السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

27- نسيانه ﷺ 1


عناصر المادة
المقدمة
النسيان من طبيعة البشر
نسيانه ﷺ لبعض الآيات
نسيانه ﷺ في الصلاة

المقدمة

00:00:05

الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله رسول الله، وعلى آله وصجبه ومن والاه.
وبعد:
فقد تحدثنا عن طائفة من الأحوال النبوية الشريفة، كيف كان حاله ﷺ مع أولاده، وأحفاده، وجيرانه، وأصحابه، وأعدائه؟
وكيف كان حاله ﷺ في ضحكه، وبكائه، وغضبه، ورضاه، وسروره؟ كيف كان حاله ﷺ في رؤاه التي كان يراها؟ ونتحدث عن بعض ما كان يعتريه ﷺ حتى من الأمور البشرية كالنسيان، ونرد في هذا على من يثير شبهات حول نبينا ﷺ في بشريته، وعلاقتها بالوحي لا شك أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بشر، وأنه يعتريهم ما يعتري البشر من الجوع والعطش، والصحة والمرض، والتذكر والنسيان، وقد قال الأنبياء لأممهم:  إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم: 11]، وأمر الله نبيه ﷺ أن يقول للبشر جميعًا: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ[الكهف:110]، وبين النبي ﷺ أنه يعتريه ما يعتري البشر من النسيان، فقال ﷺ: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون رواه البخاري [401]، ومسلم [572].
فهو يأكل كما نأكل، ويشرب كما نشرب، وينام ويغضب وينسى، وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ[الفرقان: 7]، هكذا أراد المشركون أن يردوا نبوته بأنه بشر، وأنه بشر مثلنا،  إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ[الأنعام:91].

النسيان من طبيعة البشر

00:02:36

والنسيان عدم خطور المعلوم السابق في حافظة الإنسان برهة أو زمنًا طويلاً، وهو معلوم، وقد نزه الله تعالى نفسه عن ذلك فقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64]، وقال موسى لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه: 52] وخلق الله خلقه من البشر، وجعل في طبعهم النسيان.
وقد قال ابن عباس : "إنما سمي الإنسان إنسان لأنه عهد إليه فنسي" [المعجم الصغير للطبراني:925].
وهو صحيح الإسناد إلى ابن عباس ، وقد رفع الله الإثم عن الناسي، فقال في دعاء المؤمنين: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وقال ﷺ: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه [رواه ابن حبان: 7219، وصححه الألباني المشكاة: 6284].
فالنسيان طبيعة بشرية، وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا[طه: 115]، وذلك أن الله وصاه ألا يأكل من الشجرة، وقال له: إن إبليس عدو لك ولزوجك، فوسوس إليه الشيطان فأطاعه، فنسي آدم وصية ربه، وهكذا لم يكن له قوة في العزم يحفظ به تلك الوصية، فالنسيان إذًا لا يعصم منه إنسان.
وقد روى الترمذي وحسنه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ: لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره يعني: من ظهر آدم كل نسمة هو خالقها سبحانه من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور يعني: بريقًا ولمعانًا ثم عرضهم على آدم، فقال: أي ربي من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي ربي من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود؟ فقال: ربي كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: آدم أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود، فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح [رواه الترمذي: 3076، وحسنه الألباني المشكاة: 118].
في هذا إشارة إلى ما كان عليه آدم من طبع البشر من النسيان والخطأ، فإذًا عمر آدم ألف سنة أربعين لداود، يبقى تسعمائة وستين.
وفي الحديث أن النسيان هذا من طبع البشر من طبع أبيهم، نبيًا كان أو غير نبي.


