الثلاثاء 10 رمضان 1445 هـ :: 19 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كيف تكون مجالسنا إسلامية؟ 1


عناصر المادة
الخطبة الأولى
حال مجالس المسلمين اليوم
مخالفات شرعية منتشرة في مجالسنا
آداب المجالس
الخطبة الثانية

الخطبة الأولى

00:00:06

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [سورة آل عمران:102].يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[سورة النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[سورة الأحزاب:70، 71].

 أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

حال مجالس المسلمين اليوم

00:01:27

أيها الإخوة: إذا ألقينا نظرة سريعة على مجالس المسلمين اليوم لوجدنا أنها وبكل صراحة ووضوح هي عبارة عن اشتغال بالدنيا وما فيها، فضلاً عن الاشتغال بالمحرمات، والآثام، وكبار الذنوب. 

أيها الإخوة: لابد من الاهتمام بالمجالس؛ لأنها ذات أثر كبير، فإذا ألقيت الضوء على أنواع مجالس الناس اليوم لرأيت الجالسين فيها قد اشتغلوا بالدنيا بتفاصيلها، فهم إن كانوا تجاراً، فإنك ترى أخبار المقاولات والبضائع، والأسعار، والبيع والشراء، والزبائن، ومشاكل العمل، هذا أمر طاغ على جلساتهم.

وإذا تأملت في مجالس الموظفين، لوجدت أمر الدوام ومشاكل المراجعين وأخبار الصحف، والأنظمة، والترقية، والبدلات، والتنقلات، والعلاوات، والانتدابات، هي الشغل الشاغل للجالسين فيها.
وإذا تأملت في مجالس طلاب المدارس والجامعات لوجدتهم مشتغلين بتفاصيل الدراسة، والأسئلة، والامتحانات، والدرجات، والشهادات، والتخرج، والوظائف.

وإذا تأملت في مجالس النساء، وجدتهن مشتغلات بالموضات، والملابس، والأكلات، والزواجات، والحفلات، والأعراس، وحال الأسواق والمحلات إلى آخر ذلك من أنواع المجالس اليوم.

هذه المجالس -أيها الإخوة- التي عم الاشتغال بالدنيا، والحديث عنها عم في المجالس، حتى قست قلوب المسلمين، من ضمن أسباب قسوة المسلمين اليوم؟ أحوال مجالسهم، ومنتدياتهم.

إن الله -أيها الإخوة- توعد الذين قست قلوبهم، فقال فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الزمر:22]، فَوَيْلٌ كلمة تهديد وتوعد عظيمة: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
لذلك كان لابد من البحث عن أسباب قسوة القلوب لعلاجها وإزالتها، هل كان هذا -أيها الإخوة- حال مجالس الصحابة؟ هل كانت هذه الأشياء هي التي تشغل نفوس الصحابة هي التي تشغل مجالس الصحابة والسلف الصالح؟

كلا -أيها الإخوة.
إننا لا نحرم، ولا نتكلم عن تحريم هذه الأمور مطلقا، فإنه لا بأس أن تتكلم النساء في مجالسهن عن أخبار الزيجات مثلاً، أو يتكلم الموظفون عن المشاكل التي تواجههم في وظائفهم، أو يتكلم التجار عن المشاكل التي يواجهونها، ويتبادلون الخبرات.

مخالفات شرعية منتشرة في مجالسنا

00:05:19

هذا أمر لا بأس فيه -يا إخواني- ولكن المذموم والمحذور الذي نتكلم عنه هو: أن يكون شاغل الجالسين الشاغل من أول المجلس إلى نهايته، هو الكلام عن الدنيا، هو الكلام عن هذه الأشياء، لدرجة أنك لا تسمع في هذه المجالس آية واحدة، ولا حديثاً واحداً، ولا حتى كفارة المجلس، ولا ذكراً لله بأي صورة من الصور.
هذه الحالة الخطيرة التي نتكلم عنها الآن، الشغل الشاغل للناس في المجالس هو الدنيا، هذا إذا كان الكلام مباحاً، فالاشتغال في هذا المباح من أول المجلس إلى نهايته مذموم شرعاً، فكيف -أيها الإخوة- إذا كان الكلام في المجالس عن الأمور المحرمة شرعاً، والوقوع في كبائر الذنوب؟ كيف إذا كانت المجالس مجالس غيبة ونميمة، ونهش أعراض الناس، وأكل لحومهم؟  وقال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً[سورة الحجرات:12]. 

