الخميس 17 شوّال 1445 هـ :: 25 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

02- خصائص منهج السلف


عناصر المادة
خصائص منهج السلف
تعظيم النصوص الشرعية
التسليم للنصوص الشرعية الثابتة
من أصول السلف: اعتقاد أن السنة وحي، وأنها كافية بالتشريع
منهج السلف يقوم على الأحاديث الصحيحة
منهج السلف يقوم على الاحتجاج بالإجماع
الجمع بين النصوص ورد المتشابه إلى المحكم
منهج السلف يقوم على التفصيل الجامع للنصوص
الاقتصار في الغيبيات على الوحي المعصوم
منهج السلف يجمع الناس على الحق
منهج السلف فيه السلامة من الشك والاضطراب.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فقد تحدثنا في سلسلة المخالفات المعاصرة لمنهج السلف عن معنى المنهج، ومعنى السلف في اللغة واصطلاح العلماء، وما هو المقصود بمنهج السلف، وذكر مسميات أخرى تطلق على منهج السلف مرادفة له، مثل: أهل السنة والجماعة، وأهل السنة، والطائفة المنصورة، وأهل الحديث والأثر، وأهل الاتباع، والفرقة الناجية، وبينا مأخذ هذه الأسماء وسببها، وذكرنا أدلة وجوب اتباع منهج السلف الصالح رحمهم الله من القرآن، والسنة، وكلام أهل العلم إجماعاً، من إجماعاتهم.
وكذلك أجبنا على سؤال: لماذا نتبع منهج السلف؟ ولماذا السلف الصالح هم أولى بالاتباع من غيرهم؟ وأن هناك مميزات أوجبت ذلك:
منها أنهم ورأسهم الصحابة: أكمل الناس إيماناً وأحسنهم اعتقاداً، وأنهم أهل كلمة التقوى كلمة التوحيد، كما قال تعالى: وَأَلْزَمَهُمْ[الفتح: 26]، يعني: ألزم الصحابة كلمة التقوى، وهي لا إله إلا الله، وكانوا أحق بها وأهلها.
ولأنهم أصح الناس عملاً، وهم أعلم الناس بلسان العرب ومدلولاته، وهذا اللسان الذي نزل به القرآن وجاء به الوحي في السنة.
وكذلك فإن هؤلاء السلف رحمهم الله هم أذكى أيضاً أجيال هذه الأمة، وأعقلها، وأسدها رأياً، لكمال فهمهم في الجملة، بالنسبة لغيرهم من الأجيال في الجملة، وأنهم أحسن الناس دعوة إلى الله: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف: 108].
وهم أولى بالاتباع لأن طريقتهم أسلم، وأعلم، وأحكم، وذكرنا أن لهم حقوقاً في أعناقنا يجب توفيتها، ومنها: اتباعهم، تبجيلهم، وحبهم، والدعاء لهم، والترضي عنهم، والدفاع عنهم.
ونتكلم اليوم إن شاء الله عن أهم أصول وخصائص منهج السلف ومميزاته.
هذا المنهج له قواعد وأصول وخصائص لابد من معرفتها، والسير على نهجها حتى لا ينزلق منزلق بعيداً عن منهجهم فيقع في الإفراط أو التفريط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات، ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا سيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم". [منهاج السنة النبوية: 5/36].
إذن يعني لابد من وجود قواعد، وضوابط، وكليات، لما تحدث حادثة نعرف هذه تقع تحت تلك القاعدة، وهذه تختص بهذه أو بهذا القانون، ونحو ذلك.
فهذه الكليات أو القواعد، وهذه الضوابط مرجعيات، إذا جاء حدث، إذا جاءت نازلة، إذا جاءت واقعة، إذا جاءت مسألة نعرف هذه تحت أي كلية تندرج، تحت أي قاعدة تدخل.

خصائص منهج السلف

00:03:46

وقد تميز منهج السلف رحمهم الله بخصائص وميزات كثيرة:

تعظيم النصوص الشرعية

00:03:52

ومن ذلك: تعظيم النصوص الشرعية في أصول المسائل وفروعها، والتسليم  لها.
فإذن منهج السلف يقوم على الاستسلام، والخضوع، والانقياد للنصوص، وتجد أن المخالفين لمنهجهم كلامهم أطروحاتهم فيها، ما هو شرط كلها، فيها تعارض مع النصوص أو اعتراض، اعتراض أو تعارض مع النصوص، مخالفة للنصوص، اعتداء على النصوص، وعدم التسليم. فيقول: عقلي ما قبل النص الفلاني، وأنا أرى خلاف هذا ونحو ذلك، سواءً جابها بأسلوب صريح أو ملتوي، هذا فحوى وخلاصة دعواه، ما يسلم للنص، ما في تسليم، في إعجاب كل ذي رأي برأيه، في اتباع للهوى.
وقد يحمله على ذلك شبهة، أو شك، أو إعجاب بالرأي، أو تقديم آراء الغير على الوحي تعصباً مثلاً.
منهج السلف: التسليم للنصوص، والأخذ بمعناها على ظاهرها، ولا يعتقد السلف أن للنصوص باطن غير الظاهر، وأن الباطن هذا لا يعرفه إلا خاصة الخاصة، ونحو ذلك من الأشياء التي يقول بها الباطنية.
يعني مثلاً: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [الإسراء: 60]، إيش ظاهرها هذه؟ أنها شجرة الزقوم. فيأتي الباطنية يقولون: لا. الشجرة الملعونة في القرآن هؤلاء بنو أمية. طيب إيش علاقة هؤلاء بهذه؟