وقد زعم بعض الناس أن النبي ﷺ لا ينسى ولكن هذا لا يصح، وجاء في بعض الأحاديث: إني لا أنسى، ولكن أنسىقال الحافظ ابن حجر: لا أصل له فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد. [فتح الباري: 3/101].
وقال الألباني رحمه الله: باطل لا أصل له. [سلسلة الأحاديث الضعيفة: 101]، فإذًا حديث إني لا أنسى لا يصح.
وقد قال الله تعالى لنبيه ﷺ: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68]، وقد قال النبي ﷺ: فإذا نسيت فذكروني [رواه البخاري:401، ومسلم:572].
قد رفع الله تعالى المؤاخذة بالنسيان، والذكر اسم للتذكر، وهو ضد النسيان، ومعنى الآية: إذا تذكرت فلا تقعد، ونسب إلى الشيطان لأن نسيان الحق يكون من الشيطان.
وقد جاء في الحديث: إذا أنساني الشيطان شيئًا من صلاتي فليسبح الرجال، وليصفق النساء رواه أحمد بسند فيه ضعف. [أحمد: 14654]، ولكن له شاهد عند أبي داود يتقوى به [سنن أبي داود: 939].
وجاء النسيان مضافًا إلى الله تعالى مثل قوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67]، فالنسيان في حقه تعالى يعني: تركهم، وليس هو مثل نسيان البشر تغيب فيه المعلومات عن صاحبها، فإذًا نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67] يعني: تركهم، تخلى عنهم، نسيهم في النار، تركهم، لكن الله ينسي، أنساني الله كذا يعني: قدر عليّ أن أنسى.
وقد يضاف إلى العبد كقول موسى لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ[الكهف: 73] لأنه هو الذي حصل منه النسيان، فإذًا يضاف إلى الله أنه ينسي؛ لأنه هو المقدر والخالق للفعل هذا، ويضاف إلى العبد لأنه هو الذي حصل منه، ويضاف إلى الشيطان لأنه هو المتسبب فيه، خصوصًا نسيان الحق، وقد قال تعالى: فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف: 42].
هل النبي ﷺ ينسى؟
الجواب: نعم.
ما هي الحالة التي هو معصوم فيها من النسيان؟
تبليغ الوحي، ممكن ينسى آية في الصلاة وحصل، فهو بشر ممكن ينسى في الصلاة، صلى ثلاثًا أم أربعًا، لكن لا ينسى في تبليغ الوحي أبدًا، لا يمكن، فإذا بلغ بلغ كاملاً، ولا يمكن أن يطرأ عليه نسيان في التبليغ  إطلاقًا، مستحيل لا يمكن أن ينسى في تبليغ الوحي، لكن ممكن ينسى وهو يقرأ في الصلاة، يحدث مرة مثلاً أن نسي، هو بشر ينسى كم ركعة، وهذا فيه حكمة بالغة أن يكون الرسول بشريًا مثل الناس حتى يستطيعوا الاقتداء به، ولو كان ملكًا قالوا: ما نستطيع هذا ملك، لكن هو بشر مثلهم.


قال أهل العلم: النسيان من الأعراض البشرية الجائزة على الأنبياء في تبليغ ما أمروا بتبليغه، هذا عند علماء أهل السنة، وقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ۝ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعلى: 6-7].
هذا إخبار من الله أنه سيقرؤه قراءة لا ينساها إلا ما شاء الله، مثل النسخ، وهذا فيه معجزة للنبي ﷺ أنه لا ينسى ما تلاه عليه جبريل مع أنه أمي لا يكتب، وليس عنده شيء يراجعه، يقرأ فيه، أو يكتبه، ومع ذلك بمجرد ما يلقيه جبريل لا ينساه، سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى [الأعلى: 6].
يعني: لا هذه ليست لا الناهية؛ لأنها لو كانت لا الناهية صار الفعل المضارع بعدها مجزومًا، فلا تنس، لكن فَلَا تَنْسَى[الأعلى: 6] فهذه لا النافية، يعني: سنقرئك قراءة لا تنساها، لن يحدث لك نسيان فيه، وقوله: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ[الأعلى: 7]، هذا الاستثناء مما اقتضته حكمته تعالى من أن ينسيه نبيه، كبعض المنسوخات.
فلننتقل إلى بعض الشواهد النبوية لما حصل له ﷺ في هذا الباب:

نسيانه ﷺ لبعض الآيات

00:11:14

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسول الله ﷺ رجلاً يقرأ من الليل في المسجد، وهو عباد بن بشر كما في جاء رواية أخرى، فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا [رواه البخاري: 5038، ومسلم: 788].
وفي رواية: قال: يا عائشة أصوت عباد هذا؟
قالت: نعم.
قال: اللهم ارحم عبادًا [رواه البخاري: 2655].
وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي ﷺ في غير البلاغ، لا سبيل إلى أن ينسى شيئًا من القرآن قبل أن يبلغه، فإذا بلغه وحفظه الناس، فقد ينسى شيئًا في صلاته؛ لأن الحفظ حصل، التبليغ حصل، فإذًا لا ينسى في التبليغ أبدًا.
وفي الحديث فوائد:
ومنها: جواز رفع الصوت بالقراءة في قيام الليل إذا لم يؤذِ أحدًا ولم يكن في ذلك رياء ولا عجب.
ثانيًا: فيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيراً وإن لم يقصده ذلك الإنسان، فعباد وعندما قرأ ما كان ينوي أن ينتفع آخرون، هو يقرأ في المسجد النبي ﷺ سمعه من بيته، فما كان عباد يقصد، ومع ذاك استفاد النبي ﷺ من قراءة عباد فدعا له، ففيه الدعاء للشخص الذي بسببه يحصل لك خير ولو ما قصد هذا الشخص.
قال: عطس جاري ففر اللص من بيتي، يعني: حصل لك خير من جرائه وإن لم يقصد.
وفيه: أن الاستماع للقراءة سنة.
وفيه: أن المسلم قد ينسى بعض الآيات، ولا يذم إذا لم يكن بتقصير منه، وسنتكلم عن موضوع حكم نسيان الحفظ.
ما حكم نسيان القرآن لمن حفظه منه فنسي؟
واختلف السلف في نسيان القرآن:
فمنهم من جعل ذلك من الكبائر.
وقال الضحاك بن مزاحم: "ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[الشورى: 30]، ونسيان القرآن من أعظم المصائب". [الزهد والرقائق لابن المبارك: 85].
وعن أبي العالية قال: "كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه" وإسناده جيد. [أخرجه ابن سعد في الطبقات: 116/7، وأحمد في الزهد: 302].
وجاء عن ابن سيرين بإسناد صحيح: "الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه، ويقولون فيه قولاً شديدًا". [فضائل القرآن لابن كثير: 67].