كيف إذا كانت المجالس مجالس كذب وبهتان وسخرية؟ 
وقال رسول الله ﷺ: لا يعضه بعضكم بعضا؟ والعضه، هو: الكذب، والبهتان، والنميمة كما ذكر العلماء.
كيف إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس سخرية بعباد الله ، وتنابز بالألقاب؟ والله يقول:لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ [سورة الحجرات:11]، ويقول: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ[سورة الحجرات:11]؟
كيف إذا كانت مجالسنا اليوم -أيها الإخوة- مليئة بالفسوق والتعيير، والسباب والشتائم؟ ورسول الله ﷺ يقول: المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان حديث صحيح.
كيف إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس مدح، ومجاملات، ونفاق، ومداهنة؟ ورسول الله يصف مدح الرجل في وجه أخيه بأنه كقطع عنقه، وقال الله تعالى قبل ذلك: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [سورة النجم:32].
كيف إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس سخرية بالدين، واستهزاء بالمتمسكين به، وانتقاص من سنة رسول الله ﷺ في مظهره، وأخلاقه، وآدابه؟ 

كيف إذا كانت المجالس اليوم مجالس استهزاء بشريعة الإسلام وأحكام الدين؟ 
واحد يقول في مجلس: تريدون أن ترجعوا بنا إلى شريعة العين بالعين، والسن بالسن! –تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبير-.
أيها الإخوة: ما فتئت مجالس المسلمين اليوم تعج بالاستهزاء والانتقاص من دين الله وسنة رسوله ﷺولا حول ولا قوة إلا بالله.

مجالسنا -أيها الإخوة- مجالسنا فيها استهزاء بعباد الله بشتى الصور، فتجد رجلاً يقلد إنساناً في صوته أو عادة من عاداته، فيقول: هذا فلان كأنه كذا، هذا فلان كأنه كلامه كذا، كأن مشيته كذا، كأن ثوبه كذا، وقال رسول الله ﷺلعائشة: ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا.

لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا لا أحكي حال إنسان، قال العلماء في شرحه: يعني لا أذكر إنساناً أقلده بحركاته، وهيئاته على سبيل التنقص.

وقصة هذا الحديث: أن عائشة لما قالت للرسول ﷺ: حسبك من صفية أنها كذا وكذا، تعني: أنها قصيرة، فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.
يعني: لخالطته مخالطة يتغير بها طعمه وريحه لشدة نتنها وقبحها.
فكيف بالألفاظ اليوم التي تنطلق في مجالس المسلمين؟

مجالسنا -أيها الإخوة- فيها كثير من المحرمات والمخالفات لشريعة، فتجد مثلاً اثنان يتناجيان، وثالث موجود، وقال ﷺ: إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث. وعللها بقوله: فإن ذلك يحزنه.

حتى في طريقة الجلوس في المجالس تجد فيها انكشاف للعورات، فتجد بعض الرجال الذي لا يلبسون تحت ثيابهم لابساً سابغاً يرفع إحدى رجليه على الأخرى، ويجلس جلسة ينكشف منها فخذه، و الفخذ عورة كما قال  .