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن: 19]، ما هو ظاهرها؟ العذب والمالح. ماذا يقول الباطنية؟ علي وفاطمة.
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن: 22]، ما هو ظاهرها؟ هذه الحلي المعروفة: اللؤلؤ والمرجان. ماذا يقول الباطنية؟ الحسن والحسين.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، ما هو ظاهرها؟ الدابة المعروفة. ماذا يقول أهل الباطنية؟ عائشة -رضي الله عنها-، قاتلهم الله. وهكذا..
الصلاة ما هو ظاهرها؟ هذه الأفعال والأقوال المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، التي جاء بها الوحي، وتطلق لغة على الدعاء، واصطلاحاً على هذه الأفعال والأقوال.
يأتي الباطنية ويقولون: الصلاة يعني الصلوات الخمس، أن تقول: علي حسن حسين محسن فاطمة، خلاص، صليت الصلوات الخمس.
الصوم ما هو ظاهره؟ الامتناع عن المفطرات من الفجر إلى المغرب بالنية. ماذا يقول الباطنية؟ كتم أسرار الطريقة، كتم أسرار الطائفة.
الحج ما هو ظاهره؟ الذهاب إلى بيت الله الحرام بقصد، ومعروف أركانه. ماذا يقول الباطنية؟ الذهاب إلى شيخ الطائفة، والحج إلى شيخ الطائفة، وهكذا.
والطرق الصوفية طبعاً عندهم كثير من الباطنيات المتعلقة بالنصوص، يعني يمكن مثلاً جبل الجودي: اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود: 44]، الجبل المعروف الذي استقرت عليه سفينة نوح بعد الطوفان.
يجي يقول لك مثلاً: الجودي هو الغوث الأعظم، القطب الأعظم، الغوث الأكبر، شيخ الطريقة، مثلاً.

فإذن منهج السلف ما في، ما يجعل النصوص ظاهر وباطن، وفي باطن خفي ما يعرفه إلا خاصة الخاصة، وشيوخ الطريقة، ويسمونهم يعني هؤلاء الذين يأخذون بالكشف، ويطلعون على اللوح المحفوظ.

التسليم للنصوص الشرعية الثابتة

00:08:43

منهج السلف يقوم على: التسليم للنصوص ما دامت ثبتت، سواءً كانت آحاد، أو مشهورة، متواترة، إلى آخره.. يسلمون بها ما دام صح الطريق إلى النبي ﷺ بها، ولا يردون الأحاديث، لا يردون النصوص، لا يقدمون الآراء على النصوص.
وعند أهل طبعاً أهل الأهواء: إذا تعارض العقل مع النقل قدمنا العقل، إذا تعارض الوجد والذوق والخيالات والرؤى والمنامات مع النص قدمناها على النص، كما يقول بعض أهل الدنيا: إذا تعارضت السياسة مع النص نقدم السياسة.
والسعيد من اتبع السلف: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ۝ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ [النور: 51-52].
إذن التسليم للنصوص هذه من أعظم الثوابت وأوضح القواعد في منهج السلف، يتلقونها بالرضا والقبول، ما عندهم، يعني ما في عند السلف نص مخجل، أو نص ليته ما نزل.
لا. بالعكس يعتزون بكل النصوص، أليست من الله العزيز الحكيم العليم ؟.
بعض المنهزمين عندهم نصوص يتوارون من الغرب، من السوء الذي يرونه فيها والعياذ بالله، ولا يدري ماذا يفعل: أيدسه أم يظهره على هون وهو خجل؟ ما في اعتزاز بالنصوص.
بينما المسلم يعتز بالنص الشرعي، شاء من شاء وأبى من أبى، اللي ما أعجبه، إيش يعني هم مخاليق، طاعة الله ورسوله مقدمة، وخالق البشر يقدم رضاه على البشر.
قال الزهري رحمه الله: "من الله الرسالة، وعلى رسول الله ﷺ البلاغ، وعلينا التسليم". [سير أعلام النبلاء:5/ 346].
وكذلك قال الإمام الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية: "ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام". [شرح الطحاوية: 1/168].
وقال الإمام الشافعي: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة، من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس". [إيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني: 58]. انتهى.
الآن يوجد كما قلنا عند بعض الطبقات، التي يكون عند بعضهم ثقافة أو شهادات عليا، أو دراسة في الخارج، عندهم لوثات واضحة جداً في قضية الانهزامية، والاغترار بالآراء الشخصية، وعدم التسليم للنصوص، والاعتراض على الوحي، وأنا أرى وأنا أرى، ولا عنده علم بلغة العرب ولسانهم، ولا القواعد الشرعية، ولا بأصول الفقه، ولا بأصول التفسير، ولا بمصطلح الحديث، وأنت ماشي.. مجرد عنده شهادة في حقل من الحقول الدنيوية.
ثم يريد أن يتكلم في الشريعة ويخبط خبط عشواء بطولها وعرضها، وإذا لم يوافقه شيء منها، فإنه تمارس أساليب التعنت التي تحدث شرخاً عميقاً في أرضية الانقياد والاستسلام.
ولذلك تجدوا البعض من هؤلاء لا يسأل أصلاً عن موقف الوحي من المستجدات وغيرها، مع أن الوحي ما في شيء في الواقع إلا وله حكم فيه، سواء كانت قضية تقنية، أو قضية اقتصادية، أو قضية طبية، ونحو ذلك.
وبعض هؤلاء مع الأسف يشعر شعوراً عميقاً أن الوحي ما له إضافة جوهرية على الأمور الحضارية والمدنية، بينما الشرع الذي نظم الحياة المدنية، ولا يمكن أن تستقيم حياة مدنية بدون الشرع، وكذلك فإنه أصل الحضارة والانطلاق، وما منعنا الله من اكتشافات ولا من اختراعات: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ[الأنعام : 11] وانْظُرُوا[يونس: 101]، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [النحل: 14] وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: 15]. وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ[الجاثية: 13]، وانظروا في ملكوت السموات والأرض، وما في شيء مفيد للبشر إلا والشرع يحث عليه ويبيحه، والمصلحة الراجحة أو المصلحة الواضحة البينة والصافية الشرع يأتي بها.
والتسليم والتعظيم لنصوص الوحي لا يتعارض أبداً مع الأخذ بكل مفيد في عالم المكتشفات والمخترعات.. إلى آخره..
ويجب أن نعرف أن التسليم والتعظيم هو الفيصل بين المؤمنين والمنافقين، لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً [النساء: 61].
نماذج من حال السلف:
وقد ضرب السلف وعلى رأسهم الصحابة، ضربوا لنا مثلاً عظيماً في قضية الاستسلام للنصوص وطاعة الله ورسوله.
فلما جاء خبر تحويل القبلة إلى الصحابة وهم في الصلاة، استداروا كما هم إلى الكعبة، وهم في الصلاة.
ولو قلت الآن لناس وجوههم إلى الشمال، وإمامهم إلى الشمال يصلي، إن القبلة صارت إلى الجنوب، كما كان الوضع في مسجد قباء، كانوا إلى الشمال إلى الشام بيت المقدس القبلة، صار إلى الجنوب إلى مكة، لو قلت لناس الآن: استديروا، لاحتاروا واضطربوا وماجوا.. كيف يستديرون؟ لكن الصحابة استداروا في الصلاة، توجهوا إلى القبلة.
لما خلع النبي ﷺ نعليه في الصلاة خلعوا نعالهم". [أبو داود:650، وصححه الألباني إرواء الغليل: 284] ، لما رأى الرسول ﷺ خاتم ذهب في يد أحدهم، فقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار، وأخذه ونزعه، ونبذه، فقيل للرجل: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله ﷺ [رواه مسلم: 2090].
لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح، مع أن مسطح من المهاجرين، لكن زل وأخطأ في حق بنت الصديق، الصديق الذي أحسن إليه، وأنفق عليه، فوقع فيها، قطع أبو بكر النفقة لما نزلت براءة عائشة، فلما نزل قول الله:
وَلا يَأْتَلِ يعني لا يمتنع أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]، أعاد أبو بكر النفقة إلى مسطح، وقال: "والله لا أنزعها منه أبدا". [رواه البخاري: 2661، ومسلم: 2770].

