السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

مائة فائدة من سورة يوسف 1


عناصر المادة
مقدمة
الفوائد المستفادة من الآية (1 - 6) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (7  - 10) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (11  - 15) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (16 - 18) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (19 – 22) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (23 – 24) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (25 – 29) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (30 – 32) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (33 – 35) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (36) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (37 – 42) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (43 – 49) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (50 – 54) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (55 – 57) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (58 – 62) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (63 – 64) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (65 – 66) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (67 – 68) من سورة يوسف
الفوائد المستفادة من الآية (69 – 75) من سورة يوسف

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

مقدمة

00:00:14

فهناك عدة أسئلة عن أمور تتعلق بسورة يوسف.

وسنتحدث -إن شاء الله- في هذا الدرس عن بعض الفوائد المأخوذة من هذه السورة، والقصة العظيمة، وهذه السورة تحكي قصة نبي كريم من أنبياء الله ﷺ.

وفي هذه القصة: عبر كثيرة جداً، وفوائد ودروس للمؤمنين.

وفيها كذلك: أحكام استنبطها العلماء من هذه القصة التي أوحاها الله إلى نبيه ﷺ.

وتمتاز هذه القصة بجمال الأسلوب إذ ليس عند النصارى ولا عند اليهود في سورة يوسف مثل هذه التفاصيل أبدا.

وهذه القصة يذكر الله ﷺ فيها ما حصل لنبيه يوسف ، فلنأخذ بعض هذه الفوائد من هذه السورة.

الفوائد المستفادة من الآية (1 - 6) من سورة يوسف

00:01:20

 الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  [يوسف: 1 - 6].

قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ  [يوسف: 7] وذكر قبلها: أنه أرى نبيه يوسف وهو صغير رؤيا عجيبة.

ويؤخذ من هذه القصة:

أولاً: تعاهد الأب أبناءه بالتربية، وتقريبه من عنده استعداد للفهم والعلم والفقه، وخصه بمزيد من العناية؛ لأنه كلما كان الإقبال أكثر من الشخص ينبغي أن يكون العطاء له أكثر.

ثانياً: أن الرؤيا الصالحة من الله، وذلك لأن يوسف رأى رؤيا حق، وأمره أبوه ألا يقص الرؤيا على إخوته.

ثالثاً: أن كتم التحدث بالنعمة للمصلحة جائز، ولذلك قال: لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ  مع أن الرؤيا نعمة هنا، لكن قال:  لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا .

إذاً، لو كتم إنسان نعمة الله عليه لم يفشها لئلا يتضرر من الحسد فهذا لا بأس به.

وأما التحدث بالنعمة فإنه يكون عند أمن الحسد فيذكر الإنسان نعمة ربه عليه.

رابعاً: أن الشيطان يدخل بين الإخوة فيوغر صدور بعضهم على بعض كونهم أشقاء، فالشيطان يدخل بين الإخوة الأشقاء فيصيرهم أعداء، ويوغر صدور بعضهم على بعض.

خامساً: أن على الأب أن يعدل بين أولاده ما أمكن وأنه لو كان أحد الأولاد يستحق مزيد عناية فإن على الأب ألا يظهر ذلك قدر  الإمكان حتى لا يوغر صدور الآخرين.

سادساً: أن الله  يجتبي من يشاء من عباده ويصطفي، وهذا الاصطفاء من الله -عز وجل- نعمة فأنت مثلاً تأمل كيف أن الله اصطفاك فلم يجعلك جماداً، بل جعلك إنساناً، تأمل كيف اصطفاك الله فلم يجعلك كافراً، بل جعلك مسلماً، تأمل أن الله لم يجعلك من أهل الكبائر الفسقة المجرمين، أو من أهل البدعة، بل جعلك من أهل السنة.

وإذا لم تكن من أهل الكبائر، فتأمل اصطفاء الله لك بأن جعلك لست من هؤلاء أهل الكبائر، وجعلك من أهل الطاعة والاستقامة والدين.

وإذا كنت طالب علم فالله اصطفاك اصطفاءً آخر بأن جعلك صاحب علم.

وإذا كنت داعية فهذا اصطفاء آخر من الله بأن جعلك لست فقط من أصحاب العلم، بل ممن تدعو إلى هذا العلم وهكذا..

فإذاً، هي اصطفاءات من الله للعباد.

سابعاً: أن البيت الطيب يخرج منه الابن الطيب، انظر إلى قوله: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  [يوسف   وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  [يوسف: 6].

الفوائد المستفادة من الآية (7  - 10) من سورة يوسف

00:06:56

 لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [يوسف: 7 - 10].

ثامناً: أن الغيرة تدفع أصحابها للضرر والإيذاء، فإنهم لما غاروا من أخيهم سعوا في إيذائه.

تاسعاً: أن هذه الغيرة يمكن أن تؤدي إلى الكيد بالقتل، وليس إلى مجرد الإيذاء، فإن هذه القضية قد أوصلتهم إلى أن يسعوا في قتل أخيهم عندما قالوا:  اقْتُلُوا يُوسُفَ .

عاشراً: أن تبييت التوبة قبل الذنب توبة فاسدة، يعني لو واحد قال: نذنب ثم نتوب، أول ذنب ثم نستقيم، فلنذنب، هذه توبة فاسدة، لماذا؟

قال الله -تعالى-:  اقْتُلُوا يُوسُفَ  اعملوا الذنب، هذا الاتفاق  اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ  [يوسف: 9].

إذاً، هم قالوا: نذنب ثم نتوب وتمشي، هذه توبة فاسدة.

فإذاً، تبييت النية بعد الذنب قبل أن يحدث الذنب توبة فاسدة، وما أدراهم أنهم سيستقيموا على الدين والصلاح؟

فبعض الناس الشيطان يقول له: أنت الآن أذنب ثم تتوب وتمشي الأمور.

أنت الآن أذنب ثم تستقيم وتدين وخلاص، هو هذا الذنب وانتهينا.

فينتكس هذا المسكين ويذهب على وجه في المعاصي.

الفوائد المستفادة من الآية (11  - 15) من سورة يوسف

00:09:21

 قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ  [يوسف: 11 - 15].

الحادي عشر: أن الإنسان إذا ظن سوءاً بشخص فلا يصلح أن يلقنه حجة؛ لأنهم يستخدموه عليه، ولذلك يعقوب لما قال: وأخاف أن يأكله الذنب هو لقنهم حجة استعملوها بعد ذلك، قال حصل ما تكره وذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا وأكله الذئب.

فإذاً، لا ينبغي للإنسان إذا شك في شخص أن يذكر له كلاماً يمكن أن يستخدمه حجة له.

الثاني عشر: أن الله ثبت يوسف من بدء أمره، فإنه لما كان في البئر: أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون}.

