الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

16- قصة أصحاب الكهف


عناصر المادة
الإلتجاء إلى الله
الفرار بالدين
عناية الله بهم في الكهف
خروجهم من الكهف
حكم بناء المساجد على القبور
الحكمة من العثور عليهم
عدد أهل الكهف
الفوائد المستفادة من القصة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فمن قصص القرآن العظيم قصة أصحاب الكهف قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ۝ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 9-10]، وهذا النبأ العجيب الذي قصه الله علينا في هذه السورة الكريمة في نصف القرآن الكريم، هذه السورة التي من قرأ فواتحها على المسيح الدجال عصم من شره، وذلك لما فيها من هذا النبأ الذي أخبرنا الله به.

الإلتجاء إلى الله

00:01:12

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [الكهف: 10]، إنهم شباب صغار، فتية في ريعان الشباب، يجئرون إلى الله بالدعاء، أن يهيئ لهم من أمرهم رشدًا، أن يثبتهم ويحفظهم من الشر، وأن ييسر لهم كل سبيل يوصل إلى الخير، ويوصد عنهم كل طريق يأتي منه الشر، وفي هذا مشروعية الدعاء، في حال المحنة والفتنة العبد يلجأ إلى الله،فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام: 43].
وحال هؤلاء الفتية الذين فروا ولجوا إلى الله يقولون: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10]، فجمعوا بين الفرار من الفتنة وبين التضرع، وسؤال الله أن ييسر أمورهم، إنهم لم يتكلوا على أنفسهم بل اتكلوا على ربهم ، وكان النبي ﷺ عندما اشتد به الأمر يقول: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك [رواه البخاري: 2915].
اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض [رواه مسلم: 1763]، وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه ﷺ، وكذلك موسى لما اشتدت عليه الأمر، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ۝ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[الشعراء: 61-62].
إبراهيم لما جاءت اللحظة الحرجة، وألقي في النار قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173]، هذه الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها أصحاب محمد ﷺ حينما قيل لهم: إِنَّ النَّاسَ [آل عمران: 173]، أي: الكفار قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران: 173]، وسيعيدون الكرة عليكم بعد الهزيمة التي صارت في أحد، ويستأصلونكم.
لماذا يلجأ المؤمنون إلى الله في الشدة؟
لأنه هو كاشف الضر ، وإذا كان الله هو الذي يملك الخير، ويكشف الضر، ويجلب النفع، لا يفعل ذلك إلا الله، فلما لا يلتجئ العباد إليه في أوقات الشدة.

