الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

مواقيت الصلاة - الدرس الثاني


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فقد تقدم في الدرس الماضي الكلام في مواقيت الصلاة، وأن وقت الظهر يبدأ من الزوال وينتهي عندما يصير ظل كل شيء مثله، وعندما يخرج وقت الظهر يدخل وقت العصر، ويستمر وقت العصر الاختياري إلى اصفرار الشمس.

وذكرنا أن ما بعد اصفرار الشمس إلى غروبها هو وقت لأصحاب الضرورات فقط، وبتكامل غروب الشمس يدخل وقت المغرب، ويستمر إلى مغيب الشفق، وأن المراد بالشفق هو الحمرة عند جمهور العلماء.

وذكرنا أن وقت العشاء يبدأ من مغيب الشفق وينتهي وقته الاختياري عند منتصف الليل عند الحنفية وبعض المالكية ورواية عن أحمد، وينتهي الوقت الاختياري عند ثلث الليل عند الشافعية والحنابلة ومشهور مذهب مالك، وقال بعضهم : أنه يمتد إلى الفجر، ولعل الراجح - إن شاء الله - أن وقت العشاء ينتهي في نصف الليل، هذا بالنسبة للاختياري والاضطرار إلى الفجر، فإذا طهرت امرأة من حيضها بعد منتصف الليل فهل تغتسل وتصلي العشاء؟ الجواب: نعم.

نسي شخص صلاة العشاء وتذكرها بعد نصف الليل فإنه يصليها، وكذلك لو نام بعد المغرب ما استيقظ إلا بعد منتصف الليل فكذلك يصليها أداء بالنسبة له، واختلفوا فيما بعد ثلث الليل أو نصف الليل هل هو وقت جواز أو وقت ضرورة؟ فذهب بعض العلماء إلى أن وقت الجواز يمتد إلى طلوع الفجر، فمن صلاها قبل الفجر فقد صلاها في وقتها وإن كره له ذلك، واستدلوا بحديث أبي قتادة أن النبي ﷺ قال:  ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى  [رواه مسلم: 681]. وهذا الحديث رواه مسلم قال عنه النووي: "في الحديث دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا مستمر على عمومه في الصلوات إلا الصبح فإنها لا تمتد إلى الظهر، بل يخرج وقتها بطلوع الشمس" [شرح النووي على مسلم: 5/187]. وقلنا : بعض العلماء قالوا : ثلث الليل ينتهي وقت صلاة العشاء الاختياري، هذا مذهب المالكية والحنابلة، وبعده إلى الفجر وقت ضرورة، وأن من المضطرين المريض مثلًا فله أن يصلي بعد نصف الليل، وكذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الوقت الاختياري لصلاة العشاء في نصف الليل وأن بعده تكون الصلاة قضاء، واختاره البخاري -رحمه الله- وبعض الشافعية واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو:  فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل  [رواه مسلم: 612]. وهذا حديث صريح في الحقيقة في انتهاء وقت صلاة العشاء الاختياري، وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن آخر وقتها الاختياري ينتهي عند نصف الليل، وما بعد نصف الليل إلى وقت الفجر فهو وقت ضرورة، واختار هذا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.

قال شيخ الإسلام: "وأما وقت الإدراك والضرورة فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني لما روى يحيى بن آدم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لا يفوت وقت الظهر حتى يدخل وقت العصر، ولا يفوت وقت العصر حتى يدخل وقت المغرب، ولا يفوت وقت المغرب إلى العشاء، ولا يفوت وقت العشاء إلى الفجر، ولم يُنقل عن صحابي خلافه، بل وافقهم التابعون على أن العشاء تجب بالطُّهر قبل الفجر" لو طهرت الحائض قبل الفجر يجب عليها أن تصلي العشاء، لو كان الوقت خرج بالكلية ما أوجبنا عليها صلاة العشاء "تجب بالطهر قبل الفجر مع قوله في حديث أبي قتادة لما ناموا: أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى  فإنه يقتضي امتداد كل صلاة إلى وقت التي تليها، وإنما استثني منه الفجر لظهور وقتها فإن وقت الفجر ينتهي بطلوع الشمس"، انتهى كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - في شرح العمدة. [شرح العمدة لابن تيمية: 180].

كيف نحسب نصف الليل أو ثلث الليل عند من يرى أن وقت العشاء الاختياري ينتهي بثلث الليل؟ نحسب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر فنصفه نصف الليل، ثلثه ثلث الليل، أجمعت الأمة بالنسبة لوقت صلاة الفجر على أنه يبدأ بطلوع الفجر الصادق وهو الفجر الثاني وقبله الفجر الكاذب، وبينهما فروق، فالفجر الأول وهو الفجر الكاذب يمتد طولًا من الشرق إلى الغرب، وأما الثاني فإنه معترض من الشمال إلى الجنوب،

ثانيًا: الفجر الأول تأتي بعده ظلمة، أما الفجر الثاني فيزداد نورًا وإضاءة، ثالثًا : الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، أما الفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة، لأنك تراه هكذا، يعني من وسط السماء متجه إلى الأفق، ثم ينقطع بينه وبين الأفق في ظلمة، أما الفجر الصادق المعترض فليس بينه وبين الأفق ظلمة، الفجر الكاذب هذا يعقبه ظلمة أيضًا، أما الفجر الصادق فإنه يزداد نورًا وضياء، النبي ﷺ ذكر لنا الفجر الكاذب وشبهه بذنب السرحان الذئب، لكي تميز الأمة هذا الأمر، لأنه يحدث هناك إضاءة في السماء، لكنها ليست هي الفجر الصادق فنبه لكي لا يختلط الأمر على المصلين، ينتهي وقت الفجر بطلوع الشمس.