لما زوج معقل بن يسار ابنته من رجل، فطلقها بعد أن أكرمه بها، ثم ندم الرجل وجاء يخطبها، فقال: أكرمتك وزوجتك، وطلقتها وجحدت هذه النعمة، والله لا أرجعها إليك أبداً.
فلما نزل قول الله: وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ لا تمنعوهن من العودة إلى الأزواج. إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ  [البقرة: 232] قال: نعم، أزوجك وأكرمك.  والقصة في البخاري [4529].
الرسول ﷺ لما أراد المغيرة أن يخطب امرأة وأمره أن ينظر إليها قبل الزواج، ولما ذهب المغيرة امتنع الأبوان، قالت البنت: إن كان رسول الله ﷺ أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإني أنشدك –يعني أسألك بالله- لا تنظر إليّ. [رواه ابن ماجة: 1866، وصححه الألباني صحيح ابن ماجة: 1512]. فهذا موقف الفتاة، ما كانت القضية مقتصرة على الرجال فقط، النساء.
يعني مثلاً لما رجع الصحابة إلى بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم، يتلون عليهن ما أنزل الله في الحجاب: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31] شقق نساء الأنصار والمهاجرات مروطهن فاختمرن بها.
الأمثلة كثيرة جداً، كيف كان الصحابة والسلف يمتثلون أوامر الله ورسوله، كيف كانوا يسلمون؟ بل إن العامة المتأثرين بهم، كان عندهم هذه الروح، في الغالب يعني.
حتى أحياناً تأتي مسألة وعن جهل، لكنها تنبئ عن تأصل هذه الروح فيهم، فقال أبو إسحاق الحبال -رحمه الله-: "كنا عند شيخ يوماً، ونحن نقرأ عليه حديث النبي ﷺ، فقرأنا حديث: لا يدخل الجنة قتات [رواه البخاري: 6056، ومسلم: 105]، وفي المجلس رجل يعني عامي يبيع القت، والقت هو علف الدواب، فقام وجعل يبكي، وقال: أتوب إلى الله. فقلنا له: هوناً هوناً، القتات: النمام، وليس الذي يبيع القت، فسكن واطمأن وهدأ". [تذكرة الحفاظ: 3/1193].
ولو قارنت هذا بما يفعله بعضهم اليوم، ما هم من العوام، ربما يكون من أصحاب الشهادات العليا، لرأيت والله العجب من الاعتراض على الوحي.