الفرار بالدين

00:03:43

فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا [الكهف:10].
إذًا هؤلاء فتية كانوا في بلد -أهل البلد على الشرك، بالقوة يحملون عليه حملاً- هداهم الله إلى التوحيد واحدًا بعد واحد، ما كانوا في عائلة واحدة، وإنما تعرف بعضهم إلى بعض، ما الذي جمعهم؟ التوحيد.
هؤلاء الفتية الذين اجتمعوا على الخير، واجتمعوا على الحق، هؤلاء لما رأوا اضطهاد قومهم، وأنهم سيحملونهم على الشرك بالقوة آثروا الفرار بدينهم، إن ترك البلد صعب، إن هجرة الوطن صعبة، إن مفارقة الأهل عسيرة، ولكن الله ييسر على أهل الحق عندما يهاجرون ابتغاء وجهه، والذي عمله هؤلاء الفتية في الحقيقة هو نوع من الهجرة، لأنهم تركوا وطنهم لله، فارقوا بلدهم لله، تركوا أهلهم لله، وخرجوا اجتمعوا في ذلك المكان، والله جعل قصتهم عبرة، وجعلها ممتدة موجودة في الأجيال، حتى سأل اليهود رسول الله ﷺ عن فتية كانوا في الزمن الغبار ما نبأهم؟ ما خبرهم؟ وما الذي جمعهم؟
الحق التوحيد الدين، هؤلاء القوم أرواح مجندة تعارفت فتآلفت، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ [الكهف: 13]، وصفهم بالفتوة، قال أهل العربية: رأس الفتوة الإيمان، ما معنى رأس الفتوة الإيمان؟ إن كلمة فتية من جموع القلة في اللغة العربية، وجموع القلة يعني: أقل من عشرة، قال إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ، وفتية من صيغ جموع القلة، إنهم دون العشرة، وسيأتي في التحقيق أنهم سبعة، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا[الكهف: 10].
فالله ثبتهم، والله صبرهم، والله هداهم ودلهم على الحق والحقيقة، فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فهو الذي خلقنا، ورزقنا، ودبرنا، وربانا، ليست الأوثان، ولا الأصنام، لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا لو قلنا بمثل ما يقول قومنا لبعدنا عن الصواب، صارت القضية شطط، إن أصحاب الفطرة السليمة يستدلون بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ما دام الرب هو الخالق الرازق إذًا هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الكهف: 15].
يشكون إلى الله أمر قومهم المشركين، اتخذوا آلهة من دون الله بدون دليل، لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ [الكهف: 15] أين الدليل على أن هذه الأصنام آلهة؟ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ۝ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء: 72-73]، ما هو الحل إذًا إذا أطبقت الجاهلية على البلد، وصار الجميع على الباطل، ولم تنفع النصيحة، ولم تفد الدعوة، ولا يلد إلا فاجرا كفارًا؟ ما هو الحل؟ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ [الكهف: 16].
نحن نخشى على أنفسنا من قومنا، وقومنا لا يستجيبون، فما هو الحل؟ لو بقينا معهم فتنونا عن ديننا عذبونا، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ [الكهف: 16]، الهجرة ترك البلد وما يعبدون، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [الكهف: 16]، فإنه معكم وأنتم معه تعبدونه، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الكهف: 16].


إذًا هناك حسن ظن بالله أن الله لا يخيب من لجأ إليه، وأن الله لا يتخلى عمن آوى إليه، يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الكهف: 16].
هذا هو حسن الظن بالله، وعدم اليأس من رحمة الله، قال: وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا [الكهف: 16]، فهم يعتزلون أديان أهل الأرض إلا عبادة الله، وهم يتبرؤون من كل إله سوى الله، ويستشعرون معية الله للمؤمنين، ويدعون ربهم رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10].

عناية الله بهم في الكهف

00:09:12

لما دخلوا إلى الكهف ليختبئوا فيه، ويأْوُوا إليه، والإنسان يحتاج إلى مأوى، ذهبوا إلى البرية فما الذي يحميهم من وحوش كاسرة، أو أعداء، أو يختبئون من قومهم؟
الحل هذا الكهف، ولكن الله شاء أن يلقي عليهم النوم في الكهف، والله يلقي النوم على عباده للطمأنينة، كما ألقى النوم على الصحابة في بدر حتى أن ذقن أحدهم تضرب في صدره من النوم الذي نزل وغشيهم، وأصحاب الكهف ألقى الله عليهم النوم أيضاً، النوم راحة للأجساد، وطمأنينة للقلوب، ولذلك ألقى الله النوم على أصحاب الكهف، ولكن لا بدّ من حفظ بأسباب، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ [الكهف: 17].
فهي تميل يمينًا عنهم عن الكهف، وعند غروبها تميل شمالاً لئلا ينالهم الحر مباشرة، فتفسد الأبدان، وأين كانوا؟ في فجوة منه في متسع من الكهف؛ ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم التأذي بالمكان الضيق مع طول المكث، والله يحفظهم بحفظه، فيسر لهم هذا الكهف، وجعل الشمس تميل عنهم يمينًا وشمالاً لئلا ينالهم حرها مباشرة، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف: 17].
وهذا الحفظ صار بالنسبة لهم نومًا، وأعينهم مفتوحة لم تنطبق لئلا يسرع إليها البلا، لأنها إذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها، ولذلك قال الله: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ[الكهف: 18]، فالأعين مفتوحة، وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف: 18]، فلو لم يقلبهم لأكلتهم الأرض، ولتعفنت أجسادهم، وهذا من حفظ الله لأبدان أوليائه الصالحين، الله يحفظ أولياءه، كما قال النبي ﷺ: يا غلام احفظ الله يحفظك [رواه الترمذي: 2516، وصححه الألباني صحيح الجامع: 7957].
فهؤلاء لما حفظوا الله حفظهم الله، فحفظ أبدانهم، وجعل لهم هذا الحارس على باب الكهف، وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف: 18].