ثم يأتي هذا الرجل ويجادل، ويقول: متى كان الرجل له عورة؟ هل نحن نساء حتى تنبهونا إلى هذه المسألة؟ 

سبحان الله على جهل المسلمين بأحكام العورات! والرسول ﷺ يقول: يا جرهد، غط فخذك، فإن الفخذ عورة.
حتى في طريقة الأكل والشرب في المجالس مخالفات كثيرة من الأكل والشرب باليسرى مثلاً، إلى عدم التسمية، إلى غير ذلك، حتى في طريقة النقاش والحديث تخالف قواعد الإسلام وآدابه، من رفع للصوت، وحدة وغلظة، ومقاطعة في الحديث، ويسبق الصغير الكبير في الحديث، والرسول ﷺ يقول: كبر كبر.أبدأ بالأكبر.

هذه مقتطفات من بعض المنكرات التي تعج بها مجالسنا اليوم.
إذا كان عدم ذكر الله تعالى، والصلاة على رسوله ﷺ في المجلس فيه وعيد عظيم، ولو كان المجلس كله كلام مباحاً، ولو كان كله مباحاً، لذلك يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله، ويصلوا على النبي ﷺ إلا كان مجلسهم ترة عليهم يوم القيامة، يعني: حسرة وندامة، وفي رواية صحيحة:  وإن دخلوا الجنة.
وإن دخلوا الجنة، لما يرون من الثواب الذي فاتهم، بعدم ذكر الله، والصلاة على رسول الله ﷺ في مجالسهم التي كانت في الدنيا.

بل قال ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة
مثل جيفة الحمار نتنة منتنة مؤذية رائحة عفنة، هكذا يفترق الناس إذا لم يذكروا الله في مجالسهم.
فأعد معي شريط الذكريات -أيها الإخوة- لتسترجعوا حال مجالسكم، هل كان في أي منها ذكر لله، وصلاة على رسول الله ﷺ؟ كل مجلس يجب أن يكون فيه ذكر لله؟ هل تسمع في مجالس اليوم آية أو حديثاً، أو وصية، أو حكماً شرعياً، أو تذكرة؟ إلا من رحم الله.

إذا -أيها الإخوة- لابد من الانتباه إلى هذه السلبية الخطيرة اليوم، بل إنك تجد المسلمين يضحكون على أنفسهم في هذه الآيات والأحاديث التي يعلقونها في مجالسهم، تجد لوحات مخطوطة بخط جيد مزخرفة معلقة في المجالس فيها أمر الله للمسلمين بالتقوى، أو الإخبار بأن الله مطلع، ويعلم كل شيء، بل إن بعضهم يعلق كفارة المجلس في مجلسه، وإذا قام لا يذكر هذه الكفارة، ويخالف صراحة هذه الآيات المعلقة على الجدار. أية حالة -أيها الإخوة- هي التي وصلنا إليها اليوم؟ 
نعلق الآيات والأحاديث على الجدران، ثم نخالفها بتصرفاتنا، وأفعالنا، وأقوالنا، إذاً ما هي فائدتها؟ 

ومن هنا رأى بعض العلماء عدم جواز تعليقها إذا كانت هذه هي حال المجالس؛ لأن فيها استهزاء بذكر الله، في هذه اللوحات، والملصقات.
ومن أجل هذا صار بعض العقلاء من المسلمين اليوم ينفرون عن مجالسة الناس، وعن الجلوس معهم، والحديث معه، وترى أحدهم يقول: مالي وللناس، لماذا اجلس معهم، وهذه هي أحوالهم، وهذه هي أحاديثهم.

هذا الرجل -أيها الإخوة- على صواب، هذا على صواب فيما يفعل إذا لم يكن عنده قدرة على التغيير، فإنه لابد من هجر أماكن المعاصي والفسوق، بدلاً أن تكون مجالسنا مجالس ذكر لله يتحقق فيها قول رسول الله ﷺفي الحديث الصحيح:  ما اجتمع قوم على ذكر، فتفرقوا عنه إلا قيل لهم قوموا مغفوراً لكم.