من أصول السلف: اعتقاد أن السنة وحي، وأنها كافية بالتشريع

00:20:08

يعني ما يلزم يكون مع الحديث آية، لو جاء الحديث وجاءت السنة بحكم ليس في القرآن يؤخذ به.
وبعض الذين يسمون أنفسهم بالقرآنيين اليوم، يجحدون السنة، ويطعنون فيها، ويشككون فيها. ويقولون: الأحاديث هذه ما ندري عنها دخل فيها ودخل، لا تجيب لي حديث.
طيب، أين أنت -يا أيها الظلوم- من أئمة الهدى والنور والعلم؟ الذين قيضهم الله لتمحيص هذه الأحاديث، ونفي الكذب عن سنة رسول الله ﷺ، وتمييز الصحيح من الضعيف، والمكذوب، والباطل، أين أنت من هؤلاء الأعلام؟ من البخاري، ومسلم، وأحمد، وابن المبارك، والدار قطني، والبيهقي، وفلان وفلان، من العلماء: أبو زرعة، الحافظ ابن أبي حاتم، أين أنت من شعبة بن الحجاج؟ أين أنت من هؤلاء الجهابذة الذين أدوا إلينا السنة وهم أمناء.
ثم إن النبي ﷺ لما قال الله عنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] هذا يدل على أن السنة حجة بنفسها، وإذا ثبت الحديث فهو حجة: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59].
والنبي ﷺ ذكر لنا يعني من معجزات النبوة، من الأخبار الغيبية التي أخبر عنها ووقعت، قال: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك.
يعني السنة ما لكم دخل فيها، كذا على أريكته شبعان، بس القرآن، السنة لا. هؤلاء أخبر عنهم النبي ﷺ، وهذا الحديث قد رواه أبو داود رحمه الله [4606]، والترمذي [2802] ، وزاد: وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله، المصدر واحد. [صححه الألباني في صحيح الجامع: 8186].
فالسنة بجميع أقسامها إذن واجبة الاتباع إذا صحت، والقرآن والسنة يصدق أحدهما الآخر، والسنة تستقل بالتشريع كالقرآن.
وهناك أحكام ليست موجودة في القرآن: كتحريم لحوم الحمر الأهلية، وتحريم المتعة، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة الموجودة في السنة ولم تذكر في القرآن، لأن السنة تؤيد القرآن وتفسر القرآن وتزيد عليه في الأحكام:  مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80]، إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ [الفتح:10].

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وتقام سنة رسول الله ﷺ مع كتاب الله مقام البيان عن الله ، وليس شيء من سنن رسول الله ﷺ يخالف كتاب الله في حال". [اختلاف الحديث: 1/484].
ما يمكن أن يكون هناك تعارض حقيقي، ممكن يكون تعارض في الظاهر يزيله أهل العلم، أما تعارض حقيقي لا يوجد، كيف؟ المصدر واحد ثم تتعارض النصوص من عنده لا يمكن.
والله قال عن نبيه ﷺ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]، معناها أن ما جاء به حق، وهذا رد على الجهال الذين يقولون: نعرض السنة على القرآن، فإن وافقته أخذنا بها، وإن ما وافقته تركناها.
طيب -يا الله- اعطيني تحريم الحمار الأهلي في القرآن، تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في القرآن، تحريم الجمع بين المرأة وخالتها في القرآن، اعرض إيش راح يطلع عندك؟ أنه ما هو موجود في القرآن، يعني القرآن لم يذكره، فماذا تفعل؟ ترده ترميه؟
وما أحسن قول ابن القيم رحمه الله لما قال: "ونحن نقول قولاً كلياً نشهد الله تعالى عليه وملائكته، أنه ليس في حديث رسول الله ﷺ ما يخالف القرآن، ولا ما يخالف العقل الصريح، بل كلامه مبين للقرآن، وتفسير له، وتفصيل لما أجمله.
ومع الأسف أن بعض الناس ما يأخذ بالسنة إلا إذا جاء اكتشاف حديث يوافق الدليل.
فمثلا: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه [رواه البخاري: 3320]، إذا أراد أن يشربه وقد وقع فيه الذباب، طبعاً الدين الشرع ما يجبرك على شربه، تبغا تضعه للدواب ضعه للدواب، عطي قطاً يشرب منه، يشربه، لكن إذا أردت أن تشرب؛ لأنه من زمان كان في فقر، والآن طبعاً الآن في فقر، إيش رايك الآن الذي يحدث بالشام؟ هاه أكلوا الميتة، وأكلوا ما لا يؤكل لحمه.
قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه وليطرحه.
طبعاً يأتي بعض هؤلاء بعض المثقفين يقول: كيف هذا؟
لا، عقلي لا يقبله، لأن عقلك أصلاً هو غير مقبول أصلاً، عقلك غير مقبول شرعاً، عقلي لا يقبله، هو الشرع ما أجبرك تشربه، نفسك تعافه لا تشربه ضعه للدواب.
لكن بعض الناس يريد أن يشرب وبعض الناس ما عنده غيره، فالشرع أرشد إلى فائدة صحية أن يغمسه ثم ليطرحه، طبعاً قبل اكتشافات واختراعات، ومايكروسكوبات، وبكتيريا، وجراثيم، وقبل هذا الكلام.
إيش المنهج منهج السلف؟ إذا أردت أن تشربه اغمسه واطرحها. ليه؟ ما في تبرير علمي يعني علمي دنيوي، ما في.
الآن بعضهم رفض الحديث، حتى وهو في البخاري الحديث في البخاري رفضه، قال: عقلي لا يقبله ولو كان في البخاري.
لما اكتشفوا الآن يعني أن الذباب يقع على جناح فيه الداء والجناح الآخر فيه دواء، وأجسام مضادة للأجسام الأولى، فتلغي مفعولها المؤذي فلا يضر الشارب، هاه قال بعضهم: إيوه الآن، الآن صح.

الآن صح؟ طيب وقبل الاكتشاف كان خطأ؟ وهذا كثير، لا يقبلون السنة والدليل، إلا إذا أيدها البحث الأمريكي، والبحث الأوروبي، والبحث الياباني.
يعني هؤلاء الكفار أعلم من الله ورسوله؟ ولا تأخذون بالأدلة إلا إذا وافقها الكفار، فإذا أيدتها مختبرات البحث الكفرية آه آمنا وأخذنا وعملنا، وإذا ما عرفت وما استنتجت وما توصلت وما اكتشفت، ماذا أنتم فاعلون؟

منهج السلف يقوم على الأحاديث الصحيحة

00:29:01

وكذلك فإن منهج السلف طبعاً يقوم على الآثار الأحاديث الصحيحة، ورفض ما لا يثبت: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ [النجم:23]،وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ [الأنعام:116]، إذا صارت أحاديث موضوعة ومكذوبة، خلاص صارت يخرصون، ما صار علم.
فالدين وأحكامه لا يبنى على الأحاديث الضعيفة أو  الموضوعة، بل الواجب العمل بالأحاديث الصحيحة والاستغناء بها عما سواها.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين أو الكاذبين، [رواه مسلم في مقدمة صحيحه: 1/8، والترمذي: 2799، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6199].