لكن متى حصلت هذه التنبئة؟

بعد حين.

الفوائد المستفادة من الآية (16 - 18) من سورة يوسف

00:11:29

 وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ  [يوسف: 16 - 18].

الثالث عشر: أن المتظاهر بالأمر ينكشف أمره لأهل البصيرة ولو استخدم التمثيل، فإنهم جَاءُوا  أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ، هذه تمثيلية:  قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ .

الرابع عشر: مشروعية العمل بالقرائن، فإن يعقوب رأى قميصاً لم تعمل فيه أنياب الذئاب، قميص سليم مغموس بدم، فلو كان أكله الذئب، ما هذا الذئب الذي له ذوق كبير؟ يأتي للولد ويفسخ قميصه ثم يأكله، كيف أكله الذئب والقميص سليم، ما فيه تمزيق، مغموس بدم؟

الخامس عشر: مشروعية المسابقة.

المسابقة تكون على الخيل والسهام:  لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر  [رواه البخاري: ] يعني على الإبل، وعلى الخيل، وفي السهام، هذه الأمور التي تعين على الجهاد.

فكل شيء يعين على الجهاد تجوز المسابقة فيه بجعل، يعني بمقابل.

أما إذا كان ليس من الأمور المعينة على الجهاد ونشر الدين، فلا يجوز السبق به بجائزة.

فصار عندنا المسابقات ثلاثة أنواع: جائز بعوض، وجائز بغير عوض، ومحرم.

جائز بعوض؛ مثل مسابقة السهام، الرمي بالبندقية، على الخيل مسابقة، رمي بالطائرات بالدبابات، يعني بأي وسيلة للرمي؛ لأنه يعين على الجهاد يجوز أن تجعل فيه جوائز.

ابن تيمية -رحمه الله- أدخل فيه المسابقات المعينة على نشر الدين بالجامع المشترك مع الجهاد؛ لأن الجهاد لنشر الدين.

فأيضاً لو عملنا مسابقات تساعد على نشر الدين؛ مثل حفظ القرآن، حفظ السنة، حفظ العلم، فيجوز أن تكون بجعل، يعني بمقابل، بجائزة.

مسابقات النوع الثاني التي تكون بغير جعل؛ مثل مسابقة على الأقدام.

واختلفوا في الغطس، فقال بعضهم: يلحق بالنوع الأول؛ لأنه يعين على الجهاد.

فمسابقة الأقدام تجوز بغير جائزة، بغير مقابل، هذا مثال.

المسابقات المحرمة؛ مثل مناقرة الديكة، مناطحة الأكباش، مصارعة الثيران، هذه مسابقات لا تجوز لا بجائزة ولا بغير جائزة؛ لأن فيها تعذيب للحيوان.

ما حكم الملاكمة؟

لا تجوز؛ لأن فيها ضرباً على الوجه.

فيه مسابقات أخرى غير جائزة؛ لأن فيها كشف عورات مثلاً.

غير جائزة لأن فيها قمار مثلاً.

إذاً، هذه أنواع المسابقات في الشريعة.

إذا كانت تعين على الجهاد ونشر الدين تجوز بجوائز، بمقابل.

إذا كانت مسابقات مباحة؛ مثل الجري تجوز بغير جوائز.

إذا كانت خارجة عن إطار المباح فهي محرمة، وتقدمت أمثلته.

إذاً،  قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ  [يوسف: 17] مشروعية المسابقة.

السادس عشر: إنباء المشكوك في أمره بذلك لعله يتوب: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا  [يوسف: 18].

السابع عشر: الصبر الجميل.

ما هو وما الفرق بينه وبين الصبر العادي؟

الصبر الجميل، قال العلماء: الذي ليس فيه تشك ولا جزع.

 فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 83] يعني يصبر بدون تشكي ولا تسخط.

الفوائد المستفادة من الآية (19 – 22) من سورة يوسف

00:16:39

 وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ  [يوسف: 19 - 22].

الثامن عشر: البشارة بالأمر السار:  قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ .

وقد تكون البشارة بالأمر السيئ:  فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  [الإنشقاق: 24].

لكن أكثر ما تستعمل البشارة في الأمر الحسن.

ويجوز إعطاء مقابل لمن بشرك بالخير كما أن كعباً لما جاءه الذي بشره بتوبة الله عليه خلع له قميصه، فأعطاه إياه.

فمن السنة الذي يبشرك يقول: تراك نجحت! جاءك ولد!  كذا! أعطاك بشارة بأمر طيب! أنك تكافئه على البشارة بهدية، بأي شيء يطيب نفسه، لقاء ما أدخل السرور على نفسك بالبشارة تدخل السرور عليه.

فقول العامة: هات البشارة، له وجه.

التاسع عشر: أن الشراء يطلق على البيع، قال  وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ  [يوسف: 20] أيش يعني شروه بثمن؟ يعني باعوه، بثمن بخس.

فكلمة شراء في اللغة تطلق على: الشراء، وتطلق على: البيع أيضاً.

العشرون: أن بيع الحر وأكل ثمنه من الكبائر العظيمة، وهكذا فعل هؤلاء، باعوا حراً وأكلوا ثمنه.

الحادي والعشرون: منة الله على يوسف بأنه جعله يتربى في بيت عز، وليس أن يكون ذليلاً مهاناً، ولذلك قال عزيز مصر لامرأته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ [يوسف: 21].

الثاني والعشرون: أن الشاب إذا نشأ في طاعة الله فإن الله يؤتيه علماً وحكمة: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 22].

الفوائد المستفادة من الآية (23 – 24) من سورة يوسف

00:20:11

 وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ  [يوسف: 23 - 24].

الثالث والعشرون: خطورة الخلوة بالمرأة في البيت: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب}، فهذه الخلوة المحرمة تؤدي إلى المصائب العظيمة.

الرابع والعشرون: كيد المرأة بيوسف، فإنها استعانت عليه بإيقاعه في الحرام بأمور كثيرة:

أولا: راودته هي، لم يبدأ الشر منه وإنما بدأ منها، والمرأة إذا دعت الرجل إلى الحرام غير الرجل إذا دعا المرأة إلى الحرام؛ لأن المرأة إذا دعت الرجل إلى الحرام أسقطت الحواجز النفسية؛ لأن الرجل يخشى إذا دعا المرأة إلى الحرام أن ترفض أو فضيحة أو تستنجد بأهلها، ولذلك قال في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال)) لماذا؟ صار هذا الرجل عظيماً في ظل الله؟

لأن الحرام تيسر، صار سهلاً؛ لأنها هي التي دعته.

فما هي وسائل الجذب؟

أولاً: راودته.

ثانياً: هو بيتها، يعني هذا ليس غريباً يشك فيه إذا دخل البيت، هذا يدخل ولا يشك فيه، هُوَ فِي بَيْتِهَا .