واحتجوا أيضًا بحديث مرفوع: عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها [أبو داود:461، وضعفه الألباني ضعيف أبي داود:71] لكن إسناده ضعيف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن نسيان القرآن من الذنوب" [مجموع الفتاوى: 13/423].
وقال بعض العلماء: لأنه يدل على التهاون بأمره، وعدم الاعتناء به.
وقال بعض العلماء: الأظهر أن نسيان القرآن ليس كبيرة، بل ولا ذنبًا، ولكنه مصيبة أو عقوبة، والغالب أن يكون هذا بسبب إعراضه عن العمل به، وعدم تعاهده، وقد أمر بكلا الأمرين فلم يستجب للأمر يعني: بالعمل به وتعاهده فعوقب بمصيبة، وهي النسيان، فسلب خيرًا عظيمًا، وقد يكون النسيان بسبب معاصي وذنوب، فيأثم على المعاصي والذنوب، ويعاقب عليها بسلب القرآن منه.
وقد يقال المسألة فيها تفصيل: فإن كان نسيان القرآن لسبب إهمال وعدم الاكتراث والإعراض يأثم، وإذا كان بسبب أشغال كثيرة طرأت عليه فأشغلته، ليس إعراضًا عن القرآن، ولا قلة اهتمام، وإنما أشغل بهموم الدنيا، ركبته ديون، نفقات أولاد، تكاثرت عليه مشكلات في العمل، فبعض الناس هذه تأثر عليه تنسيه، فالذي أنساه هموم وغموم وليس إعراض وإهمال، فيقال: إذا كان عن إعراض وإهمال يأثم، وإذا كان عن هموم وغموم وإشغال وانشغالات بأشياء لا بدّ منها كطلب الرزق، كان طالبًا ما عنده مسؤولية حفظ، لما تزوج والأولاد وجاءت الأعمال والأشغال وربما ركبته ديون بدأ ينسى، ليس عن تفريط وإنما أشغل، لماذا قال عمر : "تفقهوا قبل أن تسودوا". [صحيح البخاري: 1/25]، اطلب العلم الآن ما تدري ما يحدث لك بعد ذلك من الأعراض والأشياء التي تهجم عليك تشغلك.
إذا كان نسيانه بسبب ضعف الذاكرة يعني: واحد كبر في السن فصار ينسى لضعف الذاكرة، لكن سبحان الله! من كرامات حفاظ القرآن إذا واظبوا عليه تعاهدوه أنهم لا ينسوه، يعني: نادراً ما تجد حافظ قرآن استمر يتعاهد القرآن ونسي، بل يبقى، ومنهم من يقرؤه، وهو في الغيبوبة، هذه عدة حالات، هذه معروفة، واحد دخل في غيبوبة من حفاظ القرآن فيسمع له قراءة وهو في حال غيبوبة، هذا وقع، لأنه لما انطبع القرآن في نفسه صار يخرج حتى في حال غياب الوعي.


ولبعض حفاظ القرآن الكبار كرامات في هذا الباب، فمنهم من كان أصم ولكن القرآن يسمع، ومنهم من كان في حال المرض وهو على الفراش الموت فيقترب منه أقاربه يسمعون دويًا بالقرآن، ومنهم من عنده في لسانه بحة أو عنده في صوته حبس، صوته محبوس من الآفات التي تعتري الحبال الصوتية والحنجرة؛ لكن إذا قرأ أو إذا أخطأ واحد بحضرته انطلق صوته بالرد عليه، هذه وجدت من كرامات القراء.
وفي فتوى اللجنة الدائمة من حفظ شيئًا من القرآن ثم نسيه عن شغل ليس بآثم، وما ورد من الوعيد في نسيان ما حفظ لم يصح عن النبي ﷺ". [فتاوى اللجنة الدائمة: 4/99].
إذًا المسألة نقول فيها تفصيل.
لو نسي أشياء من القرآن فالسنة ألا يقول: نسيت لأن قوله: نسيت يدل على الإهمال وعدم المبالاة، ولكن يقول: أنسيت أو نسيت، وذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم بعقلها [رواه البخاري: 5032، ومسلم: 790].
وفي لفظ لمسلم: لا يقل أحدكم: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي[رواه مسلم:790].
قال النووي -رحمه الله-: فيه كراهة قول: نسيت آية كذا، وهي كراهة تنزيه، وأنه لا يكره القول أنسيتها، يعني: الشيطان أنساه إياها، وإنما نهي عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل والتغافل، وقد قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا [طه: 126] أهملتها. [شرح النووي على مسلم: 6/76].
قال ابن كثير رحمه الله: "في هذا الحديث دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص؛ إذا كان بعد الاجتهاد والحرص.


وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا؛ فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: بل هو نُسي مبنى لما لم يسم فاعله". [تفسير ابن كثير: 1/76].
وفي الحديث أن النبي ﷺ قد ينسى أشياء أثناء تلاوته في الصلاة مثلاً، وكذلك فإن الله ينسخ آيات وينسيه إياها مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا [البقرة: 106].
فالله تعالى ينسي نبيه ﷺ بعض الآيات إذا أراد نسخها، كما قال مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [البقرة: 106].
قال قتادة: "كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء". [تفسير ابن كثير: 1/ 377].
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: هذه آية فيها قراءتان مشهورتان: قراءة الأكثرين أَوْ نُنْسِهَا من أنساه ينسيه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: أَوْ نُنْسَأهَامن نسأه ينسأه، فالأول: من النسيان، والثاني: من التأخر، نسأ أخر، وقد كان بعض القرآن ينسخ، وبعضه ينسى، وما أنساه سبحانه هو مما نسخ حكمه وتلاوته.

نسيانه ﷺ في الصلاة

00:21:29

حصل للنبي ﷺ شيء من هذا. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ صلى صلاة، فقرأ فيها، فلبس عليه" -اختلط عليه- "فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا أبي بن كعب القارئ، سيد القراء، أقرأ الصحابة، أحفظ واحد في الصحابة، قال لأبي: أصليت معنا؟، قال: نعم، قال: فما منعك أن تفتح عليّ [رواه أبو داود: 907، والبيهقي في السنن الكبرى: 5783 وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 843].
فالحديث يدل على مشروعية الفتح على الإمام، فعند نسيان الإمام الآية يكون الفتح عليه بتذكيره تلك الآية، كما في حديث الباب، وهذا التذكير أيضًا يحتاج أن يكون بإحسان، فمثلاً الإمام يخطئ أحيانًا يردوه عشرة.
أنا مرة صليت وراء إمام في صلاة الجمعة أخطأ في سورة الغاشية -جل من لا يخطئ- ثلاثة أرباع المسجد يردون عليه، ولا يفهم ولا شيء.
في الحرم ينسى الإمام يفتحون عليه من السطح، فإذًا الفتح على الإمام يحتاج إلى إحسان في العمل، يكفي واحد من خلفه الحافظ، فلذلك يحتاج الفتح على الإمام إلى إحسان في الفتح، وكذلك عند نسيانه للأركان أو لبعض الأركان يكون الفتح بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ماذا لو ما فهم الإمام، سبحان الله قام، سبحان الله ركع، سبحان الله سجد، والخطأ مثلاً قعود، ترك قعودًا فرضًا، فماذا يفعلون؟
لو قال كلمة للحاجة لا بأس اقعدوا مثلاً، وقال بعضهم: أن هذا يبطل الصلاة، يعني: هو يفتح عليه، ويكبر من جديد، لكن مذهب بعض العلماء جواز الكلام في الصلاة للحاجة، كما دل عليه حديث: أحقٌ ما يقول ذو اليدين [رواه مسلم: 573] وهذا داخل في الصلاة الكلام هذا.
وحدثني الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد أنه صلى وراء الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فكأن الشيخ نسي الفاتحة في ركعة سرية، ثم تذكر فقام إلى الخامسة، فالناس قالوا: سبحان الله، فالشيخ ظل واقفًا، هو تذكر أن ركعة من الركعات ما قرأ فيها الفاتحة، فيجب عليه أن يأتي بركعة فيها الفاتحة، والناس بعضهم يقولوا: هذه خامسة ما نقوم ما عرفوا لماذا؟ فقال الشيخ في الصلاة: قوموا.