بالنسبة للدول التي يستمر فيها الليل أو النهار مدة طويلة فكيف يؤدي سكانها الصلاة؟ أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء بحثًا حول الموضوع خصوصًا أن بعض المسلمين من سكان الدول الإسكندنافية والذين يعيشون في نصف العالم الشمالي يأتي عليهم في بعض الأحيان بعض الأماكن النائية شمالًا ليل طويل أو نهار طويل، فأصدرت هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة القرار التالي:

 أولًا : من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب الشمس إلا أن نهارها طويل جدًا في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا، لأنه ممكن يقول لك : نحن الليل عندنا ساعتان، والباقي كله نهار، وأحيانًا يقول لك : بالعكس النهار ساعتان والباقي كله ليل فنقول : عندكم ليل متمايز عن النهار أم لا؟ وعندكم طلوع شمس، وغروب شمس، واستواء الشمس في وسط السماء، إذن يجب عليكم أن تصلوا كل الصلاة في وقتها الشرعي، وهنا أحيانًا ممكن يكون بين المغرب والعشاء أربع ساعات مثلًا، ممكن يكون بين العشاء والفجر مدة يسيرة؛ لأن هنالك في تلك الحالة ساعات المدة بين الصلوات يختلف عما هو معتاد لدينا في البلاد المعتدلة في وسط العالم، إذًا ما دام عندهم ليل ونهار متمايز يجب أن يؤدوا الصلوات في أوقاتها لعموم قوله: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا  [الإسراء: 78]، وقوله تعالى  إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا  [النساء: 103] إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولًا وفعلًا، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة، فيه شروق فيه غروب فيه طلوع فجر بالعلامات التي بينها رسول الله ﷺ ومسألة الظل طول الظل.

ثانيًا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفًا، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها، معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي ﷺ يسأل ربه التخفيف حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة الحديث، إذن، يجب على المسلم في الأربع وعشرين ساعة خمس صلوات، فعندما يكون في مكان ستة أشهر ليل، وستة أشهر نهار، فإنه سيقدر قدره، على أي شيء يقيس؟ وعلى أي شيء يعتمد؟ على أقرب البلدان إليه التي فيها ليل متميز عن النهار، وفيها أوقات خمس، فيسير في صلواته بناء على هذا توقيت أقرب للبلدان إليه مما فيه ليل ونهار متمايز في الأربع وعشرين ساعة، وفيه أوقات صلوات واضحة، فيقول: أقرب بلد إلي الفجر الساعة الفلانية، وبعده بست ساعات يجي الظهر، يصلي الفجر وبعد ست ساعات يصلي الظهر، قالوا : بعد ثلاث ساعات يدخل العصر عندهم، فيصلي العصر بعد ثلاث ساعات، قالوا : بعد ساعتين ونصف يؤذن المغرب عندهم، يصلي المغرب، وهكذا، فيضبط الأمر، ويقدر قدرها، لأن هذا ليل مستمر، أو نهار مستمر، هذه صلوات أول يوم، خصلنا أربع وعشرين ساعة، الآن دخلنا في الأربع وعشرين التي بعدها وصلينا الخمس، وهكذا من الأدلة التي أخذ منها العلماء أيضًا هذا الحكم حديث الدجال فقد ثبت أن النبي ﷺ لما حدث أصحابه عن المسيح الدجال قيل له : ما لبثه في الأرض؟ قال:  أربعون يومًا  يوم كسنة، هو يوم أربع وعشرين ساعة لكن تمر على الناس كسنة بطيئة جدًا جدًا، الشمس حتى تغرب بطيئة جدًا، فتمر أول يوم كسنة في الطول، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم بقية الأيام، فقيل: يا رسول الله، اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ يوم طويل جدًا هذا كسنة يكفينا فيه خمس صلوات؟ قال : لا اقدروا له   فقوله : لا، يعني لا يكفيكم في هذا اليوم الطويل جدًا الذي يمر عليكم كسنة في الطول لا يكفيكم فيه خمس صلوات اقدروا له [رواه مسلم: 2937]. فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يومًا واحدًا يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، معنى ذلك أن أول يوم سيخرج فيه الدجال طويل جدًا، يعني أربع وعشرين ساعة في ثلاثمائة وأربع وخمسين، اضرب هكذا يمر علينا، كم هذه؟ أربع وعشرون في ثلاثمائة وأربع وخمسين، كم هذه؟ أليست السنة القمرية ثلاثمائة وأربع وخمسون يوماً؟ خمس وستون في الميلادي تبع الكفار، نحن نتكلم الآن السنة القمرية، كم يوم؟ ثلاثمائة وأربع وخمسون ضربناها في أربع وعشرين، كم ساعة؟ هذه فيها آلاف، ما يمكن الاختلاف فيها، عندكم جوالات ثلاثمائة وأربع خمسون في أربع وعشرين، ثمانية آلاف وأربعمائة وست وتسعون، إذًا أول يوم من أيام الدجال، أنت إذا قست، من طول هذا اليوم، من الفجر إلى الفجر، راح يمر عليك في ساعتك التي معك ثمانية آلاف وأربعمائة وستة وتسعون ساعة، فالثمانية آلاف وأربعمائة وست تسعون ساعة هذه ما يكفيها خمس صلوات لأن الله فرض علينا خمس صلوات كل أربع وعشرين ساعة، قال ﷺ اقدروا له  فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يومًا واحدًا يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتبارًا بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، اليوم المعتاد في كل بلد، عندما يخرج الدجال في كل بلد متى تصلى الخمس صلوات في الأربع وعشرين ساعة؟ فهكذا يوقع الخمس صلوات في أول يوم الذي طوله كسنة، ثاني يوم طوله كشهر، ثلاثون في اثنا عشر ساعة، هذا عدد ساعات ثاني يوم، كل أربع وعشرين ساعة فيها خمس صلوات حتى ينتهي ثاني يوم الذي طوله كشهر، ثالث يوم طوله كأسبوع، سبعة في أربع وعشرين، ثالث يوم كم طوله بالساعات؟ ثالث يوم من أيام الدجال سبعة في أربعة وعشرين ،كم؟ مائة وثمانية وستون ساعة، ثالث يوم من أيام الدجال طوله مائة وثمانية وستون ساعة، كل أربع وعشرين ساعة لازم تقوم بخمس صلوات، اليوم الرابع الطول معتاد كسائر الأيام، فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يومًا واحدًا يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتبارًا بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، إذًا الآن عندما يوجد في بعض البلدان، شمال النرويج امتدادات غريبة وعجيبة، قالت اللجنة : فيجب على المسلمين في البلاد المذكورة أن يحددوا أوقات صلواتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية، في كل أربع وعشرين ساعة، انتهينا الآن من مواقيت الصلوات الخمس.

