الثلاثاء 8 شوّال 1445 هـ :: 16 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

اجتناب النجاسة والأماكن المنهي عن الصلاة فيها


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
صحة الصلاة في كل مكان إلا ما استثناه الدليل
حكم الصلاة في مكان نجس
حكم الصلاة في الأرض المغصوبة
حكم الصلاة في المقبرة
حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ملخص الدرس الماضي

00:00:14

تحدثنا في الدرس الماضي عن شرط استقبال القبلة من شروط الصلاة، والحالات التي يسقط فيها استقبال القبلة وهي: العجز، وشدة الخوف، وصلاة النافلة على الراحلة في السفر، وعند بعض العلماء بعد ابتداء الصلاة، فمن كان يصلي نافلة في السفر لا يلزمه استقبال القبلة في سائر صلاته، وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب الاستقبال عند تكبيرة الإحرام إذا تيسر له ذلك وأمكنه، أي في النافلة، وقال المالكية والحنفية: لا يلزمه الاستقبال وإن تيسر له ذلك، يعني في أول الصلاة بالنسبة للنافلة في السفر، وذهب إلى هذا من المعاصرين علماء اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمهم الله-.

وتكلمنا عن النية أيضًا من شروط الصلاة.

وذكرنا: أن محلها القلب وأن المقصود منها تمييز العبادة عن العادة وتمييز العبادات عن بعضها.

وذكرنا: مسألة تغيير النية من فرض إلى نفل والعكس.

وتوقفنا عند مسألة تداخل النيات، وهي أن يقوم بعمل واحد ينوي فيه أكثر من عبادة؛ كأن يصلي صلاة وينوي فيها سنة الوضوء وتحية المسجد مثلًا، فهل يصح هذا التشريك في النية في العبادة الواحدة أم لا؟

تداخل النيات على قسمين: قسم لا يصح وهو فيما إذا كانت العبادة مقصودة بنفسها أو متابعة لغيرها، فهذه لا يمكن أن تتداخل النيات فيها، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس وجاء وقت صلاة الضحى فهل يستطيع أن يصلي ركعتين ويقول : هذه قضاء سنة الفجر وركعتي الضحى في الوقت نفسه؟

الجواب: كلا.

لماذا؟

لأن سنة الفجر صلاة مستقلة وسنة الضحى صلاة مستقلة فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى، لا تقوم هذه مقام هذه، ولا هذه مقام هذه، فلا يصح إدخالهما في صلاة واحدة.

وكذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها لا تداخل، فلو قال إنسان : أريد أن أنوي بصلاة الفجر الفريضة والنافلة معًا، يعني الراتبة، قلنا : لا يصح، لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزئ عنها.

والقسم الثاني: أن يكون مقصودًا بالعبادتين أو إحداهما مجرد الفعل وليست مقصودة لذاتها، فهذا يمكن التداخل فيه؟ مثال ذلك: رجل دخل المسجد والناس يصلون صلاة الفجر فريضة، من المعلوم أن الإنسان المسلم إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، تحية المسجد فهل يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يدخل مع الإمام في الفريضة؟

الجواب: لا، لأن النبي ﷺ قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة [رواه مسلم: 710].

هل يصح التداخل فتقوم صلاة الفريضة مقام تحية المسجد، تحية المسجد تدخل فيها؟

الجواب: إن صلاة تحية المسجد ليست مقصودة لذاتها، بمعنى المطلوب منك إذا دخلت المسجد أن لا تجلس حتى تصلي صلاة فريضة تحية مسجد سنة قبلية، المهم أن تصلي قبل الجلوس.

فإذن، ركعتي تحية المسجد ليست مقصودة لذاتها، فهنا يمكن أن تدخل في صلاة أخرى يمكن أن تندرج وتدخل في صلاة أخرى، فإذا صليت الفريضة وهي قائمة في المسجد عند دخولك قامت مقام تحية المسجد، وأغنت عنها، ودخلت تحية المسجد فيها، وهناك في بعض المسائل خلاف، فبعض العلماء يقول لك : هذه الصلاة مقصودة لذاتها.

وآخرون قد يقولون لك: هذه الصلاة غير مقصودة لذاتها، فمع توضيح القاعدة لكن يمكن أن ينشأ خلاف في التطبيق، فمثلًا ركعتا الطواف هل هما مقصودتان لذاتهما أن الطواف له ركعتان مستقلتان ولذلك لا تجزئ الفريضة أو السنة الراتبة مثلًا بدلًا منهما، فمن العلماء من قال: إن للطواف صلاة مستقلة خاصة به.

