه كل واحد يفكر، مفكر مسلم، قالوا: هؤلاء المفكرون ثم يؤخذ الدين من مفسر أحلام، يؤخذ الدين من رياضي، صاحب اشتغال بعلم الفلك، صاحب علوم دنيوية مفكر، بحجة أن الدين ليس قصرًا على أحد، الدين تبعنا كلنا، ما معنى هذا؟ يعني كلنا نفتي، وكلنا نتكلم في الدين، وصارت الأمور الكبار أيضًا تؤخذ من المجاهيل.

أمور الدين الكبار، المواقف الشرعية الضخمة الكبيرة في الأحداث الهائلة الخطيرة من مجاهيل، ممن أخذت الموقف من أبي عمر وأبي عبد الله وأبي دجانة وأبي قتادة وأبي فلان وأبي علان؟ من هو يا أخي؟ من هو في العلم؟ من الذي شهد له بالعلم؟ من هم شيوخه؟ من هم طلابه؟ من من طلبة العلم من أثنى عليه؟ ما هي مؤلفاته التي أثنى عليها العلماء؟ ما هي مواقفه الصحيحة؟

فقدان التدرج في تلقي العلم

00:54:16

مشكلة أخرى، ثم فقدان التدرج في تلقي العلم، فأصبح كل واحد يسمع كل شيء، حتى ما لا يناسب سماعه، ولا يناسب فهمه ولا إدراكه ولا مرحلته ولا عمره، النبي ﷺ كان يعلم أصحابه القواعد قبل التفاصيل، والعلماء أمروا بأن يبدأ بكبار العلم قبل صغاره، وبالأسس قبل هذه الفروع، النبي ﷺ سار بالجيش مرة سيرًا طويلًا لكي يمنع القيل والقال وسريان الإشاعات، وتلقف الأخبار الكاذبة، لماذا كتم أبو عبيدة عزل خالد عن الجيش؟ لم ير تلك اللحظة مناسبة أن يعلنها في  وطيس المعركة.

الآن في عصر القنوات الفضائية كل شيء منشور، في عصر الإنترنت كل شيء يقال؛ صح، خطأ، بدعة، سنة، حق، باطل، صدق، كذب، كله ينشر، شائعات حقائق تنشر.

نحن الآن أمام انفتاح ضار ومؤذي.

لما كان الوضع منضبطًا نوعًا ما كان مرجع الناس للعلماء والمفتين الثقات، وطلبة العلم والدعاة الثقات، كان المربون الأخيار والأساتذة يقومون بعملهم مع الناس والعامة والطلاب، ومرجع الناس إلى أهل العلم وطلبة العلم والدعاة إلى الله، كانت الأمور مستوية فيها خير كثير، ما كنت ترى أفكارًا شاذة منتشرة، ولا أشياء غريبة في الأذهان، ولا قفز كثير، وحرق مراحل ضرورية جدًا في التربية والتلقي والتعلم.

لكن الآن هذه المسألة خفت كثيرًا، صار الناس مساكين، والله إنك لترحمهم، يجي يسمع قنوات فضائية: السلفية النظرية، السلفية العلمية، السلفية الجهادية، السلفية التكفيرية، السلفية الوهابية، السلفية... صار يجي الواحد يقول: أيش السلفية؟ هل هي نوع أو عشرون نوعاً؟ أو ما هي الأنواع؟

كان مفهوم المنهج منهج السلف واضحاً، ليس هناك غبش، وليس هناك هذه التفرقة، وهذه التشقيقات السخيفة، يعني العلم من منهج السلف أو لا؟ السلف منهجهم علمي، فيه جهاد في منهج السلف أو لا؟ فيه جهاد في منهج السلف، انتهت القضية، فيه تربية في منهج السلف أو لا؟ فيه تربية في منهج السلف، فيه دعوة في طريقة السلف أو لا؟ فيه دعوة في طريقة السلف، فيه تكفير عند السلف؟ يكفرون من كفره الله ورسوله بالطرق الشرعية، ولا يكفرون من لا يستحق التكفير.

صار الناس الآن يموجون، مساكين، تأتي الحملات على الوهابية: الوهابية متشددة، الوهابية متنطعة، الوهابية مكفرة، الوهابية غلاة، الوهابية... حتى قام هذا السخيف يقول: الوهابية أعداء لهوز الماء في الحمامات فلا يستعملون إلا الطاسات.