 قال المصنف -رحمه الله- الشيخ عبد الرحمن السعدي : ويدرك وقت الصلاة بإدراك ركعة لقوله ﷺ: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة  متفق عليه. [رواه البخاري: 580، ومسلم: 607].

هذه الجملة من المصنّف - رحمه الله - يدخل فيها عدة مسائل :

المسألة الأولى : إذا دخل في الصلاة في آخر وقتها فصلى ركعة ثم خرج الوقت هل يعتبر مدركًا للصلاة أم لا؟

الجواب : يعتبر مدركًا.

 هل تكون كلها أداء أو فقط الركعة الأولى أداء والباقي قضاء؟

 تعتبر كلها أداء ويدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:  من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح  أدرك الصبح مع أنه ركعة واحد فقط وقعت قبل الإشراق، الثانية وقعت بعد الإشراق،  ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر  وفي لفظ :  من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة  وهذا سواء أخرها لعذر أو لغير عذر، إلا أنه إنما يباح تأخيرها لعذر وضرورة قال النووي: "واتفقوا على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت، ويدل لذلك حديث:  تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا [رواه مسلم: 622].

واحد أدرك ركعة قبل طلوع الشمس من صلاة الفجر، المقصود بإدراك الركعة ما هو ركوع الركعة وإلا الركعة كاملة بسجوديها؟ قالوا : المراد بالركعة ركعة كاملة بسجدتيها، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا للوقت.

المسألة الثانية : إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة ركعة من وقتها لزمته تلك الصلاة، فمثلًا صبي بلغ قبل المغرب مباشرة أنت ممكن تقول: سيغتسل فلم يدرك بعد الاغتسال إلا ركعة، وخذ مثالًا أوضح : مغمى عليه أفاق من إغمائه قبيل المغرب توضأ وصلى ركعة وغربت الشمس، كافر أسلم قبل المغرب وقال : أنا الآن إذا قمت إلى الصلاة لن أدرك إلا ركعة فهل يجب عليه أن يصلي العصر؟ كافر أسلم قبيل المغرب فقال : ماذا يجب علي الآن؟ وهو لن يدرك، لو قام توضأ وصلى لن يدرك إلا ركعة، فالسؤال هل يجب عليه أن يصلي العصر؟ الجواب: نعم يجب عليه.

