الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

01- محاورة في الحكمة من وجود الخلق


عناصر المادة
لماذا خُلقنا؟
ما هي العبادة؟
ميثاق  عالم الذر
ميثاق الفطرة
ميثاق ما جاءت به الرسل
التوحيد وأنواعه
أهمية العلم الذي جاءنا من الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله.
أيها الإخوة والأخوات: في هذه الدورة الشرعية المهمة في أصول التوحيد والإيمان، هذا مختصر في أصول التوحيد والإيمان مع جولة في فوائده التربوية لأصول التوحيد والإيمان.
وسنكون ضيوفًا على حياض كتاب معارج القبول للحافظ الحكمي -رحمه الله تعالى- الذي جمع في أصول التوحيد والإيمان جمعًا عظيمًا، وأول ما نبدأ  به هذا الدرس الأول ما يتعلق بأمر التوحيد، وسبب الخلق، وأنواع التوحيد، وماذا يستفاد من كل نوع.

لماذا خُلقنا؟

00:01:21

أما بالنسبة للتوحيد فهو الإقرار بوجود الله تعالى، والإيمان بوحدانيته، واستحقاقه للعبادة وحده دون شريك.
وهذا يجيب على سؤال كبير ضلّ فيه كثير من البشر في هذا الزمان وغيره، وهو لماذا خُلقنا؟
فإن كثيرًا من المفكرين، والدكاترة، والمتقدمين في الفنون المختلفة من الطب وغيره في الفنون البشرية عندهم هذا السؤال، لماذا خُلقنا؟ لكن بلا جواب، وبسببه ضلّ كثير منهم فيعبدون غير الله، أو يعبد كل واحد هواه، أو أنه يضيع وقته وحياته في توافه، وأحسنهم حالاً في الدنيا الذي كرّس كل وقته وعمره لأجل المال أو لمنافع الدنيا، ولكن عندما يعلم العبد بأن الله هو الخالق، وأن هذا الخالق لا بدّ له من شكر على نعمة الخلق، إنه هو الذي أعطى الحواس، فلا بدّ لهذه العطايا من شكر، فماذا يعمل؟ لا بدّ أن يشكر هذا الخالق، ولا بدّ أن يطيع هذا الخالق الذي خلقه؛ لأن هذا -ولله المثل الأعلى- هؤلاء الذين يخلقون الآن الروبوتس، يخلقون هذه المتحركات والآليات، ويبرمجونها، فهي تطيع المبرمج، وما يمليه عليها تنفذه، فكيف بخالق قد خلق من العدم؟، وأعطى الحواس بلا مقابل، وأسدى النعم .
وعندما يعلم العبد أن الذي خلقه قد وضع له أمرًا يجب أن ينفذه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، فهذا مقتضى الحكمة، محال أن يخلق الخلق عبثًا، قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا [المؤمنون: 115]. سبحانك: مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [آل عمران: 191]، باطلاً يعني عبثًا.

هذا -يا إخواني- سؤال مهم جداً يُطرح في أنحاء العالم اليوم، لماذا وجدت البشرية؟، لماذا خُلقنا؟ لماذا نحن على هذا الكوكب؟، وعندنا الآن الانفتاحات في عالم شبكات التواصل جعلت هناك مناقشات كثيرة، وحوارات بين المسلمين وغيرهم، والحقيقة أن المسلم عندما يحاور لا بدّ له من أدوات، لا بدّ من سلاح يدخل به معركة الحوارات.
من أهم الأمور في معركة الحوارات اليوم مع الناس الذين انفتحنا عليهم وانفتحوا علينا، ومنهم ملاحدة، ومنهم أناس لا يقرون بالله، ولا يعرفون العبادة، أن يُقال: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [الطور: 35]، من العدم: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ لأنفسهم، فإذا كان لابدّ من خالق فهل خلقهم بلا مقصد؟ الجواب: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا [المؤمنون: 115]، ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: 27]، أنهم يظنون أنهم خلقوا سدى، بلا قصد، بل هناك قصد عظيم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
وأن هذا الإنسان المخلوق لا تستقيم حياته إلا إذا قام بالشيء الذي خلقه الله من أجله.
وكذلك فإنه سبحانه من القضايا المهمة في النقاشات والحوارات هذه قضية البعث: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ۝ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الجاثية: 21-22].
إذًا، لا بدّ من حساب، أمرهم بالطاعة طيب ما أطاع كثير منهم ما أطاعوا تنتهي الحياة هكذا؟، أمرهم بالعدل، وإعطاء الحقوق، فظلم بعضهم بعضًا، ومات الظالم في عنفوان قوته، وغناه، وسلطانه، وبطشه، ومات المظلوم في غاية ضعفه، وهوانه، وذلته، وسلب حقوقه، هل تنتهي الحياة هكذا؟ هل ينتهي المشهد هكذا؟ هذا من الأسئلة المهمة في العقيدة التي نعدها للحوارات مع الآخرين، وعندنا نشئ جديد طالع الآن، مراهقون ومراهقات، عندهم أسئلة كثيرة في مسألة من الخالق، هل يوجد خالق؟ ما هي الأدلة؟ لماذا وجدنا؟ هل هناك بعث بعد الموت؟ الحياة كيف ستستمر هكذا؟ لها نهاية، هذه الأسئلة التي ربما تراها أنت بدهية بعض أولادك، وبعض من حولك عندهم قضايا كبيرة جداً، وضخمة، فما هي  الإجابة؟ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: 27].
يعني: هل خُلِق لمجرد الخلق فقط؟ ليستعرض قوته وقدرته في الخلق فقط؟ لا، خلق الخلق وتخلّى عنهم تركهم؛ لأن البعض يقر لك أن هناك خالق، لكن لا يقر لك أن هذا الخالق يريد من خلقه شيئًا، وإنما خلقهم وتركهم.
وهذه -يا إخواني- مسألة مهمة في النقاشات والحوارات اليوم التي تجري في ساحات الحوار: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ۝ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص: 27-28].
ولذلك يقال في النقاش للواحد منهم: أنت اوزنها بعقلك، هل يستوي من يعمل الصالحات، ويعمل الخير، وأعمال البر الآن في الدنيا، ومن يقوم بالظلم والاعتداء، والطغيان، والقتل، وسفك الدماء، أخذ وسلب حقوق العباد، وأخذ أموالهم، واعتدى على أعراضهم، وانتهك الحرمات، هل يستويان عندك هذا و هذا؟
هل ستنتهي الدنيا بهذا وبهذا دون إكمال لهذه الأحداث التي حصلت؟ أليست هناك تكملة لما يحدث الآن؟ أنت الآن ترى العالم يموج بالظلم والعدوان والطغيان، دول وأمم تعتدي على شعوب، وعلى بلدان، ويحاصرونهم بمجاعات، ويقتلونهم، ويسفكون دماءهم، ويعتدون على أعراضهم ،ويأسرونهم، ويجوعونهم، ويدمرون بيوتهم، ويدمرون مقدراتهم، ومكتسباتهم وأعمالهم.
هل ستنتهي الحياة بهذه البساطة هكذا دون أن يكون هناك تعويض للمظلوم وعقاب للظالم؟ 