وقال في الحديث الصحيح: ما جلس قوم يذكرون الله تعالى، فيقومون.
هذا الحديث -أيها الإخوة- ليس خاصاً بحلق الذكر بالمساجد، وإنما في جميع الحلق والمجالس: ما جلس قوم يذكرون الله تعالى، فيقومون حتى يقال لهم: قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم، وبدلت سيئاتكم حسنات.

ولذلك يعجبك الرجل عندما تجلس في المجلس أن يقول لواحد من أهل الخير: يقول: يا فلان حدثنا عن آية كذا، حدثنا عن حديث كذا، سمعت مرة حديثاً ما هو هذا الحديث؟ وما هو معناه؟ ما هي قصة النبي الفلاني؟ ما هو حكم الشيء الفلاني؟ 
هؤلاء الناس الذين يصفهم الرسول ﷺ بأنهم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، هؤلاء الناس كثير منهم ليس عندهم علم شرعي، لكنهم حريصون على التعلم، حريصون على الاستزادة، حريصون على صبغ مجالسهم بالخير، والذكر، والأشياء التي ترضي الله .

إنك عندما تسمع هذه الندرة من المسلمين اليوم يسألون في هذه المجالس، فإن قلبك يهتز فرحاً من بقية الخير الموجود في الأمة نسأل الله أن يكثره.

آداب المجالس

00:18:58

أيها الإخوة: مجالسنا فيها آفات تحتاج إلى إصلاح لابد من معرفة الآداب، ولابد من معرفة طرق الإصلاح حتى نتمكن من الوصول بهذه المجالس إلى الجادة المستقيمة.
ذكر رسول الله ﷺ آداباً كثيرة للمجلس، منها: قوله ﷺ: لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما.
فلا يجوز لك أن تدخل مجلساً فتجلس بين اثنين، إلا بعد أن تستأذن منهما، فإن أذنا لكما، وإلا فذهب واجلس حيث ينتهي بك المجلس.

وكذلك من السنة: أن يجلس الإنسان حيث ينتهي به المجلس.
ولا يأتي ويقيم إنساناً ويجلس مكانه إن هذا فيه نهي صريح عن رسول الله ﷺ نهي صريح: لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه.

لذلك كان ابن عمر كما ورد في حديث البخاري كان إذا قام له إنسان من مجلسه لم يجلس فيه يرفض، ويذهب إلى مكان آخر ليجلس فيه، وقال ﷺ موضحاً أدباً آخر: المجالس بالأمانة.

أحياناً يدعيك إنساناً إلى مجلس عنده، ويكون في هذا المجلس كلام خاص سر من أسرار هؤلاء القوم، لا يجوز لك بأي حال من الأحوال أن تذهب وتفشي أسرارهم، قد يتكلم عن أحوال بيته أو أسرته مثلاً الداخلية، لا يجوز لك أن تذهب في مجلس آخر وتفشي سر هذا الرجل وأهل بيته؛ لأن الرسول ﷺ يقول: المجالس بالأمانة

فيلزم فيها الستر على ما يقال مادام لا يضر المسلمين.
وكذلك -أيها الإخوة- يقول ﷺ في الحديث الصحيح: خير المجالس أوسعها.
فلذلك يستحب توسيع المجلس؛ لأنه أكرم للضيف، وأصون لحاله، وأروح له في قيامه وقعوده، وسيره، ويختلف هذا باختلاف أحوال الناس على غناءهم على غناءهم وفقرهم، فإنه متى كان مستطيعاً، فيستحب له توسعة مجلسه.
والتفسح في المجالس أمر مطلوب، التفسح في المجلس إذا كان ضائقاً بالرجال ليس فيه مكان لداخل أن يتفسح الناس، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ [سورة المجادلة:11]. 