إذن، قول المصنّف - رحمه الله - ويدرك وقت الصلاة بإدراك ركعة لقوله - صلى الله عليه وسلم - من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة هذا يؤخذ منه أن من كان يدرك ركعة، وقد كان لا يجب عليه قبل ذلك أن يصلي، لم تكن الصلاة عليه واجبة ثم صارت واجبة، ويدرك ركعة، أنه يجب عليه أن يأتي بالصلاة، لو كان يدرك دون الركعة، أسلم كافر، طهرت حائض قبل المغرب بلحظة، لو قام يصلي ما أدرك ركعة، سيدرك أقل، يمكن يقرأ الفاتحة وتغرب الشمس فلا تلزمه الصلاة حينئذ، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - واختار أيضًا أن جميع الإدراكات في الصلاة تكون بإدراك ركعة منها، ومن ذلك إدراك صلاة الجماعة، فلو واحد دخل مسجد بعد ما رفع الإمام من الركوع الركعة الأخيرة لا يعتبر قد أدرك الجماعة، لكن له أجر نية حضور الجماعة، إنما أجر صلاة الجماعة السبعة وعشرين التي تربو على صلاة المنفرد لمن أدرك ركعة فأكثر، أما إذا جاء بعد ما انتهى ركوع الركعة، فلم يدرك الركعة، أدرك أقل فإنه لا يعتبر مدركًا للصلاة، بعضهم قال : إذا جاء في أي وقت من الركعة الأخيرة يعتبر قد أدرك الصلاة، شيخ الإسلام - رحمه الله - احتجّ  من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة  قال : فهذا نص عام في جميع صور إدراك ركعة من الصلاة، سواء كان إدراك جماعة أو إدراك وقت، بل في رواية في الصحيحين من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة  مثال تطبيقي أيضًا لهذه القضية : لو واحد جاء في صلاة الجمعة قبل ركوع الركعة الثانية ودخل مع الإمام فكم سيصلي؟ ركعتين التي أدركها مع الإمام ويضيف إليها الثانية وتكون جمعة، لو جاء بعد ركوع الركعة الثانية سيصلي أربعًا ولا يعتبر أنه أدرك الجماعة وهي الجمعة في هذه الحالة فلذلك سيصلي أربعًا.

ثم قال المصنّف - رحمه الله -: ولا يحل تأخيرها أو تأخير بعضها عن وقتها لعذر أو غيره وكلامه يفيد أنه يحرم تأخير الصلاة عن وقتها المحدد لها سواء كان هذا التأخير بعذر أو لغير عذر إذا كان متعمدًا لإخراجها عن وقتها قال فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا  [سورة مريم: 59].

وقال  فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ  [الماعون: 4 - 7].

فتوعد الله المضيعين للصلاة والساهين عنها بالعذاب والعقاب.

وروى أحمد عن أم أيمن أن رسول الله ﷺ قال: لا تترك الصلاة متعمدًا فإنه من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله  صحيح لغيره.

فليس هناك عذر لتأخير الصلاة عن وقتها، فالمحافظة على أداء الصلاة في وقتها هو آكد شروط الصلاة، ولهذا يصلي المريض في الوقت بحسب حاله، بالتيمم إن عجز عن الوضوء، وبدون طهارة إن عجز عن التيمم، ويسقط عنه استقبال القبلة عند العجز، وكذلك يسقط عنه القيام والركوع والسجود عند العجز، ويصلي على حسب حاله، ولا يخرج الصلاة عن وقتها، والهارب من عدو إذا كان لابد أن يواصل الهرب ووقت الصلاة، سيخرج، سيصلي وهو هارب، وهو يعدو، وهو يجري، وهو يذهب يمينًا وشمالًا، يصعد وينزل، سيصلي ويومئ بقدر ما يستطيع، ويصلي وهو يجري، وكذلك من هرب من سبع مفترس أو من عدو ونحو ذلك، ربما يحتاج هذه المسألة أحيانًا رجال الشرطة في مطاردة المجرمين فقد يطارد قاتلًا لصًا مجرمًا، وتستمر المطاردة فترة طويلة، ويدخل وقت الصلاة، وسيخرج وقت الصلاة، وهو لا زال يطارده، فسيصلي في السيارة إلى القبلة، لغير القبلة، بحسب حاله، بوضوء، بغير وضوء، ولا تيمم، لأنه لا يستطيع يتوضأ، ولا يتيمم، وهو يطارده في السيارة، وبالتالي فإنه سيصلي على حسب حاله، هكذا من غرق في البحر، أو صار في اليم ملقى، لا حول له ولا قوة، كما حدث لبعض الناس الذين كانوا في العبارة صاروا على ظهورهم، أو صار واقف في القارب المزدحم جدًا، ليس له إلا موضع قدميه، كيف يركع ويسجد؟ ما يستطيع، سيصلي على حسب حاله، سيصلي وهو واقف، وهو يركع ويسجد وهو واقف، لا يستطيع الوضوء من ماء البحر، لا يستطيع الوضوء لسبب، يستطيع أن يغسل بعض الأعضاء دون بعض، هناك حالات متعددة، فإذن، سيصلي على حسب حاله، ولا يخرج الصلاة عن وقتها، تعمد الإخراج عن الوقت حرام، أما إذا كان غير متعمد للإخراج مثل النائم أو الناسي فهذا لا إثم عليه، لكن يجب عليه أن يقضيها حال ما يستيقظ أو يتذكر، وتصح منه بإجماع العلماء لقوله ﷺ:  من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك [رواه مسلم: 684]. وقد قال ﷺ: إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول:   وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي   [طه: 14]. [رواه مسلم: 684].