وبناء على ذلك لو أنت أنهيت الطواف ولم يبق على إقامة الفريضة إلا شيء يسير وما صليت السنة الراتبة فهل يصلح أن تصلي السنة الراتبة وتدخل فيها ركعتي الطواف، أو أنه لابد أن تصلي ركعتين بعد الطواف ثم تأتي بالسنة الراتبة مثلًا، فهذا سينبني على الخلاف في قضية هل ركعتا الطواف صلاة مستقلة بذاتها أو ليست مقصودة لذاتها، فيمكن أن تندرج وتدخل في صلاة أخرى؟

مثال آخر: من رأى أن صيام عرفة مقصود لذاته، قال: لا يمكن أن يجمع في النية مع قضاء رمضان مثلًا، ومن رأى أن أي صيام حصل في عرفة يكتب أجر فاعله في صيام عرفة فإنه سيقول لك: لا حرج أن تنوي بيوم عرفة قضاء من يوم من رمضان إذا كان عليك، فإنه سيقول لك: لا حرج أن تنوي بصيام يوم عرفة القضاء إذا كان عليك من رمضان شيء وتنوي ذلك قبل الفجر؛ لأن صيام القضاء لابد له من نية قبل الفجر، كذلك النفل المعين لابد له من نية قبل الفجر فتنوي القضاء ويكتب لك أجر القضاء، وأجر عرفة حيث أن الصيام في يوم عرفة مشروع وليس الصيام في عرفة مقصود لذاته، وإنما لأجل عرفة، فإذا صمت في عرفة أي صيام، فريضة، كفارة يمين، كفارة قتل خطأ، كفارة ظهار، فإنه يكتب لك أجر عرفة مع القضاء الذي صمته مثلًا.

صيام الاثنين وأيام البيض أيضًا فلو قيل هنا التداخل قائم.

إذن، إذا صادف أيام البيض اثنين أو خميس فصمته بالنيتين معًا حصل لك أجر صيام البيض وأجر صيام الاثنين والخميس، من أمثلة التداخل مثلًا أن تدخل المسجد والإمام راكع، فالأفضل أن تكبر تكبيرة الإحرام وهي ركن الصلاة ثم تأتي بتكبيرة للركوع مستقلة وهي من واجبات الصلاة فإن ضاق الوقت وخشيت أن يرفع الإمام فهل تدخل نية تكبيرة الركوع في نية تكبيرة الإحرام وتقوم الإحرام بدلًا من تلك؟ الجواب : نعم على أساس أن الأدنى يدخل في الأعلى وتقوم تكبيرة الإحرام في هذه الحالة مقام تكبيرة الركوع فالنية كما قال العامة مطية تحمل صاحبها إلى مقامات تصل به إلى أماكن لا يصلها بغير النية وتنيله أجرًا لم يكن لينله بدونها.

صحة الصلاة في كل مكان إلا ما استثناه الدليل

00:08:47

ثم قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "وتصح الصلاة في كل موضع"

فانتقل الآن إلى مكان الصلاة، ويريد أن يصل إلى قضية طهارة البقعة من شروط الصلاة فالأصل جواز الصلاة في أي مكان من الأرض، ويدل على هذا قوله ﷺ:  وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل  [رواه البخاري: 335، ومسلم: 521].

ولفظ مسلم: فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان  رواه مسلم: 521].

فقوله:  جعلت لي الأرض مسجدًا  أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانًا للسجود، وعلى هذا تجوز الصلاة في أي مكان من الأرض، ولا يستثنى من ذلك شيء إلا ما أخرجه الدليل.

حكم الصلاة في مكان نجس

00:09:31

ثم ذكر المصنف -رحمه الله- ما دلت الأدلة على عدم جواز الصلاة فيه، فقال: "إلا في محل نجس" فالصلاة في المكان النجس لا تجوز، وذلك لأن اجتناب النجاسة وطهارة البقعة التي تصلي عليها من شروط الصلاة، واجتناب النجاسة يكون في ثلاثة أشياء: البدن والثوب والمكان، فاجتناب النجاسة في بدن المصلي وثيابه والمكان الذي يصلي فيه من شروط صحة الصلاة فلا تصح صلاة من صلى في ثوب نجس أو صلى وعلى بدنه نجاسة أو صلى في مكان نجس سواء في ذلك صلاة الفرض والنافلة وصلاة الجنازة والسنة الراتبة وتحية المسجد روكعتا الطواف، إلخ... فإزالة النجاسة شرط لصحة الصلاة.

وذهب بعض العلماء إلى أن اجتناب النجاسة واجب وليس بشرط من شروط الصحة، وهو قول كثير من المالكية، ورواية عند الحنابلة، واختاره من المتأخرين الشوكاني والصديق حسن خان.

طبعًا واجب، لكن سيكون أقل رتبة ممن ذكر بأنه شرط، وبالتالي سيطرأ عليه من التخفيف ما لا يطرأ على ذاك عند القائلين بأنه واجب وليس بشرط.

جمهور العلماء قالوا: إنه شرط هذا كلام أكثر أهل العلم، وأن إزالة النجاسة لابد منه، واستدلوا بأدلة، ومن ذلك: قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] فجمهور السلف على أن المراد بها تطهير النفس من الرذائل والفواحش والمعاصي، والتعبير عن ذلك بطهارة النية معروف عند العرب.

وذهب آخرون أن الآية على ظاهرها: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ  يعني من النجاسة، واختاره ابن جرير والنووي.

ولا مانع أن تعم الآية المعنيين جميعًا، فيقال: ثيابك هذه التي تلبسها طهرها، وكذلك نفسك التي بين جنبيك طهرها من الأخلاق الرديئة والرذائل والفواحش والمعاصي، واختار هذا جمع من أهل العلم، يعني أنها تعم المعنيين جميعًا كابن تيمية وابن القيم وابن كثير-رحمهم الله- ، وغيرهم.

وإذا وجب تطهير الثوب فتطهير البدن أولى؛ لأن الثوب شيء خارج عنك من غير بدنك، فإذا وجب تطهيره فتطهير بدنك الذي هو من ذاتك من باب أولى.