الوهابية أعداء، لا يحبون الرسول ﷺ، الوهابية لا يحبون علياً وآل البيت، الوهابية يستحلون دماء الناس.

إعادة النظر في الممارسات لا في المنهج

00:58:49

ثم يخرج ناعق آخر: لابد من إعادة النظر في موضوعات إسلامية كبيرة، يعني متعلقة بالتوحيد والعقيدة، لازم نعيد النظر في التوحيد والعقيدة، تعيد أيش؟ من أنت أصلًا؟ من أنت حتى تعيد النظر؟ كيف تعيد؟

الآن المسألة رجوع إلى أهل العلم الشرعيين ليعطوك النظر الصحيح، وليس هؤلاء المنافقين ولا الجهلة ولا من يسمون بالمفكرين هم الذين يعيدون النظر.

انتبهوا لهذا المسلسل الخطير جدًا، الذي يحتاج إلى إعادة نظر، ما هو؟ وهذه الكلمة مهمة للغاية، الذي يحتاج إلى إعادة نظر الآن هو الممارسات وليس المنهج، المنهج ما فيه إعادة نظر، المنهج هو هو، هو الكتاب والسنة بفهم السلف، هو هو هذا المنهج، ما فيه تغيير ولا تبديل ولا تجديد بزعمهم.

لكن بعض الذين يمارسون أشياء خاطئة، ممارساتهم التي تحتاج إلى إعادة نظر، أما المنهج ما فيه إعادة نظر، ولا تقبل إطلاقًا من يقول لك: نعيد النظر في المنهج، يعني تبغى تعيد النظر في الكتاب والسنة مثلًا؟ كيف تعيد النظر يعني؟ تعيد النظر في الكتاب والسنة فتأخذ بعضًا وترفض بعضًا، تنسخ بعضًا، تبقي بعضًا، ماذا ستفعل؟

المنهج هو الكتاب والسنة وفهم السلف للكتاب والسنة.

ولذلك فيه فرق كبير بين إعادة النظر في التصورات والقواعد الإسلامية الشرعية، وبين إعادة النظر في الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض الناس، والذي لا يفهم هذا الفرق يضل ضلالًا بعيدًا.

الآن انظروا إلى الفوضى الحاصلة حتى في طلب العلم، كان العلماء يقولون: يتلقى طالب العلم في البداية من شيخه، يمكن شيخ واحد يتلقى عليه بعض الفنون، ثم إذا أراد أن يتعلم الفقه يتعلم علوم الآلة، يتوسع فيها، يذهب إلى متخصصين آخرين، لكن ليس من البداية سيقفز إلى عشرين مصدرًا، هذه طريقة فوضوية في التعلم، لكن الآن لم يعد هؤلاء يملئون العين بزعم البعض، وصار عندنا مشكلة التشكيك في المسلمات والقواعد الشرعية، لابد من إعادة النظر في الربا، لابد من إعادة النظر في تعدد الزوجات، لابد من إعادة النظر في رجم الزاني المحصن، حد الرجم لازم نعيد فيه النظر؟! يريدون أن يبدلوا كلام الله، ويثيرون الشبهات حول منهج السلف، ويدعون إلى المراجعات في منهج السلف، تراجع ماذا؟ تراجع القرآن والسنة؟ القرآن والسنة على فهم السلف فيها أخطاء تحتاج إلى استدراك وتصويب؟ ماذا تراجع؟

راجع نفسك، راجع ممارساتك، راجع ممارسات بعض الناس الذين تقدم لهم نصائح.

أما أن تراجع المنهج هذا مرفوض تمامًا.

يقول بعضهم: لازم نراجع نواقض الشهادتين، كيف يعني تراجع نواقض الشهادتين؟

إذا العلماء بينوها فتراجع ماذا؟

لازم نراجع عقيدة الولاء والبراء، تراجع عقيدة، هذه عقيدة موجودة في الكتاب والسنة، يعني هذه عقيدة مسطرة، عقيدة راسخة، عقيدة محفوظة، وعليها أدلة من الكتاب والسنة، فأنت تريد أن تراجع ماذا؟

ولذلك القضية الآن خطيرة جدًا، هؤلاء الذين يريدون خلخلة العقيدة الصحيحة، خلخلة منهج السلف بزعم أنه الآن يحتاج إلى إعادة نظر ومراجعات وتجديدات توافق العصر.