وكما لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها المحدد لها كذلك لا يجوز أن يصليها قبل وقتها المحدد لها، فمن صلى صلاة قبل الوقت متعمدًا فصلاته باطلة، ولا يسلم من الإثم، وإن كان غير متعمد لظنه أن الوقت قد دخل فصلى قبل الوقت، يظن الوقت قد دخل ثم تبين له أن الوقت ما دخل هل يأثم؟ لا، هل عليه الإعادة ؟ نعم؛ لأنه تبين له أن صلاته كانت غير صحيحة؛ لأنه صلى قبل الوقت، ولو واحد قال : أنا تبين لي باختبار التقويم، في طريق السفر، وفي حال البعد عن المدن وأنوار المدن، وفي حال وجود استواء في الأفق، ما في جبال تخفي الفجر، فإنني راقبت طلوع الفجر، ما كان حولي أنوار تخرب علي طلوع الفجر الصادق؛ لأن عندما تكون أنوار البلد، أنت كيف تعرف الفجر الصادق؟ تختلط عليك بالأنوار هذه، فمن قال : أنا اختبرت التقويم هذا، وجدته مبكراً عن الوقت الحقيقي بعشر دقائق أو ربع ساعة، فنقول : لا يجوز لك أن تصلي على التقويم، أنت الآن تأكدت أن التقويم فيه تبكير عشر دقائق مثلًا أو ربع ساعة، فلا يجوز لك أن تصلي على التقويم، وقد تبين لك بعينك، الذي لا يعرف سيصلي على التقويم؛ لأن هذا هو المتاح، ما عنده شيء آخر، إلا أن يخبره ثقة بأن التقويم فيه تبكير، وأما إذا كان لا يعرف فهذا هو المتاح له، وفيه ناس يعتمدون على ساعة العصر، وعلى تقاويم وحسابات، طبعًا الجهة الأوثق أنت تعتمد على حساباتها، أو على التقويم الذي طبعته للأوقات، تصلي بناء عليه، فمن قال : إنني راقبت هذا في صلاة الفجر وجدته مبكراً عن الوقت الحقيقي بعشر دقائق أو ربع ساعة، ماذا أفعل؟ أنا عندي نساء في البيت يردن الصلاة نقول : أوصهن أن لا يصلين إلا بعد الوقت المذكور في التقويم بربع ساعة، تنتظر ربع ساعة بعد التقويم ثم تصلي، ما تصلي بعد الأذان مباشرة التي تسمعه هذا، من تبين له لأن الصلاة قبل دخول الوقت غير مقبولة ولا صحيحة.

ثم قال المصنّف - رحمه الله - إلا إذا أخرها لجمعها مع غيرها فإنه يجوز لعذر من سفر أو مرض أو مطر أو نحوها فهذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة فيها عن وقتها وهي إذا نوى أن يجمعها مع غيرها فهو يريد أن يؤخر الظهر حتى يخرج وقت الظهر؛ لأنه يريد جمع تأخير مع العصر ويتعمد تأخير المغرب عن وقتها حتى يدخل وقت العشاء لأنه يريد جمع التأخير مع العشاء، وهذا كما قال المصنف، السعدي قال: "إلا إذا أخرها لجمعها مع غيرها فإنه يجوز لعذر من سفر أو مرض أو مطر ونحو ذلك" فهل يجوز للمريض جمع التأخير؟ نعم، كذلك في المطر، هذا ظاهر عبارته، إذا كان المطر نازل قال : سنصلي جمع تأخير، وجمع التقديم جائز طبيعي، سيصلي المغرب وراءه العشاء، فإن اختار الجماعة الجمع تأخيرًا، فظاهر كلام المصنف أنه يصح ذلك، قالوا : لن نخرج الآن إلى المسجد، المغرب اتصلوا على بعض قالوا : سنخرج العشاء، لا مانع، قوله : إلا إذا أخرها لجمعها مع غيرها، أخرها عن وقتها لجمعها مع غيرها فإنه يجوز لعذر من سفر أو مرض أو مطر ونحو ذلك، فيه كلام للإمام النووي - رحمه الله - في المجموع قال: "وأما وقت الجمع فقال الأصحاب : يجوز الجمع في وقت الأولى قولًا واحدًا، وفي جوازه في وقت الثانية قولان أصحهما عند الأصحاب لا يجوز وهو نص الشافعي في معظم كتبه الجديدة، وفي جوازه في وقت الأولى ذكر الكلام ثم قال: "فإذا جمع في وقت الأولى اشترطت الشروط الثلاثة في جمع المسافر ويشترط وجوب المطر في أول الصلاتين باتفاق الأصحاب إلا وجهًا شاذًا أو باطلًا" [المجموع شرح المهذب: 4/382]. فذكر الكلام وقال : وقال البغوي: "إذا انقطع - يعني المطر - قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع، بل يصلي الأولى في آخر وقتها كالمسافر إذا أخّر بنية الجمع ثم أقام قبل وقت الثانية"[المجموع شرح المهذب: 4/382]. فهذه الحالة ما هي؟ أن ينوي التأخير للمطر، نزل المطر الآن في أول وقت الأولى فنوى التأخير فانقطع المطر، فقال : يجب أن يصلي الأولى على كلام البغوي فورًا ولو كان في آخر الوقت، وسنأتي على موضوع الجمع؛ لأن له فصلًا خاصًا.