منهج السلف يقوم على الاحتجاج بالإجماع

00:29:45

وكذلك منهج السلف يقوم على الاحتجاج بالإجماع، وأن ما أجمع عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم، أجمع عليه، إجماع الصحابة كافي، إجماع الصحابة كافي، لكن المسائل المستجدة يؤخذ بها بإجماع أهل العصر، يعني إجماع أهل العصر حجة فيها حجة، لأن الأمة ما تجتمع على ضلالة.
فإذا كان مثلاً: أجمع علماء العصر على شيء معين، على حكم نازلة من النوازل معينة، أنه مثلاً هذا محرم، معاملة مالية معينة مثلاً هذه أنها محرمة، انتهينا هذا إجماع حجة، لكن أصل الإجماع إجماع الصحابة.
وقد قال ﷺ: إن الله لا يجمع أمتي، أو قال أمة محمد ﷺ على ضلالة، ويد الله مع الجماعة [رواه الترمذي: 2167] ، وهو حديث صحيح [صحيح الجامع الصغير وزياداته: 1848].
والمقصود طبعاً إجماع علماء أهل السنة، فلا يدخل علماء أهل البدعة، ولا يدخل الجهلة، ولا يدخل الأنصاف، الإجماع إجماع أهل العلم، ما يدخل العامة.
وكذلك احتج الشافعي بهذا رحمه الله في القصة المشهورة التي رواها المزني أو الربيع قال: "كنا يوماً عند الشافعي إذ جاءه شيخ عليه ثياب صوف، وفي يده عكازة، فقام الشافعي وسوى عليه ثيابه –يعني إجلالاً للشيخ- فسلم الشيخ وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال الشيخ: أسأل؟ قال: سل، قال: ما الحجة في دين الله؟ الحجة، قال: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله ﷺ، قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة يعني الإجماع، قال: من أين قلت اتفاق الأمة دليلك؟ فتدبر الشافعي ساعة سكت، فقال الشيخ: قد أجلتك ثلاثاً، فإن جئت بحجة من كتاب الله وإلا تب إلى الله تعالى، فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب فلم يخرج إلى اليوم الثالث، يعني ما في دروس انقطع، الشافعي انقطع عن الدروس، خرج بين الظهر والعصر على الموعد، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه، وهو مسقام من السهر والتعب، فجلس، فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ، فسلم وجلس، ثم قال مسألتي، فقال الشافعي: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء: 115]، فلا يصليه جهنم على خلاف المؤمنين إلا وهو فضل يعني الأخذ بإجماع المؤمنين، لكي تكون مخالفته عقوبتها جهنم، قال: صدقت وقام فذهب، فقال الشافعي رحمه الله لمن حوله: "قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى وقفعت عليه". [سير أعلام النبلاء: 10/83].

الجمع بين النصوص ورد المتشابه إلى المحكم

00:33:44

من منهج السلف: الجمع بين النصوص، ورد المتشابه إلى المحكم، وعدم معارضة النصوص بعضها ببعض، وعدم الاقتصار على بعضها دون بعض. فهذا هو التسليم لها أنك تتلقاها كلها، والأدلة الصادقة لا تتعارض.
قال ابن القيم رحمه الله: "حجج الله لا تتعارض، وأدلة الشرع لا تتناقض، والحق يصدق بعضه بعضاً، ولا يقبل معارضة ولا نقلاً ولا نقصاً". [إعلام الموقعين: 3/129].
فهذا هو المنهج السلفي الذي يوفق بين النصوص، ويجتهد العلماء في ذلك، ونحن قلنا ما في تعارض حقيقي، ممكن يكون في تعارض في الظاهر لبعض يظهر لبعض الناس.
مثال: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: 6]، فإذن سؤال المرسل إليهم ثابت في اليوم الآخر، ثابت ولا لا؟ ثابت.
طيب، في آية أخرى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن: 39]، فهذه الآية تنفي السؤال، والآية الأولى تثبت السؤال.
ظاهرهما لغير أهل العلم التعارض، العامي إذا نظر إليها تعارضت عنده، فإذا ذهب إلى أهل العلم قالوا له: إن المثبت السؤال المثبت غير السؤال المنفي، لأن السؤال المثبت أنهم يسألون هو سؤال التوبيخ والتقريع، والسؤال المنفي هو سؤال الاستفهام والاستعلام.
مثال آخر: قال تعالى في كتابه العزيز: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32]، نجي على الحديث النبوي يقول: لن يدخل أحداً عمله الجنة[رواه البخاري: 5673].
طيب، كيف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] و لن يدخل أحداً عمله الجنة؟ للعامي ظاهرها التعارض.

عند أهل العلم يقولون: لا، لأن الباء في قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] هذه باء السببية، يعني الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، فالدخول المثبت، فالعمل المثبت: العمل الذي يؤدي للدخول العمل الصالح، فالدخول بسببه، وأما المنفي في قوله: لن يدخل أحداً عمله الجنة بمعنى أن عمله لا يكافئ الجنة، فالعمل وحده ما يدخله الجنة، إذا ما جاء فضل الله ورحمته ما يدخل، لأن العمل وحده غير كافي، الجنة أعظم وأثمن وأغلى وأعلى، أنفس من هذه الأعمال، ولكن الأعمال سبب، وبدون أعمال ما في دخول.
فإذن: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[النحل:32]، بسبب أعمالكم الصالحة، لا أنها تكافئ الجنة، فهذه باء السببية وليست باء الثمنية، ولا باء العوض، باء السببية.
وأما: لن يدخل أحداً عمله الجنة يعني عمله فقط، إذا ما في رحمة الله، لأنه ما يكفي، ولن يكفي مهما كان، لكن بدونه ما في دخول.