روح اخترع آلات توافق العصر، روح اخترع أشياء تخزن معلومات وتحدث معلومات توافق العصر.

أما تريد أنك تراجع أصول الإسلام ومعنى الشهادتين ونواقض الشهادتين وتوحيد الألوهية والشرك وأنواع الشرك.

ولذلك نحن الآن نحتاج إلى مسألة مهمة في التثبيت وهي إعادة تأصيل الأصول، يعني الأصول الشرعية لهذا الدين لابد أن يعاد تبيينها للناس، لأن الناس الآن ما عاد يدرون الأصل من الفرع، من المتغير من الثابت، من القابل للاجتهاد من غير القابل للاجتهاد، من الخلاف المعتبر من الخلاف غير المعتبر، وفي أشياء لا يفهمها إلا أهل العلم وطلبة العلم، حتى يصعب أن تفهمها للعامي، ولذلك لابد أن نرد الأمر إلى أهل العلم، إلى الثقات الذين صدقوا، ننظر في أفعالهم نعرف صدقهم، كانوا إذا أرادوا أن يأخذوا عن واحد الحديث نظروا في صدقه، نظروا في صلاته قبل أن يأخذوا عنه: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".

فالآن المسألة تحتاج إلى إعادة بيان، لابد أن يوضح للناس التوحيد؛ لأنها صارت حتى قضية التوحيد الآن فيها كلام.

لنأخذ مثالًا ماذا يحدث الآن في قضية التوحيد؟

نحن نعرف أن التوحيد هذا الدين الإسلام: إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله [رواه البخاري: 1458، ومسلم: 19]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25].

 إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران: 19]،  وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ  [آل عمران: 85].

أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وبشروطها، طيب بشروطها، لابد أن نبين للناس الأسس، لماذا؟ لماذا الآن لازم تبين التوحيد والشرك والإسلام والكفر؟ لأنه فيه ناس الآن يريدون أن يجعلوا من الكفرة مسلمين، ويقولون: يجب أن نحترم عقائد اليهود والنصارى والكفار وأن لا نذمهم ولا نسبهم، وأننا لا نطعن فيهم، مع أن الله طعن فيهم قال: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [المائدة: 73]، لعنوا بما قالوا، نريد احترام متبادل، احترم عقيدته ويحترم عقيدتي، لابد من ترك البحث في المسائل الشائكة، وطي صفحة الماضي، وصارت ألفاظ التعايش والتفاهم والانسجام والتعددية والانفتاح والتباحث والصداقة، لو قالوا: نريد مع الكفار حوارًا، الله قال:  وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46].

فنحن أول الناس الذين نقبل بهذا، نحن نريد أن نحاور الكفار لدعوتهم إلى الله، لنبين لهم شركهم وكفرهم، ونبين لهم أن الله لا يقبل إلا هذا الدين، وأن من لا يتبع الإسلام فهو في الآخرة من الخاسرين، وأنه لا يسمع من النبي ﷺ يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن به إلا دخل النار.

نريد أن نبين لهم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ  [آل عمران: 64].

هذا الحوار، هذا النقاش، أما أننا نقول للكفار: إننا نحترم دينكم، ما معنى أن تحترم دينه؟ يعني أن تحترم قوله: إن عيسى ابن الله، هل هذا قول يحترم؟ لكن هؤلاء العصرانيين والانهزاميين والذين يسمون أنفسهم بالتنويرين، هؤلاء الذين يقولون اليوم : إن فكرة أهل الذمة تحتاج إلى إعادة تأمل ومراجعة.

واحد من هؤلاء المفكرين الذين يسمون بالمسلمين ويخرج في القنوات الفضائية وتجرى معه الحوارات يقول: إن تقسيم الناس إلى مؤمنين وكفار تقسيم متخلف، اسمع قول الله -تعالى-:  هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن: 2] من الذي قسمهم؟ الله ، وهذا يقول: إن هذا التقسيم متخلف، يسمي نفسه مفكراً إسلامياً، ويؤلف كتباً عن الإسلام، وتجرى معه الحوارات والمقابلات في القنوات الفضائية.