قال المصنّف - رحمه الله -: "إلا إذا أخرها لجمعها مع غيرها فإنه يجوز لعذر من سفر أو مرض أو مطر أو نحو ذلك"، ثم قال المصنف أيضًا: "والأفضل تقديم الصلاة في أول وقتها إلا العشاء إذا لم يشق وإلا الظهر في شدة الحر" فالأصل في الأفضلية في أداء الصلوات أن تكون في أول الوقت إلا الظهر في الصيف، والعشاء عمومًا، قال النبي ﷺ: إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم  متفق عليه [رواه البخاري: 533، ومسلم: 615]. وقوله: الأفضل تقديم الصلاة في أول وقتها لقوله تعالى:  فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148]، ولقوله : وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران: 133] ولقول النبي ﷺ عن أحب الأعمال إلى الله : الصلاة لوقتها  يعني في أول وقتها.

وعن أبي برزة الأسلمي قال: "كان رسول الله ﷺ يصلي الهجير وهي صلاة الظهر؛ لأنها تكون في وقت شدة الحر في وقت الهجير حين تزول الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية" يعني: العصر في أول وقته، ولذلك واحد يرجع إلى مكانه بعد صلاة العصر والشمس حية ونسيت ما قال في المغرب "وكان يستحب أن يؤخر العشاء وكان ينفتل من صلاة الغداة - يعني صلاة الفجر - حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلى المائة - ستين آية إلى مائة آية - في صلاة الفجر" [رواه البخاري: 547].

وروى مسلم عن رافع بن خديج قال : كنا نصلي العصر مع رسول الله ﷺ ثم تنحر الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم تطبخ، فنأكل لحمًا نضيجًا قبل مغيب الشمس، يصلون العصر، ويأخذون جملًا فينحرونه، ويسلخونه، ويقطعونه عشر قطع، ويطبخونه، ويأكلونه ناضجًا نضيجًا، قبل المغرب، وروى البخاري عن رافع بن خديج قال : كنا نصلي المغرب مع النبي ﷺ فينصرف أحدنا، وإنه ليبصر مواقع نبله، لو رمى بسهم رأى أين يقع، معنى ذلك أنه كان يصلي المغرب في أول وقته، فلا زال هناك شيء من النور يبصر به موقع نبله لو رماها، وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: "والصبح كان النبي ﷺ يصليها بغلس".

وعن عائشة - رضي الله عنها -: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله ﷺ صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" متفق عليه [رواه البخاري: 560، ومسلم: 646]. وهو قول جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد في التبكير لصلاة الفجر في أول وقتها، والغلس: ما زال هناك ظلمة، فالنساء لا يعرفون أحد من الغلس، معنى ذلك أنه كان يصلي في أول وقت الفجر.

ماذا نقول بالنسبة لحديث:  أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر  رواه الترمذي وهو حديث صحيح أو حسن فالإسفار يعني انتشار النور؟ قال : أسفروا بالفجر  فكيف نجمع بينه وبين حديث التبكير لصلاة الفجر في أول وقتها والتغليس؟

 فسروه بوجهين :

 الأول : أنه أراد الإسفار بالخروج منها يعني ابدأ بأول الوقت في الفجر وأنت تطيل القراءة إلى الإسفار حتى تخرجوا وأنتم مسفرون فإن النبي ﷺ كان يقرأ فيها بالستين آية إلى مائة آية يعني نحو من نصف حزب.

الوجه الثاني في الجمع : قالوا : أراد أن يتبين الفجر فلا يصلي مع غلبة الظن فإن النبي ﷺ كان يصلي بعد التبين، إلا يوم مزدلفة فإنه قدمها ذلك اليوم على عادته، كما أشار بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية، فماذا قال إذًا بقضية الإسفار؟ يعني أسفروا للفجر، يعني تبين أن الفجر طلع فعلًا ثم صلى فقالوا : المراد بالإسفار تبين طلوع الفجر، تأكد حتى ما نصلي قبل الوقت، قالوا : هذا معنى أسفروا