هي أفعال الصلاة موجودة في القرآن، يعني: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238] ولكن أنت لو نظرت في المسألة الذي يفتح على الإمام في الأركان لو ما عرف لا يقصد أن يقرأ آية يقصد أن ينبهه إلى ما نسي، لو دعت الحاجة فالكلام لمصلحة الصلاة في الصلاة الراجح أنه لا يبطلها.
وقال بعض العلماء: يبطلها، إذا احتاج واحد أن يضحي بصلاته، ويتكلم ثم يكبر من جديد على أية حال.
قوله ﷺ في الحديث يقيد الحديث بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء.
وعن المسور بن يزيد المالكي قال: شهدت رسول الله ﷺ يقرأ في الصلاة فترك شيئًا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله ﷺ: هلا أذكرتنيها؟، فقال الرجل: كنت أراها نسخت". [رواه أبو داود: 907]، وهو حديث حسن [صحيح أبي داود: 842].
فالصحابي ظن أن النبي ﷺ ترك الآية لأنها نسخت، بينما هو تركها نسيانًا.
وعند ابن حبان: فهلا أذكرتنيها؟، قال: ظننت أنها نسخت، قال: فإنها لم تنسخ [صحيح ابن حبان: 2241، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 842].
وروى الإمام أحمد وابن خزيمة عن عبد الرحمن بن أبزى أن النبي ﷺ صلى في الفجر فترك آية، فلما صلى قال: أفي القوم أبي بن كعب؟، قال أبي: يا رسول الله نسخت آية كذا وكذا أو نسيتها؟ قال: نسيتها [رواه أحمد: 15365 وصححه الألباني في السلسلة: 2579].
وفي قوله ﷺ: أفي القوم أبي بن كعب فضيلة واضحة لأبي سيد القراء، وأقرأ الأمة لكتاب الله.
وقد روى البخاري -رحمه الله تعالى-: في فضل هذا الرجل عن أنس بن مالك قال النبي ﷺ لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليكلَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة: 1].، قال: وسماني" يعني: الله سماني لك، قال: اقرأ على أبي، قال:  نعم، فبكى أبي، وسماني يعني: نص على اسمي، أو قال: اقرأ على واحد من أصحابك، فاخترتني أنت، قال: بل سماك، يعني: نص عليك، "فبكى". [رواه البخاري: 3809، ومسلم: 799] فرحًا وسرورًا، أو خشوعًا وخوفًا من التقصير لشكر النعمة، وهذا فيه تشريف عظيم لأبي .
قال النووي: "واختلفوا في الحكمة في قراءته ﷺ على أبي"، يعني: يقرأ عليه هذه السورة لماذا؟ "والمختار أن سبب ذلك أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل، ويتعلموا آداب القراءة، ولا يأنف أحد من ذلك". [شرح النووي على مسلم: 6/86].
ومن نسيانه ﷺ نسيانه وسهوه في الصلاة، فقد وقع منه بزيادة أحيانًا، وبنقص أحيانًا، ولم يقع منه السهو بالشك.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الشك فلم يعرض له ﷺ". [زاد المعاد: 1/282].
يعني: مرة نسي فزاد، ومرة نسي فنقص، لكن نسي فشك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً لم يحصل.
ومن نسيانه ﷺ أنه صلى الظهر خمس ركعات، عن إبراهيم بن سويد قال: صلى بنا علقمة الظهر خمسًا فلما سلم، قال القوم: يا أبا شبل قد صليت خمسًا.