 واحد يقول: كلها أديان، كلها واحدة، الدين واحد، لا يجوز أن نفرق بين شخص وآخر بسبب ديانته. لاحظ -يا أخي- الله فرق بينهم، وجعل أحكاماً للمسلم، وأحكاماً للكافر، حتى في الديات، حتى في الميراث، حتى في دخول مكة، حتى في الزواج فيه فروق، وهو يقول: لا، كلها واحد.

وواحد يقول: اختلاف الملل والفرق مثل اختلاف المذاهب؛ مثل حنفي مالكي شافعي حنبلي، كذلك يهودي نصراني مجوسي مسلم، بوذي، كذا إلى آخره، نفس الشيء.

وكذلك يقال: قادياني، بهائي، كذا، إلى آخر الفرق كلها واحد.

النبي ﷺ ما أخبرنا أن الأمة ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فكيف ستجعل الفرق كلها واحدة؟ ما لكم كيف تحكمون؟

فنحتاج إلى تأصيل التوحيد والإسلام، تحتاج الآن ترجع إلى الأصول مرة ثانية، وتقدم للناس أصول الدين لتثبيتهم عليه، لأن الأصول الآن تتعرض للاهتزاز، تتعرض للزلزلة الآن.

نحن نعرف أن الأصلين العظيمين في الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وتحكيم الله في كل صغيرة وكبيرة، وشهادة أن محمدًا رسول الله، متابعة النبيﷺ، وأن العمل الصالح الإخلاص والمتابعة.

الآن يأتي ناس يقولون: أحاديث الآحاد ما نأخذ بها.

وإذا كانت أحاديث الآحاد صحيحة قامت عليك الحجة كيف ما تأخذ فيها؟

يقولون: السنة مقسمة إلى تشريعية وغير تشريعية، كيف يعني؟ يريدون أن يجعلوا قسمًا كبيرًا من السنة ما يؤخذ منه حكماً، يعني هكذا تاريخ، قصة عابرة عن مرحلة مضت.

يقولون: إن السنة تتأثر بتغير الأزمان، كيف تتأثر؟ يعني ما كان من قبل واجبًا لا يصبح الآن واجبًا، وما كان مستحبًا لا يصبح مستحبًا، وما كان محرمًا لا يصبح محرمًا، ما هذا؟

الحاجة إلى الفقه في الدين

01:13:03

أيها الإخوة: نحتاج الآن أن نرجع مرة أخرى إلى أهمية العلم الشرعي وأصول العلم الشرعي والفقه في دين الله؛ لأن بعض الناس صاروا يقولون: إن العلم الشرعي ما هو مهم، خلاص كل الناس الآن يتكلمون في الدين، وما في أحد أحسن من أحد، والمجال مفتوح للجميع، نقاش كل القضايا مفتوح للجميع، شاعر، تاجر، فلكي، مفكر، صحفي، أي واحد يتكلم.

فلم يعد هناك قضية: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7]، ما عاد هناك قضية:  وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت: 43] عند هؤلاء.

وكذلك لما تأتي إلى قضية عالمية الدين، الله قال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ  [الأنبياء: 107]،  قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: 158].

أرسلت إلى الخلق كافة، يأتي هؤلاء يقولون: الإسلام خاص بقوم معينين ليس عامًا لكل الأرض، كل واحد من الناس في العالم يختار دينه كما يشاء، وكل واحد حر في نفسه، ما في أحد يلزم أحداً، ما في إلزام بشيء، ألا تخبره أنه يجب عليه أن يدخل في الدين، لو ما استطعت أن تحمله على الدين، لكنك تخبره أنه يجب عليه أن يتبعه.

أما أن تقول له: والله أنت حر، أنت تريد ديناً آخر ما في مشكلة، كيف ما في مشكلة؟ فلا يريدون لهذا الدين عالمية، قضية شمولية الدين، يعني الدين يدخل في كل ناحية من نواحي الحياة: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  [الأنعام: 162]، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ  [النحل: 89].