وكذلك قال ﷺ:  إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه  [رواه البخاري: 307].

فأمرها بغسل دم الحيض من الثوب قبل أن تصلي فيه دليل على امتناع الصلاة وعدم صحتها مع النجاسة، قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعًا.

ثالثًا: يدل على ذلك أيضًا حديث النبي ﷺ: تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه [رواه الدار قطني: 459، وصححه الألباني].

طبعًا هذا دليل على قضية طهارة البدن لابد منها.

ويدل كذلك على شرطية طهارة المكان: قوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحـج: 26]. وهذه تعم تطهيره من النجاسة الحسية، ومن الكفر والمعاصي والأصنام، وغيرها.

وحديث بول الأعرابي في المسجد وقول النبي ﷺ:  صبوا عليه ذنوبًا من ماء [رواه البخاري ومسلم: ].

فوجود النجاسة على بدن أو ثوب المصلي يبطل صلاته، ولكن هل يعفى في ذلك عن يسير النجاسة؟

جمهور العلماء على أنه لا يعفى عن يسير النجاسة إلا الدم كما ذكر ذلك ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني".

وابن عبد البر في "التمهيد"، وغيرهما.

وقلنا: إن الجمهور يرون بأن الطهارة هنا في البدن والثوب والبقعة من الشروط، فلذلك عندهم لا يعفى عن يسيرها.

وقال بعض العلماء: يعفى عن يسير جميع النجاسات، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: لا سيما فيما يبتلى به الناس كثيرًا، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78].

ويدل على العفو عن يسير الدم ما رواه أحمد وأبو داود أن خولة بنت يسار -رضي الله عنها- أتت النبي ﷺ في حج أو عمرة، فقالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه،  قال: فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه، قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره؟ قال: يكفيك الماء، ولا يضرك أثره  حديث صحيح [رواه أحمد: 8767].

قال الحافظ: والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جمعًا بين هذا وبين حديث أم قيس أنها سألت النبي ﷺ عن دم الحيض يكون في الثوب، فقال:  حكيه بضلع، واغسليه بماء وسدر  [رواه أبو داود: 363، وإسناده حسن].

ما هو المرجع في تحديد اليسير؟

الجواب: إلى العرف فما عده الناس يسيرًا فهو يسير، وما كان في عرفهم كثيرًا فهو كثير، وإذا خرج الدم من أنف المصلي فماذا يفعل؟

إذا كان قليلًا عفي عنه وأزاله بمنديل ونحوه، وإن كان كثيرًا قطع الصلاة عند جمهور العلماء، وتنظف منه، وذكر هذا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في فتاويه.

الآن يسير النجاسة ممكن نتصوره في حالات كثيرة، فمن ذلك مثلًا: قيء الطفل على ثياب أمه الآن الأطفال بعد إرضاعهم، ولنفرض أنها أنثى حتى نخرج من قضية أكل الطعام، وأن جمهور العلماء يقولون: بأن حكم قيئه حكم بوله، وأن القيء نجس.

طبعًا من العلماء من يقول: أن القيء طاهر وليس بنجس أصلًا ،كبير صغير، القيء طاهر، ما في دليل على نجاسته، لكن الآن نقول على هذا القول، هذه كثيرًا ما ترضعها وبعد الرضاعة الولد يتجشأ معروف هذا، ويخرج على كتف أمه على صدر أمه وهي ترضعه وتضعه وترضعه وتضعه وترضعه في اليوم عشرات المرات الطفل يرضع كثيرًا.

يمكن يرضع عشر مرات خمسة عشر مرة في اليوم، هذا إذا كل ما قاء على أمه ستقول : غيري الثوب، غيري الثوب كم ثوبًا ستغير؟

ولذلك فإن مثل هذا ينبغي أن يخفف فيه، وأن يقال : لا زالت المرضعات من عهد رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا يبتلين بمثل هذا، فإذا أوجبت عليهن غسل الثوب أو تغيير الثوب لأجل الصلاة شققت عليهن أيما مشقة.

كذلك أحيانًا الدم تغسله ويبقى أثر، بل حتى الغائط يغسل ويبقى له أثر، فبعض الناس يعني يتعاسر مع نفسه، وربما لا يستطيع إزالته سيبقى لون، فهذا اللون أيضًا لا يضر بقاؤه، خلاص الغسل حصل، حصلت الغسلات المطهرة لا يضر بقاء الشيء من اللون؛ لأن مثل هذا ممكن ما يزول اللون أحيانًا ينزل دم يسير بعضه قطرة يعفى عنه.

إن كان عليه نجاسة وهو لا يعلم أو كان يعلمها ثم نسيها وصلى، فالصلاة صحيحة، ويعفى عن ذلك للجهل والنسيان، وهي رواية عن أحمد، ورجح ذلك ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني"، وشيخ الإسلام وابن القيم، وقال النووي: وهو قوي في الدليل، وهو المختار، واستدلوا على ذلك بحديث أبي سعيد الخدري قال: "بينما رسول الله ﷺ يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم خلعوا نعالهم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال:  ما حملكم على إلقاء نعالكم ، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله ﷺ إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا أو قال أذى [رواه أبو داود: 650، وصححه النووي، والألباني].

وفي رواية لأبي داود:  خبثًا  ، بدلًا من قذرًا .