منهج السلف يقوم على التفصيل الجامع للنصوص

00:37:53

المنهج السلفي يقوم على: التفصيل الجامع للنصوص، خلافاً للفرق الضالة التي تجمل فتقع في الزلل.
فنرى مثلاً الغلاة يكفرون بمجرد الذنب، والمرجئة الجفاة يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، وأهل السنة يجمعون بين نصوص الوعد والوعيد.
الآن ما هو سبب ضلال الخوارج؟ الاقتصار على نصوص الوعيد. ما هو سبب ضلال المرجئة؟ الاقتصار على نصوص الوعد.
أهل السنة والجماعة يجمعون بينهما، بين نصوص الوعد والوعيد، فلا يقعون في انحراف هؤلاء ولا في انحراف هؤلاء، فبشروا الناس بالجنة، وخوفوهم من النار: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 98]، أنه غفور رحيم .
طيب، سنتكلم طبعاً إن شاء الله في الدرس القادم عن الحلقة الأولى من المخالفين لأهل السنة ومنهج السلف، ولعلنا نبدأ بالغلاة والخوارج وأهل التكفير، والوعيدية ومستحلي الدماء والأموال أموال دماء المسلمين، ونبين ونفند مخالفتهم لمنهج السلف.

الاقتصار في الغيبيات على الوحي المعصوم

00:39:16

منهج السلف رحمهم الله يقوم على: الاقتصار في الغيبيات على الوحي المعصوم. لأن الغيب كل ما غاب عن العقول والأنظار، من الأمور الحاضرة والماضية والمستقبلة.
والغيب قسمان: غيب نسبي، وغيب مطلق.
الغيب النسبي: الذي يغيب عن ناس دون أناس. ففي بعض الناس يعلمون أشياء حصلت في الماضي، وأناس آخرون ما يعلمونها، كما أن بعض المكتشفين يعلمون أشياء في قاع المحيطات لا يعلمها كثير من الناس. فهذا غاب عن بعضهم لكن لم  يغب عن الآخرين.
أما الغيب المطلق: اللي هو كل ما كان في الماضي، ما يعلمه إلا الله، كل ما يقع الآن في جميع أنحاء العالم والسموات والأرض لا يعلمه إلا الله، وقطعاً قطعاً يقيناً كل شيء سيحدث في المستقبل لا يعلمه إلا الله.
البشر ماذا يعلمون؟ بعضهم يعلم بعض ما حدث في الماضي، بعضهم يعلم بعض ما يقع الآن، ففي بعض ما يعرف أشياء مما مضى وأشياء مما تحدث، يحدث الآن، ولكنهم جميعاً لا يعلمون ما يقع في المستقبل.
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [النمل: 65].
قال لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الكهف: 26].
وقال عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9].
فلا يعلم الغيب مطلقاً وكلياً إلا الله، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عمن دونهما من الناس، فضلاً عن العرافين والكهان والجن.
وليس للإنسان في الأمور الغيبية أن يعتمد إلا ما جاء في خبر الصادق المصدوق، فما أخبر عنه الله ورسوله ﷺ من شؤون الغيب نؤمن به.
طبعاً هذا كلام مهم، لأن بعض، مثلاً الذين يقرؤون في الكتب الغربية ومصادر يعني، أو الشرقية، يأتي مثلاً إلى نبوءات نوستراداموس مثلاً، يقول هذا شوف قال كم سنة من مئات السنين قال كذا كذا كذا وصار.
أول شيء أثبت أنه قال كذا وكذا، لأنه بيننا وبينه وين السند وين؟ لو أثبت، إيش قال الغيب كله كتبه؟ لا، توقع أشياء، ماشي، وأي واحد فينا يمكن أن يتوقع أشياء.
لو جاء واحد، وقال: مثل هؤلاء الدجالين الذين يفسرون، بعضهم يعني بعضهم الذين يفسرون الأحلام، يا شيخ عندي رؤيا كذا كذا.. تفضلي كذا كذا كذا.. أنت متزوجة؟ لا، راح تتزوجي.. أنا شفت رؤيا يا شيخ كذا كذا كذا، أنت متزوجة؟ إيه. عندك أولاد؟ لا. راح يجيك أولاد... أنا شفت كذا كذا يا شيخ رؤيا؟ عندك وظيفة؟ لا. راح يجيك الوظيفة. أنا يا شيخ شفت رؤيا كذا كذا.. ستواجه مشكلة ثم تحلها، في أحد ما راح يواجه مشكلة.. فهل هذا يقال يعني هذا علم الغيب؟
عندما يدرسون حركات السحب والرياح، فيها وفيها دراسات معمقة ومعادلات، وأن هذه مثلاً نوع السحب الركامية المحملة مثلاً بالأمطار، لأن السحب أنواع، فإذا عرف مثلاً هذا نوع السحابة هذه إيش؟ واتجاه الريح، وكطبقات السحاب، و..، فمن المتوقع حسب المعطيات اليوم أنه غداً أو بعد غد ستأتي كذا، ويجي منخفض، منخفِض الصحيح طبعاً.
مرتفِع كان شيخنا رحمه الله يصحح لأصحاب نشرة الأحوال الجوية، يقول: المرتفِعة، مرتفع اسم فاعل، منخفِض جوي ليس منخفَض منخفِض.
طيب، لو قالوا مثلاً: من المتوقع هذا صار كذا، وتصطدم الكتلة الهوائية   الباردة مع الما أدري إيش القادم من إفريقيا، ومع القادم من شرق شمال أوربا، ومع القادم من المحيط المتجمد الشمالي، ومع.. طيب يعني هذا علم غيب؟
هذه قرائن، وهذه مقدمات لها نتائج في العادة، وإذا مشيت كذا كذا المتوقع، مثلما أقول لك يعني طلعت من الرياض؟ نعم. الساعة كم؟ سبعة. كم سرعتك؟ مائة. إذن ستصل إلى الخبر الساعة كذا أربعة فرضاً، احدى عشر، هل هذا ادعاء علم الغيب، وهو ... في مركبة وفي سرعة، وفي... في مقدمات لها نتائج هذي ما..
واحد عصبي تزوج واحدة عصبية، والله يتوقع أن يكون هناك مشكلة، ستحدث مشكلات، ما في يعني ما تحتاج لها..
لكن الغيب أنه أين سيموت فلان؟ كم عمر فلان عندما يموت؟ وبعضهم قد يعلم شيئاً، ولكن لا يمكن أن يعلم بقية الأشياء.
يعني افترض الآن قالوا بالأشعة هذي فوق الصوتية موجات، الموجات هذه الصوتية عرفنا مثلاً هذا الجنين في بطن أمه هو ذكر ولا أنثى؛ لأنه هذه خلاص أشياء علمهم الله إياها تكشف لهم الذي في البطن، في البطن هذا شيء موجود، ما هو في الغيب، الآن هو موجود  الآن الآن، كأنه يرى ما وراء الجدار، خلاص فهو يقول هذا كذا، هذا ما هو ادعاء، هذا ما هو علم، هذا علم الحاضر، ما هو علم الغيب.
ولكن إذا قلت له: ما رزقه يا أيها الطبيب؟ ما أجله؟ ما عمله؟ شقي أو سعيد؟ أخبرونا إن كنتم صادقين. هذا غيب لا يعلمه إلا الله.
فبعض الناس يحدث عنده التباس، لا الجوية النشرات يعرفون، المستقبل كيف الأطباء يعرفون الجنين كيف. للجهل هذا ولا لو في علم معمق ما تلتبس يعني هذه، هذا شيء حاضر، أو مقدمات لها نتائج متوقعة.
وأحياناً يقولون: ومن المتوقع كذا، والفرصة مهيأة لهطول أمطار، بعدين نضيع الفرصة خلاص يصرفه الله، يجي الغيب بعدين يذهب، صارت يعني، لأنه أحياناً قد تحدث مقدمات ونتائج يجي شيء غير متوقع فيغير المعتاد، يتغير المتوقع.
الشاهد أن منهج السلف الغيب فيه قائم على الأدلة من الكتاب والسنة فقط، وأما أهل الضلال فهم يعتمدون على التننجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على أمور ستقع.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: من اقتبس علماً من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد [رواه أبو داود: 3905، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 793].

