الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

16- الأربعون القلبية 16، شرح حديث (ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ)


عناصر المادة
نص الحديث
شرح الحديث

نص الحديث

00:00:02

الحديث السادس عشر:
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي ﷺ قال: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم [رواه الترمذي: 2658، وأحمد: 21630، وهو حديث صحيح].

شرح الحديث

00:00:38

نضر الله امرأ النضرة الرونق، حسن المنظر، البهجة.
نضر الله دعاء من النبي ﷺ بأن ينضر وجه من يبلغ حديثه للناس، وأن يجعل في قلبه البهجة والسرور، النضرة والحبور؛ لأن الله رزقه علمًا فاستعمله في نفع الخلق.
نضرالنضرة، دليل رخاء، ورفيف النعمة.
نضر الله قيل: وجهَّه في الناس، يعني جعله وجيهًا.
قيل: حسن حاله، جمل وجهه، نضره، نعمه.
لماذا؟ سمع مقالتي فوعاها، وحفظها وبلغها.
إذًا، هذا إنسان سمع الحديث ففهم معناه: فوعاها.
ثانيًا: حفظها.
ثالثًا: بلغها.
هذا الدعاء لإنسان قام بالثلاثة، يحفظون السنن، سنن النبي ﷺ بوعي وفهم ويقظة، ثم يبلغونها بأمانة.
وهذا الحديث أحد الأسباب التي اعتمد عليها الإمام النووي-رحمه الله- في جمع أربعينه "الأربعين النووية".
من قام بهذه المراتب الثلاثة رزقه الله جمال الظاهر والباطن؛ لأن النضرة؛ البهجة والحسن على الوجه، وبالتأكيد تتضمن في الداخل في القلب فرح القلب، سرور القلب، لذة القلب، ابتهاج الباطن، فجمع الله له بين البهجة والسرور والنضرة، وقال الله عن نعيم أهل الجنة: فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا[الإنسان: 11] نضرة في الوجه، وسرور في القلب.
النعيم وطيب القلب يظهر على الوجه، نضارة، قال تعالى عن أهل الجنة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ [القيامة: 22].
وقال: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين: 24].
-طيب- هذا الدعاء نضر الله لمن حافظ على سنته، وفهم سنته، وحفظ سنته، وبلغ سنته، سعى في نشر السنة بين الناس، هذا من تجديد الدين، مجازاة له كما جدد الدين، ونشر السنة في العالمين؛ أن يجدد الله في وجهه هذه النضرة، ويعيد الرونق إلى وجهه والحسن، قال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: "ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة" [سنن ابن ماجه: 1/84] لدعوة النبي ﷺ.
وفي الحديث: بيان فضل العلم، ونشر السنة، وشرح الأحاديث، وتبليغ الأحاديث، وحفظ الأحاديث، العمل بالأحاديث، قال ابن القيم: "ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا وحده لكفى به شرفًا، فإن النبي ﷺ دعا لمن سمع كلامه ووعاه وحفظه وبلغه" [مفتاح دار السعادة: 1/71].