والمعنى الثاني: تصلي في أول وقت وتمد القراءة حتى يسفر، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: صح عن رسول الله ﷺ وعن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون، ومحال أن يتركوا الأفضل، ويأتي من هو بعدهم بما هو أفضل، بعض العلماء فهم أن الصلاة في حال الإسفار أفضل، الحنفية مثلًا يصلون متأخرين، يعني بعد منتصف الوقت، يمكث قليلًا ثم تشرق الشمس، على أية حال الصلاة صحيحة، إمام المسجد على حسب الجماعة، إن كانوا يجتمعون مبكرين صلى بهم، يعني لو صلى في أول وقت تفوت الصلاة أكثر للجماعة تأخر حتى يجتمعوا طيب، لكن يستحب تأخير الصلاة عن أول وقتها في موضعين كما تقدم، في صلاة الظهر في شدة الحر، لأن أبا ذر الغفاري قد روى عن النبي ﷺ أنهم كانوا معه في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي ﷺ أبرد مع أنه دخل وقت الظهر، لاحظ، ما قال : أذن في أول الوقت، وأخر الإقامة، قال أبرد : ثم أراد أن يؤذن، فقال له : أبرد حتى رأينا فيء التلول فقال النبي ﷺ:  إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة  رواه البخاري. [رواه البخاري: 536]. فيستحب الإبراد بصلاة الظهر سواء كان المصلي منفردًا أو في جماعة، وسواء كان في مسجد الجماعة الذي ينتابه الناس من البعد أو القرب، وسواء كان المصلون مجتمعين أو منفردين لعموم الحديث، فإنه أمر بالإبراد أمرًا عامًا، الواحد يبرد إلى الساعة واحدة مثلًا واحدة ونصف، الآن الظهر عندنا يدخل الساعة الثانية عشرة إلا ربع، الحادية عشرة والنصف أحيانًا، الثانية عشرة يؤذن الظهر يبرد إلى الواحدة مثلًا الواحدة والنصف، الثانية، فحدُّ الإبراد ورد قال: "حتى رأينا فيء التلول، يعني صار للتلول ظل، والتل ما ارتفع من الأرض ولا يكون له ظل، إلا إذا مضى أكثر وقت الظهر، يعني بعد نصف الوقت، إذا أردت أن تطبّق السنة في صلاة الظهر في الحر، أما مكيفات، لو واحد قال : نحن في مبنى، ما عندنا مشي من مكان إلى مكان، يعني ما في شدة حر، ولا في معاناة، نتكلم على وقت المعاناة في شدة الحر، إذا ما شق على الجماعة التأخير؛ لأنه أحيانًا عندك شركات، ومصانع، وجامعات، ومكاتب، وحركة، وفتح المحلات، فلو قلت للناس : صلوا بعد الظهر، أبردوا في البلاد، صار مشقة عليهم، لكن لو كانوا جماعة خرجوا في رحلة، وفي شدة الحر، فقال واحد : نصلي الظهر الآن، فقال : يا أخي لماذا نصلي؟ نحن الآن لسنا في البلد نشق على الناس إذا أخّرنا، نحن الآن نملك أمرنا، نحن الجماعة فقط، سنؤخر صلاة الظهر فنبرد، معنى أن تبرد على حسب الحديث إيقاع الصلاة في النصف الثاني من وقت الظهر، يعني بعد ما يتعدى نصف وقت الظهر سيأتي الإبراد بعده، بل إذا مضى أكثر وقت الظهر، أفاد ذلك النووي والحافظ ابن حجر -رحمهما الله- ثم ذكر الحافظ اختلاف العلماء في حد الإبراد، ثم قال : والجاري على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوال، لكن بشرط أن لا يمتد إلى آخر الوقت، قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في الإبراد في الظهر : ليس له حد محدود فيما نعلم، وإنما يُشرع للإمام التحري في ذلك، فإذا انكسرت شدة الحر، وكثر الظل في الأسواق، كفى ذلك.

وبالنسبة للجمعة هل ينطبق عليها قضية الإبراد؟ أما الجمعة، يقول شيخ الإسلام في شرح العمدة: "فالسنة أن تصلى في أول وقتها في جميع الأزمنة، يعني صيفًا شتاء؛ لأن النبي ﷺ كان يصليها في أول الوقت شتاء وصيفًا، ولم يؤخرها هو ولا أحد من أصحابه" [شرح العمدة 2/201]

 وأما صلاة العشاء فقلنا : الأفضل تأخيرها بشرط عدم المشقة على الناس، فيراعي أحوالهم، ما هو دليل التأخير؟ روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي ﷺ يصلي العشاء أحيانًا يؤخرها، وأحيانًا يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، فانتهز الفرصة إذا أبطؤوا فيؤخر، فيكون أفضل في تأخير العشاء، وروى مسلم عن عائشة قالت: أعتم النبي ﷺ ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي  [رواه مسلم: 638]. وعند الترمذي قال ﷺ:  لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ، صحيح.

ثم قال المصنف رحمه الله: ومن فاتته صلاة وجب عليه قضاؤها فورًا مرتبًا.

واحد فاتته صلاة وخرج الوقت، فماذا يفعل؟ إما أن يكون عامدًا أو غير متعمد، فأما إذا كان غير متعمد كالنائم والناسي، خرج وقت الصلاة ماذا يفعل؟ سيصليها عند الاستيقاظ أو عند التذكر، وتصح منه بإجماع العلماء لقوله ﷺ:  من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها  متفق عليه.

وفي لفظ: لا كفارة لها إلا ذلك  رواه مسلم.

إذا أخرها متعمدًا وخرج الوقت بدون عذر فماذا يفعل؟ لا تقبل منه، اختلف العلماء في هذا فذهب جمهورهم ومنهم الأئمة الأربعة إلى وجوب قضائها عليه مع الإثم ويجب أن يقضي، وقالوا : إذا كان المعذور تجب عليه، فغير المعذور من باب أولى، وذهب ابن حزم -رحمه الله- وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم إلى أنها لا تصح منه؛ لأن الله ما يقبل العبادة هذه إلا في الوقت المعين، فإذا أخرتها عمدًا ما عادت تقبل، ماذا يفعل؟ يتوب إلى الله، يكثر من النوافل، يدعو ربه أن يغفر له، لله عمل بالليل لا يقبله بالنهار، وعمل بالنهار لا يقبله بالليل، وهذا إذا صلى خارج الوقت، قالوا :  هذا تنطبق عليه حديث من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد  مردود عليه، الصلاة لها وقت معين، يصلي خارج الوقت، معناها صلاها على غير أمرنا، فإذًا هي مردودة عليه، وقلنا : الأئمة الأربعة يقولون بالقضاء مع الإثم، يعني عليه هو آثم وعليه التوبة وعليه أن يقضي.