فهو جالس خارج الباب، والملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة [رواه البخاري: 3225، ومسلم: 2106]، ولذلك لم يكن في الداخل، وإنما كان في الخارج، فأين هذا من الذين يقلدون الكفار اليوم بإدخال الكلاب إلى بيوتهم بدون حاجة، وإنما تقليد للغرب، وربما وقفت العروس بيدها باقة الزهور، وبيدها الأخرى حبل الكلب، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف: 18].
ليس هذا بسبب أن شعورهم طالت جداً، أو أظفارهم طالت جداً كما يظن البعض، ولكن لأن الله ألقى عليهم هيبة، فلا يراهم أحد إلا خاف منهم، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ [الكهف: 18 ليس لارتعبت، وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف: 18].
إذًا هذه المهابة والخوف الذي يلقيه الله في نفس من اطلع عليهم لئلا يمسهم بسوء، لو واحد جاء وألقى عليهم نظرة لفر فرارًا، وملأ رعبًا مما جعل الله لهم من الهيبة، ويحسبهم الناظر أيقاظ، حفظهم الله بالرعب الذي نشره في قلب من يطلع عليهم.

خروجهم من الكهف

00:13:52

وشاء بعد ثلاث مائة وتسع سنين أن يبعثهم من رقدتهم الطويلة، وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف: 19].
وهذا مما يدل على أن الله حفظ أشكالهم، لو كانت الأظافر طويلة جداً، والشعور طويلة جداً، إذًا لقالوا: نحن لبثنا عشرات السنين أو مئات السنين، لكن كانت مناظرهم طبيعية، ولذلك لما تساءلوا بينهم كم يا ترى نمنا؟ وكم لبثنا في الكهف؟ كان الجواب يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ[الكهف: 18].
إذًا هم لم يحسوا بشيء غير عادي، وهذا مبني على الظن والاشتباه، ولذلك لما ما حددوا بدقة كم ردوا الأمر إلى الله، قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ [الكهف: 19].
وهذا رد الأمر إلى الله فيما لا يعلمه الإنسان من أدب المسلم مع ربه، ومن اشتبه عليه علم ما لا يعلم رده إلى عالمه المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، وهو علام الغيوب الله ، لكن المهم ما هو الآن بعدما استيقظوا من النوم ليس المهم كم لبثوا؟
وإنما المهم العدو الذي اختفوا منه، لقد اختفوا من قومهم فاحرصوا ألا يروكم ولا يشعروا بكم إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [الكهف: 20] ويطلعوا عليكم، يَرْجُمُوكُمْ [الكهف: 20]، ويقتلوكم، أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ [الكهف:20]، بالإكراه، وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 20]، لو رجعتم في الكفر بعد إذ أن أنقذكم الله منه، لكن الله شاء بحكمته أن يجعل الناس يعثرون عليهم ويكتشفونهم، ويعرفون قصتهم، وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ[الكهف:21]، أطلع الله الناس على حال أهل الكهف، وأراد ربنا أن ينشر فضيلتهم، أراد الله أن ينشر فضلهم، وأن يعرف الجميع حالهم، ولذلك لما شعروا بالجوع وأرادوا طعامًا أوصوا واحدًا منهم أن يذهب بهذا الورق الفضة فيشتري لهم طعامًا، ويستخفي، ويخف أمرهم خشية أن يعرف بهم القوم؛ لم يكونوا يعرفون أن قومهم قد ماتوا، وجاءت أجيال، لكن بقيت القصة موجودة في الأجيال.
فلما استيقظ القوم أهل الكهف في جيل عنده خبر ممن مضى أن هناك فتية خرجوا من البلد، واختفوا ولا يدرى ما حالهم، خرج مجموعة من الشباب من البلد، واختفوا وانقطعت أخبارهم، هذا الكلام بقي موجودًا في الجيل الذي بقي كان في وقتهم بعدما استيقظوا، قيل: إن الورق أو الدنانير والدراهم كانت تضرب مصكوكة حسب الحاكم وتاريخ ذلك الوقت، فلما ذهبوا ليشتروا بالمال الذي معهم، يفاجأ البائع أن هذه الدراهم قديمة مضروبة، هذه أثرية، هذه نقود أثرية، هذه عملات نادرة، فكان هذا الذي لفت النظر واشتهر الأمر، وانتشر الخبر هذا من المفقودين، هذا من الشباب الأولين، وتسامع الناس، وجاءوا واجتمعوا وعرفوا الخبر، فعظموهم وأكرموهم، ولما ماتوا قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ [الكهف: 21] أي أولياء الأمر في ذلك البلد، لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21].