ما هي العبادة؟

00:09:33

ثم يأتي السؤال الكبير أيضاً في موضوع ما هي العبادة؟ أنت تقول أن الله خلقنا لعبادته، ما معنى عبادته؟، وما هي هذه العبادة؟ عندما يعرف العلماء العبادة ويقولون: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وأن العبادة معنى مركب من الحب والذل، كمال الحب مع كمال الذل، كمال الحب مع كمال الانقياد للطاعة، إذًا، نحن نعلم من هذا أن هناك مطلوبًا منا، وهو عبادة الله، التعبد له، هذا التعبد ما كنهه؟ له روح؟ طبعًا له رسوم وصور وأشكال وأشياء ظاهرة؟ يعني مثلاً الصلاة فيها قيام، وركوع، وسجود، الحج فيه طواف، وسعي، ورمي، ووقوف، لكن روح العبادة الموجودة في كل أنواع العبادة؛ سواء كانت فعلية أو تركية،  يعني سواء كانت صلاة، حج، أو تركية، مثل الصيام، تترك الطعام والشراب والنكاح، سواء كانت العبادة فعل، أو كانت ترك، ما هو روحها؟ ما هو مضمونها؟ هذا هو كمال الحب مع كمل الذل.
إذًا، المراهق عندما يعسفه أبوه على العبادة لا بدّ أن يفهم هو أن العبادة هذه فيها حب للمعبود، أنت تعبد مقبلاً لا مقهورًا، أو مقسورًا مدفوعًا بالضغط بالإكراه، بالإلحاح، بالتهديد، بالوعيد، بالعقاب، لا.

وعندما نقول: هذا الولد يؤمر بالصلاة، وهو ابن سبع، ويُضرب عليها وهو ابن عشر، هذا ضربٌ للتأديب، لكن إذا كبر وبلغ فإنه يتحمل مسؤولية نفسه، وأنت تفهم -يا أيها المراهق البالغ- أن الله خلقك وأمرك ونهاك، ويريد أن يراك حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك، وأن العبادة له فيها حب و رغبة، وليس خوفًا من النار فقط، وإنما أيضاً اشتياقًا إلى الجنة، أنت لا تعبده فقط حتى لا يعاقبك، أو حتى لا تُعاقب في الدنيا، أنت تعبده حبًا له، وتعظيمًا، ورغبة في ثوابه وأجره.
أما كمال الذل فهو لازم لقضية الانقياد؛ لأنه بدون هذا لا يكون الإنسان عبدًا حقيقة، فإنه قد يعبد، وفيه عجب مثلاً، وقد يعبد وفيه تكبر، قد يكون طاووس عبادة لكنه مختال، اجتماع هذين المعنيين سيجعل العبادة لها طعم آخر، ولها روح تسري في شعائرها، فلا تصبح قوالب ميتة باردة، وإنما تصبح صلاة بخشوع، تصبح عبادة بحيوية.
هنا مسألة مهمة في العقيدة، ذكرها المصنف -رحمه الله-، مسألة المواثيق الثلاثة، ومسألة ما هو الدليل على ما هي الأشياء التي جعلها الله في نفوسنا؛ كي نتجه إليه.
من الحكم الإلهية العظيمة أن الله ما خلقنا وأمرنا فقط بأوامر خارجية، لا، جعل فينا أجهزة استقبال، جعل فينا مستقبلات ممتازة للحق إذا عُرض علينا، جعل فينا مستقبلات رائعة موصلة مفتوحة متقبلة للحق الذي جاء منه فقط، ولله المثل الأعلى.
الآن يقولون: يحصل التوصيل مثلاً بالاستقبال، إذا ركبت هذه الموجة على مستقبل الذبذبات مثلاً فيستقبل، الموجة، وجاءت الصورة واضحة، والصوت المستقبل جيد.
الله من إحسانه إلينا أنه جعل فينا- وهذا كلام مهم يُناقش حتى يفهّم للأولاد، الفتيات، الشباب في أول وعيهم للأمور، أن الله أعاننا على أنفسنا بجعل هذه المستقبلات ما هي؟ الفطرة، ما هي؟ ميثاق في عالم الذر، ما هي؟ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: 10].