يعتمد البشر بعض البشر في قضية علم الغيب على الكهانة، واستراق الجن للسمع من كلام الملائكة الذي تلقيه في أذن الكاهن فيكذب معه تسعة وتسعين كذبة، ولا يذكر الناس إلا واحد في المائة، ويقولون قال وصدق. والباقي؟
ولذلك قال ﷺ: من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ[رواه ابن ماجه: 639، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 3387].
بعضهم يعتمد في قضية الغيب على الكشف الصوفي، ولذلك يعني يقولون شيخنا وشيخنا، وعرف، وإلى آخره.
واحد يعني من هؤلاء المنحرفين، جاء يحقق في اسم أم المهدي، مع أن هذا تكلف ولا احنا مطالبين شرعاً بمعرفة اسم أم المهدي، ولا.. فقال: لم أقف على اسم أم المهدي بعد الفحص والتتبع، فلعلهم يعرفون اسمها من طريق الكشف. يقول يعني ما في رواية، بس يمكن من طريق الكشف يأتي.
وبعضهم من هؤلاء الذين يؤمنون بقضية أن بعض المشايخ يعلمون الغيب، أو شيخ الطريقة يعلم الغيب، وإذا جيت تسافر أو تتزوج، أو تعمل صفقة تجارية، أو قرار مصيري لازم تجي للشيخ أول وتسأله، في له فيها مصلحة يا شيخ ولا لا؟ إذا قال له فيه مصلحة، خير، سواها، ما فيه خير.

لو هو يستشير مثلاً يقول مثلاً أنا أبغا أتزووج فلانة، هذا البيت تعرف عنهم شيء، يعني هذا شيء طبيعي، يروح يستشير واحد اقتصادي يقول له: أنا أريد أشتري صفقة كذا، ما رأيك هذا مناسب ولا هذه ما، شيء طبيعي.
لكن هؤلاء لا. يقول الشيخ يعرف المستقبل، في المستقبل ماذا سيقع؟
فجاء واحد يريد يسافر سفرة إلى شيخه من هؤلاء، قال: يا شيخ أنا أريد أن أسافر كذا، فالشيخ سكت الشيخ. قال: إيش فيه يا شيخ؟ قال: ما هو من مصلحتك تسافر. لماذا يا شيخ وأنا مضطر محتاج. قال له: ما هو من مصلحتك، إذا سافرت سيخرج عليك قاطع طريق ويأخذ مالك ويقتلك. بس أنا يا شيخ مضطر ومحتاج. قال له إيه: إذا أنت مضطر ومحتاج تروح للشيخ فلان، هذا مرتبة أعلى. قال له طيب، فراح للشيخ فلان هذاك؛ لأنه في الأولياء والأوتاد، الأبدال والأوتاد والأقطاب والغوث الأعظم.. في هرم.
راح إلى عند هذاك، قال: أنا ترى رحت لشيخي وأريد أسافر، وقال لي: لا، ولأنه سيحدث كذا، إذا سافرت سيحدث كذا، وأنا مضطر. قال له: أنت مضطر؟ قال له: أيوه. قال له: خلاص روح.
فالرجل سافر ورجع ما صار له شيء، ورجع عند الشيخ، قال له: يا شيخ أنا سافرت. قال: الحمد لله على السلامة. قال له: ما صار لي شيء.