وظاهر كلام المصنّف - رحمه الله - ومن فاتته صلاة وجب عليه قضاؤها أنه يرى وجوب القضاء مطلقًا، يعني كأنه على مذهب الجمهور -والله أعلم- وقول المصنف : وجب عليه قضاؤها فورًا مرتبًا فيه مسألتان أن القضاء واجب على الفور، يعني لو واحد تذكر أو قام من النوم الساعة سبعة ونصف في الصباح، شاف الشمس أشرقت، وما صلى الفجر، قال : ما دام فاتت أقوم عشرة أصليها، لا يجوز، حرام، يجب أن يصلي مباشرة أول ما يقوم، واحد نسي ما صلى العصر، وبعد المغرب تذكر، غدًا مع العصر إن شاء الله نصليها، يجب أن يصلي فورًا؛ لأن الحديث يقول : فليصلها إذا ذكرها ولا كفارة لها إلا ذلك  وقوله:  فإن ذلك وقتها  يعني بالنسبة له، فإن ذلك وقتها، فلابد أن تصلى فور الاستيقاظ، وفور التذكر، لما فاتت النبي ﷺ وأصحابه صلاة الفجر، وما استيقظوا إلا بعد طلوع الشمس في الحادثة المشهورة، ما صلى فورًا، أمر بأن يسيروا ويغادروا ذلك الوادي إلى مكان آخر، ونزل وأذن وتوضئوا وأقاموا وصلوا، فلماذا؟ وإذا كان تجب عليه الصلاة فورًا كما تقدم في الأحاديث فلماذا أخره وغادر المكان إلى مكان بعده وصلى فيه؟ قالوا : السبب مذكور في الحديث، قال ﷺ: مكان حضر فيه الشيطان رواه مسلم.

فبما أن هذا المكان حضر فيه الشيطان، وناموا عن الصلاة، فلم يكن ليصلي في مكان حضر فيه الشيطان، فلماذا ينهى عن الصلاة في الحمام؟ لأنها حشوش الشياطين، لأنها أماكن الشياطين، ولذلك ما يصلى فيها، فلما حدث ذلك غادر المكان وصلى، يلزم إذن القضاء فورًا.

هناك ضابط ذكره الحنابلة، وهو إذا لم يتضرر في بدنه، أو معيشة يحتاجها، فإن تضرر بسبب ذلك، سقطت الفورية، يعني يرفع ضرورته ثم يصلي، قال شيخ الإسلام في التأخير : إذا واحد تذكر، أو قام من النوم، ويجوز تأخير القضاء شيئًا يسيرًا لغرض صالح، مثل اختيار بقعة على بقعة، وانتظار جماعة يكثر بهم جمع الصلاة، بل يستحب له إذا نام عنها في موضع أن ينتقل عنه إلى غيره للقضاء، يصلي في موضع آخر، ذاك مكان حضر فيه الشيطان، يصلي في مكان آخر، واحد نام في غرفته، قام بعد طلوع الشمس، يذهب إلى غرفة أخرى، يصلي مكان آخر، أحسن أفضل، ليس واجبًا لكن الأفضل، قال : بل يستحب له إذا نام عنها في موضع أن ينتقل عنه إلى غيره في القضاء، وكذلك فعل النبي ﷺ لما فاتته صلاة الفجر في السفر.

توجد مسائل من الدرس الماضي ما وصلت، وصلنا أشياء ما فيها رجوع إلى كتب البتة فيما رأيت، فيه واحد فقط سأل الشيخ عبد الرحمن البراك، فنختصر الجواب، وننتظر منكم بقية الوعد.

إذا كان واحد في مكان مرتفع، وواحد في الأسفل، واحد في أعلى الجبل، وواحد في الأسفل، فوق بعض، أو كما قلنا في مسألة ناطحات السحاب، فالذي في الأسفل رأى الشمس غربت، الذي في الأعلى الشمس ما غربت، كل يفطر بحسب حاله وموقعه ورؤيته، فالذي في الأسفل إذا كان صائمًا يفطر، ويكلم هذا بالهاتف، يقول له : أنت كيف عندك فوق في الدور تسعة وتسعين؟ قال : ما غربت، فهو يفطر بعدهم، كذلك دخول وقت المغرب، مثل واحد في المطار على المدرج، وواحد فوق في الطيارة، الذي تحت غربت الشمس، فصلى المغرب، وهو في المدرج، الذي فوق لا زال في الجو، الشمس ما غربت عنده فهل يجوز أن يصلي المغرب؟ لا، إذن، كل بحسب موقعه كل بحسب موقعه، هناك مسألة أخرى وبقية البحث في هذه المسألة إن شاء الله ننتظركم بها في الدرس القادم، وصلى الله على نبينا محمد.