يقولون: لا، الدين ما يدخل في كل شيء، فيه أشياء الدين ما له دخل فيها، يعني تأتي إلى قضية مثلًا من أصول التوحيد، من أصول الدين، مثلًا موالاة المسلمين والبراءة من الشرك والمشركين، والمسألة فيها نصوص: قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ  [آل عمران: 32]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ  [المائدة: 51]،  لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا  [المائدة: 57] والكفار أولياء: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: 6] فيه مفاصلة، إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا  [النساء: 101]، ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  [الجاثية: 18]،  وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء: 89]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ  [آل عمران: 100] يعني فيه فرق واضح بين الإسلام والكفر، وفيه براءة من الشرك وأهله، وفيه ولاء للإسلام وأهل الإسلام، هذا يقول: لا، ما ننصر المسلمين في قضية الحجاب، ما لنا دخل فيهم، طيب وإخواننا؟ وإذا جاء على الكفار يقول: نحن أصحاب وأحباب،سبحان الله، سبحان الله.

الوسطية الحقة

01:16:50

وبعض الناس مثلًا يقولون: الوسطية، الوسطية، الوسطية، وما هي الوسطية؟

الوسطية ما عليه محمد ﷺ وأصحابه.

أهل السنة والجماعة هم الوسط.

هم الوسط بين الجبرية والقدرية.

هم الوسط بين المرجئة والخوارج، هؤلاء الذين قالوا: العمل لا يلزم في الإيمان هو قول فقط، وبعضهم قال: هو تصديق فقط في القلب ما يلزم العمل، والذين قالوا: إن الكبيرة تكفر وتخرج عن الملة الخوارج.

أهل السنة هم الوسط في الصحابة بين الذين طعنوا فيهم وبين الذين غلوا بهم أو ببعضهم.

أهل السنة هم الوسط في أبواب العقيدة كلها.

طريقة السلف هي الوسط.

لكن بعض الناس يوحي إليك بأن الوسطية، ترك بعض الأمور في العقيدة، تقديم تنازلات.

إن ما يحصل اليوم من تشكيك في مصادر التلقي في هذا الدين والطعن فيها، واعتماد مصادر إضافية، من المصائب.

نحن نعرف أن مصادر هذا الدين القرآن والسنة النبوية وفهم السلف لهما وإجماع العلماء والقياس الصحيح الذي لا يصادم دليلًا شرعيًا أقوى منه.

وأهل السنة والجماعة يؤمنون بجميع نصوص الكتاب والسنة، وأنه لا نسخ في الأخبار ولا في أصول الدين، النسخ في بعض الأحكام وقع، وعند التنازع يردون الأمر للكتاب والسنة؛ لأن الله قال: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59].

أهل السنة لا يقولون بالتعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح.

أهل السنة لا ينفون ظواهر النصوص، وإنما يفهمونها كما يظهر منها.

أهل السنة إذا صار فيه متشابه ردوه إلى المحكم.

أهل السنة يحتجون بمفهوم السلف.

أهل السنة ما عندهم مصادر اسمها إلهامات وخواطر ربانية وإيحاءات نفسية ومنامات ليلية ونهارية.

أهل السنة يأخذون علمهم من الكتاب والسنة وليس من أعداء كأعداء هذا الدين والخارجين عنه، الذين يقولون بالكشف، انكشف لنا، انكشف لنا، أو يأخذون دينهم من خزعبلات وأسانيد تالفة وإسرائيليات.

أهل السنة يقبلون الحق ولو جاء به من جاء، حتى لو قال الكافر حقًا نقبله.

أهل السنة لا يعرفون الحق بالرجال، يعرفون الحق فيعرفون أهله.

أهل السنة يقولون: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك، هذه الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الفرقة التي ستنجو من الناس، الجماعة مثلما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، الصحيح السكوت عما سكت الله ورسوله عنه، أهل الحق لا يردون الباطل بالباطل.

وكذلك فإن من الزلازل التي صارت في هذا الوقت الهجوم على رموز المنهج السلفي، شن الحملات على شخصيات الإسلام، فيريدون الوقيعة في ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وحتى هؤلاء العلماء المعاصرين لا يسلمون منهم من الأعلام الذين كانوا يشرحون منهج السلف كشيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، وغيره ممن نشروا طريقة السلف في هذا الزمان، ودعوا إليها قولًا وعملًا، صار الطعن في العلماء.