قال: كلا، ما فعلت.
قالوا: بلى، وكنت في ناحية القوم، وأنا غلام، فقلت: بلى قد صليت خمسًا.
فقال لي: وأنت أيضًا يا أعور تقول ذاك؟" وهذا فيه دليل على جواز قول هذا لقرابة الولد أو أنه تابع إذا لم يتأذى به، يعني: أما إذا كان يتأذى ويزعل فلا يقال له ذلك.
"قلت: نعم". يعني: وأنت أيضًا تقول ذلك أني فعلاً أخطأت وزدت، قال: نعم.
"فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم، ثم قال: قال عبد الله بن مسعود: "صلى بنا رسول الله ﷺ خمسًا فلما انفتل"، يعني: سلم من الصلاة "توشوش القوم بينهم" والوشوشة صوت فيه اختلاط، فقال: ما شأنكم؟، قالوا: يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال: لا، قالوا: فإنك قد صليت خمسًا، فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم"، إذًا إذا ما طال الفصل فإنه يسجد للسهو في مثل هذه الحالة.
وفي رواية: "فثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم، ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين [رواه البخاري: 401، ومسلم: 572].
وفي لفظ: إنه لو حدث في الصلاة شيء يعني: نسخ بزيادة ركعات أو نقص ركعات، إنه لو جدث  في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني [رواه مسلم: 572].
فإذًا من زاد في صلاته ناسيًا لم تبطل صلاته، ولكن إذا ما علم إلا بعد السلام يسجد للسهو ويسلم.
وقوله: ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني فيه دليل على جواز النسيان على النبي ﷺ في عدد ركعات الصلاة، وهذا لا يتعارض مع تبليغ الدين لأنه لا ينسى في التبليغ.
وقوله: فإذا نسيت فذكروني أمر التابع بتذكير المتبوع له لما ينساه.
وظاهر الحديث أنهم تابعوه على الزيادة، ففيه يعني دليل على متابعة المؤتم للإمام فيما يظنه واجبًا، فإن النبي ﷺ ما أمرهم بالإعادة لأنهم كانوا يظنون أن الصلاة زيد فيها، فظنوا أنه لا بدّ أن يتابعوه، وأنه نزل وحي بزيادة الركعات مثلاً، فمن زاد ظانًا أنه يجب عليه أن يقوم فصلاته صحيحة، افرض أن شخصًا لا يعلم بأن الإمام لو قام للخامسة يجب عليه أن يجلس حتى لو ما جلس الإمام، لا يعلم هذا الحكم، ظن أن الإمام يؤتم به في كل الحالات، فقام للخامسة، فسبحوا والإمام استمر فهو قام جهلاً، لا يدري أن الإمام لو أصر على القيام للخامسة هو عليه أن يجلس وينتظر الإمام حتى يسلم ويتشهد ويسلم معه، ظن أنه في كل الحالات يتابع الإمام، فتابع الإمام فصلاته صحيحه لجهله بالحكم كما دل عليه هذا الحديث، الصحابة صلوا خمسًا ما أمرهم بالإعادة لأنهم كانوا يظنون أنه يجب عليهم أن يقوموا لهذه الزيادة، فلو حدث قيام الإمام إلى الخامسة سبح له من خلفه، فإن لم يعد انتظروه قعودًا حتى يتشهدوا بتشهده ويسلموا بتسليمه؛ كما قال في سبل السلام. [سبل السلام: 1/307].


ونسي النبي ﷺ مرة في العصر فسلم من ركعتين، كما جاء عن أبي هريرة قال: "صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي" ما هو العشي؟ العشي عند العرب، ما بين زوال الشمس إلى غروبها، وما هما؟ صلاتا العشي الظهر والعصر، "صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي" -إما الظهر وإما العصر- "فصلى بنا ركعتين ثم سلم، ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد، فاتكأ عليه كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، وخرج السرعان من أبواب المسجد" الذين يطلعوا بسرعة، "فقالوا: قصرت الصلاة" والسرعان: أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة، ويجوز تسكين الراء، ويقول: السرعان، "وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين"، واسمه الخرباق بن عمرو، ولقبه ذو اليدين لطول كان في يديه، الصحابة هابوا أن يكلموه حتى أبو بكر وعمر ما تكلما، ذو اليدين غلب عليه الحرص على تعلم العلم.
"فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم أنس ولم تقصر، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله.
فقوله: لم أنس ولم تقصر يعني: ظن أنه صلى أربعًا، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فنظر النبي ﷺ يمينًا وشملاً، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟، قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فتقدم فصلى ما ترك" يعني: ركعتين أخريين ثم سلم، "ثم كبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم سلم". [رواه البخاري: 482، ومسلم: 573].
وفي هذا الحديث من الفوائد: أن سجود السهو سجدتان بينهما جلسة فاصلة، يكبر لهما كما يكبر في غيرهما في السجود، ويقول في سجود السهو مثل ما يقول في سجود الصلاة.
لو واحد سجد السهو سجدة واحدة؟ لو تعمد بطلت صلاته، لكن لو سها لم يلزمه شيء، وهناك قاعدة لا سهو في سجود السهو، يعني: لو نسي في سجدة السهو أن يقول: سبحان ربي الأعلى ثم تذكر، فلا يسجد للسهو مرة أخرى، وحتى لو نسي سجود السهو وطال الفصل يسقطان وتصح الصلاة.