ثالثاً: أنها غلقت الأبواب وغاب الرقيب، وهذا أدعى للوقوع في الحرام.

رابعاً: أنها شجعته على ذلك: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ  تعال.

خامساً: أنه كان شاباً، وداعي الزنا عند الشاب أكبر.

سادساً: أنها كانت سيدته لها عليه الأمر والنهي والطاعة.

سابعاً: أنه كان عبداً، وداعي الزنا عند العبد أكبر من الحر؛ لأن الحر يمكن يخشى الفضيحة أكثر من العبد، العبد يُنظر إليه من مستوى أدنى.

ثامناً: أن الرجل كان غريباً عن البلد، والغريب ممكن لا يخشى فضيحة مثل ابن البلد، ويوسف كان غريباً.

تاسعاً: أن المرأة كانت جميلة، وداعي الزنا للجميلة أكبر.

عاشراً: أن المرأة كانت ذات سلطان، فهي تدافع عن حبيبها هذا، فيكون دافع الزنا أكبر.

الحادي عشر: أن زوجها ما عنده غيرة، فهو بالرغم من علمه بما حصل إلا أنه أبقى الحبل على الغارب، ما أخرج يوسف ولا فصله عن زوجته، بل بقي الأمر كما هو عليه، فقط  يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ  [يوسف: 29]، ولملم الموضوع، وانتهى.

الثاني عشر: أنها استعانت عليه بكيد النسوة، زيادة.

الثالث عشر: أنها هددته بالسجن.

إذاً، صار هناك أسباب كثيرة جداً داعية إلى أنه يزني، ومع ذلك صمد فلم يزن، وبالتالي فإنه بلغ عند الله شأناً عظيماً.

الخامس والعشرون: أن الله -تعالى- يعين أولياءه في اللحظات العصبية بأمور تثبتهم: لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ  [يوسف: 24] فهو إذاً كاد لكن برهان من الله أراه إياه جعله ينصرف، فالله يعين وليه في اللحظات العصيبة.

ما هو هذا البرهان؟

قيل: رأى وجه أبيه يعقوب.

قيل: رأى كف يعقوب يمدها هكذا..

وقيل.. وقيل..

لكن ما عليها أدلة.

ولذلك يكفي أن نقول: إنه برهان من الله ليوسف  رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ صرفه عن هذا الحرام.

السادس والعشرون: أن الإنسان لولا معونة الله لا يثبت على الحق، لولا توفيق الله وتسديده لا يثبت على الحق: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24].

الفوائد المستفادة من الآية (25 – 29) من سورة يوسف

00:24:59

 وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ  [يوسف: 25 - 29].

السابع والعشرون: أن شهادة القريب على قريبه أقوى من شهادة البعيد على القريب: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا  قال ابن عباس: هو رجل كبير ذو لحية.

وهذا أصح مما قيل: إنه صغير، رضيع أنطقه الله.

أما قصة الرضيع فضعيفة، في الشاهد هذا.

والراجح: أنه رجل كبير ذو لحية.

وفيه العمل بالقرائن -كما تقدم- يعني إذا كان قميصه ممزق من الخلف معناها هي التي تطارده وهو يهرب، لو كان قميصه ممزق من الأمام هو يهجم عليها وهي تدافع عن  نفسها: فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ .

الثامن والعشرون: عظم كيد المرأة، قال الله -تعالى-: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ .

والذي يتأمل كيف أن المرأة هذه حاكت المؤامرة، وغلقت الأبواب، وهيت لك، واستعانت بكيد النسوة، و لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ  [يوسف: 32] يعني يرى فعلاً كيف المرأة إذا أرادت أن تكيد تكيد.

فهذا شيء خلقه الله واستعظمه:  إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف: 28].

التاسع والعشرون: عظم جمال يوسف الذي أخذ بالألباب، وقد قال عليه الصلاة والسلام:  إن يوسف أوتي شطر الحسن  نصف جمال العالم ليوسف .

الفوائد المستفادة من الآية (30 – 32) من سورة يوسف

00:28:09

 وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ  [يوسف: 30 - 32].

الثلاثون: سرعة سريان الشائعات بين النساء: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ  وكالة الأنباء، مجرد ما يطلع خبر بالذات مثل هذا إلا وهو في البلد منتشر: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ دارت الأخبار بسرعة  امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ  وهذا كيد النساء في بعض، تريد أن ترد الآن، فجمعتهن  وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ  هو طبعاً خادم في البيت، عبد مستعبد، يطيع، رغماً عنه  اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ خرج عليهن، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ  انشغلن بجماله عن السكاكين التي تعمل في الأيدي وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وسالت الدماء بدون إحساس.

وهذا يدل على شدة جمال يوسف لدرجة أن ألم تقطيع الأيدي ما عاد يشعرن به أمام رؤية يوسف .

الحادي والثلاثون: أن الملائكة يمتازون بجمال الخلقة، وأن هذا استقر عند الناس، ولذلك النسوة هؤلاء لما رأوا جمال يوسف  وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف: 31] فعند الناس مستقر أن الملك جميل الخلقة، والشيطان قبيح جداً.

قيل: إن الجاحظ كان جالساً، الجاحظ هذا من المعتزلة، معتزلي، مبتدع، هذا الجاحظ وإن كان ألف كتباً في الأدب وأديب بارع، لكن في العقيدة منحرف، كان جالساً، فجاءت امرأة مع صائغ، فقالت: مثل هذا وأشارت إلى الجاحظ، ثم انصرفت، فالجاحظ استغرب، فذهب تبعه حتى وصل إلى المحل، دكان الصائغ، قال: ما هذا؟ لماذا أتيتم؟ ولماذا قالت المرأة: مثل هذا؟ قال: هذه امرأة جاءتني، فقالت: اعمل لي حلياً عليه صورة الشيطان، فقلت لها: وما أدراني ما صورة الشيطان حتى أعملها لك؟ قالت: ورائي، فقادتني إليك فقالت: مثل هذا.

فاستقر في أذهان الناس: أن الشيطان شكله قبيح، وأن الملك شكله جميل.

والله قال عن جبريل:  ذُو مِرَّةٍ  [النجم: 6] جمال.

وقال عن شجرة الزقوم: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات: 65] في القبح.

الفوائد المستفادة من الآية (33 – 35) من سورة يوسف

00:32:27

 قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ  [يوسف: 33 - 35].

الثاني والثلاثون: أن المسلم إذا خير بين المعصية وبين الصبر على الشدة يصبر على الشدة، ويؤثر أن يطيع الله ولو رموه بسوء: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ .

واستعانة يوسف بالله على مواجهة كيد النسوة  وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ يعني إنسان ضعيف، يعني يوسف يقول هذا أنه بدون توفيق من الله ضعيف، ممكن المقاومة تنهار  وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ  فأي واحد يتعرض لحرام المفروض أنه يلجأ إلى الله بالدعاء أن الله يخلصه من هذا، وأنه يصرف عنه الشر، ويصرف عنه الفحشاء.

الثالث والثلاثون: استجابة الله لأوليائه ولدعاء المخلصين: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ  يسمع دعاء عبده  الْعَلِيمُ  بحال هذا العبد الذي يدعوه.

الفوائد المستفادة من الآية (36) من سورة يوسف

00:34:22

 وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ  [يوسف: 36].

الرابع والثلاثون: أن سيما الصالحين تعرف في وجوههم، اثنان في السجن معهم يوسف، لماذا لجآ إليه؟

هل هما يعرفان يوسف من قبل أنه صاحب علم؟

لا.

هل هما يعرفان يوسف من قبل أنه يعبر أحلاماً؟

لا.

فلماذا لجآ إليه  إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ  [يوسف: 36] يعني عليك سيما الصلاح، وعلامات الصالحين.

فإذاً، أهل الصلاح يظهر عليهم، والناس يحبونهم وينجذبون إليهم، ولذلك قالا: إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ هؤلاء اثنين من الكفار: ساقي الملك، وخباز الملك، هؤلاء اثنين من الكفار، والملك كافر، والبلد كافرة، يوسف هو الموحد الآن الموجود، لجآ إليه: إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ حالتك وسيرتك وهيئتك وأفعالك أنت شخص من المحسنين، كما يقول العامة: "من أهل الله".

الفوائد المستفادة من الآية (37 – 42) من سورة يوسف

00:36:07

 قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ   [يوسف: 37 - 42].

الخامس والثلاثون: أن الداعية إذا أراد أن يلقن ناساً الحق فإنه يجعلهم يثقون به، ويطمئنهم بأنهم قد وقعوا على مليء، يعني كما قالوا: "على الخبير سقطت" إذا جاء واحد سأل: "على الخبير سقطت" يعني أن الآن من تسأله مليء ليجيب:  قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ  قبل الجواب أول شيء: مسألة كسب الثقة، في الدعوة يحتاج الداعية إلى كسب ثقة المدعو ، كسب ثقة المدعو قضية مهمة، بعض المدعوين قد يلجأ إلى داعية، فلازم يكون الداعية مليء، عنده ما يعطيه، يثق به المدعو: قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي  [يوسف: 37 - 38].

وبدأ بقضية الدعوة للتوحيد، وهي الفائدة السادسة والثلاثون: أن الداعية أول ما يبدأ بالدعوة للتوحيد.

أرسل معاذاً إلى اليمن قال:  أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله .

وهنا يوسف أول شيء بدأ قال: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ  [يوسف: 38] وقال قبلها: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [يوسف: 37] ثم بدأ، يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: 39] مع أنهما سألاه عن رؤيا، وينتظران الجواب عن رؤيا، لكن ما كان ليجيب عن الرؤيا قبل أن يعلمهما ما هو أهم.

ولذلك النبي ﷺ لما جاءه أعرابي قال: متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟  يعني ما هو الأهم الآن معرفة وقت الساعة وإلا الاستعداد لها؟ فصرف السائل عن الأقل أهمية إلى الشيء الأكبر أهمية، فالأعرابي قال: متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟  فصرفه إلى الشيء المطلوب.

هذان سألا عن رؤيا، قبل الرؤيا قال: أنت الآن في شرك وفي كفر، وأدلك على التوحيد: أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، وهكذا..

الفائدة السابعة والثلاثون: أن تعبير الرؤيا فتوى:  قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ  [يوسف: 41].

ولذلك قال العلماء: لا يجوز لمن لا يعرف في تعبير الرؤى أن يتكلم فيها؛ لأنها فتيا، مثل ما واحد يفتي في الحلال والحرام كذلك تعبير الرؤى.

فبعض الناس يقول: أنت قص علي رؤيا وأنا أجرب؟ أيش أجرب إما عندك علم وإلا ما في شيء اسمه أجرب؟  قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ .

وذكر الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: أن الكلام في الرؤى مثل الفتوى، وبغير علم يأثم عليه مثل الفتوى بغير علم.

الفائدة الثامنة والثلاثون: جواز اتخاذ الأسباب الجائزة للنجاة، هذا قال: اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ  [يوسف: 42] حتى إذا خرج ذكر القصة للملك، الملك يمكن يجري تحقيقاً في الموضوع يخرج بسببه يوسف من السجن بريئاً، لكن الشيطان يسعى للكيد بأولياء الله فأنسى الرجل هذا القصة بعدما طلع من السجن، ويمكن فرح أن صاحبه قتل وهو نجا فأنسته الفرحة القصة القديمة. {وادكر بعد أمة}، {واذتكر بعد أمة} اذتكر أصلا {ادكر} الذال والتاء {اذتكر} متقاربتان، فالتاء ثقيلة بعد الذال، فقلبت دالاً، فصارت {اذدكر}، ما زالت الذل والدال ثقيلتان متتاليتان فادغمت الذال والدال فصارت دالاً مشددة، التشديد دليل على وجود إدغام، أن هناك حرف دخل في حرف {ادكر}

فإذاً، أصل الفعل: {إذتكر} على وزن افتعل.

الفوائد المستفادة من الآية (43 – 49) من سورة يوسف

00:43:12

 وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ   [يوسف: 43 - 49].

الفائدة التاسعة والثلاثون: أن الرؤيا الصحيحة الحق ممكن يراها الكافر، لكن نادراً، الكافر ممكن يرى رؤيا صحيحة؛ لأن الملك هذا الذي رأى سبع بقرات سمان وسبع سنبلات، هذه رؤيا حق، وتعبيرها فعلاً حصل، ودلت على أن هناك سبع سنوات خصب، ثم سبع سنوات عجاف، ثم سنة، ثم يأتي الفرج.

فممكن الشخص الكافر يرى رؤيا صحيحة، لكن نادراً، إنما أكثر من يرى الرؤى الحق الصحيحة المؤمنون.

الفائدة الأربعون: أن الشخص الذي ذهب ليوسف علمه يوسف من غير مقابل، يعني يوسف ما قال: أخرجوني ثم أخبركم تأويل الرؤيا، فما بذل يوسف العلم بمقابل، بذله بلا مقابل، مباشرة هو لما قال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فتوى  فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ  [يوسف: 46 - 47] مباشرة.

الفائدة الواحدة والأربعون: أن في هذه الآية من أصول الاقتصاد وحفظ المال ما فيه، لماذا؟

لأنه قال: فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ [يوسف: 47]، وإذا فرط الحب معرض للتلف أكثر من إذا بقي في السنبل، ولذلك قال:  فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ ؛ لأنه أحفظ.

 إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ  [يوسف: 47] إذاً، لا بد من الاحتياط، والأخذ من أيام الرخاء لأيام الشدة.

فالآن تأكلون قليلاً منه والباقي يخزن.

 ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ  [يوسف: 48] هذه أصول الاقتصاد.

كيف يتم الاقتصاد؟ تخطيط للمستقبل، كيف النبوة فيها تخطيط للمستقبل، ومواجهات الحالات الطارئة؟ كيف السبع السنوات العجاف تأخذ مثلاً من السبع السنوات التي قبلها؟ كيف قضية التخزين؟ وكيف قضية تقسيط الأشياء على كل نصيب؟ كل سنة لها نصيب، بحيث أن ترحيل الأشياء من سنة إلى سنة لكي تحصل سد الحاجة.

الثانية والأربعون: كيف عرف يوسف أنه سيأتي عام رقم خمسة عشر رخاء، يعني قال: سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف سبع سنبلات خضر وأخر يابسات.

فسرها يوسف سبع سنوات رخاء، ثم سبع سنوات شدة، من أين أتى يوسف أنه سيأتي بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون؟

يعني عام خمسة عشر، رقم خمسة عشر، هذا رخاء، فيه مطر والناس يعصرون الزيتون، ويستخرجون الزيت، والسمسم، وإلى آخره، {يعصرون} يعني من الرخاء، يغاث الناس بالمطر.

قيل: إن هذا مما فهمه الله ليوسف وعلمه إياه؛ لأنه لو كان عام رقم خمسة عشر عام جدب وقحط كان ما صارت سبع بقرات هزيلة، وسبع سنبلات يابسة، كان صارت ثمان سنبلات يابسة، وثمان بقرات هزيلة، فلما رأى سبعة ثم سبعة، معناها أكيد الذي بعدها ليس جدب، وإلا صارت ثمانية، فهذا من دقائق الفهم على أية حال: ومما علمه الله ليوسف .

الفوائد المستفادة من الآية (50 – 54) من سورة يوسف

00:49:48

 وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [يوسف: 50 - 54].

الفائدة الثالثة والأربعون: أن الداعية إلى الله لا يخرج إلا بعد تبرئة ساحته ليخرج إلى المجتمع نظيفاً، يعني الآن سمعة يوسف بين الناس ملطخة بالشائعات بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ  [يوسف: 35]، وأشاعوا عليه التهم الباطلة، وقالوا: إنه راود امرأة العزيز، وكذبوا عليه، فلا بد أولاً أن تثبت تبرئة يوسف أمام الناس.

لا بد من تنظيف السجلات الماضية، وإعادة الأمر ناصعاً، وإحقاق الحق.

ولذلك لما جاء الملك أعجب بالتفسير جداً، -طبعاً- هذه فيها مكانة له، يعني أنه الآن بسبب رؤياه فستكون هناك سياسة لإنقاذ الشعب، فلا شك أنه سر بهذا، فأراد مكافأة يوسف، فلما قال الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ما خرج يوسف مباشرة.

والنبي ﷺ تواضع جداً لما قال: يرحم الله أخي يوسف لو  يعني لو أني مكانه لأجبت الداعي  أول ما يقول: تعال الملك يريدك، أخرج معهم بسرعة، فالنبي ﷺ تواضعاً منه قال هذا.

فيوسف عنده نظرة بعيدة، ليس المهم الآن يطلع من السجن فقط، المهم إصلاح الأخطاء الماضية، واحد مفترى عليه لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها، ويصحح الخطأ، ويثبت أنه برئ أمام الناس، وأنه مظلوم، كل هذه السنوات وهو في السجن مظلوم.

فقال:  ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ  [يوسف: 51].

هذه العلامة المشهورة للقصة: أن نساءً قطعن أيديهن في مجلس، اشتهرت، قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ  [يوسف: 51]، واعترفت امرأة العزيز.

وبالتالي ثبتت براءة يوسف أمام كل الناس.

ولذلك لما الملك طلبه مرة ثانية ازداد نفاسة عند الملك، ازداد منزلة، في المرة الأولى:  ائْتُونِي بِهِ المرة الثانية قال الملك: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي  تأمل في الفائدة، لو خرج أول مرة، خذ لك مائة ألف ومع السلامة، أنت فسرت الرؤيا خذ، الآن المسألة ما هو فقط مكافأة ومع السلامة، الآن أستخلصه لنفسي، الآن سيكون مقرباً عنده، محظياً، طلباته ملبية، من المقربين: فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ  [يوسف: 54].

الفوائد المستفادة من الآية (55 – 57) من سورة يوسف

00:54:38

 قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يوسف: 55 - 57].

الفائدة الرابعة والأربعون: جواز طلب المنصب إذا كان الشخص أحسن واحد فيه، وأقدر شخص على القيام به، دون أن يضر بنفسه: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ، وبين قدراته للملك: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ، فجواز أن يذكر الإنسان قدراته ويطلب المنصب لمصلحة المجتمع وليس لمصلحته الشخصية.

هو يوسف الآن طلب المنصب لمصلحته الشخصية؟

لا.

لأجل أن ينفع البلد كلها، ثم ما هو فقط ينفع البلد، يستثمر المنصب في الدعوة إلى الله.

إذاً، ليس طلب المنصب لشيء شخصي، وإنما لمنفعة دينية، ولمنفعة عامة وليست خاصة بصاحب المنصب، وإنما لينفع الناس.

كذلك لا يوجد واحد أقدر من يوسف على مسك المنصب هذا، فيجوز للأقدر أن يتقدم إذا كانت نيته نفع المسلمين.

الفائدة الخامسة والأربعون: أن الله يمكن للصالحين في الأرض إذا حسنت نياتهم، قال الله -تعالى-: وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ  [يوسف: 56 - 57].

إذاً، لما سئل الشافعي: أيهما أفضل، تأمل كلمة الشافعي، كلمة فيها فقه عميق جداً.

قيل للشافعي: أيهما أفضل أن يبتلى أم يمكن؟ أيهما أفضل للشخص أن يبتلى أو يمكن؟

السؤال: ما الأفضل للمسلم أنه يبتلى ويصبر على الابتلاء وعلى الأذى وعلى الاضطهاد وكذا، ويؤجر عليه، أو الأفضل أن يمكن حتى يستفيد من التمكين في نشر الدين ونشر الدعوة؟

قال هذه العبارة العظيمة: لا يمكن حتى يبتلى.

الشافعي قال: لا يمكن حتى يبتلى.

ما في تمكين كذا يأتي من الهواء.

والنبي ﷺ ما مكن في المدينة حتى ابتلي في مكة.

وكذلك الصحابة.

ويوسف مثال، متى مكن؟

بعدما ابتلي بالجب وبالسجن وبالذل والعبودية.