ميثاق  عالم الذر

00:14:49

الميثاق الأول الذي أخذه الله على العباد حين أخرجهم من ظهر أبيهم آدم بنعمان قرب عرفة، منطقة معروفة الآن، استخرج الله ذرية آدم أمثال الذر، مثل صور النمل، حجم النمل على صور الرجال، هذا عالم الذر، جرى فيه ميثاق عظيم استخرج الله من ظهر آدم ذريته أمثال الذر، صغار في حجم النمل، استخرجهم كلهم من ظهر آدم بنعمان المنطقة المعروفة عند عرفة، وأشهدهم على أنفسهم، وكيف كان هذا الإشهاد؟ بكلام مباشر منه تعالى مع عباده هؤلاء، ما هو الدليل؟: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172]، أخذ واستخرج من ظهورهم ذريتهم: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف: 172]، كلهم قالوا: قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا بلى، إقرار: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ الربوبية أشهدهم على ذلك، شهدنا: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172] حتى لا تقولوا كنا في غفلة.
إذًا، هذا ميثاق حقيقي، هذا إشهاد من الله بعد أن استخرج كل البشر، سيقول الناس: لا نتذكر، نقول: عدم التذكر ليس دليلاً على عدم الوقوع، الآن ألم تقع في حياتك أشياء لا تتذكرها؟ أنت تتذكر كل شيء صار وأنت في بطن أمك؟ أنت الآن تتذكر كل شيء صار وأنت عمرك شهرين، ثلاثة، خمسة، سبعة؟ الآن لا يشترط من عدم التذكر عدم الحصول، وهذه أمثلة عقلية على أن الشيء ممكن يصير بدون أن يتذكر الإنسان وقوعه. 
انظروا -يا إخوان- سبحان الله، هذا العقل نعمة عظيمة من الله، ولذلك فإن النبي ﷺ علمنا إذا رأى الإنسان مبتلى ماذا نقول؟ الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا [رواه الترمذي: 3431، وحسنه الألباني: 3140]. 
الآن هذا الميثاق الأول، ويكفي في وقوعه أن الله أخبر به، يعني لو واحد قال: لا نتذكر،  نقول: انظر أولاً من الناحية الإيمانية، ما دام الله أخبر به يعني وقع وانتهينا، والمؤمن ما يحتاج إلى تأكيد.

ومن الناحية العقلية لو قال واحد وجادل فيها، نقول: أنت تتذكر كل شيء صار لك وأنت في بطن أمك؟ أول شهر شهرين ثلاثة من عمرك؟
إذًا، هل يصير شيء وأنت لا تتذكره؟ نعم، يكفي أنه كلام أحكم الحاكمين، الخالق قال لنا أنه استخرجنا كلنا، وأشهدنا وأقررنا عندنا.

ميثاق الفطرة

00:13:52

ثانيًا: ميثاق الفطرة، ما هي المستقبلات للحق؟ يعني كيف الآن نهتدي إلى الحق؟ هل المسلم مثل الكافر في مسألة الاهتداء إلى الحق؟ نقول: لا، هناك فرق، الناس كلهم عندهم استعدادات حتى الكافر منهم عنده استعداد.
لكن أبواه يمجسانه، وينصرانه، ويهودانه، وهذا هو الثاني الذي هو ميثاق الفطرة، أنه تعالى فطرهم على قبول الحق كل واحد مفطور إذا عرض عليه الحق أن يتقبله، ويشعر أن هذا أمر مستوٍ صحيح، يعني: بالفطرة يعرف أنه حق قريبًا انطروا يا إخوان، أنا ذكرتُ هذه القصة؛ لأنها ذكرها لي شخص عايشها أن الفطرة الصحيحة إذا عرض عليها الدين الصحيح تقبل مباشرة تعرفه سبحان الله بالفطرة، وتميل إليه دون غيره، يعني: لو جبنا واحد فطرته سليمة، وعرضنا عليه عبادة الله فوق سماواته على عرشه، وعبادة ثلاثة، الأب، والابن، وروح القدس، وعبادة البقر، وعبادة الكواكب، بالضرورة أن الفطرة ستتجه إلى الله خالقها، والكافر إذا صار في أزمة عظيمة مباشرة يرفع إلى السماء مباشرة.
يعني: بالفطرة يعرف أن هناك ربًا فوق السماء خالقًا مباشرة حتى وهم يكفرون، عرضوا مرة واحد صار حادث ومعه زوجته والأولاد، وكان مطر وبرد وصواعق، وصار شيء للأم وذهب بها الى المستشفى، والأولاد في السيارة، وهو في كربة، وأدخلها المستشفى، وبعد ذلك خرج للدكتور فأخبره بموتها، وهو كافر رفع مباشرة.
قال: لماذا في هذا الوقت؟ انظر وهو كافر ويعترض على الله!؟ لكن هذا يكفي في إثبات الفطرة أن نفسه اتجهت مباشرة إلى السماء، وحتى لو رأيت الكفرة في السفن في عرض البحر، والأمواج تلعب بهم، والريح تعصف، وهم يوشكون على الغرق إلا ما يتجه إلى السماء، يعني أن هناك فطرة، وأن المسألة ليست أنه محايدة، لا، كل واحد يوجد عنده هذا الجهاز، جهاز المعرفة بالفطرة موجود.