ولو قال قائل: ما الفرق بين هذا يعني الصلاة في نجاسة نسيها وبين من صلى محدثًا أو جنبًا وهو جاهل أو ناس؟

نقول: بالنسبة للحكم الأول لا تلزمه الإعادة، والثاني تلزمه بالإجماع.

فإن قال قائل: فما الفرق؟ أليست إزالة النجاسة شرطًا والطهارة من الحدث شرطاً أيضًا؟ فلماذا رخصتم في هذه إذا نسي ولم ترخصوا في هذه إذا نسي؟

فيقال: إن إزالة النجاسة من باب ترك المحظور، وأما الوضوء والطهارة فمن باب فعل المأمور، والقاعدة: أن جنس المأمور أعلى، فعل المأمور أعلى من ترك المحظور، وترك المحظور لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان، بل لابد من تداركه.

نقول : القاعدة : المأمور لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان، بل لابد من فعله وتداركه.

وأما المنهي عنه فيسقط بالجهل والنسيان، وبالتالي تصح صلاة هذا الشخص.

ومن شك في نجاسة ثوبه فتذكر أثناء الصلاة، لو تذكر بعد الصلاة قلنا : صلاتك صحيحة، لكن لو تذكر أثناء الصلاة فماذا يفعل؟

إذا كان متأكدًا من وجود النجاسة في الثوب لكنه نسي وتذكر أثناء الصلاة.

والمسألة الثانية إذا شك في وجود نجاسة في الثوب أثناء الصلاة فلنأخذ مسألة إذا شك في نجاسة الثوب وهو يصلي فما هو الأصل؟

طهارة الثوب، وبناء عليه يكمل صلاته.

مثال: رجل أدركه سعال في الصلاة شك هل هو خرج منه بول أم لا؟ رجل سجد على بلل وشك هل هذه نجاسة التي أنا الآن سجدت عليها وصار في ثوبي وكذلك في هذه البقعة هل هي نجسة وإلا طاهرة، هذا البلل ما هو؟ هل هو بلل نجاسة وإلا بلل ماء، فلم يستطع أن يجزم بشيء فما حكم صلاته؟

صحيحة.

طيب لو علم بعد الصلاة أنها نجاسة سأل قال: يا زوجتي العزيزة هذا البلل الذي أنا سجدت عليه نجاسة أو لا؟

قالت: بل نجاسة أنا نسيت أن أخبرك أن ولدك قد تبول هنا؟

فالراجح: أنه ليس عليه قضاء؛ لأنه لم يجزم بوجودها إلا بعد الصلاة، هذا إذا شك في وجود النجاسة في ثوبه وهو في الصلاة لا ينصرف ويتم الصلاة ومتى علم بعدها لا يلزمه القضاء.

إذا وقعت النجاسة عليه أثناء صلاته فماذا يفعل؟

طبعًا قد يقول قائل: كيف تقع عليه؟

فيأتي واحد يقول: مثل الطير إذا بال على الشخص، نقول بول الطير الراجح فيه أنه طاهر، بول كل ما أكل لحمه فهو طاهر.

فالآن يحتاج أن تأتي بمثال على طير لا يؤكل لحمه مثلًا تأتي ببول الصقر، أو يعني تأتي ببول نجس حتى يصح المثال على أن أحد الأئمة قد أخبرني أنه كان يصلي بالجماعة ليس عند جدار المسجد الأمامي خلف قليلًا، وفوقه مصلى النساء، ومصلى النساء فيه قضبان في الأمام فتقدم طفل وأدخل إحليله بين القضبان وفعلها فنزل هذا البول على الإمام أثناء الصلاة، فهذا مثال واقعي وحقيقي فماذا يفعل الآن هذا الإمام المسكين؟

إذا تأكد أثناء الصلاة الآن أن ما وقع عليه نجاسة فلابد أن يزيل النجاسة، فيقال: إن أمكنه طرح ما أصابته النجاسة من ثيابه بإزالته أو خلعه كما لو سقط مثلًا على هذا الغطاء للرأس مثلًا فتأكد من رائحته فأزاله، لكن إن صار على جلده كيف يزيله وإن صار على ثوبه من الخلف، وإذا خلعه قد لا يبقى ما يستر العورة، ففي هذه الحالة لابد من قطع الصلاة.

طبعًا: الدليل على أنه إذا أصابت النجاسة شيئًا يمكن خلعه أن يخلعه، ويكمل الصلاة حديث النبي ﷺ في خلعه نعاله في الصلاة لما أخبره جبريل أن بهما أذى ونجاسة، وأما إذا احتاج لإزالة النجاسة إلى وقت طويل، أو عمل كثير، أو يحصل انكشاف للعورة، أو كان لا يمكن مثل إذا أصاب جلده فلابد أن يذهب ويغسله، فعند ذلك تبطل الصلاة يقطعها فيستخلف رجلًا ويذهب مثل هذا الإمام، وإذا كان على بدنه نجاسة وعجز عن إزالتها كبعض المرضى عجز عن إزالة النجاسة فإن عليه أن يصلي على حسب حاله، ولا يخرج الصلاة عن وقتها؛ لقوله تعالى:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ  [التغابن: 16]، وقول النبي ﷺ:  إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم [رواه البخاري: 7288، ومسلم: 1337].