وكان السلف يقولون في المتنقص من أصحاب النبي ﷺ وأهل العلم: إنهم زنادقة، يريدون إسقاط رجال الأسانيد لتسقط السنة كلها.

وكذلك فإنهم أي أهل الحق ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويقيمون لأهل العلم وزنهم.

لأننا إذا قبلنا الطعن في رجالات الإسلام وعلماء الإسلام وعلماء منهج السلف، فمن سيبقى لنا؟ من سيبقى لنا نحتج به ونأخذ فتاويه إذا قبلنا الطعن في رجالات الإسلام؟ ومن هو البديل في حال إسقاط هؤلاء الرموز، رموز منهج السلف؟ من الذي سيبقى ليؤخذ كلامه؟

متى يصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا
وإن ترفع الوضعاء يومًا على الرفعاء من أحد الرزايا
إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا

رد الحق بسبب الممارسات الخاطئة

01:24:01

ومن الزلازل اليوم أن بعض الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض أهل الجهل والشبهة هي التي تجعل عدد بعض الناس يردون الحق، فلابد من بيان الحق، فبعض الناس مثلًا يكفر العامة، وبعض الناس يقول: لا تكفير في الدين، الذي يكفر عامة المسلمين ما حكمه؟

إنه على الخطر العظيم، يبوء بإثمه عند الله، الذي يستحل دماء المسلمين، وهذا مذهب الخوارج يكفرون أهل الإسلام، ويستحلون دماء المسلمين.

والطرف الآخر يقول: لا تكفير البتة.

 لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [المائدة: 73]، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  [الكافرون: 1-2].

كيف لا يكون هناك تكفير أبدًا؟

إذن، ما حكم هؤلاء الخارجين عن ملة الإسلام؟ ما حكم المستهزئين بالله ورسوله ودينه؟ ما حكم الذين يعتقدون أن شرع الله ناقص؟ أو يجوز أن يحكم غير شرع الله -سبحانه وتعالى-؟

ما حكم الذين يقعون في نواقض الإسلام العشرة وغيرها؟ أليسوا كفارًا؟ أليست هذه الأعمال تخرج عن الملة؟ من يستغيث بالأموات في القبور ويدعوهم من دون الله ويصرف إليهم أنواع من العبادة، ما هو هذا؟ أليس مشركًا كافرًا؟ فلماذا إذن لا نقول عنه كافرًا لا نقول هذا شرك لا نقول ... لماذا؟

ولكن التكفير عند أهل السنة وأهل الحق ليس فوضى، إنه مضبوط بضوابط، مضبوط بقواعد، فأهل العلم مثلًا يفرقون بين الكفر والكافر، فقد يقول الإنسان كفرًا ولا يكفر مثل الذي فرح من شدة الفرح، قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك [رواه مسلم: 2747] الكلمة هذه كفر أم لا؟ كفر، هل يكفر الرجل؟

لا، انذهل من شدة الفرح، ما عاد عنده الوعي الذي يعي به هذه العبارة ليقولها بشكل صحيح.

قد يفعل الإنسان كفرًا مضطرًا فهل يكون كافرًا، وقد قال الله: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ  [النحل: 106]، قد يقول به عن شبهة، قد يقول به عن جهل، فأنت تقول: هذا كفر، لكن لا أقول هذا كافر، لماذا؟ ما الذي يمنعك من أن تطلق عليه وصف الكفر وقد قال بالكفر أو عمل بالكفر؟ إما جهل أو شبهة أو إكراه مثلًا أو ذهول كما حال الفرح الشديد، مثلًا أخطأ من شدة الفرح.

إذن، المسألة فيها ضوابط، لكن عندما يقال ما في تكفير أبدًا، هذا نسف لقواعد الدين، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، بين أن هناك كفرًا وكفارًا والموقف منهم بينه.

الآن بعض الممارسات الخاطئة للذين يدعون إلى الجهاد مثلًا من أعمال فيها إراقة دماء المسلمين، وترويع المسلمين، وإتلاف ممتلكات المسلمين، وإلقاء الذعر والخوف في قلوب المسلمين، والإخلال بأمن المسلمين، هذا شيء لا يرضاه الله ورسوله قطعًا، ولا يجوز وحرام، ويجب إنكاره والنهي عنه وهو بغي وفساد.