أولاً: ألقي في الجب وصبر على كيد إخوته.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند

 ظلمه أقرب الناس إليه إخوته ألقوه في الجب وكاد يموت ويهلك.

ثم سرق وبيع عبداً، وعانى ذل العبودية، واشتغل خادماً، ودخل السجن، ثم لما صبر على كل هذه جاء التمكين، فما جاء التمكين ليوسف مباشرة.

قال الشافعي: "لا يمكن حتى يبتلى".

فهذه الفائدة السادسة والأربعون: أنه لا تمكين دون ابتلاء، أول شيء يحدث الابتلاء ثم يحدث التمكين، ترتيب، هذه سنة الله يعني في الدعوات أنها لا بد أول تدخل في مرحلة الابتداء ثم تصل إلى التمكين.

وهكذا حصل لأولياء الله وللأنبياء.

الأنبياء كافحوا، موسى تغلب على فرعون بعد ابتلاءات كثيرة:  قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ  [الأعراف: 129]، وهذا ما حصل بعد ذلك:  وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا  [الأعراف: 137] لكن بعد الابتلاء.

والنبي ﷺ كم أوذي، وحصار، وجوع، واضطهاد، وتعذيب، وقتل أصحابه، وكان الصحابي يضرب حتى لا يستطيع أن يستوي قاعداً من الضرب، ويقال له: "هذا الجعل إلهك؟ فيقول: نعم" من التعذيب، وهكذا حتى أن الله مكنهم.

الفائدة السابعة والأربعون: أن الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.

وهذا الصبر درجات.

فالصبر على طاعة الله وعن معصية الله أعلى درجة من الصبر على أقدار الله المؤلمة، لماذا؟

لأن الصبر على أقدار الله المؤلمة ما لك فيه حيلة إلا الصبر، ماذا تفعل غير الصبر، لا يمكن، شيء مقدور وقع وانتهى، ما لك الآن فيه إلا الصبر.

أما الواجب والمحرم فأنت عندك خيار في فعل الواجب أو عدم فعل الواجب، في ارتكاب المحرم وعدم ارتكاب المحرم،  فتكون مراغمة النفس فيه أقوى، مجاهدة النفس فيه أقوى.

أما المقدور ما لك فيه إلا حبس النفس عن التشكي  والسخط والنياحة، ونحو ذلك.

لكن فعل الواجب، وترك المحرم، الصبر على فعل الواجب، الصبر على صلاة الفجر، هذا مثلاً واجب، الصبر عليه كما أن الصبر عن المحرم كالزنا والامتناع عن الزنا أكمل أجراً وأكمل منزلة من الصبر على أقدار الله المؤلمة.

ولو سألنا سؤالاً: أيهما أكمل صبر يوسف على السجن وإلقاء إخوته له في الجب أو صبره عن الزنا بامرأة العزيز ؟

بناءً على ما تقدم يكون الصبر عن الزنا أكمل وأكثر أجراً وفضلاً من الصبر على الوقوع في الجب، والصبر على السجن، فاجتمع ليوسف ثلاثة أنواع الصبر كلها، فإنه صبر على طاعة الله، ولا يزال على صلته بربه، وحتى لما تسلم المنصب صبر على طاعة الله ولم يطغه منصبه، فهو يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، تولى فعدل، وحكم فكان من المقسطين.

ما هو الفرق بين القاسط والمقسط؟

القاسط هو الظالم، قال الله -تعالى-: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا  [الجن: 15].

لكن  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  [الممتحنة: 8].

 إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن  من هم؟ قال  الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا ، فإذا تولوا ولاية عدلوا فيها، الذين يعدلون في أهليهم وبين أولادهم وبين زوجاتهم يعدلون، وإذا تولوا ولاية عدلوا، فيها فيوسف تولى الولاية وصبر، وأمره الله بما أمر به فصبر، وحصلت له فرصة للوقوع في المحرمات فصبر ولم يقع فيها، وتعرض للإيذاء والاضطهاد والأشياء المؤلمة فصبر، فكان يوسف -عليه السلام- قد اكتمل له الصبر من جميع الجهات.

الفوائد المستفادة من الآية (58 – 62) من سورة يوسف

01:04:01

 وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ * فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  [يوسف: 58 - 62].

الفائدة الثامنة والأربعون: في قول الله : وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ لو قال قائل: كيف عرفهم ولم يعرفوه؟

فالجواب: أنه فارقهم وهو صغير وهم كبار، فالصغير يتغير عليك إذا رأيته بعد عشر سنين، لكن أنت لا تتغير عليه كثيراً إذا كنت كبيراً، فلو مثلاً واحد عمره ثلاثون رأيته وعمره أربعون لا يتغير عليك كثيراً، لكن إذا رأيته وعمره عشرة وبعد ذلك رأيته وعمره عشرون تغيير عليك كثيراً، مع أن العشر سنوات هي هي.

فإذاً، من أسباب أنه عرفه ولم يعرفوه: أنه فارقهم وهو صغير وهم كبار، فلما رآهم بعد هذه المدة؛ عد الآن، كم جلس في قصر العزيز؟ وكم جلس في السجن؟ وكم جلس وزيراً حتى جاؤوا إليه بعد سبع سنوات سمان لما بدأت العجاف جاؤوا يطلبون المدد؟

إذاً، أقل شيء إحدى وعشرون سنة تقريباً، لبث في السجن بضع سنين، وهذه عندك سبع سنوات سمان انقضت، حتى يأتوا ويطلبوا المدد بعدما صاروا في السنوات العجاف، غير المدة التي قضاها بعد الجب وشروه بثمن بخس، وفي قصر العزيز مدة، فهي قرابة إحدى وعشرين سنة، تغير يوسف عليهم كثيراً.

ثم هم عددهم معروف، وإذا كان بعضهم تغير فبعضهم لم يتغير كثيراً، فلما رأى العدد وهم لم يتغيروا كثيرا عليه، ولا شك أنه صاحب فراسة أكثر منهم.

وهو يتوقع أن يأتوا، لكن هم لا يتوقعون إطلاقاً أن الذي رموه في الجب هو الآن وزيراً، ما توقعوا إطلاقاً أن هذا الذي رموه في الجب هو الآن وزيرا أمامهم.

هذه العوامل مجتمعة من أسباب أنه عرفهم وهم له منكرون.

الفائدة التاسعة والأربعون: ذكاء يوسف عندما:  قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ  لما جهزهم بجهازهم وأعطاهم ما طلبوا من الميرة، وما يحتاجه المسافر:  قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ .

وقيل: إن هذا حصل بأنه استدرجهم ليقصوا عليه قصتهم، يعني قال: من أين أنتم؟ وما أنتم؟ ومن أهلكم؟ ومن أبوكم؟ كم عدد الأولاد؟ كم عدد أفراد الأسرة؟

هذا الشيء وارد جداً أن يسأل وزير التموين أو الشخص المكلف بتوزيع الحصص أو الميرة في السنوات العجاف أن يسأل عن عدد أفراد الأسرة، لكي يعطيهم على حسب العدد، فكونه يسألهم لا يشكون فيه، فلما قالوا: باقي واحد في البيت، قالوا: نحن عددنا كذا، وفيه واحد مفقود، وواحد في البيت.

فقال: حتى أصدقكم هاتوا هذا الذي تقولون أنه باق في المرة القادمة؟ هاتوه حتى تكونوا صادقين في الادعاء، وإلا لا أعطيكم شيئا أبداً.

فأوجد عندهم الحافز أن يأتوا بأخيهم؛ لأنه اشتاق إليه ويريد أن يراه.

وعلى أية حال: يوسف مؤيد بالوحي، فما يفعله من الأمور في عدد منها يحتمل أنه وحي من عند الله أوحى به إليه.

الفائدة الخمسون : إكرام الضيف، وتزويد المسافر بما يحتاج: أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ، وأنه ينبغي على المسلم أن تكون هذه عادته المستمرة، يعني أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ  لكم ولغيركم،  وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ  لكم ولغيركم، فهذا ينبغي أن يكون من عادات المسلم.

الفائدة الحادية والخمسون : جواز اتخاذ الحيلة المباحة للتوصل إلى المقصود المباح، فإنه قال لفتيانه:  اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ  يعني الأوعية التي جعلوا فيها الطعام، والبضاعة التي وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام اجعلوها في رحالهم، وأعيدوا فيها حتى إذا انقلبوا إلى أهلهم وفكوا المتاع عرفوا ذلك، وأنهم أخذوا منا الطعام بلا ثمن، فيحملهم ذلك زيادة على العودة.

الآن يوسف كان الذي عنده ما يقايض به، يأخذ ويعطي، فجاؤوا معهم أشياء ويريدون طعاماً، لما أخذ الأشياء قال لفتيانه: أرجعوها مرة أخرى، واجعلوا البضاعة التي جاؤوا بها للمقايضة بالقمح، اجعلوها في رحالهم، فهم الآن إذا اكتشفوا هذا سيقولون إذا رجعوا الآن هم فتيان يوسف سيشدون الأحزمة عليها، وهؤلاء لا يشعرون، إذا رجعوا إلى بلادهم ونزلوا المتاع، وفتحوا ما عندهم سيقولون: نسوا أن يأخذوا منا الثمن، الآن لا بد نرجع ونعيد الثمن لهم.

فهذا سبب إضافي للرجوع، يوسف يريدهم أن يرجعوا بأخيهم، فقال:  فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي .

وجعل هذه البضاعة مرة أخرى:  فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .

فتوصل بالحيلة المباحة إلى المقصود المباح؛ لأن بعض الناس قد يكون عنده قصد مباح لكن يتخذ إليه وسيلة محرمة، مثلاً قد يقول: أنا أريد أن آتي بزوجتي.

يقول: لكن لا بد لي من شهادة زور مثلاً، فهو عنده قصد مباح أنه يريد أن يأتي بزوجته، فيكذب أو يزور لأجل هذا وهذا لا يجوز، لا بد أن يكون القصد مباحاً، والوسيلة مباحة.

وأخبث الناس الذي يكون قصده حرام والوسيلة محرمة؛ كمن يتوصل مثلاً إلى الزنا بالتعارف المشبوه، أو الكلام مع النساء الأجنبيات، ونحو ذلك، فالوسيلة حرام، والقصد حرام.

وبعض الناس قد يقول: أنا أريد أن أتحدث مع النساء لأتوصل إلى زوجة، فهذا قد يكون قصده الزواج لكن الوسيلة حرام، وإبليس يغويه، وفي النهاية يجعل قصده حراماً، والوسيلة حرام.

فلا بد إذاً، أن يكون المقصود حلالاً، والسبيل إليه حلالاً.

الفوائد المستفادة من الآية (63 – 64) من سورة يوسف

01:12:57

 فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  [يوسف: 63 - 64].

الفائدة الثانية والخمسون : أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فإنهم لما رجعوا إلى أبيهم وقالوا: أَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ ، فالمؤمن كيس فطن، ولذلك يعتبر بما أصابه في الماضي، ويمتنع عليه أن يحصل له مثلما حصل له بفطنته وذكائه، وليس أن يكون مغفلاً.

الفائدة الثالثة والخمسون: أن التوكل على الله هو السبب في دفع المكروهات، فإن يعقوب لم يقل: لن أرسله معكم فقط، لا، قال: أنا أصلاً معتمد على الله: فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فتوكل يعقوب على الله .

الفوائد المستفادة من الآية (65 – 66) من سورة يوسف

01:14:46

 وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [يوسف: 65 - 66].

الفائدة الرابعة والخمسون: أن الإكرام إكرام الناس وسيلة إلى جذبهم.

قال الشاعر :

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فلطالما استعبد الإنسان إحساناً

 لكن هذا البيت ألفاظه فيها أمور خطيرة؛ لأنه قال: تستعبد قلوبهم، ونحن المفترض أن تكون العبودية لله، فالإنسان يستميل القلب بالمعروف، نعم، لكن لا يستعبد لأن العبودية هذه لله، فلا يجوز للإنسان أن يستعبد غيره لا بالإحسان ولا بغيره.

إذاً، الإحسان يستميل قلوب الناس.

ولذلك  قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا  يعني ما نريد هذا رجل أكرمنا جداً، أكرمنا لما قدمنا عليه، وهذه البضاعة ردت إلينا، فأرسل معنا أخانا.

الفائدة الخامسة والخمسون: أن الإنسان إذا رأى أنه محتاج لفعل أمر لكن فيه نسبة مخاطرة مع شخص آخر فهو يرى أنه محتاج أن يفعل شيئاً مع شخص آخر، لكن في جزء من عدم الثقة، فإن أخذ الموثق من الله، وأنه يقول له: عاهدني بالله العظيم أن تفعل كذا، أو لا تفعل كذا، أن ذلك مما يقلل نسبة المخاطرة، ولذلك يعقوب قال: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ الموثق الميثاق مثل أن يعاهدوه بالله، يحلفوا له بالله العظيم أنكم تردون أخاكم وترجعونه: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ .

الفائدة السادسة والخمسون: أن الإنسان إذا غلب على أمره فهو معذور، إذا غلب على أمره وما عاد له حيلة فهو معذور، وهذا من فقه يعقوب لما قال: إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ  يعني هو صح يطلب منهم أن يردوا أخاهم، لكن فيما يقدرون عليه، أما إذا غلبوا ولا يستطيعون أبداً فهم معذورون: إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ،  لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا  [البقرة: 286].