وهذا له أمثلة، بعض المرضى الآن -عافانا الله وإياكم- لا يستطيع السيطرة على البول فيخرج منه باستمرار، أو يكون هنالك عطب في المخرج فيفتحون له فتحة قد يكون مشلولًا المهم أنه يفتح له فتحة تجده على السرير في المستشفى أثناء العملية، أحيانًا في عملية معينة يجعلون له كيسًا في المستشفى ويلصقونه به، أو بالسرير يكون في السرير، وهذا البول يأتي إلى الكيس ويتجمع فيه، ثم يبدلون له الكيس باستمرار، فالكيس هذا دائمًا موجود، فماذا تقول له؟

إذا سألك : أنا أصلي؟ تقول : نعم تصلي، فإن قال : هذه النجاسة موجودة جنبي، هذه النجاسة على سريري، هذه النجاسة مرتبطة بي، هذا بيني وبينه أنبوب نقول : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ  [التغابن: 16] وماذا ستفعل؟

كذلك لو أن امرأة كانت تطوف حول الكعبة أو كانت تحمل ولدها في الصلاة فالولد أحدث، بال، ولكن هذه المرأة قد ألبست ولدها ما يمنع تسرب النجاسة فصارت تحمل شيئًا فيه نجاسة، فتأتي هنا مسألة لو طاف وبيده قارورة فيها نجاسة لو صلى وبيده قارورة فيها نجاسة ومثلها يصلي.

طبعًا هم كانوا يقولون : قارورة فيها، لكن نحن الآن عندنا أمثلة أقرب في هذه العملية أو في هذا الحال المريض الذي فيه كيس النجاسة محمول أو كهذه المرأة التي تحمل ولدها وفيه نجاسة.

فالجواب: إن الصلاة وهو يحمل النجاسة صحيحة؛ لأنه لا يلابس النجاسة ولا يمس النجاسة، والنجاسة ليست الآن في ثوبه ولا في بدنه، ثم إذا لو كانت النجاسة في الثوب والبدن ولا يستطيع التخلص منها، فما حكم صلاته؟

صحيحة:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]، يعني ماذا يفعل يترك الصلاة ؟ لا يترك الصلاة.

من لم يجد إلا ثوبًا نجسًا يستر به عورته فماذا يقدم ستر العورة، أو الصلاة بالنجاسة بثوب نجس؟

طبعًا هنا خلاف بين أهل العلم.

والراجح: إن شاء الله أنه يصلي بالثوب النجس ارتكابًا لأدنى المفسدتين؛ لأن صلاته عاريًا مفسدة، وصلاته بالثوب النجس مفسدة، فأدناهما أن يصلي مستترًا ولو بثوب نجس؛ لأن صلاته عريانًا أقبح من صلاته في ثوب نجس، وهذا مذهب الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

وهذا قد يوجد أحيانًا لمسلم أو مسلمين في زنزانة، فالأعداء قد يكون أسروهم وضعوهم في مكان واحد، وما جعلوا معهم شيئًا، وقد يضرب حتى تخرج منه النجاسة وما يستطيع الآن يتخلص من النجاسة للصلاة، وليس عنده ماء، ولا عنده ثياب إضافية، ولا عنده ما يزيل به النجاسة، فماذا يفعل؟

الجواب: يصلي على حسب حاله.

هذا فقه الضرورات، لابد أن تعرف خصوصًا في زماننا، فقه الضرورة، هذا اضطرار: إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ  [الأنعام: 119].

طيب إذا اشتبهت على الإنسان ثياب طاهرة بثياب نجسة ولم يجد سواها وليس عنده ماء يغسل به هذه الثياب فإنه يتحرى ويجتهد في معرفة الطاهر من النجس ويصلي فيما أداه إليه اجتهاده عند جمهور العلماء.

طبعًا ذكروا مسألة الثياب.

يعني إذا واحد عنده ثوبان التبس عليه، متيقن أن أحدهما فيه نجاسة، والثاني ما فيه نجاسة، ماذا يفعل؟

يصلي مرتين، مرة بهذا الثوب، ومرة بهذا الثوب، على أساس أن أحدهما يقينًا طاهر، وأن الصلاة به صحيحة، إذا غلب على ظنه يعمل بغلبة الظن، العمل بغلبة الظن من قواعد الشريعة.

لو عنده سبع ثياب واحد منها طاهر يقينًا، والباقي يقينًا كلها نجسة؛ لأنك لو عكست المسألة وقلت : لو عنده سبعة متيقن من طهارتها، ومتأكد أن واحداً منها نجس يصلي فقط بثوبين منها يكفي؛ لأن الاحتمالات على نظرية الاحتمالات، ما في إلا احتمال واحد أن يكون إحدى الصلاتين غير صحيحة والثانية يقينًا صحيحة.

قلنا : إذا غلب على ظنه أو صار عنده اجتهاد، قدرة على الاجتهاد يصلي فيما أدى إليه اجتهاده عند جمهور العلماء هذا إذا لم يكن عنده ماء يغسل به الثياب.

أما لو عنده ماء يغسل به الثياب، يغسل الاثنين، ويصلي مرة واحدة، ليش يصلي مرتين؟ في طهارة المكان يشترط طهارة الموضع الذي يلاقيه بدن المصلي في قيامه وقعوده وسجوده، فلو كان موضع قدميه أو ركبته أو جبهته في السجود نجسًا لم تصح صلاته.