في الطرف المقابل يأتي ناس يقول: لا نريد جهاداً أبدًا، اشطب.

كيف تشطب؟ على كيفك تشطب؟ هو قال: وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، وفيه جهاد طلب وجهاد دفع، ودخل المسلمون وفتحوا مصر والمغرب وكملوا شرقًا وغربًا، لكن نحن ضعفاء لا نقدر، فيه فرق أن تقول: لا جهاد في الإسلام، وأن تقول: إننا لا نقدر على القيام به الآن، يعني بالكاد بعض المسلمين يقدرون على شيء من جهاد الدفع كالمسلمين في فلسطين وفي غيرها من البلدان التي احتلها الكفار، لكن هل يمكن لمسلم عاقل أن ينفي وجود الجهاد في الإسلام؟

وهكذا يحدث البغي، وتحدث الفتنة، عندما يكون هناك ظلم، ويكون هناك بغي، ويكون هناك تعد على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ.

ولذلك فلابد أن نعي هذه الأمور وأن نكون على وعي لما يراد بديننا، وأن لا يغرنا التزيين: أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر: 8].

وكذلك فإننا نسأل الله أن يجعلنا من أهل العدل والرحمة.

وحتى مع الكفار، الله قال: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة: 8].

وإذا قاتلونا في الدين وأخرجونا من ديارنا لو استطعنا عليهم فلابد من السيف.

كذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10]، قال: وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا  قال: وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا يعني حتى لما جاءت المسلمة من مكة للمدينة وتركت زوجها الكافر يرد لزوجها الكافر مهره.

الله أكبر، انظر إلى العدل، يرد إلى زوجها الكافر المهر، ما تأخذ زوجته وبعدين ما تعطيه شيئاً، جاءت إلينا لا نرجعها إليه؛ لأن الله قال: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ  لكن لا يجمع عليه بين ذهاب الزوجة وذهاب المهر، ولذلك قال: وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا مع أنهم كفار محاربون، يعطى الكافر الذي أسلمت زوجته وتركته مهر الزوجية، وإذا جاء اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ [التوبة: 6].

إن هذا العدل الذي قامت به السموات والأرض، وهذا الدين دين الرحمة، ودين الرسالة، ودين البلاغ، ودين الهداية.

إن هذا الدين الذي يوجب علينا أن ندعوا إلى سبيل الله ، وأن نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم.

وأما الذين يقولون: إنكم على هذا المنهج منهج السلف ما عندكم إلا أحادية النظرة، مصادرة الرأي الآخر، ما عندكم إلا القول الواحد والرؤية الضيقة.

نقول: لا.

انظر مسائل العقيدة، الأصول ما يمكن النقاش فيها ألبتة، ما يمكن تناقش، يعني لا تراجع ولا مراجعة ولا إعادة نظر في أصول الإسلام والعقيدة أبدًا.

لكن في القضايا الفقهية؛ مثلًا: قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام واجبة أم لا؟ فيها خلاف بين أهل السنة أم لا؟

عند السلف فيها خلاف.

زكاة حلي النساء المستعمل فيه خلاف أم لا؟

فيه خلاف.

الحجامة للصائم يجوز أن يحتجم أم لا؟

فيه خلاف.

ميراث الجد مع الإخوة هل يرثون عند وجود الجد أو يسقطون؟

فيها خلاف.

الذي يقول: أنت طالق بالثلاث تعتبر ثلاث أو واحدة؟

فيها خلاف.

الاختلاف في تقدير نصاب قطع يد السارق بالذهب وإلا بالفضة؟

فيه خلاف.

الاختلاف في القروء عدة الطلاق ثلاثة قروء هل هي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار؟

فيها خلاف.

إذن، عندنا مجال للنظر، وعندنا مجال للاجتهاد، وعندنا مجال للبحث والمناظرة، في المسائل الاجتهادية.

لكن مسائل الدين والعقيدة والأصول غير قابلة للنقاش إطلاقًا.

ومن تبين له هذا عرف كيف يرد اليوم على من يثير هذه البلابل والزلازل في نفوس المسلمين.

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وثبت قلوبنا على دينك يا رب العالمين، واجعلنا من المستمسكين بالحق الذين يقضون به وبه يعدلون.