لابد من إيجاد الفسحة في القلب قبل إيجاد الفسحة في المكان، متى وجدت الفسحة في القلب لأخيك المسلم، ومحبته، فإنك ستفسح له تلقائياً، أما إذا أبغضته، وأبغضت أن يضايقك نوعاً ما، فإنك لن تفسح، وإن أفسحت فلن يكون عن طيب نفساً وخاطراً منك.

وكذلك -أيها الإخوة- لابد من ذكر كفارة المجلس إذا قام الإنسان، ويقول ﷺ في الحديث الصحيح: من مجلس في مجلس، فكثر فيه لغطه حصلت منه أخطاء، وزلات في الكلام فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك
ماذا تريدون أكثر من هذا؟ 

هذا من رحمة الإسلام -أيها الإخوة- يعطيك مجال لتصحيح الأخطاء، يعطيك مجال لغفران الذنوب التي حصلت منك، هذه كلمات قليلة تقولها فتمحى الذنوب، لعمر الله إنه لفضل عظيم، إن الله ذو فضل عظيم: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [سورة البقرة:243]. 

الله يتفضل علينا بهذه الكفارات البسيطة، ونحن لا نأبه لها، ولا نرعوي، ولا نهتم بها.
وفقنا الله وإياكم للقيام بحقه في المجالس، وأن يجعل من مجالسنا مجالس خير وذكر له ، وصلى الله على نبينا محمد.

الخطبة الثانية

00:23:23

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الفاتحة:4].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله القويم.

أيها الإخوة: ومن آداب المجلس كذلك: ما كان يفعله ﷺ؛ كما ورد عنه في الحديث الحسن: "كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه، فتناول يده، فناوله إياها، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحد أصحابه، فتناول أذنه ناوله إياها لم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه"[1]

كان رسول الله ﷺ أيها الإخوة- مؤدباً غاية التأديب، يحترم ضيوفه، ويحترم جلساه، إذا قام إنسان من المجلس لينصرف، يقوم الرسول ﷺ ليودعه، ويأخذ بيده ليصافحه لا يترك الرسول يد الضيف حتى ينصرف الضيف، ويكون الضيف هو الذي ينزع يده من يد الرسول ﷺ إذا كان الرسول جالس في مجلس، فأراد رجل أن يسر له بحديث، وأتى ليأخذ بأذن النبي ﷺ كان رسول الله يعطيه أذنه، وينصت حتى يفرغ الرجل، لا يرجع الرسول ﷺ رأسه، ويبعد أذنه حتى يبعد ذلك الرجل فمه، ويبعد رأسه. الانتظار، الأدب.

هذا رسول الله ﷺ الذي تجب يجب على الأمة كلها أن تتأدب معه يفعل هذه الأفعال؛ ليعلمنا -أيها الإخوة- آداب المجالسة، وآداب الحديث، بقي في هذا الموضوع بقية هامة كيف ننتهز من المجالس لتكون من مجالس خير؟ ماذا يجب على الدعاة إلى الله وعلى الناس أن يفعلوا لكي يحولوا مجالسهم إلى مجالس خير؟ ما هو الموقف الصحيح للمسلم من المنكرات، والاستهزاءات، وشتم الدين ونحوه الذي يحدث في المجالس؟ ما هو الموقف الصحيح عموماً؟ 

هذا -أيها الإخوة- ما سيكون -بإذن الله تعالى- موضوع خطبتنا القادمة؛ لأنني أحس -أيها الإخوة-، وربما تحسون معي أن الاهتمام بأمر المجالس له دور عظيم، وله خطورة كبيرة، إذا صلح مجلسك صلحت أنت، وصلح جلساءك، وسترجع من المجلس إلى بيتك، وأنت ممتلئ إيماناً وفائدة، وعلماً خرجت به من ذلك المجلس، فينعكس هذا على أهلك؛ لذلك كان لابد من زيادة التوضيح والتعرض لمسائل هامة في هذا، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لذلك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك. 

  1. ^ [رواه ابن سعد بإسناد صحيح عن أنس، وهو في صحيح الجامع.