وأنا كنت أقول لكم قصة امرأة، هذه ممرضة متقاعدة كبيرة صارت عجوز ثلاثة وتسعين سنة، تسكن في عمارة في أوروبا، وجارها مسلم، وهذا الجار يعني من الإسلام الذي أمر بالإحسان إلى الجار والإحسان.
عمومًا، كان يحسن إليها، فإذا صار عندها أغراض دخلت بها العمارة، نزل وحملها لها أوصلها إلى بيتها، يخدمها، يوصل لها ثيابها إلى المغسلة، ينظف لها البيت أحياناً، فقالت له مرة: هل هناك أحد يعطيك أجرة؟ فقال: نعم، سكتت، ربما ظنت أن ابنها العاق الذي تخلى عنها وقطع زيارتها ربما أعطى هذا الجار مبلغًا ليهتم بأمه بالنيابة عنه؛ لأنه مشغول، فسكتت بعد مدة قام لها بعمل كبير، فقالت له: مَن الذي يعطيك الأجرة؟ فقال: الله، فقالت: كيف يعطيك من هو عرفني به؟ فأتى به بما يعرفها بالله، ودينه، وكتابه، ورسوله ﷺ، المرأة مباشرة تريد تدخل في هذا الدين لتعبد هذا الرب، فذهب بها إلى المركز الإسلامي وقت العصر، قال الراوي: فأعلنت إسلامها وقت العصر، ووقت العشاء حصل لها وعكة وتوفيت العشاء، يقول: فجاء ولدها مباشرة لما سمع الخبر، ودخل البيت، وأخذ المال الذي في بيته، وبدأ يبيع الأجهزة؛ ثلاجة، وغسالة، وأثاث، فلما أردنا أن نأخذ أمه  لنغسلها، ونكفنها صارت أختنا في الإسلام، قال: لا، أين تأخذوها؟ نحن ندفنها، قلنا له: أسلمت، قال: ما أسلمت، من قال لكم؟، واحتدم النقاش، وفجأة قال: أنتم مصرين؟ أنتم تريدونها فعلاً؟ قلنا: نعم، قال: أبيعها لكم!، قلنا: كم تريد؟ قال فخفنا أن يطلب مبلغ كبير، قال: خمسة آلاف يورو، قال: فبسرعة اجتمع الناس من هنا، ومن هنا، وجمعنا له خمسة آلاف يورو، وأعطيناه إياه، وأخذنا جثة أمه، وغسلناها، وكفناها، وصلينا عليها، دفناها في مقبرة المسلمين.
وهذه قصة فيها عبر كثيرة، سواء في الدعوة والإحسان، وأن الله كيف يختم للواحد بخير، وإذا أراد له الخير، ولكن الشاهد أن هذه لم تتأخر في قبول الاسلام، اقتنعت وأرادت الإسلام.

إذًا، كيف يعرفونه مباشرة، من يعرفه مباشرة؟ كيف يعرفه، ومن بين سائر الأديان.
وقد دلت بحوث الكفار الغربيين أنفسهم، هم جابوا أطفال خالين ما عنده خلفية، وعرضوا عليهم مبادئ الإسلام، ومبادئ اليهودية، ومبادئ النصرانية، ومبادئ البوذية، فوجدوا أن الإقبال على الإسلام بالتجارب.
إذًا، هذا ميثاق الفطرة فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، وقال ﷺ: كل مولود يولد على الفطرة، وفي رواية: على هذه الملة يعني ملة الإسلام: فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء يعني كاملة الأطراف كاملة الحواس هل تحسون فيها من جدعاء [رواه البخاري: 1385، ومسلم: 6926]، يعني فطرة الله سليمة كاملة ما فيها نقص في قلوب العباد.
ومن الأدلة أن النبي ﷺ روى لنا الحديث القدسي العظيم: إن الله يقول: إني خلقت عبادي حنفاء وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم [رواه مسلم: 7386].
إذاً، الآن عرفنا ميثاق عالم الذر، وميثاق الفطرة.