الفائدة السابعة والخمسون: إعلان التوكل على الله بعد إبرام العقود مما يزيدها بركة وخيراً، وتذكيراً للطرفين بما تعاقدا عليه، فماذا قال يعقوب؟

 فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ، توكلنا على الله.

وماذا قال موسى للرجل الصالح لما قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ  [القصص: 27 - 28].

فأبرم العقد، وقال: الله على ما نقول وكيل.

وهنا آتوه موثقهم قال: الله على ما نقول وكيل.

وهذه كلمتان من نبيين في العقود.

إذاً، الإنسان إذا أراد أن يبرم عقداً، أمر فيه حيوية وخطورة فإنه يبين التوكل على الله ليكون هذا واضحاً بين الطرفين، هذه عبارة أنبياء في الحقيقة، عبارة أنبياء ينبغي أن يقتدى بهم فيها، إذا أبرمت شيئاً مع واحد قل في نهاية إبرام العقد والاتفاق: الله على ما نقول وكيل، فكأنك تشهد الله على ذلك، وأنت يا أيها الطرف الآخر ترى الله ما نقول وكيل، انتبه، فكل منهم يعظ نفسه بالله، وأن الله رقيب مطلع، يشهد على هذا العقد وعلى هذا الاتفاق، وعلى هذا الموثق، والميثاق الغليظ.

الفوائد المستفادة من الآية (67 – 68) من سورة يوسف

01:20:06

 وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ  [يوسف: 67 - 68].

الفائدة الثامنة والخمسون: أن أخذ الأسباب للوقاية من العين أمر مشروع، بدون وسوسة فإن يعقوب قال لأولاده: لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ، فأولاد يعقوب كان فيهم جمال، وهم عدد، وذكور.

وإذا صار الواحد عنده ذكور وعدد وفيهم جمال؛ هذه مجلبة للعين، ولذلك يكون عدم ظهورهم كلهم معاً في مكان واحد أحسن.

الفائدة التاسعة والخمسون: أن الإنسان المسلم عليه أن يدفع الريبة عن نفسه، يعني إذا كان تصرف معين يمكن أن يجعل الناس يرتابون فيك فلا تفعله، تلافى هذا، فالبلاد من زمان كان لها سور، البلد لها سور، والسور له باب، يدخل البلد ناس يخرجون ناس، والأبواب تغلق، فيها وقت معين تغلق الأبواب، يعني لو جاءت قافلة تنام عند الباب إلى اليوم الثاني الصبح، ما كانت مثل الآن البلاد شوارع وطرق مفتحة يأتونها بالجو وبالأرض، لا، لها سور ولها باب، وأيضاً السور هذا يفيد في صد الاعتداءات وفي الحروب، ولذلك كانوا يحتاجون إلى نقب الأسوار عند الإغارة على المدن والبلاد.

الآن دخول هذا العدد، أحد عشر شخصاً، من باب واحد، مرة واحدة، دفعة واحدة، ممكن يثير الريبة: أن هؤلاء يريدون شراً، يريدون أمراً، عصابة، ولذلك قال: لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ، فليس فقط لأجل قضية العين هذه، وإنما لأجل ألا يثيروا الريبة فيهم، ألا يظن بهم ظن سوء، أنهم لصوص، أن عندهم اتفاق معين، لأمر معين خطير.

ولذلك ينبغي على المسلم إذا كان بإمكانه أن يدفع الريبة عن نفسه أن يفعل ذلك، ولا يتصرف تصرفاً يثير الشبهة فيه.

الفائدة الستون: أن اتخاذ الأسباب لا يمنع من وقوع قدر الله، فإن قدر الله إن كان سيقع سيقع، لكن العقل والشرع يقتضيان الأخذ بالأسباب.

لكن لا بد يعرف الذي يتخذ السبب: أن السبب لن يحول بينه وبين وقوع القدر إذا كان الله قد قضى من قبل أن القدر سيقع، ولذلك قال يعقوب من فقهه:  وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ ،  وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ هو ما هي المسألة أن هذا الكلام الذي قاله لهم سيمنع وقوع المكروه بهم، ممكن يقع بهم المكروه، ما هي النسبة الأكثر أن يقع بك المكروه إذا اتخذت الأسباب لمنعه، أو إذا ما اتخذت الأسباب لمنعه؟ أي النسبتين أكثر؟

إذا ما اتخذت الأسباب أن المكروه سيقع بك بنسبة أكبر.

ولذلك فإن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، لكن السبب لا يمنع بالضرورة قدر الله إذا كان الله قد قضاه، قيل لابن عباس لما تكلم مرة في القضاء والقدر قيل له: هذا الهدهد يرى الماء في باطن الأرض، يعني الله جعل في الهدهد خاصية قدرة غريبة أنه يمكن أن يرى الماء في باطن الأرض؟ فقيل: إن سليمان كان يستعين به في الأسفار ليعرف له مكان المياه لنزول جيشه، ونحو ذلك.

فالهدهد يرى الماء في باطن الأرض، فيقول واحد لابن عباس: هذا الهدهد يرى الماء في باطن الأرض، فما بال الطفل يصيده؟ فكيف عنده قدرة غريبة ثم يقع في شرك ولد صغير؟

قال: "لا يغني حذر من قدر".

إذاً، اتخاذ الأسباب الشرعية مطلوب، لكن لازم تعتقد أن السبب لا يمنع القضاء إذا أراد الله أن ينزله.

الفوائد المستفادة من الآية (69 – 75) من سورة يوسف

01:26:47

 وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ  [يوسف: 69 - 75].

الفائدة الحادية والستون: إكرام الأخ أخاه، فإن يوسف -عليه السلام- آوى إليه أخاه، قيل: نزل كل اثنين في  غرفة، وبما أن عددهم فردي باقي واحد وهو أخوه الصغير فأواه إليه، وقال: إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ  تأكيد، فعرفه بنفسه، وأكيد أن هذا الصغير يعرف أن له أخ اسمه يوسف، ربما كان أيضاً يعرف القصة: قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ .

ولعله طلب منه أن يخفي أمره.

الشاهد: أنه آواه إليه وأكرمه، وكيف لا يكون الإكرام وقد فرقت السنون بينهما في هذه المدة الطويلة؟

الفائدة الثانية والستون: أن يوسف أراد أن يأخذ أخاه بالحيلة الشرعية، ولا يريد أن يأخذ أخاه على حسب دين الملك الجاهلي، وإنما يريد أن يأخذ أخاه على حسب شريعة يعقوب.

في شريعة يعقوب كان السارق يؤخذ عبداً عند المسروق منه، لو واحد سرق شيئاً من واحد، هذا السارق يكون عبداً عند المسروق منه، أراد يوسف بحيلة أن يتوصل لأخذ أخيه، فماذا فعل؟