وكذلك في الحديث أن سجود السهو يكون في آخر الصلاة؛ لأنه جابر لها، والجبر يشمل كل ما تقدم، ولذلك يكون في آخر الصلاة.
وفيه أن السهو إذا تعدد لم يوجب أكثر من سجدتين؛ لأنه النبي ﷺ تعدد منه السهو في هذا الحديث سلم من نقص، وقام، ومشى، وتكلم كل هذا ولم يسجد إلا سجدتين، ولو اجتمع له نقص وزيادة قام من الركعة الثانية إلى الثالثة بدون التشهد الأول هذا نقص عليه، ثم قام إلى الخامسة زيادة، فالآن اجتمع له في صلاته نقص وزيادة، يسجد للسهو مرة واحدة سجدتين، ويخير قبل السلام أو بعده، هو بالخيار.
وفي هذا الحديث جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوًا إذا لم يطل الفصل، وحد هذا العرف، فالنبي ﷺ قام وذهب إلى جذع في المسجد، واتكأ عليه، وقام ذو اليدين وتكلم، ورد عليه، وسأل الصحابة، الآن هذا فيه حركة الإمام من موضعه وانتقاله؛ لكن كل هذا يسير، يعني: الفصل فيه عرفًا يسير، قام، واتكأ، وتكلم ذو اليدين وتحاور معه، وسأل الصحابة، وردوا عليه، ورجع وأكمل الصلاة، هذا الفصل يسير عرفًا، لكن إذا طال الفصل تسقط سجدتا السهو، لكن إذا كان نقص ركنًا ما يسقط الركن لا بدّ أن يأتي به ثم يسجد للسهو، لكن لو ما بقي عليه إلا سجود سهو فنسي أن يأتي به وقام وذهب وطال الفصل سقط سجود السهو.
وفي الحديث أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام، ما معنى الباني؟ الباني الذي يبني على ما تقدم من صلاته، إذًا إذا بنى على ما تقدم من صلاته هل يحتاج إلى تكبيرة إحرام من جديد؟ لا، النبي ﷺ لما قالوا: أنت نسيت وقام ما قال: الله أكبر للإحرام مرة ثانية، وإنما بنى على ما تقدم من صلاته، فالباني على ما تقدم من صلاته لا يحتاج إلى تكبيرة إحرام جديدة.
وكذلك في الحديث أن السلام ونية الخروج من الصلاة سهوًا لا يقطع الصلاة، لو واحد سلم سهوًا  لا تنقطع الصلاة، الصلاة لا زالت قائمة، وحتى لو تكلم سهوًا لا تنقطع الصلاة، وأن سجود السهو بعد السلام عند الزيادة؛ كما فعل لأنه ما الذي زاد التسليمتين الأوليين على الأقل؛ لأنه سلم من ركعتين هذه تسليمتان زائدتان.
وفي الحديث أنه إذا سجد بعد السلام يسلم بعد سجود السهو سلامًا آخر.
وفيه أن الكلام سهواً لا يقطع الصلاة.
وأن من تحول عن القبلة سهوًا لا إعادة عليه.


واستدل به على شيء ذكرناه قبل قليل أن الكلام أثناء الصلاة لمصلحة الصلاة لا يبطلها، ذكرنا فيها قصة الشيخ ابن باز، وهذا الآن الكلام أثناء الصلاة: حقًا ما يقول ذو اليدين؟ قال: قصرت الصلاة أم نسيت؟ هذا كله كلام في الصلاة، بدليل أنه قام وأكمل، لو كبر للإحرام بدأ من جديد لقلنا بطلت، لكن لما بنى على ما تقدم وأكمل ركعتين، معناها أن الكلام هذا وقع في الصلاة، التسليمة الأولى ما أنهت الصلاة لأن التسليمتين عن سهو، والصلاة لم تنتهي، والناس يقولون للإمام ما أكملت، ويقول: صحيح الذي قاله فلان؟ قالوا: نعم، فقام وأكمل.
وقلنا: الباني لا يحتاج إلى تكبيرة إحرام، معناه الكلام هذا كله حصل أثناء الصلاة، لو كان هذا يبطل الصلاة كان جاء بالأربع من جديد، فإذًا الكلام في الصلاة لمصلحة الصلاة، وكذلك الكلام الذي لا بدّ منه، لا بدّ أن يقول: قصرت الصلاة أم نسيت؟ لازم ينبه الإمام، وكذلك استدل به على أن الإمام يرجع لقول المأمومين في أفعال الصلاة، ولو لم يتذكر، ومنهم من قيده بما إذا كان الإمام نبه من أكثر من واحد، فاحتمال الخطأ من هذا مثل هذا، فلا يكون حجة عليه، لكن لو كانوا وراء الإمام اثنان خالف الإمام في كلامه أو أكثر فيجب على الإمام أن يرجع لقولهم، ويأخذ به، وهذا استدل مالك وأحمد بالحديث عليه.
واستدل به البخاري رحمه الله على جواز تشبيك الأصابع في المسجد. [صحيح البخاري: 1/103].
وقال بعضهم: إنه إذا كان بعد الصلاة يجوز، أصلاً النبي ﷺ شبك وهو لا يدري أنه لا يزال في صلاة يظن أن الصلاة انتهت، فبعضهم قال التشبيك يجوز بعد الصلاة، ولا يجوز أو منهي عنه أو يكره قبلها.
حدث أن النبي ﷺ في صلاة المغرب سلم من ركعتين، عن معاوية بن حديج، وقد أسلم قبل موت النبي ﷺ بشهرين "أن رسول الله ﷺ صلى يومًا فسلم، وقد بقيت من الصلاة ركعة".
وعند ابن حبان صليت مع رسول الله ﷺ المغرب فسها، فسلم في الركعتين ثم انصرف" [صحيح ابن حبان: 2674]، فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة، فدخل المسجد وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى للناس ركعة، فأخبرت بذلك الناس، فقالوا لي: أتعرف الرجل؟
قلت: لا إلا أن أراه، فمر بي فقلت: هذا هو.
قالوا: هذا طلحة بين عبيد الله". [رواه النسائي: 664، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 938].
كذلك حدث أن النبي ﷺ نسي التشهد الأول من صلاة الظهر، فعن عبد الله بن مالك بن بحينة "أن النبي ﷺ صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين، قبل أن يسلم، ثم سلم" رواه البخاري [829].
وعند أحمد: "فسبحوا به فلم يجلس". [رواه أحمد: 18173]. يعني: من الثالثة.
وعند ابن خزيمة: "فسبحنا به فلما اعتدل مضى، ولم يرجع". [صحيح ابن خزيمة: 1031].
عبد الله بن  مالك بن بحينة مالك أبوه وبحينة أمه.