ميثاق ما جاءت به الرسل

00:27:03

الميثاق الثالث ما جاءت به  الرسل، وأخذ الله العهد على الناس المرسل إليهم بالكتاب الذي أنزله، والرسول الذي أرسله أن يعبدوه، وفصل لهم كيف يعبدونه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165].
هناك مسألة إلهية واضحة جداً، أن الله يريد أن يتضح الحق للناس، الله لا يريدها مجهولة، ولا مغمغمة ولا غامضة، الله يريدها بينة واضحة بالغة عباده، يعني كل هؤلاء الرسل كما جاء في حديث أبي ذر عند أحمد: عدة الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة وستون جمعاً غفيرًا [رواه أحمد: 22342، وصححه الألباني في المشكاة: 40]، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء: 164].
لكن، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24]، أمة الصين، أمة الهند، كلهم، ليست هناك أمة إلا وفيها رسول بالتأكيد الذي لا نقاش فيه.
لكن إذا اندرست -خفت ذهبت اضمحلت- معالم النبوة والرسالة يرجع الناس إلى الشرك، ألم يخلق الله آدم على التوحيد؟ أليس أدم أول البشرية عبد الله في الأرض؟ أليس قد علّم أولاده الدين؟ ألم يقل ابن عباس: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام؟" [رواه الحاكم: 4815، وابن أبي شيبة: 34629].
عشرة أجيال كلهم على الإسلام، وبعد ذلك كيف يخرج نوح يحاول أن يدعو فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وكم الذي اهتدى له؟ اثنا عشر شخص، وفي رواية ثمانين، كيف؟ لأن معالم الدين والنبوة اندرست ذهبت مع  غفلة البشر، وتضييع البشر، وإهمال البشر، والأهواء، والشيطان لما اشتغل عليهم، اضمحلت، فرجعوا إلى الشرك، لكنه ليس هو الأصل في البشرية.

إذاً، حصل هذا، فأرسل الله الرسل، وكلما ضلت البشرية أرسل الله رسولاً، كلما زاغت أرسل الله رسولاً، وهكذا  في معركة طويلة بين الحق والباطل إلى قيام الساعة: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165].
وإذا ضلت البشرية ممكن تفعل أي شيء، قد تعبد حشرات، أليس الآن في الهند يوجد طائفة تعبد الفئران؟ هذا الفأر من أخس ومن أحقر وأرذل وأسوأ وأفسد الحيوانات، كيف يعبده؟ يعني بالعقل ما عبدوا مثلاً الغنم شيء يمكن يأكلوه، ينفعهم، فأر؟ يعبدون الفئران.
إذًا، قضية إرسال الرسل هذه مهمة حتى في النقاشات في الإقناع أنه خلقهم، كيف يعرفهم بنفسه؟ كيف يعرفهم بحقوقه عليهم؟ كيف يعرفهم بالمطلوب منهم؟ كيف يعرفون وما هو المطلوب؟
هذا آدمي موجود في الدنيا، كيف أعرف ما هو المطلوب مني؟ ماذا يريد مني خالقي؟ كيف أعرف بدون رسالة؟ الفطرة وحدها والشيء العام وحده لا يكفي في معرفة التفاصيل، يعني ممكن أنت تكتشف بالفطرة أن لك ربًا، ممكن تهتدي بالعقل أنه لا بد لهذا الكون من موجد، من خالق، يعني كل هذه النواميس، وهذه القوانين، وهذا الانتظام العجيب في الكون لا بدّ أن يكون في موجد، وخالق طيب، وبعد ذلك هل طلب منا شيء؟ ماذا يريد؟ فلا يمكن معرفة التفاصيل، كيف تعرف أنه طلب صلاة، وصيامًا، وحجًا، وزكاة، وكيف تعرف أنه طلب خمس صلوات، وكيف تعرف أن كل صلاة كذا ركعة، وكيف تعرف أن كل ركعة بالترتيب المعين هذا، وكيف تعرف؟ ماذا تقرأ فيها؟. 

إذًا، لا بدّ من تفصيل هذه كلها -يا إخوان- نقاشات، الآن ربما تدور في ساحات الحوار مع كفرة، أو مع مسلمين متشككين، أو مع ناس ألحدوا، أو تزندقوا، أو عندهم شبهات، ربما لم يكن وصل إلى الكفر الكامل، لكن هناك أناس كثير عندهم شبهات، ولا بدّ من النقاش، وإحسان الحوار: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]، الآن تثور الأسئلة، الأطفال الصغار ما هو مصيرهم؟ ماتوا صغار، أطفال المشركين ما هو مصيرهم؟ المجانين؟
نحن سنتقبل كل الأسئلة، والعجيب أن كل الأسئلة في شريعتنا لها إجابات، يعني: ليس هناك سؤال يرد على شخص صاحب علم، وسؤال عقيدة لا يوجد له جواب، وإذا جهله شخص سيعلمه آخر؛ لأنه لا يجوز خفاء الحق عن كل الأمة.
سئل رسول الله ﷺ عن أولاد المشركين، قال: الله تعالى إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين[رواه البخاري: 1383، ومسلم: 6933]، الله يعلم لو كبروا ماذا كانوا سيفعلون.
إذا جاءت الأدلة بأن أولاد المسلمين في الجنة، ماتوا أطفال صغار غير مكلفين، وآباؤهم على التوحيد هم مع آبائهم، وإبراهيم وسارة يكفلان هؤلاء لآبائهم وأمهاتهم، يوم القيامة يستردونهم: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: 21].
وأطفال المشركين للعلماء فيهم أقوال، وهذا أمر طبيعي أن توجد أقوال في المسألة بناء على ورود عدة أدلة مثلاً، أو شيء ناسخ ومنسوخ، بعضهم ظنه صحيح وهو ضعيف، المهم من الإجابات الشهيرة عند العلماء جوابان:
إما أنهم يكونوا مثل أطفال المسلمين، يعني إلى الجنة؛ لأنهم ليس لهم ذنب، وإما أن الله يمتحنهم يوم القيامة.