حكم بناء المساجد على القبور

00:18:43

وليس هؤلاء الحكام في ذلك الوقت من أهل الدين حتى يقال، كيف بنوا مشهد على القبر، ليسوا حجة، قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ [الكهف: 21]، يعني أهل السلطة غلبوا قرار، لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21]، سنبني مسجدًا على قبورهم، وشرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إذا تعارض مع شرعنا، وبما أن شرعنا قد جاء بعدم جواز البناء على القبور، فحتى لو كان موجودًا في شرع من قبلنا جواز البناء على القبور فإن شرعنا قد جاء بخلافه، لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد [رواه البخاري: 1390، ومسلم: 529]، أولئك كانوا إذا كان فيهم الرجل الصالح مات بنوا على قبره مسجدًا [رواه البخاري: 427، ومسلم: 528]، قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21].

الحكمة من العثور عليهم

00:19:42

لكن لماذا أعثر الله عليهم؟ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا [الكهف: 21]، وأنه مهما مات الناس، ومهما بقوا في القبور فإن الله سيبعثهم، وهذا مشهد يقرب الأمر، ناس ناموا ثلاثمائة سنة وبعثهم الله، فالذي ينام أكثر من ذلك يموت، فإن الله يبعثه، الرقدة التي في القبر يبعث الله أهلها.

عدد أهل الكهف

00:20:13

كم عددهم؟ أهل الكتاب عندهم مماراة، وعندهم جدل، وعندهم نقاشات كثيرة في الموضوع، سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22].
الله حكى ثلاثة أقوال، في اثنين منها قال: رَجْمًا بِالْغَيْبِ [الكهف: 22]، والثالث ما قال عنه: رجما بالغيب، ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنا من القليل". [فضائل الصحابة لأحمد: 1557] مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف: 22]، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، لماذا لأن الله لما حكى الأقوال حكى ثلاثة أقوال فقط.
القول الأول: ثلاثة رابعهم كلبهم.
القول الثاني: خمسة وسادسهم كلبهم.
القول الثالث: سبعة وثامنهم كلبهم، في قولين منها أتبعه بأنه رجم بالغيب، كلام بغير دليل، سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22]، لا يوجد إلا ثلاثة أقوال: اثنان منها رجم بالغيب، فمعناه الثالث هو الصحيح، وعلى أية حال لو قال قائل: الآن نحن عرفنا، نقول: ولو عرفنا سيبقى الذين يعلمونهم بالنسبة للذين لا يعلمونهم قليل، مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا[الكهف: 22] يعني: خفيفًا، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف: 22].
إذًا أهل الكتاب هؤلاء لا يؤخذ عنهم العلم، ولا يجوز استفتاؤهم، ولا اللجوء إليهم، ولا الذهاب إليهم لطلب العلم، المقصود علم الدين، وعلم أنباء من قد سبق، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ في أهل الكهف، مِنْهُمْ من أهل الكتاب أحداً.