أما لو كان في المكان الذي يصلي فيه نجاسة، ولكن لا يلاقيها ببدنه أثناء الصلاة فصلاته صحيحة، افرض النجاسة عن يمينه عن شماله خلفه بخطوتين أمامه بخطوتين أمام موضع السجود، يعني بعد موضع السجود.

فإذن، تصح الصلاة ما دام البقعة التي يصلي عليها ويلامسها ببدنه عند سجوده لابد أن تكون طاهرة.

أما لو كان في المكان الذي يصلي فيه نجاسة يلاقيها ببدنه، فالصلاة غير صحيحة.

إذن، لو واحد صلى في مكان البقعة طاهرة وما حوله من الجهات الأربع نجس فصلاته صحيحة، لو صلى على الموضع النجس من البساط لم تصح صلاته ولو صلى على الموضع الطاهر من البساط تصح صلاته.

فإذن، لا يقال : هذا البساط واحد متصل بعضه ببعض فحكمه واحد، فلو كان نصفه طاهرًا ونصفه نجس صلى على النصف الطاهر فصلاته صحيحة، هذه الأرض أصلًا الأرض متصلة ببعض عن يمينه نجاسة، فصلى في مكان طاهر فصلاته صحيحة، فإن صلى على الموضع النجس لم تصح صلاته؛ لأنه ملاق للنجاسة، وإن صلى على موضع طاهر منه صحت صلاته؛ لأنه غير ملاق للنجاسة، كما قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني".

لو بسط على النجاسة ثوبًا وصلى فيه فإن كانت النجاسة يابسة فلا تنتقل إلى البساط فالصلاة صحيحة.

أما إذا كان البساط باليًا أو رقيقًا والنجاسة كثيرة، وتنتقل أو البساط فيه خروق وجزء من الركبة يلمس ما تحته من الخرق الموجود مثلًا، أو أن النجاسة تشربها البساط الفوقي، وانتقلت إليه فلا تصح الصلاة عليه حينئذ.

إذا حبس الإنسان في موضع نجس وجب أن يصلي فيه عند أهل العلم، وعرفنا الموضوع من فقه الاضطرار، وإذا صلى يجب عليه أن يتجافى عن النجاسة بيديه وركبتيه ما أمكنه ذلك.

ويجب أن ينحني للسجود إلى القدر الذي لو زاد عليه لاقى النجاسة ولا يضع جبهته على الأرض، فلو قيل: هذا رجل حبسه الأعداء في زنزانة كلها نجاسة.

ماذا يفعل؟ سيصلي.

عند الركوع هو في الهواء فلا يلامس مثلًا في اليدين والجبهة.

عند السجود، نقول سينحني إلى الحد الذي لا يلامس فيه النجاسة ويقول: سبحان ربي الأعلى، وهو سجود صحيح في حقه:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].

حكم الصلاة في الأرض المغصوبة

00:32:35

ثم قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "أو مغصوب" يعني لا تصح الصلاة في مكان مغصوب.

والمغصوب كل ما أخذ من مالكه قهرًا بغير حق.

والصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع، لكن ما حكم من صلى فيها؟ هي حرام، لكن هل تصح الصلاة مع الإثم وإلا لا تصح الصلاة؟

فمذهب الحنابلة أن من صلى في مكان مغصوب فصلاته باطلة؛ لأن الإنسان منهي عن المقام في هذا المكان؛ لأنه ملك غيره فإذا صلى فصلاته منهي عنها، والصلاة المنهي عنها لا تصح.

خالفهم جمهور العلماء قالوا بصحة الصلاة مع الإثم؛ لأن الصلاة لم ينه عنها في المكان المغصوب، بل نهي عن الغصب والغصب أمر خارج عن الصلاة مستقل عنها، فأنت إذا صليت فقد صليت كما أمرت وإقامتك في المغصوب هي المحرمة ورجحه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، هذا قول جمهور العلماء.

طبعًا هذا يدل عند مذهب الحنابلة التشديد في الغصب لدرجة أن الصلاة لا تصح، وبنى عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هؤلاء الذين يحجزون الأماكن في الحرم بسجاجيد بدون حق ويقدم سائقه وخادمه وعبده فيحجز له المكان من الصباح وهو ينام ويفطر يلهو ثم يأتي يتخطى رقاب الناس إلى هذا المكان، وإذا وجد فيه أحد دفعه، وقال: هذا مكاني وضارب عليه، فهذا حجز بغير حق، وهذه مثل الأرض المغصوبة، ورتب عليها قضية عدم صحة الصلاة فيها، فالمسألة كبيرة.

طبعًا في ناس غصبوا أراضي وصلوا عليها.

لو أنت علمت أن هذا المسجد مثلًا مغصوب، أرض مغصوبة، جاء واحد ظالم وغصب أرضاً من واحد وبنى عليها مسجدًا فلا تصلي فيها.

طبعًا على مذهب الحنابلة لا تصح الصلاة، وأيضًا تترك تعزيرًا له، يقال له: أنت غصبت حق الناس لتقيم عليه مسجدًا ما يجوز لك هذا، هذا حق الناس.

والجمهور على ما عرفنا من الحكم.

حكم الصلاة في المقبرة

00:34:38

ثم قال المصنف -رحمه الله-: "أو في مقبرة" ولا تصح الصلاة في المقبرة.