وهذه عليها أدلة، يعني المجنون كبر وبلغ وهو مجنون، ومات وهو مجنون، الذين ما سمعوا عن دين، ولا عن رسول، ولا عن كتاب، في مجاهل، في أدغال، في صحاري، في محيط متجمد، أما الذي سمع عن الإسلام سماعًا مشوهًا، واحد عايش في الغرب، واليهود مسيطرين على الإعلام، ويبثون شبهاتهم حول الإسلام، والآن لو تعرف الإسلام كلمة واحدة في الغرب الآن بفعل الإعلام اليهودي كلمة واحدة، الإسلام دين الإرهاب، معروفة، انتهى الأمر.
كان هناك من قبل يقال شيء آخر من الدعايات، كان يقال: الإسلام دين التخلف، وقد وردتنا في موقع الإسلام سؤال وجواب أسئلة، هل أنتم تعبدون القمر؟ هكذا، واضح أن هناك أشياء مغلوطة هي أصلها: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة: 189]، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة: 36]، هلالية عند الله.
فنتيجة التشويش ظن أن المسلمين يعبدون القمر، نحن واجبنا الآن أن نصحح مسألة أن الله يختبر هؤلاء يوم القيامة، كما جاء في حديث الأسود بن سريع، وأبي هريرة: أربعة يحتجون يوم القيامة يعني: يدلون بحجة قوية عند الله: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة يعني: ليس فيها رسول، بين رسولين، ما وصل إليه الدين، ما سمع عن رسول، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام، وما  أسمع شيئًا والآن هناك لغة الصم، يعني: هناك أناس صم تقام عليهم الحجة، والأعمى عنده لغة، يفتح الله على البشرية أشياء تعوضهم.

وليس كل الصم معذورين، الشاهد: فأما الأصم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق، فيقول: رب جاء الإسلام، وما أعقل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك من رسول، فيأخذهم مواثيقهم ليطيعنه هذا أول شيء قبل الامتحان، يأخذ عليهم الميثاق لَيُطِيعُنَّهُ مهما أمرهم، فيرسل إليهم الآن ما هو الاختبار الكبير الذي سيغني عن كل الحياة الدنيا؛ لأن هذا الاختبار سيقوم مقام عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين، ستين، سبعين، سنة من الحياة،  سؤال واحد، طلب واحد، تكليف واحد: فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها سُحب إليها [رواه أحمد: 16301، 16302، وابن حبان: 7357، وهو حديث صحيح].
عندنا الآن نقاش طويل في مسألة إقامة الحجة، كيف تكون الحجة؟ ومتى تقوم الحجة؟ ومتى تعتبر قيمة الحجة؟ أقيمت الحجة إذا وصل إلى الإنسان الإسلام بطريق صحيح واضح بيّن، فلنفترض –مثلاً- عند الأساسيات معنى الشهادتين، وأركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة.
يعني: الآن إذا أردت أن تختصر الإسلام لشخص ما، ماذا تقول؟ الله خلق الخلق، وهو وحده لا شريك له مستحق للعبادة، ختم الأنبياء بمحمد ﷺ، جاء بدين الإسلام، أركانه خمسة، الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مبلغ مالي معين يدفع سنوي، وصوم رمضان، ترك الطعام، والشراب، والنكاح من الفجر إلى المغرب، شهراً في السنة، وحج بيت الله الحرام،  أفعال، وأقوال معينة في مكة مرة واحدة في العمر، وهذه هي الأعمدة الخمسة، فيها بنيان فوقها فيه أعمال خير كثيرة، وأساسه وقاعدته الإيمان بالله، ستة قواعد وأركان في القاعدة، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما قدّره الله من خير، وشر.