قوله: فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ينقل الدليل شخص إلى شخص يفهم منه أكثر من الناقل، وهذا من فوائد التبليغ: أن يستفيد المبلَغ، وقد يكون له فهم ووعي وفقه أكثر من المبلِغ، فتحصل الفوائد العظيمة، تحصل استنباطات تستفيد الأمة من الاجتهادات المأخوذة من الأحاديث.
والشاهد من الحديث: ثلاث لا يُغل عليهن قلب مسلم لا يُغل من الإغلال، الخيانة.
وفي رواية: لا يَغل.
أما بالنسبة: يُغلمن الإغلال وهي الخيانة.
وأما بالنسة ل يَغل بفتح الياء من الغل، وهو الحقد والضغينة.
ما هو الفرق بين الغِل والغُل؟
الغُل هو القيد، بضم الغين، القيد، الأغلال، جمع غُل.
أما الغِل، بكسر الغين، الحقد، الضغينة.
لا يَغل لا يدخله ضغينة تزيله عن الحق.
فهذه الخلال تستصلح بها القلوب، ومن تمسك بها طهر الله بها قلبه من الشر والفساد.
هذه الخصال تنفي الغل، قال ابن القيم: "لا يبقى فيه غل" من عمل بها، نفى وطرد الغل، وأخرجه من قلبه، ولن يحمل قلبه غلاً، بل إن هذه الثلاثة تنقي القلب من الغل، فالقلب يَغل على الشرك، ويَغل على الغش، يَغل على البدعة والضلالة، وهذه الثلاثة: الشرك، والغش، والخروج عن جماعة المسلمين، تملأه دغلاً وغلاً، فإذا جرد الإخلاص والنصح، وتابع السنة؛ نفى ذلك[ينظر: مدارج السالكين: 2/90].

وقوله: لا يَغل أو لا يُغل عليهن قلب مسلم فيها أثر هذه الأشياء في القلب، إخلاص العمل لله أولاً، وهذا مطلوب في كل عبادة، ومطلوب في كل عمل صالح، ولن يكون العمل صالحًا إلا بركنه الأول، وهو: الإخلاص: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110].
إنما الأعمال بالنيات [رواه البخاري: 1].
قال العلامة الطيبي -رحمه الله-: "الخيانة في إخلاص العمل هي رؤية الغير" [شرح الطيبي على مشكاة المصابيح: 2/685] يعني وأنت تعمل لا تنظر إلى عين بشر، اعمل لله، لا يهمك نظرة إنسان، لا تراعِ ذلك: وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110].
قال النبي ﷺ كما في الحديث القدسي: قال الله -تبارك وتعالى-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه [رواه مسلم: 7666].
عندما يُصرف ويخرج هذا من القلب، فإن القلب يسلم، يصبح صحيحًا، الصحة القلبية، صحة القلب؛ كما قال تعالى: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24] فلما أخلص قلبه لربه صرف الله عنه دواع الفحشاء، وصرف عنه التعلق بالفاحشة، والوقوع فيها، ولما قال إبليس: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82] استثنى قال: إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينََ[ص: 83] فالإخلاص هو سبيل الخلاص، والإسلام مركب السلامة.
-طيب-: إخلاص العمل لله هذا واحد.

ثانيًا: مناصحة أئمة المسلمين فمن نصح الأئمة والأمة، برئ من الغل.
ولزوم جماعة المسلمين القائمة بالحق، التي تحكم بالشرع، لهم إمام لا يجوز الخروج عليه، بل إن السبيل في التعامل معه ومعهم: المناصحة، وهذه المناصحة تخرج الغل، تبعد الفساد عن القلب، ولزوم جماعتهم كما جاء في الحديث -يعني جماعة أهل السنة- وسموا أهل السنة والجماعة لاجتماعهم على السنة. لماذا سموا أهل السنة والجماعة؟
السنة الطريقة النبوية المحمدية، محمد ﷺ والجماعة؛ لأنهم اجتمعوا عليه، ما تفرقوا مثل أهل الأهواء، متفرقين، أحزاب، متناحرين متدابرين، لا، كلهم مجتمعين على هذه السنة، لكن لما ترى الفرق: رافضة! خوارج! معتزلة! قدرية! مرجئة! جبرية! وهكذا.. خلاص! فَرَّقُوا دِينَهُمْ: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 32].
وإذا جئت كذلك إلى هذه الطرق الصوفية الذين يقدسون مشايخهم تقديسًا، ويجعلونهم فوق مرتبة الأنبياء بعضهم، ومتناحرين!ما يرضى الواحد يذهب إلى شيخ الثاني! هذه المصيبة الكبيرة: رفاعية! قادرية! نقشبندية! عيدروسية! الكمالية! المرسية! البدوية! خلاص، فرقوا المسلمين، المسلمون أمة واحدة، جماعة واحدة، أهل السنة، الطائفة الناجية، هؤلاء يوم القيامة الله يقول: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء: 71] أسعد الناس من يدعى بمحمد ﷺ: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء: 71] فلما يقال: يا أتباع محمد ﷺ! هنا السعادة.