والمقبرة مدفن الموتى، وتشمل المقبرة مكان القبور وما حولها من الأرض مما يسمى مقبرة عرفًا وإن كان لها سور، فكل ما داخل السور مقبرة، وهذه أرض وقف، والموتى سبقوا إليها فدفنوا فيها فهم أولى من الأحياء، وإذا خصصها واحد للدفن وجعلها وقفًا على المسلمين أو على الموتى المسلمين فإنها صار لها حكم المقبرة، ولا تجوز الصلاة فيها، التحريم مأخوذ من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ:  الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام [رواه أبو داود: 492، والترمذي: 317، وصححه شيخ الإسلام -رحمه الله-، وكذلك صححه العلامة الألباني].

قال شيخ الإسلام: "فيه أن المقبرة والحمام لم يجعلا مسجدًا ومحلًا للسجود فإذا لم تكن مسجدًا كان السجود واقعًا فيها في غير موضعه فلا يكون معتدًا به كما لو وقع في غير وقته أو إلى غير جهته أو في أرض خبيثة، وهذا الكلام من أبلغ ما يدل على الاشتراط" [شرح عمدة الفقه، لابن تيمية: 3/353].

ولأن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور أو إلى التشبه بمن يعبد القبور أو المقبورين فيها، فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي ﷺ أنه قال في مرضه الذي مات فيه:  لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدًا [رواه البخاري: 1330، ومسلم: 529].

ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدًا، يعني موضع سجود، ومن بنى عليه مسجدًا فقد اتخذه مسجدًا.

ومذهب الحنابلة أن هذه الصلاة باطلة، ولا تصح سواء كانت فريضة أو نافلة.

إذن، لا يجوز الصلاة في المقبرة ولا عند القبر فكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا تجوز الصلاة فيه، ومن ذلك غرفة الحارس في المقبرة، وسألت شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن حارس المقبرة يريد أن يقوم الليل ويصلي السنن الرواتب، قال: يصلي في غير هذه الحجرة أو هذه الغرفة التي هي مكان الحارس إذا كانت داخل المقبرة، أما إذا كانت خارج سور المقبرة فيجوز أن يصلي فيها، هل يدخل في ذلك الحكم المكان الذي فيه قبر أو قبران مثلًا؟

اختار شيخ الإسلام أن ذلك يضر؛ لأن المقبرة ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر، وممن أفتى بهذا الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- متابعة لشيخ الإسلام، ولو أعدت أرض لأن تكون مقبرة إلا أنه لم يدفن فيها أحد فلا يشملها النهي؛ لأنها تسمى مقبرة باعتبار ما سيكون لا باعتبار الواقع، فإذا صلوا قبل أن يدفن أحد فيها فالصلاة صحيحة، ولو غيرت المقبرة بما يزيل اسمها صحت الصلاة فيها، فلحاجة ماسة نقل الرفات، جعل في مكان آخر، هذا مرفق مهم جدًا، بفتوى، بعد اطلاع القضاة والعلماء والمفتين مثلًا حصل التغيير، فزال عنها اسم المقبرة رجعت الصلاة إلى الجواز في ذلك.

ويستثنى من تحريم الصلاة في المقبرة أمران:

أولًا: صلاة الجنازة على القبر، فهذه جائزة كأن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه أنت في المسجد، فأدركته وقد دفنوه فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه عند القبر، وفي المقبرة صلاة الجنازة فقط، ويدل على ذلك فعل النبي ﷺ فقد صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد، المرأة السوداء -رضي الله عنها- التي كانت تنظف المسجد، وماتت قال: دلوني على قبرها ، وأتاه وصلى عليها فيه [رواه مسلم: 956].

ثانيًا: صلاة الجنازة في المقبرة كأن يموت شخص ولم تتمكن أنت من الصلاة عليه في المسجد فأدركت الجنازة قبل أن تدفن وهي على سريرها، الميت على سريره في المقبرة، قد وضعوه ليهيئوا القبر، فتأتي أنت وتصلي على هذه الجنازة في المقبرة فهذا يجوز أيضًا، فإذا جازت الصلاة عليه في القبرة جازت الصلاة عليه وهو خارج القبر ولو كان في المقبرة.

حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر

00:39:04          

ما حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟ وهل تصح؟

من قصد الصلاة في المسجد الذي فيه قبر من أجل القبر، ومن أجل التبرك بهذا القبر، أو من أجل التقرب إلى صاحب القبر فهذا لا شك في تحريم الصلاة وبطلانها، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: فأما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء أو بعض الصالحين متبركًا بالصلاة في تلك البقعة، يقول : هذه الصلاة هنا فيها فضل عظيم، لماذا؟ قال: فيه نبي مدفون، يعني الصلاة هنا طيبة وفاضلة، وربما أفضل، عجبًا لهؤلاء! هذه العقول كيف تفكر؟! كيف تفكر؟!