نحن الآن شرحنا المطلوب بهذا، لا يأخذ أكثر من دقيقتين، دقيقتين وقد بلغت الدين، ومن بلّغه بلغته؛ لأنه قد يبلغه بلغة لا يفهمها، من بلغه بلغته ففهم ذلك ووعاه، وكان واضحًا لديه، ثم لم يتبع أقيمت عليه الحجة، الآن إذا مات يدخل النار؛ لأنه عرف الحق وأعرض عنه، وإذا عنده شبهات يناقش في الشبهات.
هؤلاء الرسل مبعوثين بأشياء: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب: 7].
وكل الأنبياء، ولكن خص هؤلاء؛ لأنهم رؤوس الأنبياء، وهؤلاء أولوا العزم كما نلاحظ.
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ عمومًا مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ، محمد ﷺ: وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، إقامة دين الله وتبليغه، واحد أن يؤمن كل نبي بمن بعده، ومن مضى من قبله، وأن يؤمنوا كلهم بمحمد ﷺ، وإذا جاء في عهد ووقت أي واحد منهم أن يتبعه.
يعني: لو قال واحد: هل الأنبياء كلهم يعرفون نبينا؟ نعم، ومأخوذ على كل واحد من الأنبياء، مأخوذ عليه العهد، إذا بعث محمد ﷺ، وأنت حي، يا أيها النبي أن تتبعه، الدليل: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ وهو محمد ﷺ: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران: 81].

التوحيد وأنواعه

00:40:51

من قواعد العقيدة، وتُذكر في كتب التوحيد، وقد ذكرها الشيخ حافظ حكمي -رحمه الله-، كما ذكرها غيره من أهل العلم، مسألة التوحيد وأنواعه، وحاول بعضهم أن ينازع أن أنواع التوحيد ما كانت أيام الصحابة، نقول: هي المعاني كانت قطعًا، فقط هذا التقسيم الاصطلاحي لمجرد التفهيم والتوضيح، يعني عندما نقول: توحيد الربوبية، توحيد الإلهية، توحيد الأسماء والصفات، معانيها، يعني أن الله له أفعال لا يشترك فيها غيره معه، هو وحده يفعلها؛ الإحياء، الإماتة، إنزال المطر، الرزق، الشفاء من الأمراض.
هذا نحن اصطلاحًا نسميه توحيد الربوبية، لكن مضمونه لابدّ من الإيمان به، لكن نحن في مقام التعليم ينبغي أن نوضح، والتوضيح يقتضي تقسيمًا، والتقسيم يقتضي تسمية وعناوين، وفقط، فلا مشاغبة علينا في قضية من الذي سمى أنواع التوحيد الثلاثة؟ ومن الذي؟ نقول: المسألة سهلة، خلك معنا في المضمون، ما هو توحيد الربوبية؟ توحيد الله بأفعاله، ما هو توحيد الألوهية؟ توحيد الله بالعبادة، ولا يصرف أي شيء من العبادة لغير الله، فالأول أفعاله، الثاني أفعالنا نحن، له  أن نوحده بذلك، ولا نصرف دعاء، ولا نذر، ولا ذبح، ولا، ولا إلى غيره.
وتوحيد الأسماء والصفات ماذا سمى نفسه؟ لو أن إنساناً، قال: إلهي ماذا أُطلق عليه؟ ماذا أقول عنه؟ بماذا أصفه؟ نقول: لا تتعب نفسك، هو سمى نفسه، ووصف نفسه، وبالتالي أنت كل الذي عليك أن تتعبده بما سمّى به نفسه، وما وصف به نفسه، ولن تستطيع أنت أن تخترع له أسماء كما يريد، فهو عرفنا واختصر الطريق علينا.

أهمية العلم الذي جاءنا من الله

00:43:08

من أعظم النعم: العلم الذي جاءنا من الله، وهذا شيء لا يقدر بثمن، العلم الذي جاءنا من الله بالوحي لا يقدر بثمن؛ لأنه غير قابل للخطأ، ليس فيه باطل، ليس فيه تناقض، حق، واضح، مبين، وفيه إجابة عن كل الأسئلة، وفيه علاج لكل العلل النفسية، وفيه شفاء من كل الأمراض، فماذا تريد؟، وإجابة على كل الأسئلة.
وهذا توحيد الربوبية ما كان هناك منازعة من جهة كفار قريش ومشركي العرب، نعم؛ لأنهم أقروا به: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: 25].
كانت المعركة معه في توحيد الألوهية، في قضية العبادة كما هو معلوم؛ لأنهم استجرهم، واستزلهم الشيطان، وصرفوا أنواعًا من العبادة لغير الله، فعبدوا معه اللات والعزى، ومناة، وذبحوا لغير الله، وأشركوا معه، وإلى آخره، وطلبوا الحاجات من غير الله كما هو معلوم.
لكن إذا جئنا إلى كفار عصرنا المسألة معقدة أكثر؛ لأن عندنا هناك كفار عصرنا النقاش في توحيد الربوبية، في الإقرار أصلا بوجود الله، واستعمال النظريات، محاولة ملاحدة عصرنا استعمال النظرية الحديثة في إنكار وجود الله كما أنهم مثلاً يحاولون بنظريات رياضية، أو فيزيائية إنكار وجود الله، وقوانين التجاذب، والكونتم فيزيكس، الكونتم فيزيكس الفيزياء الكمية، وحصل أن ناقشت عددًا من البروفسور في الفيزياء الكمية، وهذا علم مهم في الحقيقة علم الفيزياء الكمية، علم مهم حتى في مناقشة الملاحدة، هذا العلم مع أنه علم دنيوي نشأ عندهم، لكنه لم يساعدهم في مسألة إثبات الإلحاد، انقلب عليهم، يعني ما استطاعوا به.