هذا الحديث فيه مسائل كثيرة: أن سجود السهو قبل السلام في حال النقص، وكذلك إذا كان السبب الشك شك تساوى طرفيه ولم يترجح أحدهما على الآخر فيبني على اليقين، ويكون سجود السهو قبل السلام، ويكون بعد السلام في موضعين إذا زاد في صلاته، وإذا شك شكًا ترجح عنده فيه أحد الطرفين، فإذًا متى يكون سجود السهو قبل السلام إذا نقص أو شك شكًا لم يترجح فيه أحد الطرفين فيبني على اليقين، ويكمل.
ويكون سجود السهو بعد السلام عند الزيادة، وإذا شك شكًا ترجح فيه أحد الطرفين، فيبني على غالب الظن، ويمضي في صلاته.
مثال رجل شك هل صلى ثلاثًا أم أربع، لو كان ثلاثا قام، ولو أربعًا تشهد وسلم، فلم يدر هي ثلاثا أو أربعا، ولم يترجح عنده شيء، يبني على الثلاث ويقوم للرابعة، ويتشهد، ويسجد للسهو قبل السلام، ويسلم.
وكذلك لو نقص، واحد قام بدون تشهد للركعة الثالثة، ونقص التشهد الأول ما يرجع ويسجد للسهو قبل السلام.
الحالة الأخرى رجل شك صلى ثلاثًا أم أربعًا ورجح أنها أربع ماذا يفعل يتشهد، ويسجد للسهو بعد السلام.
وكذلك لو زاد سجد ثلاث سجدات ماذا يفعل يسجد للسهو بعد السلام، ويسلم.
فهذا الحديث فيه مسائل:
ومنها: أن ترك التشهد الأول نسيانًا يجبر بسجود السهو؛ لأنه واجب وليس بركن؛ لأن الركن ما يجبر بسجود السهو.
ومنها: أنه يشرع التكبير لسجود السهو، وهذا مجمع عليه.
واختلفوا فيما إذا فعلهما بعد السلام هل يتشهد ويسلم أم لا؟
والصحيح أنه يسجد للسهو سجدتين بعد السلام ويسلم بدون إعادة التشهد.
واستدل بالحديث على أن المأموم يسجد مع الإمام إذا سها الإمام وإن لم يسه المأموم؛ لأن المأموم تابع يأتم بالإمام حتى لو كان السهو للإمام، المأموم ما سها فإن المأموم يسجد.
مثال: إمام قام إلى الخامسة والمأموم جلس فعل المأموم صحيح، هل سها المأموم، فالإمام جلس فسجد للسهو هل يسجد المأموم؟ نعم. المأموم ما سها.


نقول: ولو لأن المأموم تابع للإمام، ومن ترك التشهد الأول وقام فإنه لا يرجع، وإذا شرع في قراءة الفاتحة ورجع تبطل الصلاة؛ لأن هذا ركن، ولا يجوز أن يتركه ويرجع للواجب، فإن فعل بطلت الصلاة، فإذا استتم قائمًا لا يرجع، وإذا رجع يكره، وإذا شرع في الفاتحة ورجع تبطل الصلاة، هذا بعض ما يتعلق بما حصل من النبي ﷺ من نسيان، ونلاحظ أن هذا نعمة، يعني أنه حصل منه هذا النسيان لنتعلم من نسيانه الأحكام، ولاحظ أن نسيانه تنوع في زيادة وفي نقص حتى نتعلم، يعني: الله ما قدر النسيان عليه إلا لمصلحة الأمة، وكي يعلم الناس أنه بشر يجري عليه ما يجري على البشر، إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].
اللهم وصل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.