هذا واحد ذهب إلى شيخ من شيوخ الضلالة في مسجد فيه قبر، ناس يأتون ويسألون الميت ويصلون عنده، قال: يا شيخ هذا منكر، هذا شرك، يطلبون من الأموات ما لا يقدر عليه إلا الله، يستغيثون بالميت، لم لا تنكر عليهم؟ قم أنكر عليهم، قال: لا، هذا فعل صحيح، ما الدليل على أنه حرام؟ قال: يقول الله : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [الأعراف: 194]، قال: يا ابني هذه آية وهابية أيش لك فيها؟

فإذن، صار القرآن مقطعًا عندهم يأخذ ما يشتهي، ويترك ما يخالف هواه، وهكذا...، المسجد الذي فيه قبر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء أو بعض الصالحين متبركًا بالصلاة في تلك البقعة"، قال: "فهذا عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن الله به" [اقتضاء الصراط المستقيم: 2/193].

وأما إن صلى فيه اتفاقًا لا لقصد القبر، ليس قصدًا للقبر، واحد دخل مسجد صلى فوجئ أن فيه قبر مثلًا بعد الصلاة لفت نظره هناك شيء في المسجد هناك قبة قفص، ما هذا؟ قالوا هذا ضريح.

إذا واحد ما انتبه أو انتبه بعد الصلاة، يعني أن هنالك قبر، أو قال: أنا يا جماعة ما قصدت، أنا أعرف أنه فيه قبر لكن ما قصدت القبر، أنا ما وجدت مسجداً على طريقي إلا هذا، بلدنا كلها مساجد ومساجد فيها قبور، أين نروح؟ هذا يقع في بعض البلدان، فلذلك نحمد الله أننا الآن في هذا البلد ما عندنا مسجد فيه قبر، من هذه المساجد المعروفة، هذه مساجد أهل السنة والتوحيد ما فيها القبور داخل مسجد؛ لأن النبي ﷺ  لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا" [رواه البخاري: 435، ومسلم: 531].

هناك صورتان:

الأولى: أن يكون القبر سابقًا على المسجد.

والثاني: أن يكون المسجد سابقًا على القبر.

هل هو القبر أولًا ثم بني عليه المسجد أو أن المسجد أول ثم دفن فيه شخص وصار فيه القبر؟

الصورة الأولى: أن يكون القبر سابقًا على المسجد، أي أن المسجد بني على القبر، ففي هذه الحالة يجب هدم المسجد، وهجر المسجد، وعدم الصلاة فيه، ومن صلى فيه فالصلاة باطلة، ولا تستعجبوا ولا تستغربوا أو لا تتعجبوا ولا تستنكروا فإن الله نهى نبيه عن القيام في مسجد الضرار:  لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا  [التوبة: 108] مع أنه مسجد  لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا  [التوبة: 108] وحرقه الصحابة وخربوه، وجعل مزبلة، هذا مسجد الضرار، فممكن ينشأ مسجد على باطل، ويجب هدم المسجد، وهذا المسجد على الأرض المغصوبة ماذا يفعل؟

إذا جاء واحد يقيم الحق يهدم المسجد، هذا مسجد أسس على أرض مغصوبة، له أصحاب إذا ما تبرعوا بها ما يجوز بناء المسجد عليها.

فإذن، لا نستغرب، قضية يجي واحد يقول: تهدم المسجد؟ نقول: نعم إذا كان أسس على باطل، مسجد أسس على أرض مغصوبة، مسجد أسس على مقبرة، مسجد ضرار يهدم: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا  [التوبة: 108].

الدليل عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة  [رواه البخاري: 427 ومسلم: 528].

وروى مسلم عن جندب قال: سمعت رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول:  ... ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك  [رواه مسلم: 532]، قال شيخ الإسلام: فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك" [اقتضاء الصراط المستقيم: 2/ 187].

الحالة الثانية: أن يكون المسجد سابقًا على القبر، المسجد أولًا ثم دفنوا فيه شخصًا فلا تجوز الصلاة فيه؛ لأن النبي ﷺ نهى عن الصلاة إلى القبور، فروى مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله ﷺ: لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها [رواه مسلم: 972].

وإن لم يكن في جهة القبلة، بل عن اليمين أو الشمال أو في الخلف فجمهور العلماء يصححون الصلاة مع الكراهة، متى؟

إذا كان المسجد أولًا والقبر أدخل بعد ذلك.

أو دفن الشخص بعد ذلك، وكان القبر في غير جهة القبلة، فأكثر العلماء على صحة الصلاة مع الكراهة، يعني دور مسجداً آخر أحسن لك، لكن لو ما وجدت تصلي فيه، إذا كان المسجد أولًا، قال الشيخ ابن عثيمين: لأن المسجد سابق على القبر ووضع القبر فيه عدوان عليه، والعدوان عليه لا يستلزم بطلان الصلاة فيه، ولا يحوله إلى مقبرة.

وقيل: بالبطلان في جميع الصور، وهو اختيار شيخ الإسلام، والشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، ومن المعاصرين علماء اللجنة الدائمة يرون بالبطلان في كل الحالات، مسجد فيه قبر لا يجوز" لا تجوز الصلاة، قال شيخ الإسلام: "المسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض، ولا نفل، فإنه منهي عنه" [مجموع الفتاوى: 22/ 195].

بقيت مسائل في الصلاة في الحمام، وفي أعطان الإبل، وكذلك المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، وفوق ظهر بيت الله، والصلاة في الكنائس، ودور عبادة غير المسلمين، ما حكمها؟

سنعرف ذلك بمشيئة الله -تعالى- في الدرس القادم.

وصلى الله على نبينا محمد..