الفوائد المستفادة من القصة

00:22:41

وقد كانت هذه القصة العجيبة بدلالاتها وفوائدها وعبرها، آية للمؤمنين، يعرفون بها كيف ينال أهل الخير البركة بصحبة الأخيار، من صاحب الأخيار ذكر معهم، وهؤلاء صار لهم شأن بل إن كلبهم قد ذكر في القرآن لأنه صحب الأخيار، فإذا كان كلب صار بهذه الدرجة لمخالطته أولياء الله الصالحين وحراستهم، فما ظنك بالمؤمنين المحبين للصالحين الذين يخالطونهم.

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة

[ديوان الشافعي: 8].
ولذلك فرح الصحابة فرحًا شديدًا جداً بحديث النبي ﷺ: أنت مع من أحببت، وقال قائلهم: أنا أحب النبي ﷺ وأبا بكر وعمر، ولم أعمل بعملهم، وأرجو أن أحشر معهم" [رواه البخاري: 3688، ومسلم: 2639]، لأن النبي ﷺ قال: أنت مع من أحببت فهذه فائدة محبة الصالحين، ومخالطة الصالحين، وصحبة الصالحين والأخيار، وأن يكون الإنسان معهم لقد خلد الله ذكر الكلب في القرآن لأنه صحب الصالحين، فما بالك بمن كان من أهل الإيمان والدين وصحب الصالحين، فكيف أثرت الصحبة في البهائم فإنها تؤثر في الأخيار في الأبرار من باب أولى، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم [رواه البخاري: 6408، ومسلم: 2689]، المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل [رواه أبو داود: 4835، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 927]، فلنحرص على مجالسة الأخيار، ومؤاخاة الأبرار، ومحبة الصالحين، والخلطة بالمتقين، لعل الله يحشرنا معهم يوم الدين.
وقال أحد السلف: مثل الأخ الصالح إن أهل الرجل إذا مات يقسمون ميراثه ويمتعون بما خلف، والأخ الصالح ينفرد بالحزن مهتمًا بما قدم أخوه عليه، وما صار إليه يدعو له في ظلمة الليل، ويستغفر وهو تحت أطباق الثرى"، يعني: أن الأخ الصالح يدعو لأخيه الذي مات، وربما يكون أهله همهم في ماله وتركته، وإرثه وبيته لا يلتفتون إليه، ولا يهتمون به، كما يهتم به أخوه الصالح.
وكذلك فإننا نرى من هذه القصة أن مدة اللبث كانت ثلاثمائة سنة، وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [الكهف: 25]، بعضهم قال: ثلاثمائة سنة شمسية تساوي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية، لكن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ [التوبة: 36]، بأي تقدير الله الأشهر عند الله المعتمدة عند رب العالمين الأشهر القمرية، وإلا الشمسية يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة: 189]، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ[التوبة: 36].
ما هي الأربعة الحرم عند الله: إنها ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، أما أشهر الحج فهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، إنما الأشهر الحرم: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم متوالية، ورجب الفرد، المسمى: برجب مضر، لأنهم كثيرًا ما كانوا يعظمونه في الجاهلية، إذًا لبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين قمرية، هذا هو الأصل، قال بعضهم: ثلاثمائة في الكهف وتسعة بعدما خرجوا من الكهف.
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف: 26] ثلاثمائة وتسعة بالنسبة لنا كعبرة، لا يهمنا ثلاثمائة وثلاثمائة وتسعة، المهم ما انطوت عليه القصة من الفوائد العظيمة والجليلة القيمة الكبيرة، في هذه الدروس العظيمة التي انطوت عليها القصة كيف أن الشباب أهل الإيمان أسرع إقبالاً على الحق من الشيوخ؟