ومن هم هؤلاء؟
الذين يتبعون السنة، يعني عندهم القرآن وشرح القرآن، وهو الأحاديث، مكبين على السنة، وين الأحاديث؟ أيش صحتها؟ ما شرحها؟ كيف العمل بها؟ كيف تبليغها؟ هذا شغلهم، ولذلك تظن يعني -مثلاً- أن أئمة الحديث هؤلاء يعني ابتداءً من كبار الرواة يعني أبو هريرة وعائشة وابن عمر وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وعبد الله بن عمرو، أنس، ثم من بعدهم يعني من كبار الرواة؛ سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وعلقمة، وإلخ.. وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي، والزهري، وشعبة بن الحجاج، والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدار قطني، والبيهقي والطبراني، هؤلاء أهل الحديث، أهل السنة هؤلاء، هؤلاء نضر الله امرأ الذي جلس طول عمره يجمع في صحيح البخاري كم سنة؟ يحفظ له ألف ألف حديث وستمائة ألف حديث، يختار منها حتى يخرج لنا هذا الصحيح، يعني بدون المكررات، يعني قرابة ثلاثة آلاف حديث.
قال: النصحمناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهمشبه دعوة المسلمين بالسور والسياج، المانعة من دخول العدو عليهم، فمن لزم جماعة المسلمين، أهل السنة، أحاطت به تلك الدعوة، هذه الدعوة تجمع تشمل الأمة، تلم شعث الأمة.

هذا الحديث فيه الحرص على الإجماع والحرص على الاجتماع، وتعلم شرائع الإسلام ونقلها إلى الغير، وتناقل الأحاديث، ونشر الأحاديث، يعني كل ما جاءك حديث صحيح من موثوق أو جهة موثوقة، أو كتاب موثوق، أو عالم موثوق، وسارعت إلى نشره في وسائل النشر هذه الآن: مواقع التواصل، ووسائل النشر الإلكتروني، هذا داخل في الحديث.
وكذلك لما يحس الإنسان المسلم أن المسلمين إخوانه، وأن الجماعة واحدة، سواء كان في العراق في الشام في اليمن، الحجاز الهند السند، المغرب، كله، كلهم.

وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني

تخيل الآن حديث: التحياتكل يوم نحن ماذا نفعل؟
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين [رواه البخاري: 831، ومسلم: 924] وندعوا لهم في كل صلاة.

هذه الثلاث خصال في الحديث تجمع أصول الدين وقواعد، تجمع الحقوق، تنظم مصالح الدنيا والآخرة، فحق الله، وحق لعباده، وحق الله أن تعبده لا تشرك به شيئًا، وهو معنى إخلاص العمل لله، وحقوق العباد قسمان: خاص وعام، الخاص بر كل إنسان والديه، حق زوجته عليه، ونحو ذلك، وحقوق العامة الناس نوعان: رعاة ورعية، حقوق الرعاة: مناصحتهم، تدلهم على الخير، تحذرهم من الشر، تأمرهم بالمعروف، تنهاهم عن المنكر، تعينهم على الحق، والعامة تعلمهم، تعظهم، تتعاون معهم على الخير: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].
النصيحةلمن يا رسول الله؟ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم [رواه مسلم: 205] هذه هي المناصحة، ولزوم الجماعة.
والنصيحة الخاصة لكل مسلم: أن يؤدي إليه الحق؛ إذا رآه على منكر وعظه، ورآه على معروف شجعه، وأيده، شاركه.
وسنأتي بمشيئة الله -تعالى- على بقية الأربعين.