فالذي سيقول بالإلحاد سيقفز إلى شيء من العجيب. –مثلاً- أن الإلحاد المعاصر ما استطاع في النهاية أن يقول أن الكون هذا جاء من العدم؛ لأن الفيزياء هذه فيها أسئلة، فيها أطروحات لا تؤدي إلى المراد في النهاية، فصار قول الدهرية، يعني: كأنه عندهم في النهاية مثل الدهرية. ملاحدة قديمين أن الزمن هذا يدور مل 36,000 سنة يعود مرة ثانية؛  لأن هؤلاء المعاصرين ما استطاعوا أن يثبتوا أن هذا الكون جاء من العدم، وبالرغم من أنهم قالوا: كان عدم قبل أن يوجد! نقول: كيف وجدت؟ قالوا: بقوانين التجاذب، نقول: قوانين التجاذب كيف ستعمل في العدم؟ يعني: أنت عندما تقول عدم، معناه ليس هناك قوانين أصلاً، وليست هناك جاذبية أصلاً، وليست فيها مغناطيسية أصلاً، وليست هناك حركة ديناميكية، ولا، ولا، ليس هناك أي نوع من الطاقة، العدم ليس فيه طاقة، ولا جاذبية، ولا قواعد، ولا قوانين، ولا شيء، عدم، ففشلوا.
فلذلك رجعوا إلى مسألة الأزلية؛ أنه ليست هناك بداية وليست هناك نهاية، لكن حتى هذه انتقضت عليهم بالكونتم فيزيكس، بالفيزياء الكمية، انتقضت عليهم؛ لأن الفيزياء الكمية أثبتت أن هذا الكون سينتهي، يعني الأنشطة التي تحدث في الكون بحسب القوانين الفيزيائية، والرياضية، والطاقة، له نهاية، سينتهي و ستزول الأشياء التي فيه.
معنى ذلك أن نظرية الأزلية الدهرية لم تنفع، أننا نموت ونحيا: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24].
وهكذا كان هذا يقول به الملاحدة الأول، الآن لا ينفع؛ لأن النظريات الحديثة تقول: هذا الكون له نهاية، سينتهي، لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، لا يمكن، فوصلنا إلى الإلحاد، الآن وصل إلى طريق مسدود.
ولذلك انتهت إلى مسألة ادعاءت، وأشياء ينقض بعضها بعضًا، وهناك أناس يقولون: يوجد، لا ما يوجد إله، هناك أناس يقولون: يمكن يوجد، ويمكن لا يوجد، فقط ما عندنا شيء يؤكد أنه يوجد، أو أنه لا يوجد!.
يعني: انتهت إلى ضياع، لكن عندما تأتي إلى مسائل القرآن، في تقريره لقواعد الإيمان، هناك أشياء مهمة جداً، لماذا؟ لأنك تجد في الكتاب والسنة الإجابة الكبيرة على سؤال مهم جداً، كيف بدأ الخلق؟.

وأهل اليمن لما جاءوا وطرحوا هذا السؤال، جاءهم الجواب الإلهي من الوحي، كان الله ولم يكن شيء معه، هذا أول سؤال، وهذا مهم جداً في قواعد العقيدة حتى في النقاش مع الملاحدة وغيرهم، وحتى في أسئلة الصغار، أو حتى في الأسئلة التي تأتي عند البلوغ عند البلوغ هناك من المشاكل مع المراهقين والمراهقات، أن الشيطان يشتد على البالغ أول ما يبلغ، الآن بدأ تكليفه، وبدأت صفحة الأعمال، وبدأت كتابة الأعمال، فالشيطان يشتد على الشباب والشابات الصغار، ويأتي من خلقك؟ ومن خلقه؟ ومن خلق الله؟ وماذا كان من قبل؟ ومن أين جاء؟ وما الذي أتى به؟ سيطرح كل الأسئلة.
فعندما تأتي لقضية الإجابات التي في العقيدة، هذه مهمة، كان الله ولم يكن شيء معه.
وتأتي عندنا أهمية توحيد الأسماء والصفات في شرح الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، الأول فليس قبله شيء؛ لأنه لو كان قبله شيء، وكان هذا الشيء هو الأول، لن ننتهي وهذه نظرية باطلة، فلا بدّ من أول لا أول قبله، وهو الله ، والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء.
وهذا الشرع مكون من أخبار يجب الاعتقاد بها، وعبادة شعائر يجب القيام بها، وأحكام  يعني حلال، وحرام، وأمر، ونهي يجب الالتزام بها.
فإذًا ماذا يريد الله من العباد؟ هذه الأشياء إيمان بالأخبار، وقيام بالعبادات، والتزام بالأحكام، والحلال، والحرام في الشرع، فيلتزم به الإنسان،  فيأتي الحلال، ويترك، ويجتنب الحرام.
هذه الدورة عبارة عن عرض قواعد للتوحيد، والإيمان، ماذا نستفيد منها من النواحي التربوية، والنواحي الدعوية مع العرض الجوانب الدعوية والتربوية للعقيدة الصحيحة.
نسأل الله أن يحيينا مؤمنين، وأن يتوفانا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.