كيف أن الله إذا هدى الشباب تمسكوا أكثر من غيرهم، وكان أصحاب محمد ﷺ أكثرهم شبابًا، أسرع في الاستجابة للدعوة لأن الشيوخ قد عتوا في الباطل، واستمروا عليه فترة طويلة، فلذلك كان تأثرهم قليلاً، وأكثر من تابع النبي ﷺ من الشباب.
نرى من القصة كيف أن الإيمان يزيد وينقص، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13].
نرى من القصة كيف يتعارف المؤمنون ويجتمعون عندما تكون العقيدة واحدة يكون الطريق واحدًا، عندما يكون التوحيد يوحد الصفوف، فإن هؤلاء يجتمعون بغض النظر عن قبائلهم وأنسابهم وبلدانهم جنسياتهم، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
إن الجنود المجندة التي تتآلف وتتعارف ما كانت على العقيدة الواحدة والدين الواحد، فأهل الخير يتعارفون ويتألفون ولو كانوا من بلدان شتى، فإذا رأيتم في الحج بمجرد ما تعرف أن هذا إنسان مسلم على الدين والتوحيد والعقيدة الصحيحة كأنك تعرفه من زمان، وهكذا تآلف أصحاب الكهف.
ثم الصدع بالحق أمام أهل الباطل هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الكهف: 15]، وقرروا الخروج من الفتنة، واعتزال الكفر وأهل الكفر.
إذًا عزلة المسلم وفراره بدينه من الفتن هذه سنة متبعة، من زمان أن المسلم يفر إذا عجز عن مواجهة هؤلاء بدينه منهم، والنبي ﷺ لما يئس من كفار قريش خرج منهم، ومعه أبو بكر الصديق، وكذلك المهاجرون تركوا ديارهم وأوطانهم وأموالهم ودورهم، تركوا أقاربهم وقبيلتهم، وأووا إلى المدينة، كما أوى هؤلاء إلى الكهف، إن العزلة في مكان بعيد عن الناس عندما تملأ الأرض كفرًا هي مرحلة زمنية معينة، أخبر عنها النبي ﷺ وقال: يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنمًا يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر المطر يفر بدينه من الفتن [رواه البخاري: 18].
إذًا يأتي على الناس وقت الفرار بالدين من البلد متعين لأن الكفر يطبق، حتى يأذن الله بالفرج.
والقصة تدل على اتخاذ الأسباب المشروعة، وتدل على البركة في رفقة أهل الخير، وتدل هذه القصة على الحث على العلم، والمباحثة فيه مع أهله، أما إذا كانوا جهلة أو يدعون العلم وليس عندهم علم؛ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف:22]، فلا يجوز استفتاء الجاهل، ولا من ليس عنده علم.
ويجب على المسلم الكف عن الخوض فيما لا يحيط به، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء:85].
والقصة فيها فائدة فقهية في جواز الوكالة في البيع والشراء، لو قال قائل: ما حكم الوكالة في البيع والشراء؟ دلت القصة على مشروعية الوكالة وجواز الوكالة، من أين نأخذها؟ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ[الكهف:19] الورق الفضة، بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا [الكهف: 19].