قال له: صحيح. قال له: أنت قلت سيحدث كذا. قال له: أنا حدي أن أعرف الغيب، بس تغيير اللوح المحفوظ عند هذاك يمسح.
وهذا ترى يعني، احنا هو ممكن نضحك، لكن هو بالنسبة لهم يعتبر حاجة يعني شيء مقدس.
طيب، بعضهم يعتمد في قضية الغيب، المخالفين لمنهج السلف، على الحدس، الحدس كذا، وبادئ ذي بدء ما في مانع أن واحد يخمن، وما في مانع أن واحد يكون عنده فراسة، يعني الفراسة نور من الله ممكن يلقيه، بس ترى ما يجزم، يعني لو واحد عنده فراسة، ما هو يعني أنه مائة في المائة تضبط، ممكن في غالب الأحيان..
وكذلك ما يستطيع يجزم، يعني يمكن واحد يقول: يا جماعة ترى أنا حدسي، تخميني، شعوري الداخلي، إحساسي، فراستي، ماشي.. أنه ترى في انهيار اقتصادي قادم.. مثلاً أي شيء، حرب قادمة.. لكن ما يستطيع يجزم يقول: وبناء على حدسي وتخميني فأنا أجزم أن هذا سيقع، هذا ما يجوز ما يجوز.
والذين عندهم أنواع من هذه قد تكون الحدس والتخمين عندهم، يعني مثلاً الآن ما في شيء اسمه مراكز دراسات المستقبل.
مراكز الدراسات المستقبلية تقوم على قضية تحليل جمع دراسة الواقع، وتحليله، ويشوف الأمور ماشية إلى وين؟ مؤشرات يعني، ما في مانع هذه الأخذ بها من الحكمة.
بس أنت الآن لو عندك مركز دراسات المستقبل هل تطلع نتائج تقول نتائج علم الغيب سنة 2015، 2014 وأن هذا سيقع فيه، احتمالات.
هذا الدجال اللي كتب كتاب: احذروا المسيخ الدجال يحكم العالم من جزيرة برمودا.
يقول في صفحة 41: " وله –أي الدجال- قصر رهيب مهيب، لا أدري موضعه بالتحديد، ولكن بالحدس الإسلامي أقول إنه في فلوريدا"
بالحدس الإسلامي! ومن هذا كثير دجالون يؤلفون اليوم في المسيح الدجال، وفي منطلقات من مثلث برمودا، ويبنون قصور وعلالي على أشياء، يعني يمكن يكون في أماكن غامضة تحدث فيها ظواهر غير طبيعية، إلى آخره يرتبون عليها.  يقول: شفت مثلث برمودا. هذا لأنه الدجال هناك.
وهو الطيارات هذي اللي ما أدري ويش يصير لها، والسفن اللي ما أدري ويش يصير لها، مجال مغناطيسي تبع الدجال يؤثر على رادارات ما أدري إيش فيحدث. عنده مجال مغناطيسي؟ من أين علمت يا..؟
ولذلك طبعاً مدعوو النبوة، وقد يكون عنده رأي من الجن يأتيه ويخبره بأشياء، ولو كانت هذه الأشياء يعني حقيقية يكون فيها واحد في المائة من استراق السمع، ولكن كثير من كلامهم كذب في كذب.
ولما ادعى النبوة واحد وجاء للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، قال: أنا بعثت، مبروك إيش؟ لكل نبي آية ما هي آيتك؟ قال: أنا أرى أنوار صفراء وخضراء وحمراء، فقال الشيخ: هاها هذه إشارة مرور ما هي معجزة!

منهج السلف يجمع الناس على الحق

00:54:50

من أهم مميزات منهج السلف: أنه يجمع الناس على الحق.
فنلاحظ المناهج الأخرى تشتيتية، تمزيقية، تقسيمية، منهج السلف يجمع كل عامة المسلمين، وهو في الحقيقة الحل للنزاع، منهج السلف هذا حماية من الاختلافات، والانقسامات، والتنازعات: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الأنفال: 46].
منهج السلف يضمن لأصحابه النجاة من النار بأمر الله: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة [رواه ابن ماجه: 3993،  وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 204] منهج السلف موافق للفطرة التي فطر الله الناس عليها.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله طبعاً ليش موافق للفطرة- لأن ما في فلسفة، ما في تعقيد، ما في غموض، ما في أشياء يعني مثل الألغاز، ما في ألغاز في منهج السلف.
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: "لما حضرت دروس السنوسية الصغرى – طبعاً هذه فرقة صوفية- في المدرسة، واعتقدت أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد ما هو مقرر فيها من الصفات العشرين وغيرها، تعبت تعباً شديداً في محاولة إفهام العوام فلسفة السنوسي الأشعرية، فتعذر عليّ ذلك، حتى كان بعضهم يبكي إذا لم يفهم ما أقرره، ويخشى أن يكون كافراً بعدم فهمه".
لأن من الشروط عندهم أنك إذا ما فهمتها تكفر. لا ما تدخل في الإسلام إذ ما فهمتها، وهي كلها فلسفات، والفلسفات أشياء غامضة ومعقدة ما يفهمها العامة، فهذا يبكي، يقول أنا على الآن أنا كافر، أنا في النار، لأني ما فهمت العقيدة، ما فهمت عقيدتكم هذه.
قال: "ثم منّ الله عليّ بالعلم أنه لا يجب على مسلم التقيد بها، وأن فيها أخطاء، وأن الناس مغرورون بها". [تفسير المنار: 11/310].

منهج السلف فيه السلامة من الشك والاضطراب.

00:56:57

لأننا كما قلنا علم الكلام والفلسفة هو علم الحيرة والشك، علم الحيرة والشك علم