إذًا يأتي به وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا[الكهف: 19] يعني: لو اشترى رز مثلاً يكفي عدد كثير، ولا يلفت النظر، هناك أطعمة تكشف عدد الآكلين، وهناك أطعمة إذا اشتريتها لا تكشف عدد الآكلين، ولذلك هؤلاء قالوا وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا [الكهف: 19].
فليشتري طعامًا لا يكشف عدد الأشخاص حتى لا يعثر عليهم، فالقوم يأخذونهم ويفتنونهم ويعذبونهم، وكذلك فإن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد، بل استدل العلماء بهذه الآية على جواز الشركة: لأن الورق كان للجميع، فكأنهم قد وضعوا أموالهم في محفظة واحدة، فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ [الكهف: 19].
فصار هذا مجموع المال، فدلت الآية على جواز الشركة، فلو قال قائل: ما حكم الشركة؟ فيقال: جائزة، وهذا الدليل من الأدلة لو قال قائل: ما حكم اجتماع الأشخاص باشتراكات نقدية ليشتري منها طعام للجميع؟ قالوا: نجتمع مجموعة طلاب، أو مجموعة عمال، بعضهم يسميها عزبة، وبعضهم يسميها قطية؟ الآن كل واحد يدفع مثلاً شهريًا مائة ريال، ويشترى من الصندوق هذا كل يوم وجبة غداء للمجموعة، فيهم من يأكل كثير وفيهم من يأكل قليل، فهل يجوز؟ هذه هل فيها ظلم؟ هل فيها غرر وجهالة لأن بعضهم يأكل أكثر من بعض؟ فيكون واحد اعتدى على حق الآخرين؟ الجواب: لا، من الأدلة هذه الآية، فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ [الكهف: 19].
يشتري طعامًا للجميع، إذًا اشتركوا، هذه عند العلماء تسمى المناهدة، وهي أن يجمع الرفقاء في الرحلة، نريد أن نذهب في رحلة عمرة عشرة أشخاص، ادفعوا اشتراكات، كل واحد يدفع مائتين ريال منها بنزين، منها وحبات، منها استئجار مكان، إذًا هذه المناهدة اشتراك الإخوة في الله مع بعض، لا بأس بها، ولو أكل بعضهم أكثر من بعض، لماذا لأن قسمة الأشياء المشتركة بين الإخوان مبنية على المسامحة، لأن كل واحد منهم مسامح للثاني لو أخذ من نصيبه شيئًا، إذًا المناهدة القطية هذه مبنية على المسامحة، فلا خرج عليهم، قال تعالى عن الأيتام: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220] في الدين، طيب الواحد إذا كان أخذ من مال اليتيم وأخذ من ماله وخلط، وأتى بأكل للبيت ممكن يعني هو يأكل أكثر من اليتيم، ممكن اليتيم يأكل أكثر، لكن إذا أكل أكثر من اليتيم بدون ما يحس فهل عليه حرج؟ قال تعالى: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة: 220].
معناها لا خرج عليكم، لأن الإخوة الإسلامية تتحمل قضية إن الواحد يأخذ أكثر من واحد في الشيء المشترك ما داموا راضين، والأمور مبنية على المسامحة.
ودلت على التحرز والاستخفاء عند الفتن أن الإنسان يستخفي، ولذلك موسى لما خشي عليه جاء رجل ناصح من أقصى المدينة، يهمه مصلحة موسى، قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص: 20].
فخرج إذًا القصة فيها مشروعية الاختفاء، والخروج فرارًا من العدو، ولكي يبذل الإنسان أسباب السلامة، إذًا اختفى بعض الأئمة، الإمام أحمد، وسفيان الثوري، وغيرهم اختفوا لما طلبوا طلبهم بعض السلاطين فاختفوا، ومن الأدلة أن النبي ﷺ اختفى في الغار مع الصديق، وأهل الكهف اختفوا في الكهف من قومهم أهل البطش.
وفي هذه القصة حسن تعويض الله لمن ترك شيئًا له، لقد ترك هؤلاء الفتية أهلهم وبلدهم ودورهم، ولكن الله عوضهم بالإيمان والدين، وخلد ذكرهم في كتابه، خلد ذكرهم، قصة تقرأها الأجيال إلى قيام الساعة، وكذلك نجد في هذه القصة أن الإنسان مأمور بذكر الله عند النسيان؛ لأن الله قال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: 24].
فذكر الله يقوي الذاكرةـ وذكر الله يحفظ من المعاصي، إذا نسيت: نسيت الله وإذا نسيت أي شيء اذكر ربك إذا نسيت، فهذه طائفة من الفوائد والعبر التي اشتملت عليها هذه القصة.
نسأل الله ﷺ الفقه في كتابه، وأن يجعله لنا شفيعا يوم الدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.